- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
سليمان صالح يكتب: نظرية جديدة لحرية الصحافة: كيف تشكل مستقبل الصحافة العربية؟!
سليمان صالح يكتب: نظرية جديدة لحرية الصحافة: كيف تشكل مستقبل الصحافة العربية؟!
- 2 يوليو 2023, 7:01:49 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الأزمات تفرض علي العقول أن تبحث عن حلول جديدة، وتنطلق لتفكر وتبدع، ولكي نبني نهضة صحفية عربية جديدة يجب أن نحرر أنفسنا من التبعية للغرب، ونثق في قدرتنا علي تطوير نظرية جديدة للحرية تشكل أساسا لهذه النهضة.
وعندما تشتد الأزمات والمحن، تتطلع الشعوب إلي قيادات جديدة تملك خيالا حضاريا، وتستطيع أن تقدم رؤية جديدة لبناء المستقبل، لذلك تستثمر الأمم العظيمة أزماتها في فرض إرادتها، واختيار قادتها.
والقيادات الجديدة التي تحتاجها الأمة لمواجهة تحديات العصر يجب أن تمتلك شجاعة القلب والضمير، والقدرة علي التعبير عن حلم الأمة في تحقيق الاستقلال الشامل، وبناء الاقتصاد القائم علي المعرفة، وإنتاج الأفكار، واكتشاف ثروات الأوطان البشرية والطبيعية وتوظيفها.
نظرية جديدة للحرية..لماذا؟!
تلك مقدمة ضرورية للتخطيط لنهضة صحفية جديدة في العالم العربي يمكن أن تعبر عن مشروع الأمة الحضاري في عالم يتغير بسرعة، ويشهد الكثير من المفاجآت التي تتيح لحضارات غير غربية أن تتقدم، ويكون لها مكانة عالمية، وتصبح فاعلا في بناء المستقبل.
ولكن لماذا الصحافة؟! إن أزمة الصحافة، وتناقص اعتماد الجماهير عليها كمصدر للمعرفة يشير إلى ضعف الديمقراطية الغربية، وعدم قدرة أمريكا وأوربا علي البحث عن حلول جديدة لمشكلاتها، وعدم حصول الجماهير على المعرفة بعد أن أغرقتها الشركات عابرة القارات في طوفان التسلية التي تمتهن كرامة الإنسان، وتؤدي إلى ضياع عمره في متابعة الرياضة والجنس والفضائح.
لذلك فإن أهم الحلول التي يمكن أن نقدمها لأزمة الصحافة المطبوعة تطوير نظرية جديدة للحرية بشكل عام، ولحرية الصحافة بشكل خاص.
لكن هل يمكن أن تساهم الأمة العربية في تطوير هذه النظرية؟!
حق الإنسان في المعرفة أساس النظرية!
الشعوب تحتاج لصحافة تدافع عن حريتها وحقوقها، وتقود كفاحها، لذلك قامت صحافة الكفاح الوطني في مصر والجزائر بدور مهم في معركة الوعي، وتوفير المعرفة للجماهير لإعدادها للثورة ضد الاستعمار، وتحقيق الاستقلال.
وهذه نقطة البداية في التخطيط لنهضة صحفية جديدة، فالجماهير ستعود للصحافة الورقية، عندما تدافع هذه الصحافة عن حرية الشعب، وحقه في الاستقلال الشامل، وعندما تشكل الصحافة وعي الشعوب بأن التبعية للغرب هي سبب التخلف والفقر، وأنه لا يمكن أن يحل الأزمة الاقتصادية سوى قادة يستثمرون ثروات الوطن، ويثقون في قدرة شعوبهم علي تحقيق التقدم، وأن الديون تفقر الشعوب، وتدمر قدرات الدول علي الحياة.
إن الصحافة التي يمكن أن تقود كفاح الشعوب في مرحلة جديدة ضد كل أشكال الاستعمار والتبعية والخضوع للغرب هي التي يمكن أن تعيش وتزدهر لأنها تشبع حاجة الجماهير لمضمون يعبر عن حلمها.
كما أن ذلك سيعيد للصحفيين اعتزازهم بمهنتهم، وسيزيد قدرتهم علي الإبداع والابتكار، وإنتاج الأفكار، وإصدار صحف جديدة، والقيام بقيادة المعرفة.
والصحفي الذي يعمل في هذه الصحافة يستطيع أن يكسب ثقة شعبه، واحترامه، وهذا سيزيد شجاعة الصحفيين، ويساعدهم علي بناء صورة ذاتية أهم من المال والشهرة.
الدفاع عن حق المواطن!
الناس تنصرف عن صحافة لا تحمي حرية المواطن من عسف السلطة، وجور الطغاة .. لذلك كانت التبعية للسلطة أهم أسباب أزمة الصحافة التي تشاهد كيف يتعرض الناس للظلم والقهر، فلا تقوم بوظيفتها في فضح انتهاكات السلطة لحقوق الناس.
هل يمكن أن يذهب مواطن تعرض للإهانة والركل بالأقدام والصعق بالكهرباء، ليشتري صحيفة تمجد الحاكم الذي قهره، وتكتب عن إنجازات ذلك الحاكم ما يشبه قصائد المديح.
الصحافة الخاضعة للسلطة تكون كئيبة لا تشبع حاجة الجماهير، ومن الأفضل أن تموت، ولن تجد من يبكيها عندما تكتشف السلطة أنها أصبحت بلا تأثير، فتغلقها.
والصحفي الذي يتخلى عن الجماهير ولايدافع عن حرية المواطنين وحقوقهم، ويدافع عن حاكم يقهرهم، لا يجب أن يتوقع أن تثور الجماهير من أجله عندما تقهره السلطة، ويجد نفسه بلا عمل، يعاني من البطالة، ويتضور جوعا مثل أكثر من 70% من شعبه.
والجماهير سوف تتذكر الصحفي الذي دافع يوما عن حقوقها، وقام بواجبه في كشف الحقائق عن الظلم الذي تعرضت له.. والأيام دول، والذي يتخلى عن حقوق وطنه وشعبه، يجب أن يلوم نفسه عندما تثور الشعوب يوما لتنتزع حريتها، فلا يجد له مكانا لأنه لم يدافع عن الحق، ولم يقم بدوره في حماية الشعب من جهل الباطل وغروره واستكباره وحمقه.
بناء وظيفة الصحافة
من أهم الأسس التي تقوم عليها النظرية الجديدة لحرية الصحافة إعادة بناء وظائف الصحافة، ودورها في المجتمع، فالشعوب سوف تهتم بالصحافة التي تقوم بوظيفة ضرورية لتحقيق النهضة والتقدم، والدفاع عن حرية الدولة واستقلالها، وقيادة الكفاح ضد التبعية أول هذه الوظائف وأهمها، وكلما قامت الصحافة بهذه الوظيفة اهتمت بها الشعوب، ودافعت عن حريتها، لأنها تصبح وسيلتها في تحقيق أهم أهدافها، وأساس تقدمها.
أما الوظيفة الثانية فهي حماية حريات المواطنين وحقوقهم، وكشف الحقائق عن المظالم التي تتعرض لها الشعوب التي تحتاج للصحافة التي تدافع عن حريتها.
والصحافة التي تدافع عن حرية الوطن والمواطن هي التي تستحق الحياة، ويمكن أن يبحث عنها الناس لأنها تحمي حقوقهم، وتمنع السلطة من انتهاك هذه الحقوق.
هذه الصحافة هي التي يمكن أن تشكل نهضة صحفية جديدة في العالم العربي، تساهم في زيادة قوة الأمة، وبناء مستقبلها، والأزمة التي نعيشها الآن تحتاج فيها الشعوب لهذه الصحافة الحرة التي تقود الكفاح لتحقيق الحرية والديموقراطية والاستقلال.