- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
د. سنية الحسيني تكتب: نتائج الانتخابات التركية المؤثرات والمتأثرات
د. سنية الحسيني تكتب: نتائج الانتخابات التركية المؤثرات والمتأثرات
- 4 مايو 2023, 12:34:03 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تلقي الانتخابات التركية الرئاسية والبرلمانية القادمة بعد عشرة أيام الضوء على قضايا داخلية محددة لنتائج الانتخابات، وأخرى خارجية ستتأثر بتلك النتائج. تقف القضية الايديولوجية على رأس القضايا المؤثرة على نتائج الانتخابات التركية، نظراً لطبيعة التركيبة الشعبية في البلاد، والتي عملت المعارضة على استخدامها بشكل مغاير في هذه الانتخابات بالمقارنة مع انتخابات ماضية، الأمر الذي يعد عاملاً مؤثراً على نتائجها بشكل مختلف هذه المرة. كما تعد القضية الاقتصادية من أكثر القضايا الداخلية تأثيراً على نتائج الانتخابات، نظرا لتراجع الأوضاع الاقتصادية التركية خلال السنوات الخمس الأخيرة، واستخدام المعارضة هذا التراجع لتحميل الرئيس رجب طيب أوردوغان وحزبه الحاكم العدالة والتنمية والتحالف الحاكم بقيادته مسؤوليته. وقام النظام التركي خلال الفترة الماضية بتفكيك أسانيد المعارضة، الممثلة بتحالف الطاولة والذي يقف على رأسه حزب الشعب الديمقراطي بقيادة رئيسه كمال أوغلو، والتي ساقتها خلال المنافسة الانتخابية المحتدمة مع الرئيس التركي والحزب الحاكم، خصوصاً فيما يتعلق بالقضايا الداخلية، وتحديداً القضية الاقتصادية، في ظل اشتداد حدة الاستقطاب والمنافسه بين الطرفين، مع اقتراب يوم الانتخابات. وستؤثر نتائج هذه الانتخابات دون شك على سياسة تركيا الخارجية، والتي تعد حجر زاوية في سياسات المنطقة، انطلاقاً من مكانة تركيا الاقليمية، وحالة الاستقطاب الدولي المتصاعدة في اعقاب الحرب الروسية الأوكرانية.
نجح حكم أوردوغان على مدار أكثر من عقدين في تأسيس قوة اجتماعية متماسكة ومحافظة في البلاد تشكل أكثر من ٦٠ بالمائة من المجتمع التركي، وتدعم الاغلبية منها حزبه الحاكم، بالاضافة إلى ايمانها به، كشخصية كاريزمية مؤثرة، لا يمتلك ملامحها أي من القيادات التي تقف في الساحة السياسية التركية اليوم. كما استطاع أوردوغان خلال سنوات حكمة الماضية بضمان نسبة تأييد لحوالي ٤٠ بالمائة من الاكراد في البلاد. فبعد أن قمعتهم الحكومات العلمانية، على غرار الاقليات الأخرى، عزز أوردوغان علاقته بالاكراد بعد صعوده للحكم. وهناك ما يزيد عن ١٥ مليون كردي، أي تتراوح نسبتهم من مجمل عدد السكان في البلاد ما بين ربع وخمس السكان، الأمر الذي يفسر أهمية الصوت الكردي في أي معركة انتخابية. في الانتخابات البلدية لعام ٢٠١٩ دعم حزب الشعوب الديمقراطية المعارض الكردي، والمتهم بدعم الارهاب، تحالف المعارضه وعلى رأسه حزب الشعب الديمقراطي العلماني وحزب الجيد القومي. وفي هذه الانتخابات استمر دعم الحزب الكردي المعارض لتحالف المعارضة، بينما يتحالف أوردوغان مع حزب الهدى بار المحافظ الكردي، الأمر الذي يعني تشتت الصوت الكردي في هذه الانتخابات.
ويضم تحالف المعارضة في هذه الانتخابات بالاضافة للحزب العلماني والحزب القومي والحزب الكردي، أحزاباً إسلامية، رغم ضعف مكانتها وتمثيلها في الشارع. هذه التركيبة المختلطة لتحالف المعارضة تعكس انقسام دعم الشارع الكردي والمحافظ بين التحالف الحاكم وتحالف المعارضة، والذي تستخدمه المعارضة لجني مزيد من الاصوات لصالحها، الأمر يضفي الضبابية على التنبؤ بنتائجها، مقارنة بالمرات السابقة. ورغم ذلك يبدو التناقض الايديولوجي لتحالف المعارضة مضراً له، فالتناقض الواضح بين حزب الجيد القومي وحزب الشعوب الديمقراطية الكردي، والذي تسبب دعم الاخير لتحالف المعارضة لانسحاب حزب الجيد منه في بداية ظهور هذا التحالف من هذه الانتخابات، ثم بعد ذلك انسحب أحد أعضائه البارزين، الأمر الذي يشككك بمدى دعم غالبية مؤيدي حزب الجيد القومي، الذي يعتقد أنه يحصد تأييد ١١ بالمائة من جمهور الناخبين، لتحالف المعارضة، في ظل هذه التركيبة المتناقضة.
وعلى الرغم من تراجع الوضع الاقتصادي للبلاد منذ العام ٢٠١٨، وما لحقه من تبعات جائحة كورونا وأثار الزلازل المدمر، واستخدام المعارضه لذلك السبب المهم في تقويض أسهم حكومة أوردوغان، الا أن استهل اللحظات الأولى من حملته الانتخابية لعرض إنجازات حكومته، من السيارات الكهربائية الجديدة إلى السفينة الهجومية البرمائية المجهزة بطائرات بدون طيار، ناهيك عن افتتاح منشأة أكويو كأول محطة للطاقة النووية في تركيا، والذي يعد إنجازاً لا يمكن تجاهله لدولة تستورد ٩٩ بالمائة من طاقتها. كما روج أردوغان لمبادرته لأن تصبحت تركيا مركًز لتصدير الغاز الروسي إلى أوروبا، من خلال تحويل مسار الغاز الطبيعي الروسي من خطوط أنابيب «السيل الشمالي» إلى منطقة البحر الأسود وتركيا، وهو الأمر الذي من شأنه أن يكون له صدى إيجابي على الاقتصاد التركي. ويمتلك أوردوغان وحزبه ثقة شعبية عالية بقدراته على البناء والتطوير، في ظل انجازاته التي خلقت وضع مميز لتركيا خلال السنوات الماضية، وباتت ولاتزال، رغم مصاعبها الاقتصادية، واحدة من بين الاقتصاديات العشرين الأولى على مستوى العالم. ولا يزال العديد من الجمهور يرى أن أوردوغان وحكومته أقدر على معالجة آثار الزلزال، خصوصا وأن المناطق التي تضررت بسببه، وتمثل ٩٦ مقعد في البرلمان، تعد من المناطق المحافظة، والداعمه لأردوغان وحزبه. كما عمل أوردوغان على تقديم مبادرات لتقليص مشكلة اللاجئين، التي تستخدمها المعارضة لخفض رصيده الشعبي، من بينها تطبيع العلاقات مع النظام السوري، لتسهيل تنفيذ مبادراته بشأنها.
إن تغير نظام الحكم في حال سقوط أوردوغان وتحالفه في هذه الانتخابات قد يخل بالتوازن الاستراتيجي القائم اليوم في المنطقة، والذي تلعب تركيا في إطاره دوراً جوهرياً في ظل المقاربة السياسية الخارجية التي يتبناها أوردوغان وحزبه الحاكم، خصوصاً في ظل اشتداد حدة الاستقطاب الدولي الحالي، والذي تأجج بوضوح خلال الحرب الروسية الأوكرانية. اعتمدت تركيا سياسة خارجية، بعد وصول رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية لصدارة السلطة في البلاد مطلع الألفية الجديدة، تقوم على أساس تقاطع نظريتي العمق الاستراتيجي، والعثمانية الجديدة. تعمل النظرية الأولى على ترجمة مكانة تركيا الجيوسياسية المميزة بين ثلاثة عوالم رئيسة الأوروبية والآسيوية والشرق أوسطية، وذلك بتبني استراتيجية تقف على مسافات متساوية من الجميع، دون الميل لتحالفات أو محاور إقليمية، وسياسة تتبنى استخدام القوة الذكية التي تتأرجح بين الناعمة والصلبة، في سبيل تحقيق أهدافها. وتركز النظرية الثانية على اعتبار مكانة تركيا الدينية والتاريخية، وتتبنى استراتيجية تقوم على أساس كونها دولة قائد في المنطقة، ترتبط بالأمة الإسلامية، لذلك تبنت استراتيجية تقترب فيها من الشرق الأوسط والعالم الاسلامي، دون تخليها عن طابعها العلماني الديمقراطي. وينفصل منهج السياسة التي يتبناها أوردوغان وحزبه عن تلك التي حكمت تركيا لعقود طويلة، وتقوم على أساس الارتباط بالغرب وكحليف استراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة طوال سنوات الحرب الباردة، ولم تستطع التحرر من تلك السياسة طوال العقد الأول من بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وخاض أوردوغان أول اختبار لتطبيق سياسته الخارجية عندما رفض طلب الولايات المتحدة بالسماح لقواتها بشن هجومها على العراق في العام ٢٠٠٤، وتطورت بنسج علاقات استراتيجية مع روسيا والصين، وتعاونية مع إيران، ومستقلة خلال الحرب الروسية الأوكرانية.
ويعني سقوط حكم أوردوغان وحزبه في الانتخابات القادمة عودة القاعدة الاستراتيجية السابقة للسياسة الخارجية والارتباط بالغرب والولايات المتحدة. إن ذلك يفسر الدعم الغربي والأميركي لتحالف المعارضة بقيادة كمال أوغلو، والذي يبدو جلياً عند تتبع الاعلام الأميركي على سبيل المثال الذي لم يخف دعمه للمعارضة خلال انتخابات العام ٢٠١٨، وخلال الانتخابات الحاليه، وذلك بالترويج لايجابيات وصول المعارضة للحكم بالاقتراب من المنظومة الغربية، التي اختار أوردوغان النأي عنها، والتخلص من عقوباتها، التي جاءت نتيجة سياسة حكومته. وزار السفير الأميركي لدى تركيا المرشح المعارضة كمال أوغلو نهاية شهر مارس الماضي، الأمر الذي أثار استياء اردوغان. واتهمت أنقرة بالفعل واشنطن بدعم وحماية المعارض التركي فتح الله غولن، الذي تتهمه تركيا بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في العام ٢٠١٦، كما تتهمها اليوم في هذه الانتخابات بدعم المعارضة والتدخل بالسياسة الداخلية التركية.
ويبدو أن المعارضة أيضاً لا تخفي نواياها تجاه تبني سياسة خارجية متعارضة مع سياسة أوردوغان باتجاه الاقتراب من الغرب، في حال فوزها في الانتخابات. فجاء في وثيقة السياسات المشتركة التي أعلن عنها تحالف المعارضه إلى أنه سيتم العمل على تعزيز التفاهم وبناء الثقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتكثيف الجهود بشأن إعادة تركيا إلى مشروع الطائرات المقاتلات (إف- 35)، في إشارة إلى الخلاف بين حكومة أوردوغان والغرب لشرائها منظومة الدفاع الروسية (إس-400). كما أكدت التصريحات التي أدلى بها أونال تشافيقجوز كبير مستشاري السياسة الخارجية لكمال أوغلو إلى عدم تكافؤ العلاقات بين تركيا وروسيا، وضرورة تقليل اعتمادية تركيا في واردات الطاقة الروسية، ومراجعة المشاريع المشتركة بين البلدين، فضلا عن تأكيده على موقف السياسة الخارجية لبلاده كعضو في الناتو من الحرب الروسية - الأوكرانية.
في الختام، هناك من يراهن على أن فرص فوز المعارضة تفوق فرص استمرار أردوغان في الحكم، خصوصاً في ظل استثمارها التعدد الايديولوجي، لحصد مزيد من الاصوات، واثارتها للقضية الاقتصادية، وما يرتبط بها من مشكلة اللاجئين والزلازل، والتي أثرت بالفعل على شعبية أوردوغان وحزبه، الا أن تمثيل المعارضة لهذا التباين الايديولوجي، في بلد تشكل فيه الايدولوجيا محدداً مهماً، يعد مصدراً سلبياً، أكثر من كونه عاملاً لحصد الاصوات. ويزيد من سلبية ذلك العامل اقترانه بعدم الثقة الشعبية بالحكومات الائتلافية الهشة، التي عانت منها البلاد في الماضي، والتي تعد الأساس التي سيتبناها تحالف المعارضه في حال فوزه في الانتخابات المرتقبة.