- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
عبدالعزيز عاشور يكتب : مذكرات شاب مقبوض عليه
عبدالعزيز عاشور يكتب : مذكرات شاب مقبوض عليه
- 30 أبريل 2021, 11:29:04 م
- 983
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
صبيحة يوم الإعتقال تم عرضنا على نيابة أمن الدولة فى المبنى اللى كنا بنطبع فى العمارة المجاورة البيان او المنشور محل الإتهام ..
قبل عصر يوم ٣٠ ديسمبر ١٩٧٢ كنا نجلس أمام مكتب رئيس نيابة أمن الدولة المستشار مصطفى طاهر فى انتظار دورنا للتحقيق معنا ..
طرقة طويلة مكتوب على باب كل غرفة من غرفاتها اسم رئيس النيابة بداخلها ..
صوت مرتفع يخرج من الغرفة المجاورة ..
صوت زاعق شاتم يسب بأقذع الألفاظ بما فى ذلك الأم والأب للطالب محل التحقيق ..
نظرت لباب الغرفة لأقرأ عليها اسم المستشار صهيب حافظ رئيس النيابة ..
افتكروا بس الإسم ده عشان حنرجع له بعد شوية ..
أصابنى الفزع من الشتيمة اللى سمعتها ..
أنا فلاح ولو حد شتمنى بأمى ح انط فى كرشه ..
وطبعا لو نطيت فى كرش رئيس نيابة يبقى روحت فى داهية ..
ده بافترض انى لسه ما روحتش فى داهية ..
بعد فترة قصيرة فتح باب الغرفة التى نجلس أمامها وخرج شخص نادى على اسمى فقمت ودخلت ..
مكتب وكرسيين وكنبة فوتيه ..
أمين السر كاتب التحقيق يجلس فى صدارة المكتب ممسكا بقلمه وأمامه اوراق الفولسكاب البيضاء ..
والى جانب المكتب يجلس شاب وسيم فى العقد الرابع من العمر هو المستشار مصطفى طاهر ..
أمرنى بلهجة محترمة بالجلوس على الكنبة فجلست ..
اول كلمة قالها ..
شكلك تعبان قوى ..
قلت له انا صاحى من يوم ونص من غير نوم ..
فوجئت به يقول :
طب اقلع الجزمة ..
نظرت اليه بنظرة تمتلئ جزعا وغضبا وثورة وفى ذهنى الشتائم القبيحة التى سمعتها من زميله فى المكتب المجاور ..
ابتسم فى هدوء وقال :
مش قصدى ..
انا قصدى تقلع الجزمة وتمدد جسمك على الكنبة عشان التحقيق ح يطول ..
التقطت أنفاسى وخلعت حذائى وتمددت على الكنبة ..
وبدأ التحقيق ..
أثناء التحقيق طلبت منه إلغاء آخر عبارة قلتها .. عايز ارجع فى كلامى يعنى ..
قال لى ما ينفعش ده محضر رسمى ممنوع فيه الكشط او الشطب والا تعرض للبطلان ..
اعتدلت من رقودى ووضعت قدماى فى حذائى واتجهت لكاتب التحقيق وبكل يسر تناولت القلم من يده وقمت بتنصيص العبارة المطلوب إلغاؤها ( وضعتها بين قوسين ) وعلى أعلى طرف القوس كتبت كلمة ( صح ) ..
ثم عدت الى رقودى ثانية وكأنى لم أفعل شيئا ..
أبدى رئيس النيابة دهشته لما فعلت وسألنى :
ايه اللى انت عملته ده ؟
واتعلمته فين ؟
قلت له معلش اصل دى مهنة أبويا ..
واستكمل التحقيق لنهايته ..
وقعت بإمضائى على الاوراق ..
وقال لى اتفضل انتظر بره ودخل زميلك ..
خرجت ودخل صديقى خليل رشاد رفيق القضية ..
بعدين طبعا عرفت ان أول حاجة عملها رئيس النيابة مع خليل انه قال له :
خد اقرأ أقوال زميلك عشان ما تقولش كلام مختلف .. ( تصرف معبر )..
انتهى التحقيق عند المغرب ..
فوجئت برئيس النيابة بيسألنا :
تحبوا تتغدوا معانا واللا تتغدوا فى السجن ؟
قلت له : احنا رايحين أنهى سجن ؟
رد قائلا : سجن القلعة ..
قلت معلش .. على ما نوصل القلعة حتكون مواعيد الأكل خلصت ..
فغر الرجل فاه سائلا : ايش عرفك ؟
قلت له : كنت هناك فى يناير اللى فات ..
ضحك وقال : خلاص تتغدوا معانا ..
واصطحبنا للمطعم الخاص بالضباط ورجال النيابة وطلب لكل منا وجبة كاملة زى اللى طلبها لنفسه ..
اتغدينا وشربنا وروحنا ع السجن ..
ولم نقابل الرجل مرة اخرى ..
بعد عشرين سنة بالكمال والتمام ..
فى جلسة بمنزل المستشار محمود البكرى بمدينة جده السعودية وفى حضرة لفيف من المستشارين اتذكر منهم المستشار عبدالعظيم عزام ..
قال احدهم لأصدقائه ..
عرفتوا اللى حصل لزميلنا المستشار صهيب حافظ ؟
خير .. ؟
صهيب حافظ ساكن فى مصر الجديدة ..
عنده ولد وحيد شاب طالب فى الجامعة ..
مشادة بين الشاب وأبيه أخد الشاب على إثرها مفاتيح سيارة ابيه وانطلق غاضبا حانقا وخرج ..
قاد السيارة بسرعة شديدة ..
وأمام القصر الجمهورى ضرب فرملة سريعة أحدثت صوتا عاليا ..
الحرس اللى واقفين امام القصر خافوا ..
فكروه إرهابى ..
هوب .. انطلق الرصاص من بنادقهم ليردى الشاب قتيلا ..
المستشار حافظ جاء واستلم جثمان ولده ودفنها ..
وفى اليوم التالى ذهب الى قصر الرئاسة ليسجل فى دفتر القصر اعتذارا عما سببه ولده من ازعاج ..
أستمع مشدوها للرواية وتذكرت بسرعة أنه ذات الرجل الذى كان يسب زميلا بأمه وأبيه عند التحقيق معه ليبين اخلاصه للحاكم ..
لا إراديا وجدتنى أرفع يداى للسماء هاتفا ومكررا عبارة :
اللهم لا شماتة .. اللهم لا شماتة ..
باستغراب شديد نظر الحاضرون تجاهى متسائلين :
بتعمل كده ليه دا المستشار حافظ راجل محترم وعلى خلق ..
قصصت عليهم ما فعله مع زميلى من عشرين سنة منهيا كلامى بقول :
صدق من قال :
من أعان ظالما سلطه الله عليه ..
احذروا فالظلم ظلمات يوم القيامة ..
عافانا الله وإياكم من الظلم والظالمين ..
ونسأل الله الا نكون من الظالمين