- ℃ 11 تركيا
- 31 يناير 2025
د. إدريس آيات يكتب: ترامب وإصرار تهجير الفلسطينيين إلى مصر.. هل يشعل نار الصدام الإقليمي؟
د. إدريس آيات يكتب: ترامب وإصرار تهجير الفلسطينيين إلى مصر.. هل يشعل نار الصدام الإقليمي؟
- 31 يناير 2025, 3:51:16 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يزال متمسكًا بموقفه المتطرف تجاه القضية الفلسطينية، فبعدما أبدت كل من مصر والأردن رفضهما القاطع لأي مخطط لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى أراضيهما، خرج ترامب ليؤكد أنهما “سيقبلان بذلك”، مضيفًا بمنطق لا يقبل النقاش: “نحن نفعل الكثير من أجلهم، سوف يأخذونهم”.
ورغم هذا التعنت، جاء الرد المصري واضحًا وحاسمًا، إذ شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي على أن تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء “ظلم لن تتشارك فيه مصر”، معتبرًا أن الأمر ليس مجرد قضية سياسية، بل مسألة تتعلق بالأمن القومي المصري في المقام الأول.
عمليًا، يعد هذا أخطر اختبار تواجهه الإدارة المصرية في تاريخها الحديث، فترامب لا يعبأ بالتاريخ أو الجغرافيا أو حتى البعد الثقافي للمنطقة، بل يتحرك وفق رؤية أيديولوجية تخدم الحلم الصهيوني في إقامة “إسرائيل الكبرى”، وهو حلم لم يخفِ ترامب رغبته في تحقيقه منذ سنوات. واليوم، يعود ليطرح ذات التصورات التي لطالما راودت اليمين الإسرائيلي المتطرف، وهو ما ينذر بتطورات كارثية قد تجر المنطقة إلى حرب إقليمية واسعة.
التاريخ يعيد نفسه: سيناريو لبنان 1948 يتكرر؟
المخاوف المصرية من مخطط التهجير ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى تجارب تاريخية مأساوية، أبرزها تهجير الفلسطينيين إلى لبنان عام 1948، حين قيل لهم آنذاك إن خروجهم من أراضيهم مؤقت لحين إعادة إعمارها، لكن ما حدث هو أن المستوطنين الأوروبيين احتلوا منازلهم.
وسرعان ما أصبح الفلسطيني الذي يحاول العودة إلى أرضه متهمًا بالإرهاب، بل ومستهدفًا بالقتل تحت ذريعة “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
هذا السيناريو الذي شهدته لبنان والأردن في النكبة الأولى هو ذاته الذي تحاول تل أبيب وواشنطن فرضه اليوم عبر مخطط تهجير سكان غزة.
سيناء: خط أحمر في العقيدة العسكرية المصرية
بالنسبة لمصر، فإن سيناء ليست مجرد أرض جغرافية، بل رمز نضال وكفاح عسكري، وكل محاولة لتغيير واقعها الديمغرافي تمثل اعتداءً مباشرًا على الأمن القومي المصري.
القيادة المصرية تدرك أن قبول تهجير الفلسطينيين إلى سيناء يعني تصفية تامة للقضية الفلسطينية، وهو ما يهدد مصر نفسها، لأن مشروع “إسرائيل الكبرى” يقوم في جوهره على حلم السيطرة على النيل وضم القاهرة في نهاية المطاف إلى حدود الاحتلال.
ثلاثة سيناريوهات محتملة: أي طريق ستسلكه القاهرة؟
أمام هذا الضغط الأمريكي المتزايد، هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسية قد تفرض نفسها:
1- الرضوخ للضغوط الأمريكية:
تحت تهديد قطع المساعدات العسكرية السنوية التي تبلغ 1.2 مليار دولار، وربما فرض عقوبات اقتصادية، قد تتعرض القاهرة لضغوط قاسية تجعلها أمام خيارات صعبة.
مع العلم، أنّ مصر حصلت على ما يزيد عن 85 مليار دولار من المساعدات الخارجية من الولايات المتحدة منذ عام 1946، وهناك شريحة واسعة من الجيش المصري متمسكة بهذه المساعدات.
ومع ذلك، فإن المؤشرات الحالية ترجّح أن مصر لن ترضخ، خاصة أن موقفها المعلن حتى الآن شديد الوضوح في رفض المشروع.
2- تراجع إدارة ترامب عن الفكرة:
مع تصاعد الرفض العربي والدولي، قد يجد ترامب نفسه مضطرًا للتراجع عن هذه الخطوة، خاصة أن الشارع المصري بدأ يُظهر تفاعلات غاضبة، ولو بشكل محدود حتى الآن.
مجرد خروج مظاهرات صغيرة تجاه معبر رفح، كفيلة بإثارة قلق تل أبيب، التي تدرك أن أي تهاون مصري في تأمين المعبر قد يكلّفها ثمنًا باهظًا، وكانت هنالك مظاهراتٍ مصرية طفيفة يوم أمس نحو المعبر.
3- عودة الحرب إلى غزة:
قد يكون السيناريو الأرجح هو استئناف الحرب الإسرائيلية على غزة فور انتهاء تبادل الأسرى، وهو ما كشف عنه وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، حين قال: “أنا واثق من أن إسرائيل ستعود إلى القتال بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، وإذا لم يحدث ذلك فسأُسقط الحكومة”.
كما أكد أن إسرائيل لن تتراجع عن استكمال الحرب حتى القضاء التام على حركة حماس، محذرًا من أن أي تسوية سياسية قد تعني “استيلاء حماس على أي دولة فلسطينية محتملة”.
الصدام الإسرائيلي المصري: هل تدفع المنطقة إلى حرب إقليمية؟
منذ سنوات، تشهد إسرائيل تصاعدًا غير مسبوق لليمين الديني المتطرف، الذي لا يخفي عداءه للعرب عمومًا، ولمصر على وجه الخصوص، استنادًا إلى روايات دينية توراتية تتحدث عن العداء الأزلي بين مصر و”شعب الله المختار”.
ترامب، باندفاعه الأعمى، لا يدرك أنه حين يدعم هذا التيار، فإنه عمليًا يدفع المنطقة إلى حرب شاملة، حيث إن المساس بأمن مصر القومي سيدفعها إلى رد فعل عسكري فوري، وهو ما سيضع إسرائيل في مواجهة مباشرة -محتملة-مع القوات المصرية في المنطقة.
ترامب بين الغرور والجهل: هل يكرر أخطاء الماضي؟
في ظل هذا التصعيد، يبقى السؤال الكبير: هل سيدرك ترامب خطورة ما يفعله، أم سيمضي في غروره حتى النهاية؟ دعمه غير المشروط لليمين الإسرائيلي المتطرف قد يكون كفيلًا بإشعال حرب إقليمية غير مسبوقة، خاصة إذا استمر في التعامل مع المنطقة بمنطق القوة والهيمنة.
الأيام القادمة ستكون حاسمة، وسيكون على القاهرة اتخاذ قرارات مصيرية قد تحدد مصير المنطقة بأكملها.
من سيرضخ لمن؟!