- ℃ 11 تركيا
- 7 نوفمبر 2024
عبدالعزيز عاشور يكتب : ذكريات شاب
عبدالعزيز عاشور يكتب : ذكريات شاب
- 28 أبريل 2021, 11:40:05 م
- 847
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
اول مرة أتعامل بشكل مباشر مع رجل شرطة كانت فى ١٩٦٨ ..
خالتى الله يرحمها طلبت منى أسأل لها على حاجة فى مركز الشرطة واللى كان مجاور للمدرسة الثانوية بشبين القناطر ..
خرجت م المدرسة والشنطة ف ايدى ..
على باب المركز العسكرى اللى واقف ع الباب : ايوه يا استاذ ؟
عايز المأمور لو سمحت ..
على ايدك الشمال ..
دخلت مكتب المأمور اللى مشكورا رحب بيا ودعانى للجلوس وما خرجتش من عنده الا لما جاب لى كل المعلومات ..
تانى مرة كانت يوم السبت ٢٩ ديسمبر ١٩٧٢ ..
روحت أطبع بيان ( منشور) بإسم مجلس اتحاد طلاب تجارة عين شمس ..
متعود اطبع كل مطبوعاتنا سواء مجلات او نشرات فى مطبعة صغيرة بشارع التحرير بباب اللوق ..
فاكر كان صاحبها شاب اسمه محمد حسن ..
يوم السبت ده كانت الدنيا مقلوبة بسبب بدء احتجاجات الطلبة على مواقف السادات ..
كتبنا البيان على الاستنسل فى الكلية وروحت اطبعه بالليل عند محمد حسن ..
الجدع اعتذر بحجة ان الماكينة عنده عطلانة ..
وبعتنى لمطبعة تانية خلف مبنى أمن الدولة بلاظوغلى ..
ايوه .. خلف مبنى امن الدولة فعلا ..
تسميها جرأة تسميها بجاحة تسميها عدم اكتراث او استهبال ..
براحتك سميها زى ما تسميها ..
المهم روحت وسلمت الأصل الاستنسل للناس وبدأت الماكينة تدور ..
وبعد طبع آلاف النسخ وكان الوقت تعدى منتصف الليل ..
وكان زميلى وصاحبى خليل رشاد وصل ..
وبدأنا نراجع الكميات .. دخل علينا واحد منعرفوش ..
قرأ نسخة من المنشور وسأل بتاعة مين الحاجات دى ؟
وبكل بساطة أجبته بتاعتنا ..
فوجئت به بيقول طب اتفضلوا معايا من غير شوشرة ..
طلع ضابط مباحث ..
المطبعة كانت فى شقة فى الدور الارضى مشيت قدامه ودماغى بتقول لى اول ما اخرج من الباب أفلسع .. أطلق سيقانى للريح خصوصا انى وقتها ولد خفيف الوزن دون الستين كيلو ..
اول ما رجلى خرجت من الشقة لقيت اللى طالع من تحت السلم واللى نازل من فوق السلم والدنيا هاصت وبقت زحمة ..
كنت لابس بدلة كاملة عشان كنت راجع يومها من مقابلة مع محافظ القليوبية عشان عايزين نعمل معسكرات خدمة بيئة فى قرى المحافظة ..
ضابط مسك دراعى اليمين وضابط تانى مسكنى من الشمال بس من ياقة البدلة ..
بكل هدوء قلت له من فضلك سيب البدلة وامسكنى من دراعى ..
بدون تعليق ترك الرجل البدلة وأمسك بذراعى ..
خرجت لقيت عربيتين امن مركزى وعربيتين ملاكى نصر ١١٠٠
ركبونى عربية وخليل فى عربية تانية ..
نزلنا امام قسم السيدة زينب ..
دخلنا القسم على مكتب رئيس المباحث اللى قبض علينا ..
بعد ما قعدنا ع الكراسى بيسأل ايه اللى بتعملوه ده ؟
قلت له ايه ده تحقيق ؟
رد بسرعة : لا طبعا انا بس عايز افهم ..
انا دورى انتهى وبكره النيابة هيا اللى حتحقق معاكم ..
قعدنا نتكلم ..
وشاى فى قهوة فى سجاير حتى اقترب الفجر ..
بكل أدب طلب الضابط ان ننتقل الى غرفة مجاورة لنمدد قليلا حتى الصباح ..
ايقظونا صباحا ..
شوية وجالنا شاويش يقول لنا ان البيه المأمور عايزنا ..
دخلنا ع البيه المأمور ..
الراجل بص للشاويش وقال له :
خد الباب معاك واخرج هات لهم سندويتشات فول وطعمية وهات لهم شاى بحليب ..
اتفضلوا اقعدوا ..
المأمور كان برتبة عميد ..
فجأة اتقلب وش الراجل وبص لنا وقال بحدة :
بالذمة انتو رجالة ؟
بدأنا الرزالة وقلة الأدب ( باكلم نفسى طبعا ) ..
واستكمل الرجل كلامه ..
أنا سألت عنكم عرفت انكم قيادات للطلبة ..
ازاى القيادات تقع بالسهولة دى وفى اول يوم ؟
أمال زمايلكم يعملوا ايه من غيركم ؟
ازاى تسمحوا لضابط صغير يترقى على قفاكم ؟
المفروض قيادات زيكم يدوخونا عشان نمسكهم ..
انا مبحلق وفاتح بقى وفى غاية الدهشة ..
زى ما اكون باكلم رئيس اتحاد الطلبة مش عميد الشرطة اللى رجالته قبضوا علينا من كام ساعة ..
بعد تحقيقات نيابة امن الدولة بعتونا بالليل على سجن القلعة ..
تانى يوم الصبح سألونى :
محتاج حاجة نجيبها لك م البيت .؟
قلت لهم ايوه ..
المهم كتبت ورقة طلبت فيها غيارات وشرابات وبنطلون جينز كنت شاريه من ليبيا قبلها بشهرين او تلاتة ..
تانى يوم .. ضابط من امن الدولة ف ابوزعبل راح البيت الصبح ..
خبط ع الباب ..
أمى الله يرحمها فتحت الباب ..
عرفها بنفسه وقال لها :
معلش يا أمى ..
الاستاذ عبدالعزيز مشرف عندنا شوية ومحتاج شوية الحاجات اللى مكتوبة فى الورقة دى ( واخدين بالكم من الأستاذ عبد العزيز دى ؟) .. جهزيها وحطيها ف شنطة واحنا حنوصلها له ..
ادخل يا ابنى واقرا اللى مكتوب انا مبعرفش اقرا ..
وفعلا بعد يومين الحاجات كلها كانت عندى ف السجن ..
بعد اسبوعين تلاتة قررنا الاضراب عن الاكل يوم عيد الاضحى احتجاجا على تأخر احالتنا للمحكمة وشوية حاجات تانية ..
يوم العيد الصبح ..
عم سيد .. السجان بتاع القلعة جايب الفطار ..
الفطار كان عبارة عن فتة ولحمة .. عيد بقى ...
كل ما يفتح زنزانة عشان يدخل الفطار يتقال له :
مضرب عن الاكل يا عم سيد ..
زنزانتى رقم ٢٨ كانت اخر زنزانة ..
فتح الراجل باب الزنزانة ..
صباح الخير يا ابنى .. كل سنة وانت طيب ..
الفطار ..
كنت أصغر المساجين سنا وأكثرهم نحافة وأضعفهم بنيانا ..
قلت له : مضرب يا عم سيد ..
فجأة الراجل حط صينية الأكل على الارض وراح قاعد جنبها على الارض ..
وانفجر فى البكاء وهو يقول بكلمات مختلطة بالدموع : حتى انت يا ابنى مش حتاكل ؟
فى اللحظة دى بس افتكرت حال ابويا وامى ..
اذا كان ده حال السجان فما بال حال ابى وامى ؟
الشهور الثلاثة التى قضيتها بين القلعة وسجن الاستئناف حافلة بالمواقف اللى شفنا فيها رجال شرطة يعبرون بسلوكياتهم عن مجتمع انسانى حقيقى ..
مجتمع إنسانى يخلى اللى عاش الزمن ده يعتز به ويتكلم عنه باعتباره الزمن الجميل ..
وان كان فى العمر بقية سأروى لكم استكمال الحكاية ..
رحم الله الزمن الجميل وأهله ..
وأسعدالله ايامكم ورزقكم وبلادنا بخير من هذا الزمن الجميل ...