شريف عبدالبديع عبدالله يكتب : ماذا لو فشل إنقلاب يوليو ؟ (2)

profile
  • clock 23 يوليو 2021, 4:52:07 م
  • eye 831
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بعد نشر الجزء الآول من مقال ( ماذا لو فشل إنقلاب يوليو 1952) جاورني أصدقائي فيما كتبته ,منهم من إعترض علي وصف ما حدث علي أنه إنقلاب وطالبوني بضبط المصطلحات ,لإنه من وجهة نظرهم يوم 23 يوليو ثورة مجيدة كاملة الأوصاف , وبطبيعة الحال أتفق معهم .

أما بعضهم فقد ناقشني في صلب ما خلصت إليه من نتائج , إذ أنهم أعترضوا علي ما أنتهيت إليه أنه لو فشلت ثورة يوليو فأن مصر كان حالها هو واقعها منذ العام 1974 حتي اليوم , وهم يرون أنني بالغت في التفاؤل , وأنني أخطأت فيما وصلت إليه من نتيجة .

يري أصدقائي وأوافقهم أن المجتمع الذي كان يسيطر علي ثرواته  نصف في المائة من السكان , والوطن الذي تبلغ فيه الأمية 89% , وتبلغ فيه نسبة الفقر 90% , والوطن الذي متوسط عمر مواطنيه 30 عامآ , وتضرب بنيه الأمراض النادرة والمتوطنة , مثل الكوليرا والملاريا والبلهارسيا والدوسنتاريا والبلارجرا, والتراخوما , الوطن الذي يحتله قوات بريطانية ويعين الملوك من اسرة عميلة وطبقة أقطاعية تحكم بالنيابة عنه , هذا الوطن ليس هو نفس الوطن الذي أصبح عليه في العام 1974

يري أصدقائي وأوافقهم الرأي أنني مخطيء , إذ أن تأثير ثورة يوليو المجيدة لم يشمل مصر فقط التي حولها إلي جمهورية حديثة , وأنجزت ثورة يوليو الحداثة بنشر التعليم المجاني لتخفض نسبة الأمية الي 40% من عدد السكان بحلول العام 1974 , وهي التي نشرت نظام التأمين الصحي والمعاشات وهنا ارتفع متوسط عمر المواطن المصري الي 60 عامآ بحلول العام 1974 

يري أصدقائي أن ثورة يوليو المجيدة التي استردت الثروات الوطنية مثل قناة السويس ومثل البنوك والمصالح الأجنبية وأنشأت ألف ومائتي مصنع وبنت السد العالي واستصلحت أكثر من اثنين مليون فدان , وبنت جيشآ وطنيآ حديثآ ومسلحآ ومدربآ , تأثيرها أمتد ليشمل الوطن العربي وافريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية . إذ كان قرار صفقة السلاح التشيكي ( السوفيتية ) هي خطوة جبارة إذ كانت مصر أول دولة في العالم تشتري سلاحآ سوفيتيآ وهي ليست من الكتلة الشرقية .

وكان قرار إنشاء حركة عدم الإنحياز بالأقطاب الدولية الثلاث ( يوجسلافيا ومصر والهند) خطوة غير مسبوقة في ظل الإستقطاب الحاد بين الكتلتين الدوليتين المتصارعتين .

كان قرار تأميم قناة السويس , وإسترداد مصر لثرواتها الوطنية هي أول عملية تأميم ناجحة في العالم , وهي صارت نموذجآ يحتذي , وملهمآ لدول العالم الثالث المقهور لإسترداد الثروات الوطنية , وهذا يفسر شراسة رد الفعل الإستعماري من كتلة الناهب الدولي تجاه الحدث ( الولايات المتحدة , وفرنسا وبريطانيا ) 

لولا ثورة يوليو المجيدة لم يكن ممكنآ تحرر الدول العربية من الإستعمار الغربي , ولم يكن ممكنآ تحرر دول أفريقيا آسيا وأمريكا اللاتينية من الناهب الدولي , كل ثورة حدثت في العالم الثالث إتخذت من القاهرة نموذجآ يحتذي في نضالها ومقاومتها .

لولا ثورة يوليو لم يكن ممكنآ أن تستمر المقاومة الفلسطينية أو اللبنانية أو اليمنية أو السورية أو العراقية التي مازالت تعتبر ثورة يوليو هي الثورة الأم .وتعتبر جمال عبد الناصر هو رمز نضالها .

طالبني أصدقائي بضبط المصطلحات , حيث أنني إستخدمت المصطلح الشائع الذي يستخدمه الموتورون المعادين للشرف العربي وللمقاومة واستخدمت ( إنقلاب يوليو ) 

وفي علم السياسة يطلق مصطلح ثورة علي أي حدث تكون نتيجته أن يستولي العمال والفلاحون علي السلطة ويزيحون الطبقة الإقطاعية أو الرأسمالية , ويحدث بالتالي ذلك الحراك الإجتماعي وتنقلب أوضاع البلاد نحو التقدم.

وما حدث ليلة 23 يوليو 1952 هو تحرك للجيش الوطني للإستيلاء علي السلطة التي تحكم نيابة عن الإستعمار البريطاني , وبالفعل تولي أبناء الفلاحين والعمال أغلبية شعب مصر السلطة وطردوا الإحتلال البريطاني والأسرة الفاسدة العميلة , وصادروا الثروات الحرام لطبقة الأقطاعيين .

إذن وفقآ لعلم الإجتماع السياسي ومصطلحاته ثورة يوليو ثورة كاملة الأوصاف , لا يجدي أصلآ وصفها بالإنقلاب .

والجدير بالذكر أن ثورة يوليو للأسف الشديد أنتهت في 15 مايو 1971 بالثورة المضادة التي قادها أنور السادات , وسارت بالقصور الذاتي حتي وصلت للعام 1974 حيث بدد السادات كل مكاسبها .

نهج ثورة يوليو القائ علي التنمية المستقلة المعتمدة علي الذات , وإقامة قطاع عام قوي يقود التنمية , ونشر العدالة الإجتماعية ومعاداة الكيان الصهيوني , ومعاداة كل قوي النهب الدولية كل هذا النهج تم الإنقلاب عليه برأسمالية المحاسيب , وتزاوج السلطة والثروة والشراكة مع الصهيوني والتبعية للناهب الدولي .

إذن لو فشلت ثورة يوليو 1952 لكان حال مصر , وحال الوطن العربي وأفريقيا , أسؤأ من الحال الذي هي عليه الآن.



التعليقات (0)