- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
شريف عبدالبديع عبدالله يكتب : الجمهورية الثالثة
شريف عبدالبديع عبدالله يكتب : الجمهورية الثالثة
- 3 يونيو 2021, 3:53:11 ص
- 1461
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في 18 يونيو 1953 إختار الضباط الاحرار اللواء محمد نجيب ليكون اول رئيس للجمهورية ,ورغم أن محمد نجيب لم يكن القائد الحقيقي لثورة يوليو 1952 الا أنه أجبر علي الموافقة علي أول قانون للإصلاح الزراعي ,واختير يوم وقفة احمد عرابي ضد الخديوي توفيق1881 في 9 سبتمبر, وبعدها تفجر الخلاف بينه وبين باقي أعضاء مجلس القيادة وتم عزله, وترك المنصب شاغرأ حتي يونيو 1956وانتخب جمال عبد الناصر رئيسآ للجمهورية حتي وفاته في 28 سبتمبر 1970
تميزت هذه الجمهورية الاولي بعدة خصائص: أهمها أنها رغم أن توصيف ما حدث ليلة الثالث والعشرين من يوليو 1952 يسمي إنقلابآ عسكريآ كلاسيكيآ ,الا أنها بعد اسابيع من الحركة أقرت قانون الاصلاح الزراعي 9 سبتمبر 1952 وسمحت للفلاح المصري لآول مرة في تاريخه الممتد من تملك اراض زراعية
وينبغي ألا ننسي أن معظم الضباط الذين قاموا بالحركة كانوا أبناء الشريحة الوسطي من الطبقة العاملة ,من ابناء العمال والفلاحين ,وصارت مصر تحكم لاول مرة منذ الاف السنين بأبنائها المصريين ,
إنحيازات الجمهورية الأولي لإبناء الطبقات الكادحة كان المحرك الاول لمجموعة القرارات التي اتخذت علي المستوي الداخلي والخارجي ,واختار صانع القرار الاشتراكية بتطبيقها العربي لتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء الوطن,
صحيح أن الأقتصاديين يسمون ما حدث في تلك الحقبة ( راسمالية الدولة ) وأن تطور سياق الأحداث كان حتمآ يؤدي إلي شكل من أشكال الأشتراكية .
كان الإنجاز الأول لهذه الثورة أنها خلصت مصر من الإحتلال البريطاني الذي استمر منذ يوليو 1882 حتي يونيو 1956 جلاء آخر جندي بريطاني .
ومما ميز الجمهورية الاولي انها اختارت نهج التنمية المستقلة المعتمدة علي الذات, عن طريق استرداد الثروات المنهوبة بتأميم قناة السويس ,وتمصير المصالح الاجنبية وكذلك التأميم لرأس المال المحلي .
كان تأميم القناة هو أول عملية تأميم ناجحة في العالم الثالث , بعد المحاولة الفاشلة للدكتور محمد مصدق لتأميم نفط إيران قبل أن يدبر الأمريكان إنقلابآ عليه ويعزلوه .
واهتمت بالتوسع في التعليم من خلال جعله مجانيآ ,وبناء قاعدة صناعية كبري تمثلت في بناء 1200 مصنع ,وزيادة الرقعة الزراعية اثنين مليون فدان إضافية , وتحويل الري الي ري دائم بدلآ من ري الحياض , وتخفيض الفجوة الغذائية بما يعادل 20% فقط يتم إستيراده .
كما أنها أنشأت مظلة التأمين الصحي والمعاشات ببناء وحدات صحية في كل قرية مصرية , وبناء 85 مستشفي حميات وصدر إستفاد منها المصريون اليوم في جائحة كورونا .
اما في السياسة الخارجية فقد رسمت الجمهورية الاولي دوائر السياسة الخارجية الثلاث وهي الدائرة العربية (تمثلت في تفعيل دور الجامعة العربية بمؤتمرات القمة ) والدائرة الافريقية (تمثلت في تأسيس منظمة الوحدة الافريقية ) والدائرة الاسلامية (تمثلت في تأسيس منظمة المؤتمر الاسلامي )
وإستغلت قوة مصر الناعمة في ممارسة الدور الريادي في تحرير بلدان العالم الثالث ,بل وفي قيادة منظومة البلدان الناشئة التي حصلت علي حريتها , وكانت مصر قائد حركة عدم الإنحياز الشهيرة في عالم القطبية الثنائية بين السوفييت والأمريكان .
وجعلت الجمهورية الاولي مصر مثلآ اعلي يحتذي به ,ويتطلع الاخرون لتقليده والاقتداء بخطواته ,والسير علي نهجه وهذا اعلي درجات القوة الناعمة.
ولآنها كانت تدرك ان الاستعمار العالمي قد أنشأ الكيان الصهيوني لخدمة مصالحه في المنطقة العربية , سرقة النفط وسرقة المادة الخام , وجعل المنطقة سوقآ لتصريف منتجاته , وتشغيل القوي العاملة الرخيصة تعظيمآ لإرباح الغرب , وكذلك لحرمان العرب من تحقيق وحدة السوق والإقتصاد ,ولعزل مصر عن المشرق العربي ولضرب مصر كلما حاولت ان تبني نفسها (وجربت ذلك واختبرت صحته بالعدوان الصهيوني في العام 1956 بعد تأميم قناة السويس ) فقد إعتبرت ان الكيان الصهيوني ينبغي ان يزول ,اذا أريد لمصر أن تتقدم وان تنهض ومعها الدول العربية
إذن فالدور العروبي المصري مهم ,لآن أمن مصر القومي يبدأ من خارج حدودها هناك في الشام ,ولآن الموارد الطبيعية المصرية لا تكفيها لإنشاء نهضة ,ولابد من تكامل عربي بشكل او بآخر ,والوحدة قدر إذ ان الخطر الصهيوني يهدد الجميع.
وإستفادت الجمهورية الاولي من تجربة محمد علي في بناء نهضة سريعة لدولة متخلفة ,واساس تجربته قام علي تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي, كما إستفادت من قراءة التاريخ وإستخلاص العبر منه, إذ ان وظيفة الحاكم كانت تتمثل في عدة مهام :
أهمها ضبط النهر وتوزيع مياه الري (مشروع بناء السد العالي وتأمين وصول مياه النهر بمراقبة ما يحدث في اثيوبيا حيث 80% من مياه النهر تأتي منها) )
وكذلك الحفاظ علي الوحدة الوطنية وتحقيق الاندماج الاجتماعي (يسجل للجمهورية الاولي انه لم تحدث اي حادثة فتنة طائفية واحدة طيلة الثماني عشر عامآ )
وبالطبع الحفاظ علي وحدة الاراضي, واستقلال القرار الوطني وتضررت هذه المهمة بعدوان يونيو 1967 ولكن يحسب للجمهورية الاولي انها لم توقع صك استسلام, وقاومت وقاتلت ثلاث سنوات كاملة ,وبنت جيش المليون وربع المليون مقاتل لتحرير الارض قبل ان يرحل مؤسس الجمهورية الاولي ,والقائد الاستثنائي في تاريخ مصر والوطن العربي وافريقيا والعالم الثالث ,
اما الجمهورية الثانية والتي بدأت في 15 مايو 1971 (تاريخ إنشاء الكيان الصهيوني ) والممتدة حتي اليوم مع تغير الاسماء والوجوه والشخصيات ,وهي جمهورية التبعية للولايات المتحدة وللغرب الاستعماري, ثم الشراكة مع الكيان الصهيوني وكل ذلك عكس ثوابت الامن القومي المصري .
وهي جمهورية رأسمالية المحاسيب بالتفريط في قطاع الشعب العام الذي أنشأه بأمواله ومدخراته , وبيعه بعشرة في المائة من قيمته الحقيقية , حتي يتمكن الوكلاء ( الكمبرادور ) من استيراد كل شيء والمضاربة في اراض مصر وعقاراتها .
وهي الجمهورية التي قامت علي تبديد قوة مصر الناعمة, وإهمال دوائر السياسة الخارجية الثلاث, واستبدلتها بالخضوع للغرب والتحالف مع العدو الصهيوني,
كما بددت منجزات الشعب المصري التي حققها في الجمهورية الاولي من قاعدة تعليمية واسعة وقاعدة صناعية واعدة , واعتمد إقتصادها علي الاقتصاد الريعي (ايرادات قناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج والسياحة والبترول او الغاز )
ورغم ان شعب مصر العظيم ثار علي هذه الجمهورية الثانية ثلاث مرات في هبات جماهيرية ضخمة وهي 18-19 يناير 1977 و25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 الا ان طبقة الكمبروادور التابعة للغرب ,والتي تقتات علي الفتات الذي يلقيه اليها ,استلمت السلطة في كل مرة يعود الشعب فيها من الميادين .
هذا الشعب الذي لا يريد بالطبع إستنساخ تجربة الجمهورية الاولي, ولا يريد استرداد نموذج عبد الناصر في العصر الحديث, ولكنه يتطلع الي صيغة تمكنه من إسترداد ثرواته المنهوبة من الطبقة العميلة ,ويريد توزيعآ عادلآ للثروة ,يريد تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ,ويريد نهج التنمية المستقلة المعتمدة علي الذات, واسترداد دور مصر العروبي والافريقي
والأهم من هذا كله اليوم هو يريد من الحاكم تأمين وصول مياه النهر فهو شريان الحياة وقضية وجودية اليوم هو منع اثيوبيا من عدوانها علي النهر .
علي القوي الوطنية صياغة وثيقة فكرية تتبني إنشاء الجمهورية الثالثة مستقاة من آمال الشعب العظيم في الحصول علي العيش والحرية والعدالة الاجتماعية