- ℃ 11 تركيا
- 30 يناير 2025
د.إبراهيم جلال فضلون يكتب: دول الساحل صداع أوروبا وإيكواس مُمل
د.إبراهيم جلال فضلون يكتب: دول الساحل صداع أوروبا وإيكواس مُمل
- 28 يناير 2025, 10:20:52 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تتعدد الفرص الاقتصادية والمشاريع المستقبلية لتحالف دول الساحل أو تحالف إقليم "ليبتاكو-غورما"، (إيه إي إس) وهو الاسم التاريخي للمنطقة الحدودية بين الدول الثلاث والذي تشكل عام 2022 وتكون مجهزة بموارد جوية وبرية واستخباراتية تكلل ب "كونفدرالية دول الساحل" في 6 يوليو عام 2024، بعدما كانت معاهدة دفاع مشترك أنشأت في 16 سبتمبر عام 2023. والهدف الاساسي للتحالف هو الحماية الاقتصادية من التهديدات المحتملة، وتتعدد الفرص الاقتصادية والمشاريع المستقبلية، وهو ما يعكس رغبة الدول الثلاث في الانفصال عن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس"، وتوجههم للخروج من الفرنك الأفريقي، العملة المشتركة بين ثماني دول أعضاء في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا (UEMOA)، التي تتمتع بعلاقة ثابتة مع اليورو. ليتم إنشاء عملة موحدة بين الثلاثي بوركينا فاسو ومالي والنيجر خاصة بها، وأصدر وزراء المالية من الدول الثلاث في نوفمبر الماضي، بيانًا مشتركًا أوصوا فيه بتشكيل لجنة من الخبراء لدراسة قضايا الاتحاد الاقتصادي والنقدي، بالإضافة إلى اقتراح إنشاء صندوق مشترك للاستقرار وبنك استثماري، إلى جانب مشاريع هيكلة في مجالات الطاقة والبنية التحتية والنقل والأمن الغذائي.
وفقًا للبيانات الواردة من مؤتمر التعدين العالمي، تمتلك منطقة الساحل ثروات طبيعية هائلة، لكنها لم تترجم بعد إلى مستويات عالية من التنمية البشرية والتي ابتلعها الاحتلال الفرنسي طوال عقود ماضية، فالمنطقة الحدودية الثلاثية "ليبتاكو-غورما"، التي تشترك فيها الدول الثلاث، غنية بالموارد الطبيعية مثل الذهب والماس واليورانيوم والمنغنيز والغاز والنفط، فالدول الثلاث، التي تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على الزراعة، هي دول غير ساحلية ولا تزال تعتمد على إيكواس في العديد من الجوانب الاقتصادية، بما في ذلك إمدادات الكهرباء. علماً بأن العملاق النيجيري يهيمن بشكل كبير على المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، حيث يمثل ناتجها المحلي الإجمالي 66 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي للمجموعة، في المقابل، تسهم بوركينا فاسو ومالي والنيجر مجتمعة بنسبة 8 % فقط، وتقدم إيكواس أيضًا ضمانًا لوصول هذه البلدان إلى الأسواق المالية الدولية. وبالتالي، فخروج هذه الدول من الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا قد يحرمها من التمويل المستقبلي، مما قد يؤدي إلى تدهور تصنيفها الائتماني وسقوط قيمة عملتها الجديدة المستقبلية.
وأخيراً فإن التحديات لدول الساحل تتجاوز مجرد طباعة أوراق نقدية جديدة، لذا لابد من إنشاء بنك مركزي جديد، وصياغة سياسة نقدية مشتركة، وإدارة عملية الانتقال بعيدًا عن فرنك الاتحاد الأفريقي لأن التخلي عن العملة الموحدة سيؤدي إلى كساد اقتصادي كبير، وسيكون ذلك أكبر خطأ سياسي يمكن أن ترتكبه هذه الدول، فقد فشلت مالي في تجربة تجربة العملة الوطنية بين عامي 1962 و1967.. وبالتالي سيحرمهم البنك المركزي الأفريقي الجديد من إمكانية الاقتراض من الأسواق الإقليمية.. وسيكون من الصعب تحقيق المشاريع الطموحة بسبب العقوبات الاقتصادية التي تفرضها إيكواس وإلغاء المساعدات الخارجية من دول مثل فرنسا والاتحاد الأوروبي، والتي تعتمد عليها ميزانيات هذه الدول جزئيًا، ولكن أعتقد أنه رغم هذه التحديات، تمتلك الدول الثلاث الوسائل والموارد اللازمة لمواجهتها، بفضل مواردها الزراعية والحيوانية القوية، وتوقيعهم اتفاقيات تعاون مع روسيا والصين لبناء محطات للطاقة النووية وتكرير الذهب والطاقة الشمسية أما الأهم الموارد التعدينية فمالي، التي تُعتبر ثالث أكبر منتج للذهب في إفريقيا، تمتلك ثروات طبيعية متنوعة تشمل حوالي 800 طن من رواسب الذهب، و2 مليون طن من خام الحديد، و5 آلاف طن من اليورانيوم، و20 مليون طن من المنغنيز، و4 ملايين طن من الليثيوم، و10 ملايين طن من الحجر الجيري.. أما النيجر فهى أكبر مورد لليورانيوم في العالم، كما تتمتع النيجر بموارد أخرى مثل الفحم والذهب والنفط، أما بوركينا فاسو أيضًا غنية بالموارد المعدنية، حيث تحتوي على الذهب والماس والزنك والنحاس والمنغنيز والفوسفات والحجر الجيري، بل وأن المنطقة الحدودية الثلاثية التي تلتقي عندها حدود مالي وكوت ديفوار وبوركينا فاسو شريانًا استراتيجيًا للمنطقة، يمر خلالها أكثر من 25 % من واردات مالي عبر ممر أبيدجان-باماكو، وعلى نحو مماثل، تمر نحو 30 % إلى 35 % من واردات بوركينا فاسو عبر ممر أبيدجان-بوبو ديولاسو، حيث يعتمد أكثر من نصف صادرات بوركينا فاسو، بما في ذلك قطاع القطن القيم، على ميناء أبيدجان.
تشهد منطقة الساحل تطورات سريعة تؤثر على مجالات الأمن والسياسة والاقتصاد، خاصةً فيما يتعلق بالسيطرة على مناطق التعدين وطرق التجارة الحيوية بين شمال ووسط وجنوب إفريقيا.. حيثُ كانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا على خلاف مع الثلاثي، لاسيما بعد انقلاب يوليو 2023 في النيجر، بل وفرضت الكتلة عقوبات على نيامي، وأغلقت الدول الأعضاء الأخرى في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (باستثناء بوركينا فاسو ومالي، وكذلك غينيا، التي شهدت انقلابها عام 2021) حدودها مع النيجر، وعلقت المعاملات المالية وجمدت أصولها، كما قطعت نيجيريا، جارة النيجر الأكثر ازدهارًا، إمداداتها من الكهرباء، التي اعتمدت عليها النيجر لتلبية حوالي 70 في المائة من احتياجاتها المحلية. ونتيجة ذلك أعلنت النيجر ومالي وبوركينا فاسو عن تشكيل قوة موحدة قوامها 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهابيين.