- ℃ 11 تركيا
- 7 نوفمبر 2024
د. محمد إبراهيم المدهون يكتب : نحو تصويب علاقة الغرب بحماس34
د. محمد إبراهيم المدهون يكتب : نحو تصويب علاقة الغرب بحماس34
- 3 ديسمبر 2021, 4:50:19 م
- 567
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تقسيم سايكس بيكو 1916 أعتمد بشكل كامل الإستراتيجية، والتي تهدف للسيطرة على المشرق العربي، حيث مثَّلت هذه الوثيقة فلسفة الغرب الحديث في علاقته بالمشرق، والتي تنظر بكثير من الريبة للفكر الإسلامي باعتباره قادرًا على إحداث الفارق في حالة التحشيد والمنافسة للهيمنة الغربية، وكانت ترجمة وثيقة سايكس بيكو بما يخص فلسطين وعد بلفور 1917، وما حمله ذلك من دلالات في الرغبة بديمومة السيطرة على المشرق، ومن ذلك كانت فلسطين التي مثَّلت في الرؤية الغربية كدولة غربية (إسرائيل) قاطعة طريقٍ لتواصل المشرق العربي مع مغربه، فضلًا عن تخلصهم من يهود أوروبا وما مثَّلوه من حالة إزعاج لا ينكرها التاريخ الأوروبي في التعامل مع اليهود. ومن هنا يمكن القول إنَّ وجود (إسرائيل) مثَّل مصلحة للغرب وفق هذه الفلسفة الاستعمارية الظالمة.
وحيث إنَّ المصالح ليستْ ثابتاً وبعد 104 سنوات من وعد بلفور، فإنَّ مبررات وجود (إسرائيل) كمنطقة عازلة لم تعُد قائمةً في ظل التطور المواصلاتي والاتصالاتي الحديث، فضلًا عن سيطرة اليمين الصهيوني ومعظمه من الشرقيين مما يحمل بذور تحول في الرؤية الغربية لوجود (إسرائيل)،
فضلًا عن ذلك؛ فقد تزايد عدد المسلمين والعرب في أوروبا والغرب مما يحمل مؤشرات تغير الموقف الغربي تجاه وجود (إسرائيل)، إضافة إلى عدد الفلسطينيين من فلسطيني 48 المتزايد في (إسرائيل)، مما يؤثر في التركيبة الديمغرافية وما لها من انعكاس على القراءة لضرورة وجود (إسرائيل)، وربما هذا الذي يدفع لمزيد من الضغط المتسارع لإنقاذ (إسرائيل) بإقرار ما يسمى بـ"يهودية الدولة"، وما يعزز ذلك احتدام الصراع في فلسطين، والذي لم تنجح الفكرة الغربية في تدجينه لصالح الغرب أسوة بما حدث في نيوزلندة وأمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية.
كل ذلك جاء على حساب الشعب الفلسطيني الذي دفع فاتورة مشروع أساتذة الاستعمار بالتهجير القسري، وإلى الآن لم يستطع الغرب أنْ يعود إلى إنسانيته بإعادة الاعتبار لحقوق الشعب الفلسطيني، ولكنه غير قادر على إنكار واقع الحضور الفلسطيني مما يدفعه للجوء إلى الحلول الترقيعية بمشروع "حل الدولتين" دون أنْ يوفر الإرادة في إلزام (إسرائيل) بها، والأدهى من ذلك التنكّر لها مؤخرًا من رأس المشروع الغربي المعاصر (ترامب) باعتماد القدس عاصمة لـ(إسرائيل)، وإنْ كان هذا لا يحظى باستحسان بقيةٍ من أصواتٍ ضعيفة في الغرب إلا أنَّه نافذ بإرادة وحيد القرن، ومن هنا كان التحول من الرغبة في الوصول للسلام بدولة فلسطينية إلى إدارة عملية سلام تقوم على أساس تسوية تُفرض على الشعب الفلسطيني رغم أنَّ لدى العالم الغربي فلسفة تؤكد عليها مرارًا بحق الشعوب بالتحرر والمقاومة، وترى من محاربيهم من أجل الحرية أبطالًا وليسوا إرهابًا، إلا أن ذلك لم ينطبق على الحالة الفلسطينية وفي القلب من ذلك حماس التي أعلنتها بريطانيا احتفاء بذكرى وعد بلفور منظمة إرهابية.
إنَّ منطلق نظرة السلوك الغربي للفكر الإسلامي على أنَّه منافسٌ عدائيٌ حمل بذور علاقة الغرب بحماس، فضلًا عن الرعاية الغربية اللامحدودة لمشروع وجود (إسرائيل) في المنطقة جعل من حماس كبش فداء، فلا هي مقبولة بمرجعيتها الإسلامية، ولا كذلك مقبولة كحركة تحرر وطني في ظل تناقضها المركزي مع وجود المشروع الغربي (إسرائيل)، ورغم توفر أجواء متكررة كانت تمنح فرصًا معقولة للغرب للاقتراب من حماس وخاصة في الانتخابات2006 وبعد وفوز حماس، إلا أنَّ الموقف لم يتغير رغم الشعور والإقرار أحيانًا بالمظلومية للشعب الفلسطيني عمومًا ولحماس خصوصًا كحركة تحرر وطني تساهم في مشروع الشعب الفلسطيني في التحرر وإقامة الدولة، إلا أنَّ ترجمة ذلك إلى سلوك غربي جديد لم يتحقق، بل إنَّ الرؤية الغربية أحيانًا أوغلت في العدائية لحماس، ولعلّ القرار البريطاني مؤخرًا بحق حماس، كان يحمل المزيد من الظلم في ازدواجية المعايير، فضلًا عن تأكيد رعاية الغرب لوجود (إسرائيل) حتى ولو على حساب منظومة القيم الغربية.
#حماس حركة تحرر وطني تقوم على أساس مقاومة الاحتلال، إلا أنَّها ووفق الإدارة الأمريكية وبريطانيا منظمةٌ إرهابية، وتتناقض في ذلك مع باقي مكونات الرباعية الدولية؛ حيث روسيا تقيم علاقات مع حماس، في تناقض لا تُخطؤه العين بين قيّم الغرب المعلنة والسلوك العدائي تجاه حماس، بل إنَّ الغرب تناقض مع ذاته في العلاقة مع حماس حين تنكَّر لنتائج الديمقراطية الفلسطينية 2006م، وكان أكثر تناقضًا مع إنسانيته حين مارس الحصار الظالم على غزة باعتماده مسارًا عدائيًا ضد حماس ووجودها، وذهب أبعد من ذلك في تناقضه ووفق التقارير الدولية (جولدستون أنموذجًا) حين عاش تفاصيل المذابح ضد غزة واستخدام الأسلحة الفتاكة والمحرمة دوليًا ضد المدنيين في غزة، ومنها ما جري على حدود قطاع غزة في #مسيراتالعودةالكبرى من قتل للأطفال والمدنيين دون أنْ يعيد النظر في منهجيته الظالمة، بأنْ ينتصر لقيّمه ومبادئه التي صُمَّ العالَم بالحديث عنها.
حماس ووفق القراءة الموضوعية لأدبياتها وخاصة #الوثيقةالسياسية مؤخرًا (ورغم مرور سنوتت على إصدارها) لم تُحدِث فارقًا في نظرة الغرب إلى حماس، فضلًا عن ممارسة حماس في الحُكم، حيث أعطت الأقليات الحق الكامل وفي القلب من ذلك النصارى، وتعلن أنَّ عداءَها لليهود لا يقوم على أساس ديني وإنَّما تحترم اليهودية كشريعة، وتناقضها مع الاحتلال كمغتصب الأرض، ولم تمارس ما يخالف ذلك، وكذلك لم تنقل الصراع خارج الأرض المحتلة رغم إيغال (إسرائيل) في دماء الفلسطينيين ومناصريهم حتى خارج حدود منطقة الصراع كجغرافيا، وكان منها الشهيد العالِم #فاديالبطش الذي تشير كثير من الدلائل إلى اليد الأمنية الإسرائيلية، فضلًا عن قتل واستهداف العشرات خارج حدود فلسطين، وكثيرًا منها ثَبُتَ تلوث اليد الصهيونية بدمائهم غدرًا وغيلة.
حماس كذلك قبلت التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وممارستها لذلك أكبر دليل، حتى في إطارها الداخلي، مما يؤكد انسجام حماس مع الممارسة الديمقراطية التي يعتمدها الغرب فلسفةً سياسةً وإدارية، كما انسجمت حماس مع الرؤية الغربية في حقوق المرأة ومشاركتها، ورأينا الدور النسوي المتزايد في عهد حماس. وفي السلوك السياسي احترمت حماس النظام الدولي ولم تصطدم معه، بل أقامت علاقات على أساس الاحترام المتبادل، بسلوك حيادي أدى إلى كسب محاور متناقضة، وذلك على قاعدة مصلحة القضية والشعب الفلسطيني، ولم يثبت أنَّها تدخلت في شؤون أي من دول العالم.
وفي الشأن الفلسطيني الداخلي مارست حماس التأكيد على وحدة الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده كافة، مع مرونة سياسية تجمع بين الثابت والمتغير، بل وذهبت سياسيًا إلى أبعد من برنامجها بقبول دولة في حدود 67 وفق القراءة الغربية لإقامة دولة عاصمتها القدس، ومنحت التفاوض فرصًا متعددة لتحقيق إنجاز في ذلك، ولكن في ظل التفاوض تكرّس الاستيطان وابتلعت الضفة، وحُوصرت غزة، وشُطبت القدس، وجاري العمل على إلغاء حق العودة.
إنَّ مبدأ الحراك الغربي لإعادة تصويب العلاقة مع الشعب الفلسطيني ومنه حماس كحركة تحرر وطني الاعتراف بالجريمة التي وقعت بحق الشعب الفلسطيني في اغتصاب أرضه وتهجير شعبه، وحقه - بعد 104 سنة على وعد بلفور- بتقرير المصير ،وهو الشعب الوحيد الباقي تحت الاحتلال في القرن الــ 21. كما يمكن للمنظومة الغربية أنْ تتبنى مشروع إقامة دولة فلسطينية على حدود 67 بإلزام (إسرائيل) بالانسحاب الكامل من جميع الأراضي التي احتلتها في العام 1967م، والاعتراف بدولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وذلك عبر تحقيق هدنة طويلة الأمد بين إسرائيل وجميع القوى الفلسطينية وفي مقدمتها حماس، ورعاية مشروع إطلاق متبادل لسراح جميع الأسرى الفلسطينيين والجنود في غزة.
يحقق هذا الخيار الاستراتيجي للغرب احترامًا أكبر لقيَّمه التي تنكَّر لها في الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكخطوة أولى تتخلى أمريكا وأوروبا عن شروطها في العلاقة مع حماس، وتدشين اتصالات رسمية مع حماس على قاعدة الحل المتفق عليه، بعد رفعها من قائمة الإرهاب، ومن ذلك التوقف عن ازدواجية المعايير في الحكم على العلاقة مع (إسرائيل) ودولة فلسطين، وإعادة النظر في دعم (إسرائيل) المطلق في شتى المجالات وخاصة السياسية والعسكرية.
التفاؤل ليس كبيرًا في إحداث تحول في الموقف الغربي في ظل سياسة أمريكا، ومواقف متطرفة متزايدة في المنظومة الغربية يتم ترجمتها تباعًا بالاعتراف بالقدس عاصمة لــ (إسرائيل) والاعتراف بيهودية دولة الاحتلال، وكذلك التنكَّر لحالة المظلومية الفلسطينية، وأطفال غزة يقتلون دون أنْ يُسمع صوت قيم العالَم الغربي، ولكن كل ذلك سيُبقىِ الغرب في قفص الاتهام في علاقته بفلسطين وحق شعبها في التحرر وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.