- ℃ 11 تركيا
- 15 نوفمبر 2024
د. حسن أبو طالب يكتب: الصين والحصار الاستراتيجي الأميركي ما العمل؟
د. حسن أبو طالب يكتب: الصين والحصار الاستراتيجي الأميركي ما العمل؟
- 5 أكتوبر 2021, 3:26:25 م
- 538
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
على رغم نجاح الصين النسبي في احتواء التداعيات الصحية لوباء «كوفيد – 19» المستجد في العامين الماضيين، فإن التأثيرات الاقتصادية على المدى المتوسط بدأت في الظهور التدريجي، ومعها مجموعة من الأسئلة حول قدرة الاقتصاد الصيني على مواصلة نموه المبهر سابقاً، ومن ثم تحقيق الطموح الذي عبر عنه الرئيس شي جنبينغ بأن تتقدم البلاد إلى قمة العالم في غضون عقدين على الأكثر.
مؤشرات التأثر السلبي تجمعت في عدة مجالات حيوية، كانقطاع الكهرباء بسبب تراجع كميات الفحم المستخدم في توليد الطاقة، وإغلاق آلاف المصانع الصغيرة والمتوسطة، وتقنين ساعات الكهرباء حتى بالنسبة للعاصمة بكين، وهو أمر جديد بالنسبة لسكانها الذين اعتادوا طوال العشرين عاماً الماضية على الكهرباء الدائمة ونمط حياة ميسر إلى حد كبير.
ناهيك عن أزمة عملاق العقارات «إيفرغراند» واقترابه من الإفلاس نتيجة عدم القدرة على سداد القروض التي تفوق عدة مليارات من الدولارات. والمتوقع أن يؤدي انهيار هذا العملاق المتضخم والهش في الآن نفسه نتيجة القروض والتوسع غير المدروس، إلى انهيار العديد من شركات العقارات المتوسطة والصغيرة في عموم البلاد، والتأثير على بورصة بكين وعدد آخر من البورصات العالمية، والأهم إثارة أزمة اجتماعية كبرى نتيجة ضياع مدخرات صغار الصينيين الذين توهموا الحصول على مسكن مناسب.
ووفقاً لمتابعات الاقتصاد الصيني، ثمة تدخلات حكومية كبرى في عمل الشركات الخاصة المتوسطة والتي قادت الجزء الأكبر من التطور التكنولوجي في العقود الثلاثة الماضية، مما أدى إلى تراجع عمل تلك الشركات، وتفضيل البعض منها الإغلاق، وانخفاض التوجه لدى المستثمرين الجدد للعمل في هذه القطاعات الحيوية.
فعلى رغم إنفاق الحكومة الصينية عشرات المليارات على الصناعات التكنولوجية الدقيقة، وبالأخص صناعة الرقائق، فإنها تعتمد على 70 في المائة من الواردات الخارجية في صناعة الأجهزة التكنولوجية كالحاسبات والبطاريات والهواتف المحمولة، كما أن لها تأثيراً سلبياً على صناعة الأسلحة الصينية والعديد من القطاعات الحيوية.
وفي مجال البيئة ومكافحة التلوث تبدو الحقائق الأخيرة منذرة بالأسوأ، كالجفاف الذي أصاب العديد من أحواض الأنهار، وانخفاض مستوى الإنتاجية الزراعية بنسبة تقترب إلى 30 في المائة، وتحول الصين إلى مستورد للعديد من المنتجات الزراعية الأساسية. ويفاقم الوضع ارتفاع نسبة كبار السن أكثر من 65 عاماً وانخفاض نسب الأشخاص من قوة العمل.
في تفسير هذه المشكلات، تميل التقارير الغربية، ولا سيما الأميركية إلى إيجاد صلة مباشرة بين هذه الأزمات ذات الطابع الهيكلي وبين ثلاثة أسباب رئيسية؛ أولها سطوة الحزب الحاكم وغياب المحفزات المجتمعية والإنفاق الباذخ على المؤسسات الحكومية وتوفير القروض لها بمعدلات كبيرة، بغض النظر عن عدم كفاءة طرق الإنتاج ومعدلاته، مقارنة بالمؤسسات الخاصة، التي يتم التضييق عليها لأسباب مختلفة، كما حدث مع عملاق التجارة الإلكترونية «علي بابا»، بعد حديث لمُؤسسه أشار فيه إلى ضرورة إفساح مجال أكبر للابتكار بعيداً عن التدخلات الحكومية.
السبب الثاني، وهو الرؤية الاستراتيجية المنسوبة للرئيس شي جنبينغ، والذي غير الحزب لوائحه لمنحه فرصة البقاء رئيساً مدى الحياة، والتي تعمل على ارتقاء الصين موقع قيادة العالم في أقصر مدى زمني ممكن من خلال التوسع في الأسواق الخارجية، وربطها جميعاً بالصناعة والاقتصاد الصيني، وتعزيز القدرات العسكرية بحرياً وبرياً وجوياً وفضائياً، وتحويل آسيا إلى مركز انطلاق للهيمنة الصينية عالمياً، والسيطرة على الممرات البحرية القريبة من الصين، وخاصة بحر الصين الجنوبي. وبما أثار المخاوف لدى العديد من الدول الآسيوية والتي سارعت في العقدين الماضيين في التعامل مع الصين تجارياً.
ثالثاً، وهو الأهم استراتيجية الحصار الأميركي للصين، بدلاً من استراتيجية الاحتواء، من خلال التعامل معها كبلد منافس يمكن تجاوزه بجهد محدود، ولا يُخشى من تطوره التكنولوجي أو الاقتصادي أو توسع أسواقه. استراتيجية الحصار هذه بدأت مع الرئيس أوباما وتوسعت مع الرئيس ترمب، والآن تمارسها إدارة الرئيس بايدن بشكل عملي يتضمن عدة محاور بعضها سبق العمل به ويتم تكثيفه، والبعض الآخر يتم ابتكاره.
وتعد العقوبات الاقتصادية والتجارية ملمحاً أساسياً في هذه الاستراتيجية بغرض تقليص النفوذ المتصاعد للعديد من شركات التكنولوجيا الصينية التي اكتسبت سمعة دولية في العقدين الماضيين، أبرزها «هواوى»، إلى جانب تحفيز الشركات الغربية والأميركية على خفض وجودها في الصين والانتقال إلى أماكن أخرى، وينطبق الأمر على سلاسل الإمداد للمكونات والسلع المختلفة، حيث تجري منذ عام على قدم وساق عمليات تشكيل سلاسل جديد بعيدة عن الصين، يكون محورها الهند وأستراليا والبرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا ومصر. والهدف هنا هو كسر حلقة النفوذ الصيني على مكونات الإنتاج، لا سيما في صناعة السيارات والحاسبات الآلية والكيماويات والأدوية والرقائق الإلكترونية والقطارات السريعة والمكائن.
تتضمن استراتيجية الحصار مكوناً عسكرياً مباشراً، عبر عن نفسه في نسج تحالفات جديدة، لا سيما في منطقة المحيط الهادي كتحالف «أوكوس» الثلاثي الذي يضم الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا، وتفعيل التحالف السابق المعروف باسم «كواد»، الذي يضم بدوره الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا، فضلاً عن تحفيز العديد من الدول الآسيوية المحيطة والقريبة من الصين، كفيتنام وكوريا الجنوبية وإندونيسيا وسنغافورة وبورما بأن تشكل روابط أمنية وعسكرية بحرية وبرية تدعمها الولايات المتحدة لمحاصرة أي تمدد عسكري صيني بحراً أو براً، وفي السياق ذاته تدعيم القدرات العسكرية لكل من تايوان واليابان، بما يحول دون أي مغامرة عسكرية صينية ضد تايوان تحديداً.
استراتيجية الحصار الاستراتيجي الأميركي ليست خفية، فكل المؤسسات الأميركية بما في ذلك المؤسسات البحثية المعنية بالشؤون الآسيوية تتحدث عنها علناً وبتفصيلات عديدة. وهي أيضاً واضحة تماماً للصين ولكل من يحيط بها. وهنا يمكن تصور رد الفعل الصيني على مستويين؛ إما الاندفاع نحو تحقيق طموح الهيمنة على الجوار الآسيوي قبل أن تكتمل حلقات الحصار، وإما تعديل السياسة الصينية وبما يوفر مساحة اطمئنان كبرى لدى الجوار الآسيوي، ما يحول دون انخراط هذا الجوار في استراتيجية الحصار الأميركي. وكلا المستويين من رد الفعل الصيني المتوقع له تبعاته وإشكالياته الكبرى.
فالاندفاع نحو طموح الهيمنة استباقاً لإحكام حلقات الحصار الدولي، سيؤدي عملياً إلى إثارة أزمات غربية أمنية وربما مواجهات عسكرية تدعم مبررات الحصار لدى المؤمنين بها، وقد تتطور إلى مواجهة صينية غربية موسعة. وهي نتائج محتملة لا تحفز التفكير في هذه السياسة. أما تعديل السياسة الصينية وطمأنينة الجيران فتتطلب تغيرات جوهرية في طريقة التفكير الصينية لدى مؤسسة القيادة العليا. وهنا يكمن التحدي الحقيقي أمام تقدم الصين سلمياً نحو شراكة أساسية في إدارة النظام الدولي.