- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
رضا طاهر الفقي يكتب: الشعراوي الرجل والمحنة ،صفحات مجهولة من حياته
رضا طاهر الفقي يكتب: الشعراوي الرجل والمحنة ،صفحات مجهولة من حياته
- 4 يناير 2023, 5:52:11 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
حاولنا جاهدين أن نخرج من أسر الرجل ، وألا نكون دراويش في محرابه أو جلادين علي حياته ، هبط على زماننا ، وهو علي حد قوله يحترم مهمته ،وهي أن يربط الدعوة بأسباب دنيوية ، وقد ساعدنا في هذا ، حيث نفي مرارا وتكرارا أن تكون سيرته الذاتية موضوعا في حد ذاتها ، في كل أحاديثه عن حياته كان حريصا على أن يضع بين أيدينا ثمار التجربة ، لا التجربة نفسها .
ورحلة الرجل منذ مطلع القرن الماضي لم تكن رحلة عابر سبيل ،بل كانت غزل خيط في نسيج الأحداث الوطنية ، فخرج في مظاهرات ، وعرف الاستجوابات والمظاهرات والسجن ، فصار حتما أن يجد من يكتب عن الشعراوي نفسه مجبرا علي طرح تركيبة العصر ومتابعة مقدمات الأحداث والنتائج المترتبة عليها ؛ مما يستوجب الغوص وراء التواريخ والاشخاص التي صنعت أو شاركت في كل ما يجري .
في أبريل من عام ١٩١١ ، ولد الشعراوي في قرية دقادوس ، لأب يعمل في الزراعة ، وحفيدا لجد اختصر الشعراوي حياته قائلا : كان جدي رجلا له في طريق الله مجال ، وقد تفتحت عيناه على الدينا بعد رحيل الإمام محمد عبده ، أحد شيوخ الأزهر الأفذاذ بست سنوات ، وكان صدى أفكاره الإصلاحية ما يزال ملء السمع والفكر ، وفي نفس العام الذي توفي فيه الإمام محمد عبده ١٩٠٥ ، شهدت مصر إول إضراب في عصرها الحديث ؛ حيث قام الخياطون بإضراب ؛ ليثمر هذا الإضراب قبل ميلاد الشعراوي بعام واحد ميلاد تسع نقابات للعمل ، تضم ثلاثة الاف عضو ، وبعد مولده بثلاث سنوات ، أعلنت بريطانيا الحماية علي مصر في عام ١٩١٤ ليواكب استعار نيران الحرب العالمية الاولي ، إذن فقد جاء مولده وسط ثلاث قضايا هي كل الوطن ؛ القضية الأولي تجديد الفكر ، والثانية القضية الاجتماعية حقوق العمال ،والثالثة القضية الوطنية ، وهي التذمر من الاستعمار ، حتي إذا بلغ أشُدَّه كانت ثورة ١٩١٩.
وعندما بلغ الصبي عتبة الشباب الأول ، ودرجت عيناه على ثقافة عصره ،إذا به داخل ضجه اهتزت لها مصر كلها ، وذلك على مدى عامين متتالين هما عام ١٩٢٥ و١٩٢٦ ، ففي العام الأول أصدر الشيخ علي الرازق كتابه " الإسلام وأصول الحكم " وهو الكتاب الذي تناول فيه قضية فصل الدولة عن الدين ، واهتزت مصر كلها ؛ حيث إن المؤلف من هيئة كبار العلماء وقاضٍ في محكمة المنصورة ، وكان كتابه هذا جديدا على ذهن تمتد جذوره عميقة في أغوار التراث والأصالة ، وفي العام التالي يُصدر طه حسين ـ مستخدما الشك الديكارتي في دراسة الشعر والادب العربي ـ كتابه في الشعر الجاهلي ، ومره ثانيه تموج الأشياء حول الشعراوي ، وقبل ذلك بسنتين ، أعلن أتاتورك إلغاء الخلافة العثمانية الإسلامية ، وصار الوطن يتجه نحو آفاق جديده ،كما شاهد وعيه تلك المعركة التي دارت رحاها بين الشيخ محمد نجيب ومحمد علي وزير الاوقاف في ذلك الحين ، وقد رأى فيها الوزير أن نظام الوقف ليس إسلاميا ، وإذا بالمفتي يتهمه علنا بالكذب والادعاء ، بل وصل الامر باتهامه بالنفاق والكفر والإلحاد ، وتطو ر الأمر ليصل إلي البرلمان من خلال مقترح بإلغاء منصب المفتي ، إنها بلا شك بداية مناسبه تماما لرجل قدر له أن يكون داعيه إسلامي ، فإذا به منذ نعومة اظافره كما يقول نفسه : يسبح في بحر متلاطم الأفكار ، ولا شيء يشحذ الذهن مثل احتدام القضايا ، وفي الحلقة المقبلة نروي تفاصيل جديده من حياة الرجل والمحنة .