-
℃ 11 تركيا
-
13 أبريل 2025
د. سنية الحسيني تكتب: حرب ترامب الاقتصادية إلى أين؟
د. سنية الحسيني تكتب: حرب ترامب الاقتصادية إلى أين؟
-
10 أبريل 2025, 11:29:01 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رسومٍ جمركيةٍ جديدة على جميع شركاء بلاده التجاريين تقريباً، بما فيهم كندا والمكسيك، الجارين الأقرب للولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي الحلفاء الأهم لبلاده، بالإضافة إلى الصين، الند الأخطر عليها. دخل فرض الرسوم الجمركية على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة حيز التنفيذ يوم السبت من الأسبوع الماضي، بنسبة وصلت إلى 10 بالمئة في أكبر سوق مستهلكة في العالم، كما جرى تطبيق رسوم جمركية أخرى أمس الأربعاء استهدفت عشرات الدول الموردة للولايات المتحدة بنسب تراوحت ما بين 10 و49 بالمئة، كان نصيب الصين منها الأكبر. وفرضت الصين رسوما مماثلة لما فرضته الولايات المتحدة عليها، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تهدد بفرض رسوم إضافية، إذا لم تسحب بكين رسومها المضادة عن الولايات المتحدة.
إن ذلك يجعل العالم يقف اليوم أمام أزمة اقتصادية خطيرة مؤهلة للتصاعد، خاصة وأنها موجهة من قبل القوة الاقتصادية الأقوى في العالم، ضد الصين، ثاني أكبر قوة اقتصادية بعد الولايات المتحدة، كما أنها تمس معظم دول العالم التي تتعامل تجارياً مع الولايات المتحدة، بما فيها الدول الصناعية الكبرى. ويتزامن ذلك مع تفعيل ترامب لحملة الضغط القصوى ضد إيران، التي دشنها في ولايته الأولى، وفرض عقوبات ضد دول أخرى أيضاً. ورغم الاضطراب الاقتصادي الذي يصيب العالم اليوم، نتيجة سياسات ترامب التجارية على وجه الخصوص، والترجيحات بالذهاب لوضع اشد تعقيداً، إلا انه ليس من المتوقع أن تخرج الولايات المتحدة منتصرة فيها، فأسواق الأسهم الأمريكية تتجه نحو الانحسار، والنمو الاقتصادي يتراجع، وتنخفض قيمة الدولار، التي تشكل عملة احتياطية عالمية. فهل تواجه الولايات المتحدة عزلة نتيجة لسياسات ترامب؟ ووهل تتخلخل القوة الاقتصادية الأمريكية الفريدة؟
تتجه أهداف ترامب الحقيقية من هذه الحرب لتعطيل النمو الاقتصادي للصين، فالولايات المتحدة تستهدف الصين بشكل مباشر، وهو الأمر الذي تكشفه نسبة التعريفات الجمركية المفروضة عليها وعلى شركائها، مقارنة بغيرها من الدول. وتستهدف الولايات المتحدة دولا شريكة للصين مثل كمبوديا وفيتنام برسوم تصل إلى 49 بالمئة. وتشير التوقعات الأمريكية إلى أنه خلال السنوات الخمسة القادمة ستتفوق الصين اقتصادياً، الأمر الذي سيشكل خطراً على استقرار النظام الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، فالنمو الاقتصادي الصيني سينعكس تلقائيا على تصاعد قدراتها العسكرية ونمو نفوذها الاستراتيجي والسياسي، وهو الأمر الذي يشكل هاجساً لواشنطن.
وبرر ترامب سياساته الحمائية، والمتمثلة بالتعريفات الجمركية التي يفرضها، بأنها تمثل "يوم الخلاص" و“إعلان استقلال اقتصادي"، معتبرا أن بلاده "تعرضت للنهب والسلب والاغتصاب والتدمير من دول قريبة وبعيدة، حليفة وعدوة على حد سواء”. وفي ظل عدم توقعه بحدوث نتائج فورية إيجابية لسياساته تلك داخلياً، أكد ترامب أن ذلك التحول سيكون مؤلماً على المدى القريب، إلا أنه سيكون مفيداً على المدى المتوسط والبعيد. رغم أن توجهاته تلك تحدث انقلاباً عاماً على القواعد الاقتصادية التي حكمت علاقة الولايات المتحدة مع دول العالم على مدار ثلاثة عقود، إلا أنها ليست جديدة تماماً.
خلال ولايته الأولى، أعاد ترامب التفاوض على اتفاقيات تجارة حرة مثل "نافتا"، مكتفياً بتغييرات طفيفة، وفرض على أوروبا بعض الرسوم الإضافية لكنها لم يمس جوهر العلاقة التجارية معها، ووجه أشد الضغوط الاقتصادية على الصين بهدف التوصل لاتفاق تجاري لصالح بلاده، أي انه لم يتخذ خطوات لتغيير النظام التجاري العالمي بشكل جذري. واصلت إدارة الرئيس الديمقراطي اللاحق جو بايدن العمل على نهج إدارة ترامب في اتباع السياسات الحمائية ضد الصين التي بدأها ترامب، فأبقت على الرسوم الجمركية الإضافية التي فرضها ترامب، وفرضت قيوداً جديدة، مثل حظر تصدير الرقائق الإلكترونية إلى الصين، وسعت لتقليل الاعتماد الاقتصادي عليها. الا أن بايدن اعتقد أن مواجهة الصين تعتمد على التعاون مع الحلفاء، وذلك من خلال العمل على إعادة تشكيل قواعد التجارة العالمية بما يخدم المصالح الأمريكية.
جاء قرار ترامب، خلال ولايته الرئاسية الحالية، بالتخلي عن حلفائه، بفرض ضوابط حمائية عليهم، مع التهديد بالتصعيد إذا ردت اياً من تلك الدول على تلك الاجراءات العقابية. ويعتقد ترامب أن النظام التجاري العالمي الحالي يضر بمصالح الولايات المتحدة وينبغي تغييره، على الرغم من أن بلاده كانت المستفيد الأكبر من نظام التجارة الحر، والذي شكل مصدر قوة للولايات المتحدة عبر العقود الأخيرة، واضطرت دول مثل الصين وروسيا للانخراط به، لتنسجم مع المنظومة التجارية الغربية، وتعمل ضمن اطارها. إلا أن ضعف البنية التحتية الصناعية في الولايات المتحدة وانخفاض فرص العمل في البلاد مقارنة بغيرها، أدى لتصاعد التيار الحمائي في التجارة، الذي يتبنى ترامب أفكاره اليوم.
ترفض دول العالم سياسات ترامب الحالية، خصوصا حلفاء الولايات المتحدة. وتعتقد الحكومة اليابانية أن الولايات المتحدة تنتهك بفرض الرسوم الجمركية قواعد منظمة التجارة العالمية واتفاقهما التجاري الثنائي. واستنكرت أستراليا الإجراءات الأمريكية بحقها، ووصفتها بأنها "لا تأتي من صديق". وأكدت أورسولا فون دير لايين، رئيسة المفوضية الأوروبية، على أن الاتحاد الأوروبي يضع اللمسات الأخيرة على حزمة للتدابير المضادة، رداً على الرسوم الجمركية الأمريكية على الصلب، إلا أنها أبقت الباب مفتوحا أمام المفاوضات مع الإدارة الأمريكية. وأعلنت برلين أنها تدعم الاتحاد الأوروبي في مساعيه للتوصل إلى حل تفاوضي مع واشنطن، لكن دون استبعاد اتخاذ إجراءات مضادة. ولم تستبعد فرنسا وألمانيا استهداف الخدمات الرقمية في الرد الأوروبي المحتمل. كما لم يستبعد رئيس الوزراء الكندي مارك كارني اتخاذ إجراءات مشابهة، بينما جاء رد بكين الأقوى.
تحاول الصين التعامل مع هذه الحرب بدبلوماسية، فردت على الجولة الأولى من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب برسوم مماثلة على بعض الواردات الأمريكية، وقيود على تصدير المعادن النادرة، كما مارست نوعاً من التشدد مع شركات أمريكية داخل أراضيها، بما فيها جوجل. وردت الصين على الجولة الثانية من الرسوم الجمركية الأمريكية بالإعلان عن رسوم مشابهة مضادة، فرصلت الرسوم الجمركية الصينية على الواردات الأمريكية إلى 84 بالمائة مقابل 104 بالمائة تفرضها الولايات المتحدة على الواردات الصينية على الولايات المتحدة. ورغم أن الصين تفضل التفاهم والحوار، وأعلنت عن ذلك في أكثر من مناسبة، الا أنها مستعدة للصمود والمواجهة، وبدأت بالفعل باتخاذ عدد من الإجراءات لتحقيق ذلك، فقد خفضت قيمة عملتها، وبدأت الشركات المرتبطة بالدولة في شراء أسهم الشركات، للحفاظ على استقرار السوق، ولاتزال الصين تمتلك في جعبتها العديد من الوسائل المكلفة للولايات المتحدة.
تفوقت الأسهم الأوروبية بنحو 20 بالمائة خلال الربع الأول من العام 2025، وهو أكبر هامش ربح منذ أكثر من ثلاثة عقود. فأدت سياسات ترامب، سواء تلك التي تعلقت بالرسوم الجمركية، أو التي ارتبطت بترحيل المهاجرين وما نتج عنها من نقص في العمالة، أو التي اتصلت بالمواجهة مع المحاكم الفدرالية، لعدم اطمئنان الشركات والمستهلكين المحليين، وسيادة حالة من عدم اليقين الاقتصادي والسياسي في البلاد. كما أدى قرار ترامب بالانقلاب على أوكرانيا في صراعها مع روسيا، وتشكيكه العلني في الالتزام تجاه الناتو واستراتيجة الدفاع المشترك، لاهتزاز الثقة بالولايات المتحدة كشريك اقتصادي أو سياسي.
ومن المرجح أن تقوم الدول المتضررة من الرسوم الجمركية الأمريكية بالرد بفرض رسوم جمركية مقابلة على السلع الأمريكية، والبحث عن تحالفات تجارية واقتصادية بديلة. وبدأت كندا بالفعل في النظر إلى الاتحاد الأوروبي باعتباره شريكاً أكثر مصداقية من الولايات المتحدة. كما أعلنت اليابان وكوريا الجنوبية والصين عن توثيق التعاون بينهم في الجوانب الاقتصادية. وقد يعتبر الاتحاد الأوروبي أو المكسيك أن الصين شريكاً مفيداً. وتظهر الصين كشريك اقتصادي مهم لدول العالم، فتعد أكبر شريك تجاري لنحو ثلثي دول العالم، الأمر الذي سيفتح المجال لتحفيز الدول لتطوير وتعميق علاقاتها التجارية معها، بما في ذلك الاقتصادات الكبرى.
بات الاقتصاد العالمي اليوم أمام مفترق طرق، فإما احتواء التصعيد عبر الحوار والتسويات لتفادي الأسوأ، وإما المضي قدماً في مسار محفوف بالمخاطر. فقد تؤدي سياسات ترامب التجارية لحرب شاملة، وتباطؤ للنمو وحدوث ركود عالمي. وبدأت الجبهة الأمريكية الداخلية بالتململ لمواجهة سياسات ترامب الاقتصادية، لأن المواطن الأمريكي هو من سيدفع ثمن سياساته تلك. وبدأت تتصاعد الاحتجاجات في الشارع الأمريكي بالفعل، وقد يكون ذلك مجرد البداية، فقد لا يستطيع الشارع تحمل تبعات صدمة إرتفاع الأسعار المتوقعة في البلاد، ناهيك عن تعمق الكبوات الاستراتيجية اللاحقة.






