- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
د. دلال صائب عريقات تكتب: انتخابات بيرزيت انعكاس للرأي العام ؟
د. دلال صائب عريقات تكتب: انتخابات بيرزيت انعكاس للرأي العام ؟
- 22 مايو 2022, 7:45:24 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
غالبية المحللين والكتاب يحاججون أن انتخابات جامعة بيرزيت هي مقياس صادق وحقيقي للمزاج العام. حتى أنني قرأت مقالاً يستذكر نظرات التوتر التي أبداها والدي صائب عريقات أمين سر منظمة التحرير أثناء لقائه صحفيين بعد فوز الكتلة الإسلامية بانتخابات جامعة بيرزيت عام 2015، يقتبس قوله "لقد فقدنا الكثير، لا أستطيع أن أعطي سببًا بسيطًا لذلك، ولكن هذا مزاج الفلسطينيين"، يحاجج الكاتب ان كلام والدي هو دليل كبير على أن انتخابات بيرزيت هي فعلاً انعكاس للشارع.
قد اتفق مع تحليل الكاتب على مستوى نتائج الانتخابات ومكانة الفصائل والتيارات ولكني أجزم أن منطق وفكر صائب عريقات يؤكد أن جامعة بيرزيت هي الفائزة والديموقراطية هي الرابح الأكبر وعلى من خسر أن يعيد دراسة كثير من الأسباب, ولكن الأهم في مدرسة عريقات أن نتذكر ماهية الجامعات فهي مراكز انتاج الفكر والمعرفة بالدرجة الأولى، نعم هذا هو الدور الطبيعي للجامعات.
بعد تجربة الانتخابات، نعيد النظر لدور الجامعات وواجبها بتعليم أسس ومهارات التواصل، ما شهدناه في المناظرة الانتخابية قبل أيام وما فيها من صراخ وضجيج ومهاترات غاب عنها المنطق, غاب الفكر وغابت روح الشباب، مشهد عنوانه إخفاق الجامعات في تشكيل المعرفة وثقافة الحوار، غاب التفكير العقلاني، غاب التجدد في الطرح، غابت الوحدة الوطنية، غاب النقد البناء، غابت ثقافة التعدد، غاب قبول الآخر والاختلاف، غابت القدرة في التأثير والإقناع، غاب دور الجامعات لتخريج جيل من الشباب الفلسطيني قادر على خلق التغيير الذي نتمناه.
شتان ما بين البراغماتية الواقعية وما بين الرومانسية الثورية، نهتف للتحرير بلا دراسة بلا تخطيط بعيداً عن علم المنطق والثبات.
حقيقة عقد الانتخابات سبب فخر لجامعة بيرزيت حيث حضرت حرية الرأي والتعبير بقوة، وهي الأساس الذي يقوم عليه اي نظام ديمقراطي. وهنا نستحضر المادة ١٩ من الإعلان العالمي لحقوق الانسان لعام ١٩٤٨ ، كما نستحضر المادة ١٩ من القانون الاساسي الفلسطيني التي أكدت على ان لا مساس بحرية الرأي.
ما شهدناه في المناظرة حول أساليب حرية الرأي والتعبير مُثير للقلق ومرفوض، كما ان اللجوء للصراخ في كل ما يخص الرأي العام هو بحد ذاته معضلة تستحق الوقوف عندها من قبل الجامعات. معجم اللغة غني بالمفردات الصحيحة والسليمة، إلا أن هناك نسبة ما زالت تميل لأسلوب لا يرتقي لآداب اللغة ولا مكانة طلاب الجامعات، من المهم أن تعمل الجامعات على صقل مهارات الطلاب، مهارات التواصل اللغوية والأساليب وصياغة الرسائل بفكر ولغة سليمة ترتقي لمستوى التعليم العالي وتحقق دور الجامعات.
لا بد من تدريب الطلبة قبل المناظرات، الفرق كبير بين التواصل الاستراتيجي من جهة وبين العلاقات العامة وحملات البروباجاندا من جهة أخرى! فالعلاقات العامّة تهدف لعرض أحداث أو أشخاص أو مؤسسات بصورة معينة بغض النظر عن حقيقتها والبروباجاندا تضلل الجماهير، أما التواصل الإستراتيجي فيتعامل مع الحقيقة مع المعلومة الموثقة مع الأرقام والواقع ومهمته الرواية والسرد الصادق المبني على لغة الحقائق، التواصل الاستراتيجى يتضمن عنصري التأثير والإقناع. لا ضرورة للصراخ ولا للإطالة ولا للتفاصيل الدقيقة ولا للاستعراض. التواصل الاستراتيجي يعتمد على تحديد الجمهور، الرسالة واللغة؛ طبيعة الجمهور تحكم علينا استعمال لغة ووسائل وأدوات وكلمات معينة دون غيرها، والرسالة هي الفحوى أو المعلومة أو العبرة المراد توصيلها، أما اللغة فهي مقدار سلاسة أو تعقيد اللغة المستعملة للتعبير عن الأفكار، كما أن التواصل الاستراتيجي لا يهمل لغة الجسد والإيماءات.
يا ويلنا من زمان أضحت التفاهة والاستهزاء من الآخرين والكلام الخالي من أي فكر ظاهرة مدرجة تحت بند استعراض حرية الرأي والتعبير في المناظرات! على الجامعات ان ترفض ذلك وبشدة ويجب ضبط هذه السلوكيات وتصحيحها، فمن غير المقبول السكوت على هذا المستوى في الأداء، مطلوب منا جميعاً أفراداً وجامعات تعامل جاد وسريع وحقيقي يضمن اعادة توجيه البوصلة التي انحرفت عن مسارها الوحدوي الوطني والعمل على تدريب هؤلاء الطلبة وتزويدهم بأسس التواصل الإنساني والعلمي الذي يليق بالشعب الفلسطيني.
الطلبة يمثلون الشعب، فهم أبناء الوطن، الشعب الفلسطيني الصامد عنوان التضحية وحب البقاء، أما العاطفة خلال المناظرة فللأسف غلبت كل المشاهدات. هذا يدعو لاعادة تقييم النظم التعليمية التقليدية التلقينية التي تعتمد على الاجترار بعيداً عن الفكر النقدي الخلاق بعيداً عن التحليل المبني على جمع الدلائل، نرى الجميع يستخلص العبر ويطلق الأحكام دون توثيق دون تدوين وبلا مقدمات. أرجو أن لا يكون ما شهدناه في مناظرة انتخابات جامعة بيرزيت مقياسا لوعي الفلسطينيين ووطنيتهم لأن المشهد خلا من عقلانية المقومات.
لتكن شيرين أبو عاقلة المثال الحي الذي يتعلم منه جيل الشباب كيف يكون الاقناع بالمنطق بالهدوء والرزانة، كيف ننقل الرسالة، وكيف يكون الخطاب!
- دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.