- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
عبد الحليم قنديل يكتب: السباق على رفح
عبد الحليم قنديل يكتب: السباق على رفح
- 17 فبراير 2024, 11:06:45 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في اللحظة الراهنة من الحرب الجارية بالمنطقة، لا تبدو عملية غزو رفح قضية معزولة، ولا محصورة في الضيق الخانق لمساحة رفح، التي لا تزيد على ستين كيلومترا مربعا، ولا في الآثار المروعة المتوقعة، مع تكدس نحو مليون ونصف المليون فلسطيني، أغلبهم نازحون من شمال قطاع غزة والوسط، يعيشون في العراء بالمعنى الحرفي، وأي عمل عسكري همجي عليهم مما تعوده كيان الاحتلال، سيؤدي غالبا إلى مجزرة غير مسبوقة في تاريخ الحروب، تقفز بعدد شهداء وضحايا ومفقودي حرب الإبادة الجماعية على أهل غزة، من نحو مئة ألف اليوم إلى مئات الآلاف، وهذا أول خاطر يرد على البال، وتنشغل به الدنيا كلها، وإن كانت هناك أبعاد أخرى أخطر.
فقد تحولت عملية رفح المزمعة إسرائيليا إلى سباق لاهث بين اللاعبين كافة، فواشنطن تريد تأجيلها، بدعوى ضرورة تنظيم إخلاء واسع للمدنيين قبل الشروع فيها، وأطراف إقليمية، لعل أهمها مصر، تريد توقي العملية برمتها، ولها مخاوفها المفهومة، فهي تعتبرها تهديدا مباشرا لأمنها القومي، وتخشى من دفع مئات آلاف الفلسطينيين إلى تهجير اضطراري نحو سيناء، هربا من القتل، فوق أنها تعتبر التهجير لو حدث تصفية للقضية الفلسطينية، وقد اتخذت القاهرة، عددا من الإجراءات المعلنة والمخفية، وإن كانت تحرص على تسجيل موقف سياسي متعدد الوجوه، لا تهدد فيه بتعليق أو إلغاء ما تسمى معاهدة السلام، وتستبقي لنفسها دور وساطة لإيقاف الحرب، عبر مفاوضات غير مباشرة بين «حماس» وكيان الاحتلال، انتقلت من باريس إلى القاهرة، ومن دون أمارات أكيدة على نجاح نهائي قاطع حتى تاريخه، فقد أعلنت «حماس» قرارها بنسف أي مفاوضات، إذا جرى غزو رفح بريا، فيما تواصل حكومة بنيامين نتنياهو مراوغاتها، ولا تبدى تجاوبا مع مساعي واشنطن والقاهرة والدوحة، وأقصى ما قد تقبله حكومة نتنياهو، أنها قد ترضى بهدنة موقوتة لأسابيع، يجري فيها تبادل أسرى فلسطينيين و»إسرائيليين» وبأعداد ونوعيات مختلف على تحديدها، وعلى أن تعود للحرب بعدها، وإعطاء الأولوية لعملية غزو رفح بريا، بدعوى وجود كتائب عسكرية فلسطينية في أقصى الجنوب، لا تكتمل حرب العدو من دون القضاء عليها.
موارد عديدة ومتفرقة اليوم، تجتمع من دون سابق اتفاق على قلب رفح، وقد يؤدي ذلك كله إلى تأجيل عملية غزوها حتى إشعار آخر
وكأن حكومة «إسرائيل» صدقت مزاعمها وأكاذيبها، بأنها قضت على أغلب كتائب «القسام» والمقاومة من شمال غزة إلى خان يونس، بينما لم تخرج كتائب المقاومة من أي مكان في غزة، ولا تزال تواصل معاركها وكمائنها وقتالها الإبداعي في كل مكان، ولا تمكن العدو من استقرار وثبات في أي منطقة دخلتها أو خرجت منها صوريا، وقبل أيام، بدت صورة الصدامات القتالية ظاهرة، فقد تفاخرت «إسرائيل» بعملية تحرير أسيرين لها في رفح، وصورت القصة على أنها عملية بطولية خارقة، بينما توحى الدلائل، بأن الأسيرين المقصودين لم يكونا أصلا في حوزة «حماس» بل لدى عائلة فلسطينية، وهو ما نبهت له «حماس» في أكثر من بيان مع بداية القصف والغزو البري الوحشي، الذي يقتل المدنيين الأبرياء في غزة، ويقتل حتى كثير من الأسرى الإسرائيليين، وفى إطلالات أبو عبيدة المبكرة، قال بوضوح، إنه ليس كل الأسرى الإسرائيليين، لدى «حماس» وحدها، وإن الانهيار السريع للسياج والتحصينات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية صباح 7 أكتوبر المزلزل، صحبه اندفاع عفوي واسع لمنظمات ولأفراد عاديين إلى قلاع إسرائيل المنهارة، وإن بعض الأسرى اقتيدوا إلى منازل عائلات لا أنفاق منظمات، ولا شك في أن عملية إسرائيل المتفاخر بها عندهم، وإلى حد اعتبارها نقطة تحول في الحرب، انطوت على خرق ما، امتنعت «حماس» و»كتائب القسام» عن الخوض رسميا في تفاصيله إلى اليوم، ربما اتقاء لشرور دسائس وفتن أهلية، لكن ما جرى في يوم العملية المذكورة ومن بعده، وفى كمين خان يونس، الذي قتل فيه عدد من قادة الكتائب الإسرائيليين، بتفجير واحد، نسف مزاعم نتنياهو وعصابته، وداس ادعاء يوآف غالانت، وزير الحرب بتحقيق نصر ما مع استرجاع الأسيرين بعملية عسكرية خاصة، وهو زعم تنفيه حتى تقارير المخابرات الأمريكية، التي تؤكد أن أغلب قوة «حماس» العسكرية لا تزال على جاهزيتها الأولى، وأن ثمانين في المئة من أنفاق المقاومة لا تزال بعيدة عن يد جيش الاحتلال، وأن قوات المقاومة وكتائبها المعاد تنظيمها، لا تزال تعمل في كل قطاع غزة، وليس فقط في رفح، التي يصر نتنياهو على أن غزوها هو مفتاح النصر لجيشه، بينما الغزو إياه، لن يقدم كثيرا للعدو في معارك القتال وجها لوجه مع جيش فلسطيني غير منظور، يتحرك بسلاسة تحت الأرض، ولن يمنح العدو صورة نصر مقنع لجمهوره، إلا إذا كانوا يعتبرون أن أشلاء الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء هى عنوان النصر الوحيد وأكاليل غاره وعاره.
والمعنى ببساطة، أن السباق إلى رفح، أو تجنب غزوها بريا بنتائجه فوق الكارثية، يشغل بال الأطراف كلها، ففيما تصر إسرائيل على تصويره كطوق نجاة لجيشها المهزوم، وتصر «حماس» على رفضه، وتطالب وتسعى لإجلاء جيش الاحتلال عن كل قطاع غزة، وإن كانت مستعدة لإبداء مرونة ما في التفاصيل ومراحل وقف العدوان، فيما تتلمس القاهرة والدوحة مع واشنطن، سبل البحث عن مخارج، قد يجري التوصل إليها، أو تتعطل، ولكل طرف دوافعه، فواشنطن تريد فتح الباب لهدوء طويل نسبيا، ربما لإنقاذ الرئيس جو بايدن من مصائر تراجع شعبيته، وتقدم منافسه المحتمل دونالد ترامب عليه في استطلاعات الرأي العام، بينما الأيام تتدافع إلى انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر المقبل، ويبدو بايدن تائها ضائعا في التفاصيل، لا يضمن نجاحا في ضغط ما على نتنياهو، والأخير يدرك حسب مصالحه الشخصية والسياسية، أن وقف الحرب ـ حتى لو كان موقوتا ـ يعني نهايته وذهابه إلى مزابل التاريخ، ويعتبر غزو رفح خشبة إنقاذ قد تغطى عورات فشله، بينما حلفاء إسرائيل الأوربيون، يعربون عن فزعهم من غزو رفح، إلى حد توجيه جوزيب بوريل منسق الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي انتقادات عالية الصوت، سخر فيها مما يقال إنه خطط لإخلاء المدنيين في رفح، قائلا إنه لم يتبق من بدائل للإخلاء، سوى أن يرسلوا الفلسطينيين «إلى القمر»! فليس من مكان آمن في قطاع غزة كله، واستنكر بوريل ادعاءات واشنطن برغبتها في حماية المدنيين، وقال ما معناه، إن واشنطن لو كانت صادقة، فإنها كان يجب أن تقلل من دعمها العسكري والمالي الغزير للكيان الإسرائيلي، وهي ـ أي واشنطن ـ تفعل العكس بالضبط، بينما يبدو مشهد قيادة كيان الاحتلال عظيم الفوضى والاضطراب، وإلى حد زعم وزير المالية بتسلئيل سموتيريتش» أن القاهرة هي السبب في هجوم 7 أكتوبر، وأنها تدعم «حماس» بالسلاح عبر الأنفاق، ما أثار المزيد من حفيظة الحكومة المصرية، ودفعها لوصف حديثه بالتحريضي والتخريبي.
وتتابع القاهرة أولوياتها من وجهة نظرها، وتأمل في دفع التفاوض الجاري إلى نتيجة ما، قد تعطل أو تلغي عملية غزو رفح، بينما تلعب أطراف أخرى أدوارا في تعطيل عملية رفح، رغم أن هذه الأطراف لا تشارك في أي تفاوض، فعمليات «الحوثيين» في البحر الأحمر مثلا، لا تتراجع، رغم حملات القصف الأمريكي والبريطاني، وردود واشنطن العسكرية على قتل جنودها في عملية «البرج 22» تبدو بلا أثر رادع لجماعات الولاء الإيراني في العراق وسوريا، وكل هذه الأطراف تشترط لإيقاف عملياتها وقف حرب «غزة» وبالتالي تعطيل عملية غزو رفح، وحتى «حزب الله» في لبنان، يصعد عملياته شمال فلسطين المحتلة على نحو محسوب ومؤثر، لا يدخل في حرب شاملة مع «إسرائيل» التي تبحث عن حل سياسي ما، يبعد قوات الرضوان ـ التابعة لحزب الله ـ عن خط الحدود، ويتيح فرصة ما لإعادة سكان مستوطنات الشمال، وهو ما لا يتجاوب معه «حزب الله» الذي رفض مبادرة فرنسية لإبعاد «قوات الرضوان» إلى مسافة أقل من 10 كيلومترات عن الحدود، ولا يخفي أنه يشترط وقف حرب الإبادة على غزة قبل أي تفاهم سياسي لبناني ـ «إسرائيلي، ما يعني ضمنا ـ ربما صراحة ـ تعطيل أو إلغاء عملية غزو رفح، وما يعني أن موارد عديدة ومتفرقة اليوم، تجتمع من دون سابق اتفاق على قلب رفح، وقد يؤدي ذلك كله إلى تأجيل عملية غزوها حتى إشعار آخر.
كاتب مصري