د. بدر حسن شافعي يكتب: ما الجديد في تحالف "الانقلابيين" في غرب أفريقيا؟

profile
  • clock 30 سبتمبر 2023, 3:20:00 م
  • eye 508
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يبدو أن التطورات الدراماتيكية في غربي أفريقيا لا تنتهي، فلم يستفق العالم على الانقلاب الأخير في النيجر، ومن قبله انقلاب مالي وبوركينا فاسو، حتى خرج زعماء الانقلاب في هذه الدول الثلاث ليعلنوا في السادس عشر من هذا الشهر ما يمكن أن نطلق عليه تحالف "الانقلابيين" في مواجهة أي قوة مسلحة تقف في وجوههم، سواء أكانت داخلية أم خارجية.

اتفق هؤلاء على تشكيل هذا التحالف العسكري الأمني الذي أطلقوا عليه اسم تحالف "الساحل"، أو تحالف إقليم ليبتاكو-غورما (Liptako Gourma Region)، وهو الاسم التاريخي للمنطقة الحدودية بين الدول الثلاث، والتي كانت مركزا للعديد من الأزمات خاصة في مواجهة الحركات الجهادية والحركات الراغبة في الانفصال مثل حركة تحرير أزواد منذ عام 2012، والتي دفعت فرنسا في العام التالي للتدخل العسكري المباشر من خلال عملية "سيرفال" في مالي، ثم دشنت بعدها بعام واحد عملية برخان، التي تضم إلى جانب باريس خمس دول هي تشاد ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وموريتانيا، وهدفها الرئيسي مواجهة هذه الجماعات المسلحة.

ويلاحظ أن هذا التحالف الأخير بين هذه الدول الثلاث ليس بجديد في فكرته، إذ تمتد جذوره التاريخية إلى عام 1970، عندما قررت هذه الدول الثلاث -بعد الاستقلال بفترة وجيزة- إنشاء هيئة التنمية المتكاملة "ليبتاكو-غورما"، والتي يشار إليها عادة باسم هيئة ليبتاكو غورما (LGA) لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دول هذه المنطقة الحبيسة (غير الساحلية)، التي تزيد مساحتها عن نصف مليون كيلومتر مربع، وتعد الأفقر اقتصاديا رغم غناها بالموارد الطبيعية الهائلة.

وفي عام 2017، امتدت مهمة تطوير هذه الهيئة إلى القضايا الأمنية، على اعتبار أن تحقيق التنمية الاقتصادية رهن بالاستقرار السياسي. وبالطبع، كان هذا يتم بالتنسيق مع فرنسا، التي كانت تقود عملية برخان، وتنشر أكثر من 5 آلاف جندي في هذه الدول.

ملابسات تشكيل التحالف الجديد

ربما الجديد في هذا التحالف الأخير أنه جاء بعد موجة الانقلابات التي شهدتها الدول الثلاث ضد النفوذ الفرنسي، والتي بدأت بمالي حيث طالب قادتها برحيل القوات الفرنسية في أغسطس/آب 2022، ثم إعلان فرنسا بعدها بثلاثة أشهر فقط انتهاء عملية برخان، مرورا بطلب مماثل من سلطات الانقلاب في بوركينا فاسو حيث كان 400 جندي، وبالفعل حدث الانسحاب في فبراير/شباط الماضي، وصولا إلى انقلاب النيجر في أغسطس/آب الماضي، ومطالبة قادة الانقلاب برحيل القوات الفرنسية التي يبلغ عددها قرابة 1500 جندي، وكانت تعد بمثابة اليد الطولى لفرنسا في المنطقة.

التحالف الجديد موجه أيضا ضد كل من فرنسا التي باتت تفقد نفوذها في مستعمراتها القديمة، وكذلك ضد التجمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا "إيكواس"

ومعنى ذلك أن هذا التحالف يأتي بعد فشل فرنسا -من خلال عملية برخان- في القضاء على نفوذ الحركات الجهادية والحركات الانفصالية في المنطقة، وبالتالي ارتأى قادة الانقلاب في هذه الدول ضرورة الاعتماد على النفس في مواجهة هذه التحديات، بدلا من الركون إلى فرنسا التي تراجعت شعبيتها بعد الفشل في تحقيق الاستقرار المنشود لشعوب المنطقة.

 

تحالف ضد فرنسا والإيكواس

لكن الإشكالية أن هذا التحالف الجديد موجه أيضا ضد كل من فرنسا التي باتت تفقد نفوذها في مستعمراتها الثلاث، وكذلك ضد التجمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا "إيكواس". فهو يرفض أي تدخل أو تحرك فرنسي لإعادة نظام الرئيس محمد بازوم في النيجر، بل أصر قادة انقلاب النيجر على ضرورة مغادرة القوات الفرنسية وكذلك السفير الفرنسي للبلاد في أقرب فرصة، ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ أعلن قادة مالي وبوركينا فاسو مساندتهم لقادة الانقلاب في النيجر ضد أي تدخل محتمل من قبل فرنسا أو إيكواس لإعادة بازوم.

ثم طورت الفكرة بموجب الاتفاق الأخير لتنطوي على حماية بعضهم بعضا ضد أي اعتداء خارجي أو داخلي، حيث يعد الاعتداء على أي من الدول الثلاث بمثابة اعتداء على البقية، مما يستلزم تدخلا فرديا أو جماعيا لوقف هذا العدوان، وهذا ما يعرف باسم نظام الأمن الجماعي (collective security)، الذي لا يقتصر على أن يكون الاعتداء داخل أي من هذه الدول الثلاث، وإنما قد يقع الاعتداء على قوات أي منها خارج حدودها. أي أنه تم توسيع نطاق هذا الأمن الجماعي، بحيث لم يعد قاصرا على مواجهة الحركات الجهادية، وإنما يشمل الانفصاليين أيضا.

تداعيات التحالف على المنطقة

وهذا مفهوم مطاط قد يتم تفسيره لتبرير استخدام القوة المسلحة ضد أي قوة سياسية أو مسلحة ترغب في عودة النظم الديمقراطية المخلوعة في هذه الدول الثلاث، كما أن هذا التحالف سيتم تفعيله في مواجهة إيكواس، التي قد تسعى بموجب بروتوكول الحكم الرشيد 2001 للتدخل العسكري لمواجهة الانقلابات وإعادة النظم الديمقراطية للحكم، وبالتالي سيكون لها هذا التحالف بالمرصاد. ولعل الجديد في هذا التحالف هو الاتفاق على وضع الهياكل التأسيسية لتنفيذه على أرض الواقع بعدما ظل تحالفا شكليا منذ ست سنوات.

التحالف الجديد يدق مسمارا أخيرا في نعش إيكواس التي عجزت حتى الآن عن التدخل في مواجهة الانقلابات في غرب أفريقيا

ومعنى هذا أن هذا التحالف الجديد يشكل نظام أمن جماعي مواز للأمن الجماعي الخاص بإيكواس، بل إنه يحدث حالة من الانقسام الداخلي بها، خاصة بعد تعليق إيكواس عضوية هذه الدول الثلاث بسبب الانقلابات العسكرية بها، وفي المقابل إبداء هذه النظم الرغبة في الانسحاب منها.

كما تكمن الخطورة في أن هذا التحالف الجديد دعا باقي دول الإقليم للانضمام إليه، وهي خطوة من شأنها تعزيز فكرة الانقلابات العسكرية، في ظل وجود ظهير عسكري قوي لقادة هذه الانقلابات. كما أنه يدق مسمارا أخيرا في نعش إيكواس التي عجزت حتى الآن عن التدخل في مواجهة الانقلابات في هذه الدول الثلاث، بل إن هذا التحالف في مثل هذا التوقيت يجعل تهديدات إيكواس بشأن إمكانية التدخل في النيجر بمثابة تهديدات جوفاء تفتقد إلى الجدية العملية، خاصة وأن أية قرارات قد تتطلب قدرا من التوافق أو الأغلبية التي بات تحقيقها صعب المنال.

 

وهكذا يصيب فيروس "الانقسامات" منظمة إيكواس كما أصاب المجموعة الاقتصادية لوسط أفريقيا "إيكاس" من قبل، ليعلن قرب انتهاء الفاعلية الأمنية والعسكرية لها، وليدشن مرحلة جديدة من الانقلابات في هذا الحزام الانقلابي الذي تشهده منطقة الساحل منذ سنوات.

 

 

التعليقات (0)