إبراهيم نوار يكتب: السعودية تقود انقلابا نوويا في الشرق الأوسط

profile
  • clock 27 سبتمبر 2023, 1:08:08 م
  • eye 358
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بينما كانت طائرة بنيامين نتنياهو تحط به في أرض مطار بن غوريون عائدا من نيويورك، بعد خطابه التاريخي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مبشرا شعبه بأنه بلغ «عتبة» التطبيع مع المملكة السعودية، كان الأمير عبد العزيز بن سلمان يعلن أمام ممثلي العالم في الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا أن المملكة قررت بدء إجراءات إنشاء أول محطة للطاقة النووية في البلاد، وأن الرياض خرجت من «بروتوكول الكميات الصغيرة» لكي توقع على اتفاقية «الضمانات النووية الشاملة»، ما يعني أن السعودية ستبدأ برنامجها النووي السلمي في تعاون كامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ما أعلنه الأمير عبد العزيز يقول بالخط العريض إن المملكة لا تنتظر إذنا من أحد حتى تمارس حقا من حقوق سيادتها المشروعة، في امتلاك التكنولوجيا النووية، التي أصبحت أساسا من أسس التنمية والتقدم، ومكونا أساسيا من مكونات عصر الانتقال الطاقوي من الوقود الإحفوري إلى الطاقة الجديدة والمتجددة.

صحيح أن السعودية لا تعادي أمريكا، ولا تمانع في إقامة نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط تشارك فيه إسرائيل. لكنها لن تبيع إرادتها مقابل اتفاق لا يساوي ثمن الحبر المكتوب به

الشيطان يكمن في التفاصيل

ومما لا شك فيه أن نتنياهو ووزير خارجيته إيلي كوهين، ووزير الشؤون الاستراتيجية المعني بالهندسة السياسية للتطبيع رون درمر، أصيبوا جميعا بالصدمة في تل أبيب، كما أصيب بها البيت الأبيض، بما فيه سكرتارية مجلس الأمن القومي بقيادة جيك سوليفان، ووزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن بقيادة أنطوني بلينكن، (دعكم من الرئيس فإنه لا يذكر ما قال للتو). تل أبيب وواشنطن «تقفان على خط واحد في ما يتعلق بالمطلب النووي السعودي»، هكذا قال رون درمر قبل مغادرة نيويورك. ولما سئل عن خطورة تخصيب اليورانيوم وإنتاج الوقود النووي في السعودية، فإنه قلل من أهمية الأمر، وأشار إلى محدثيه قائلا «الشيطان يكمن في التفاصيل»، وهو ما يعني بالمنطق اللئيم: «دعونا نبيع إليهم اتفاقا يكون مليئا بالتفاصيل التي لا تدعهم ينتفعون منه شيئا»! نحن نذكر بالتأكيد حكاية «أل» التعريف في القرار 242 المتعلقة بنص الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة منذ 5 يونيو/حزيران 1967!
ويبدو أن القيادة السياسية السعودية أدركت أن كلا من الولايات المتحدة وإسرائيل تتلاعبان بالحلم السعودي في امتلاك تكنولوجيا الطاقة النووية كاملة غير منقوصة، بما يمنحها القدرة على تحقيق «استقلال نووي سلمي» ولا يجعلها تحت رحمة من يصدرون إليها الوقود النووي، أو يمنعونه عنها، مثل دول أخرى في المنطقة لجأت إلى اسلوب إقامة محطات الطاقة النووية، بصيغة عقود «تسليم المفتاح»، كما هو الحال في الإمارات ومصر. لقد كان البرنامج الوطني النووي السلمي السعودي واضحا أشد الوضوح، منذ إعلانه في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، وما تأكد بقوة في رؤية 2030 وكلمات الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس الوزراء السعودي. كان البرنامج النووي واضحا في التصميم على أن تبني السعودية صرحا متكاملا للتكنولوجيا النووية، بدءا من تكنولوجيا التنقيب عن اليورانيوم وصناعة الكعكة الصفراء، إلى امتلاك تكنولوجيا دورة إنتاج الوقود النووي كاملة غير منقوصة. هكذا هي رؤية السعودية لطموحها النووي. وقد كانت اللهجة القوية، الواضحة، والبساطة التي أعلن بها الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي، قرار بلاده في شأن البدء في إجراءات إقامة الصرح النووي السلمي السعودي دليلا على صلابة الإرادة السعودية.

التكنولوجيا النووية السلمية عنصر قوة

وتعلم المملكة العربية السعودية أنها لن تكون أبدا قوة عظمى إقليمية، ولا واحدة من القوى الكبرى في العالم، من دون امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية بلا قيود، بلا عداء أو استعداء لأحد، وإنما لممارسة حقها الطبيعي كدولة من دول العالم الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، لها حقوق يجب أن تمارسها، وعليها واجبات تلتزم بها من خلال الترتيبات المنصوص عليها في اتفاقية الضمانات الشاملة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن الأمير عبد العزيز بن سلمان، وهو يعلن انطلاق بلاده إلى منصة التكنولوجيا النووية السلمية، أبى إلا أن يذكِّر الوكالة الدولية للطاقة الذرية والدول الأعضاء فيها بقرار عام 1995 الخاص بإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، وكل أسلحة الدمار الشامل. هذا التذكير بقرار ترفضه إسرائيل يقول للعالم كله، للولايات المتحدة كما إسرائيل، بأن السعودية ترفض أن تتلقى دروسا من أحد في شأن الالتزام بالطابع السلمي لبرنامجها النووي، وأن على العالم إذا كان يعني ما يقول، أن يثبت قدرته على إنفاذ قراراته، وإلزام دول العالم المعنية بتنفيذها، وأنه من العبث تحذير دولة تسعى إلى امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية، في حين تسرح وتمرح دولة أخرى في المنطقة هي إسرائيل بامتلاكها للأسلحة النووية وتهديد جيرانها بها. الأمير محمد بن سلمان قال في حواره مع قناة «فوكس نيوز» الأمريكية في مثل هذا اليوم من الأسبوع الماضي، إن البرنامج النووي الذي تطمح إليه السعودية هو برنامج سلمي «ولكن إذا امتلكت إيران سلاحا نوويا، فإن السعودية ستفعل الشيء نفسه». وما يصدق على إيران، يصدق تماما على أي دولة أخرى من دول المنطقة، ومنها إسرائيل. وترفض إسرائيل الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، كما ترفض الإفصاح عما لديها في ترسانة أسلحتها النووية. وتريد إسرائيل ضمان تفوقها العسكري الساحق على كل دول المنطقة بسلاحين: الأول هو احتكار السلاح النووي، وحرمان أي دولة في المنطقة من امتلاكه، أو أن تصبح منافسا لها فيه. الثاني هو ضمان الولايات المتحدة لتفوقها العسكري النوعي في الأسلحة التقليدية على كل الدول المجاورة. وفي هذا السياق فإن إسرائيل تطور قدراتها العسكرية التقليدية، ليس فقط بالحصول على أحدث ما في ترسانة الأسلحة الأمريكية التقليدية، ولكن أيضا بالمشاركة في تصنيع هذه الأسلحة، كما هو الحال في صناعات الطائرات والصناعات الصاروخية. وإذا كان الحال كذلك في العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة واسرائيل، فإن خضوع السعودية للشروط الأمريكية – الإسرائيلية في أي اتفاق ثنائي أو ثلاثي، معلن أو غير معلن، من شأنه أن ينتقص من سيادة المملكة السعودية، وأن يقيد إرادتها المستقلة، وأن يعيدها مرة أخرى للخضوع تحت مبدأ «النفط مقابل الدفاع»، وهو المبدأ الذي رفضته القيادة السعودية الجديدة قولا وعملا.

شروط السعودية والأمن الإسرائيلي

الرياض طلبت ضمانات أمنية وحرية الحصول على أحدث الأسلحة في الترسانة العسكرية الامريكية، وهو شرط يتناقض تماما مع سياسة الولايات المتحدة في ضمان التفوق النوعي العسكري الإسرائيلي QME على جيرانها. ذلك إنه في حال حصول السعودية على أحدث الأسلحة الأمريكية ينتفي هذا المبدأ تماما. ونعتقد أن اللوبي الصهيوني – الأمريكي سيرفض ذلك رفضا مطلقا. كما طلبت الرياض مساعدة الولايات المتحدة في إقامة برنامجها النووي السلمي، وهي تشترط في ذلك حق امتلاك إنتاج دورة الوقود النووي الكاملة، ما يوفر لها الأساس التكنولوجي لكسر احتكار إسرائيل وإيران لتكنولوجيا إنتاج دورة الوقود النووي الكاملة. ويرى أنصار إسرائيل في الكونغرس الأمريكي من الديمقراطيين والجمهوريين على السواء، أن الولايات المتحدة، يجب أن لا توافق على ذلك، وأنه في حال الموافقة فإن الجهاز العصبي لتكنولوجيا إنتاج الوقود النووي في السعودية يجب أن يكون تحت إشراف الولايات المتحدة. أما الشرط الثالث الذي وضعته الرياض على مائدة المحادثات غير المباشرة للتطبيع مع إسرائيل فهو، إقامة سلام دائم وعادل في الشرق الأوسط بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، قادرة على الحياة والاستمرار، على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وأن تكون «القدس الشرقية» هي عاصمة هذه الدولة. هذه الشروط الثلاثة تضرب أساس نظرية الأمن الإسرائيلي. ومع أن الأمير محمد بن سلمان تحدث عن آفاق التطبيع مع إسرائيل في حواره مع «فوكس نيوز» يوم الأربعاء الماضي، أكثر مما تحدث عن الحقوق الوطنية الفلسطينية، فإن الكلمة الصارمة التي ألقاها الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا تدع مجالا للشك بشأن تمسك السياسة الخارجية السعودية بضرورة إقامة السلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط، انطلاقا من مبادئ مبادرة السلام العربية لعام 2002. صحيح أن السعودية لا تعادي الولايات المتحدة ولا تستعديها، كما أنها لا تمانع في إقامة نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط تشارك فيه إسرائيل. لكن السعودية لن تبيع إرادتها في مقابل أي اتفاق لا يساوي ثمن الحبر المكتوب به. إن الشروط الثلاثة التي وضعتها الرياض للتطبيع مع إسرائيل تقطع الطريق على إقامة محور إقليمي للعداء ضد آخرين في المنطقة أو خارجها، وتضمن إقامة نظام للتوازن التكنولوجي النووي المتعدد الأطراف بين العرب وإيران وإسرائيل، كما تضع أسسا قوية لمشاركة المنطقة في إقامة نظام دائم للأمن والسلم في العالم.
كاتب مصري


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)