- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
سعيد الشهابي يكتب: جوهانسبرغ: مشوار طويل لنظام اقتصادي بديل
سعيد الشهابي يكتب: جوهانسبرغ: مشوار طويل لنظام اقتصادي بديل
- 28 أغسطس 2023, 5:03:57 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
منذ أن تأسست منظمة «بريكس» في العام 2010 بدأ السجال يدور حول مدى قدرتها على منافسة النظام السياسي والاقتصادي الغربي الذي هيمن على العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
المنظمة التي يتألف اسمها باللغة الانكليزية من حروف الدول الأساسية (البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا) بدأ كتحالف دول تعتبر نفسها ممثلة لما أصبح الآن يسمى «الجنوب العالمي « وبشكل تدريجي اكتسبت قوة ونفوذا برغم وجود خلافات داخلية بين دولها خصوصا بين الهند والصين. فقبل 22 عاما أطلق الاقتصادي البريطاني، جيم أونيل مصطلح «بريك» الذي يضم الدول الأربع الأولى قبل انضمام جنوب أفريقيا للمنظمة في العام 2010. ذلك الاقتصادي تنبأ بأن تهيمن اقتصادات هذه الدول مجتمعة على الاقتصاد العالمي بحلول العام 2050، بعد أن عمّ العالم شعور بضرورة التصدي لمجموعة (G7) الاقتصادية التي تتحكم في اقتصاد العالم. وقد عقدت اجتماعات عديدة لهذه المنظمة، اختتم آخرها يوم الخميس الماضي بعد مداولات استمرت يومين في جنوب أفريقيا. وكان واضحا أن التحالف الغربي الإمبريالي بدأ يتحسس كثيرا من قيام هذا التحالف وما يمكن أن يصل إليه من توسع ونفوذ. ويمارس الإعلام الغربي دورا في نقد المنظمة وتشويهها باستمرار. وفي المؤتمر الآخير صدر قرار بفتح باب العضوية لعشرين دولة أخرى. واتفقت دول بريكس وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا في قمتها السنوية في جوهانسبورغ على منح الأرجنتين وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، العضوية الكاملة اعتبارا من الأول من كانون الثاني/يناير المقبل، ليصبح عدد أعضاء المنظمة 11 تمثل أقوى دول القسم الجنوبي من الكرة الأرضية. وقال الرئيس الصيني شي جينبينغ الذي تعد بلاده الأقوى في مجموعة الدول غير الغربية التي تمثل ربع اقتصاد العالم، أن «توسيع العضوية هذا حدث تاريخ تاريخي» مضيفا أن «التوسع يعد أيضًا نقطة انطلاق جديدة للتعاون بالنسبة لبريكس. فهو سيمنح آلية تعاون بريكس قوة جديدة وسيعزز قوة الدفع في اتجاه السلام والتنمية في العالم».
وهناك نقاش حول ما يبدو من ظهور أسماء لتحالفات مثل بريكس لا تختلف في جوهرها كثيرا عن منظمات أخرى قائمة منذ عقود، ومنها منظمة شنغهاي للتعاون التي تأسست في العام 2001، قبل بضعة شهور من حوادث 11 سبتمبر. ومن أهداف تلك المنظمة مكافحة الإرهاب وظاهرة الانفصال والاضطرابات الداخلية في البلدان. وبشكل تدريجي طوّرت المنظمة آليات للتعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء أوّلا لتستطيع تقديم نموذج مختلف عما تقدمه الامبراطورية الأمريكية التي تهيمن على الاقتصاد العالمي. وقد اكتسبت إيران عضوية منظمة شنغهاي قبل بضعة شهور، بعد أن شعر أعضاء المنظمة بأن عضويتها سوف يؤدي لإكمال طريق الاتصال بين الاقتصادات الآسيوية الأوروبية. وتصاعدت أهمية عضوية إيران بعد رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الأمم المتحدة، خصوصا أن لها علاقات شراكة متينة مع الصين وروسيا والهند. وبذلك أصبح التواصل داخل المنظمة أسرع مما كان قبل عضوية إيران، حيث تم الاستغناء عن الطريق الطويل بين دول المنظمة عبر قناة السويس.
يقدر بنك التسويات الدولي بأن الدولار الأمريكي يستخدم في حوالي 90 بالمائة من المعاملات الدولية و 85 بالمائة من التحويلات. كما يقدر بأن الدولار يهيمن على نصف التجارة الدولية
ويتردد في الدهاليز السياسية للدول الأعضاء، بأن منظمة «بريكس» ستكون بمثابة الأمم المتحدة للجنوب العالمي، وأنها ستتحول إلى اتحاد سياسي ـ اقتصادي، وأن البنك الذي أسسته المنظمة باسم «بنك بريكس للتنمية» سيكون له دور في رفد اقتصادات دول الجنوب الذي كان يطلق عليه «العالم الثالث». ولكي يمارس البنك هذا الدور يفترض أن يكون حاضرا بشكل فاعل في الدوائر الاقتصادية خصوصا في مجالات التنمية ومنح القروض ومناقشة المشاريع المهمة في دول الجنوب. فبإمكان المنظمة إثبات حضور مؤثر في أفريقيا التي تعاني من الفقر والجفاف وانحصار الاستثمار بالدول الغربية الرأسمالية. فقد أصبح العالم يئن تحت وطأة نفوذها الذي يتميز بالاستغلال والانتهازية، وتتقلص لديه قيم التعاون الحقيقية والإنسانية. وعلى الرغم من الخلافات، أعرب زعماء بريكس عن اعتقاد مشترك بأن النظام الدولي يخضع لهيمنة الدول والمؤسسات الغربية ولا يخدم مصالح الدول النامية. وقد سلطت القمة الضوء على الانقسامات مع الغرب بشأن الحرب في أوكرانيا والدعم الذي تتمتع به روسيا من شركائها في مجموعة بريكس في وقت تتعرض لعزلة مفروضة من دول الغرب التي تتمنى أن تنهي الحرب في أوكرانيا الدور الروسي في العالم.
وهناك امتعاض غربي من تلكؤ دول الجنوب العالمي عن شجب روسيا ودعم أوكرانيا. فلم تشجب جنوب إفريقيا أو الصين أو الهند الغزو الروسي بينما رفضت البرازيل الانضمام إلى الدول الغربية في إرسال أسلحة إلى أوكرانيا أو فرض عقوبات على موسكو. الغربيون بشكل عام لا يعترفون بالأداء السلبي لنظامهم الاقتصادي والسياسي إزاء دول الجنوب، بل يصرون على أن النظام السياسي والاقتصادي الغربي مارس أدوارا فاعلة في أفريقيا وكان لمساهماته في مكافحة الأمراض دور كبير في القضاء عليها كالملاريا والكوليرا.
وثمة اتفاق بين المفكرين والسياسيين في عالم الجنوب بأنه لكي تتحقق لمنظمة بريكس سمعة طيبة وجاذبية مناسبة لدى هذه الدول ينبغي لها أن تسجل حضورا حقيقيا. وهنا تطرح دوافع الدول لتقديم المساعدات للآخرين. فالغربيون رأوا في تقديم الدعم الاقتصادي والصحي لدول الجنوب مدخلا للنفوذ، أي أن مشاريع الدعم ليست سوى «طعم» يفتح الباب للتوسع الاقتصادي خصوصا للحصول على المواد الخام وفتح الأسواق للمنتجات الغربية. وقد أظهر انقلاب النيجر الأخير مدى اعتماد دولة كفرنسا على الوارادات من ذلك البلد خصوصا اليورانيوم الضروري لمشاريعها النووية. ولكن تجربة ربع القرن الماضي من التدخل الأمريكي في دول الجنوب خصوصا أفريقيا إنما كان بأهداف سياسية واقتصادية. فمن جهة سعت أمريكا لمنع انتشار الشيوعية خلال الحرب الباردة، وأصبحت الداعم الأقوى لكيان الاحتلال الإسرائيلي، ثم توجهت للتصدي للمجموعات الإرهابية من أجل منع وصولها للغرب بشكل فاعل. يضاف إلى ذلك أن النظام الاقتصادي القائم حاليا رأسمالي بشكل كامل، يعتمد على النظام المصرفي الذي تتحكم أمريكا فيه وتستخدمه لأهداف سياسية ضد الجهات التي تعتبرها معادية. فإيران مثلا محرومة من استخدام ذلك النظام المصرفي بقرار أمريكي. وقبلها كانت كوبا كذلك. وبشكل تراكمي أصبحت صورة أمريكا في نظر شعوب الجنوب العالمي سوداء كالحة، ولكنها مضطرة للتعاطي مع ذلك النظام نظرا لعدم وجود بديل آخر. ويخشى الغربيون أن يؤدي توسّع نفوذ منظمة «بريكس» لتوفير ذلك البديل. هذه المرة سوف يعمل هذا البديل لإضعاف الدولار الأمريكي الذي يعتبر العملة الأساس للتعامل الاقتصادي الدولي. فإذا ضمت منظمة «بريكس» لعضويتها بلدانا عربية كبرى مثل الجزائر ومصر فستكون قد أحدثت اختراقا كاملا للقارة السوداء خصوصا مع وجود جنوب أفريقيا من بين الأعضاء الأساسيين.
والسؤال هنا يدور حول مدى قدرة منظمة «بريكس» على إيجاد عملة بديلة للدولار. فمنذ سنوات استمر السعي لطرح بدائل على غرار «اليورو» الأوروبي. ولكن يستبعد في الوقت الحاضر توافق الدول الأعضاء بمنظمة «بريكس» على عملة مشتركة برغم محاولات هذه الدول الاستغناء على الدولار في الصفقات الدولية واستخدام عملات الدول المعنية لعقد تلك الصفقات. وفي حالات عديدة، خصوصا إيران، يتم التعامل بنمط «التبادل» فتحصل الصين مثلا على النفط الإيراني بدون أن تدفع ثمنه بالدولار، بل بالإيوان الصيني. وتستخدم إيران تلك العائدات لشراء بضائع صينية بالعملة المحلية. وليس خافيا وجود مقاومة شديدة داخل منظمة «بريكس» ضد السعي لإيجاد عملة موحّدة للدول الأعضاء على غرار عملة اليورو المشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي. الهدف من العملة المشتركة توفير بديل للدولار الأمريكي الذي هيمن على اقتصاد العالم منذ اكثر من ثلاثة أرباع القرن. وما يزال دوره محوريا في النظام المالي العالمي. ويقدر بنك التسويات الدولي بأن الدولار الأمريكي يستخدم في حوالي 90 بالمائة من المعاملات الدولية و 85 بالمائة من التحويلات. كما يقدر بأن الدولار يهيمن على نصف التجارة الدولية وثلاثة أرباع تجارة آسيا والمحيط الهادي.