- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
حكاية الديون فى مصر (1)
حكاية الديون فى مصر (1)
- 18 مارس 2021, 3:59:07 م
- 3462
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
حتى نعرف كارثة الديون فى عهد السيسى فلنبدأ حكاية الديون من البداية
تتميز علاقات الدول الاقتصادية بدرجة من التداخل والتعاون المتبادل ، لذا فأن مسألة الإقتراض بين الدول وبعضها البعض ، أو بين الدول والمؤسسات التمويلية الدولية مثل صندوق النقد أو البنك الدولى أو بنوك التنمية الإقليمية أو غيرها ، ليست منبوذة فى ذاتها ، أو مرفوضة من حيث المبدأ ، وإنما هى مقدرة بقدرها ، ووفقا لشروط ومقتضيات محددة ، وإلا تصبح عملية الإقتراض عبء دون داعى ، وأداءا دون طائل .
وتعتبر الديون إضافة إلى الاقتصاد الوطنى إذا توافرت فيها ثلاثة شروط أو معايير هى :
الأول : أن تكون هذه الديون بغرض الأضافة للأصول الانتاجية ، أى تلبية لمتطلبات الاستثمار الانتاجى للدولة و المجتمع .
الثانى : أن لا تزيد هذه الديون عن طاقة الدولة على ردها أو خدمتها فى صورها المختلفة ( سداد الأقساط + الفوائد ) .
الثالث : أن لا يصاحبها شروط أو توجيهات أو أوامر فى صيغ مختلفة ، يستهدف من ورائها المقرض أو الدائن توجيه سياسات الدولة فى إتجاهات معينة ، أو تغييرا فى نمط أولوياتها التنموية ، وتلبية المطالب العادلة للفئات الاجتماعية المحرومة والفقيرة (43).
وسواء كانت هذه الديون من مصادر محلية ( أذون خزانة – سندات دين حكومى – طبع بنكنوت من البنك المركزى) ، أو من مصادر أجنبية ، فانه بتطبيق هذه المعايير الثلاثة على المرحلة الأولى للتنمية فى مصر (1957- 1967) ، والمرحلة الثانية التى بدأت بتطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادى (1974-2020) ، نجد أنفسنا إزاء مفارقة تاريخية تحتاج إلى مزيد من التأمل والتحليل .
فالديون الخارجية غالبا ما تتحقق لأحد السببين التاليين أو لكليهما :
الأول : عجز متزايد في الموازنة العامة للدولة لا تستطيع المصادر المحلية وحدها أن تغطيه (مدخرات – اقتراض مصرفي ... الخ) ، بما يؤدى إلى وجود فجوة في الموارد اللازمة لتلبية احتياجات الاستثمار القومي والإنفاق الجاري الحكومي.
الثانى : عجز متفاقم في ميزان المدفوعات للدولة – وخاصة الميزان التجاري – لا يمكن مواجهته بمصادر الدخل الأخرى كالتحويلات والمعاملات غير المنظورة ، فتلجأ الدولة للاقتراض الخارجي في أشكاله العديدة والمتنوعة.
الانفتاح الاقتصادى وتفاقم المديونية الخارجية والداخلية (1974-2011 )
حل عام 1974 على مصر والمنطقة العربية، بمعطيات جديدة وأوضاع جديدة ، فحرب أكتوبر بإنجازها العسكري المحدود ؛ قد فتحت الطريق لتسويات سياسية ، وإعادة علاقات دبلوماسية وجسور اقتصادية بدت على السطح حميمة مع الغرب وفى طليعته الولايات المتحدة الأمريكية.
كما كان للحرب نتائج هائلة على ارتفاع أسعار النفط بصورة غير مسبوقة فى تاريخ العلاقات الاقتصادية الدولية ، مما راكم ثروات خيالية جديدة بالقرب من ضفاف النيل أخذت تجتذب إليها أنظار الملايين وتتوق إليها أفئدة الراغبين والطامحين والطامعين.
وفى ظل بيئة سياسية تتحرك في إطار تسوية لصراع معقد وممتد ، فإن رجال المال والأعمال والمقاولات العارفين ببواطن الأسواق يصبحوا - والأمر كذلك - عنصر تهدئة وعامل جذب والرابحون من كل اتفاق. والحقيقة أن الاقتصاد المصري عشية الانفتاح كان محملا بأربعة هموم كبرى مثلت ثغرات في بنيان الاقتصاد المصري وهى :-
1-العجز المتزايد في الموازنة العامة.
2-الفجوة المتسعة في الميزان التجاري.
3-مقدار من المديونية الخارجية زادتها ظروف الحرب والعدوان الإسرائيل منذ يونيه عام 1967.
4 -وخسارة لحقت بالاقتصاد المصري قدرها بعض الخبراء الاقتصاديين المصريين من جراء العدوان الإسرائيلي في يونية 1967 وحتى عام 1977 بلغت وفقاً لأكثر التقديرات تحفظا 17 مليار جنيه بأسعار عام 1975 ( الجنية المصري = 2.4 دولار أمريكي وقتئذ )(64).
والمفارقة المدهشة أن عمق الاختلالات الهيكلية التي لحقت بالاقتصاد المصري خلال فترة الانفتاح الأولى (74 – 1981) ، قد صاحبها وتزامن معها تطور مذهل وغير مسبوق في زيادة إيرادات لأربعة مصادر جديدة للدخل القومي ، حيث زادت تحويلات العاملين المصريين بالخارج من 83 مليون جنيه عام 1973 إلى ما يربو على 2049 مليون جنيه عام 1980 ، كما زادت عائدات صادرات النفط المصري من 23.4 مليون جنيه عام 1972 إلى أن بلغت 1457 مليون جنيه عام 1980 (65)، كما زادت إيرادات المرور في قناة السويس بعد افتتاحها في يونية عام 1975 ، من 33.2 مليون جنيه إلى 621.8 مليون جنيه عام 1981 (66). وأخيرا فأن إيرادات الحركة السياحية انتعشت خلال هذه المرحلة لتزيد من 113 مليون جنيه عام 1973 إلى أن بلغت 499 مليون جنيه عام 1979 (67). هذا بخلاف ما ينفقه السائحون (وعددهم 1.4 مليون سائح وقتئذ) ولا ترصده أجهزة الإحصاء الرسمية حيث يقتصر المبلغ المشار إليه على التحويلات المصرفية وأوراق النقد فقط دون ما يتم تسريبه في سوق العملات غير الرسمية (السوق السوداء)، وتهريب بعض الشركات السياحية .
أي أن السنوات السبع الأولى من تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي قد أدخلت مواردا جديدة لم تكن لها نفس الحضور والتأثير في الاقتصاد المصري قبل هذا التاريخ ، وقدرها 17.3 مليار جنيه مصري ( ما يعادل 25.0 إلى 30.0 مليار دولار وفقا لأسعار الصرف السائدة في تلك الفترة ).
وتكشف المتابعات الدقيقة لسياسات الرئيس السادات بعد عام 1973 ، عن جوانب غير منطقية ، ولا تتسق مع المعطيات والمتغيرات الجديدة التي جاءت بعد حرب اكتوبر ، وطوفان الأموال الذى تدفق على مصر من المساعدات والمنح العربية ، والمصادر الجديدة للدخل .
والحقيقة أن الاختلالات التي أشرنا إليها من قبل ، كان من الممكن معالجتها ، لو تحلت قيادة الرئيس السادات وأطقم المسئولين المحيطون به بالقدر المناسب من الحصافة والقدرة على التخطيط الاقتصادي ، فالأطقم الجديدة كانت من الحالمين بالتحول إلى اقتصاد السوق الرأسمالي ، كما لعب دخول صندوق النقد الدولي والمستشارين الغربيين وخصوصا الأمريكيين على خط الأزمة الاقتصادية فى مصر دورا في حرف البوصلة إلى مسارات ضارة على المدى البعيد ، فكما يقول أحد أهم الخبراء المصريين (أن أهم ما يشغل سياسات صندوق النقد الدولي تجاه الدول التي تطلب مساعداته هو ضرورة إجراء تحويل تدريجي للموارد الاقتصادية لصالح القطاع الخاص )(68) .
كما لم يكن المسئولين عن السياسة الاقتصادية المصرية في ذلك الوقت - وحتى يومنا - يشغلهم سوى الحلول الجزئية ، والمسكنات ، ومحاولة استرضاء مطالب ورغبات الرئيس السادات ، الراغب بقوة في اكتساب مشروعية لإرضاء الجماهير الغاضبة من الأزمة المعيشية القائمة في البلاد ، والأدهى من ذلك أنهم في مجموعهم لم يكونوا أبدا من أنصار التخطيط الاقتصادي .
فكيف أذن تعمقت هذه الاختلالات وإلى أين وصلت بمصر إلى فخ المديونية الخطيرة ؟