- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
حسن مدبولي : الوضع المتأزم فى السودان ؟
حسن مدبولي : الوضع المتأزم فى السودان ؟
- 23 يونيو 2021, 1:48:14 ص
- 921
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بدأ مخطط سحق وتمزيق السودان منذ أمد بعيد ، وذلك عن طريق التدخلات الخارجية المستمرة بواسطة اسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا، وسط تواطئ إفريقى ، ومؤامرت عربية مباشرة ، وكذلك تبييت النية من الفصائل الجنوبية المسلحة لتحقيق الانفصال وقيامها بخداع الدولة السودانية،حيث قام مسئولوا الجبهة الشعبية لتحرير السودان(أكبر فصيل سياسى وعسكرى فى الجنوب) بالتأكيد والإيعاز للمفاوضين الرسميين بالدولة السودانية بانه إذا جرى فى جنوب السودان إستفتاء حول تقرير المصير فإنه لن يؤدى أبدا إلى الانفصال لإنهم فى الجنوب وطنيون اكثر من اى سودانى آخر ، وأنه طالما تم إلغاء الشريعة الاسلامية ، وتم تعيين نائبا جنوبيا لرئيس الجمهورية وكذلك وزراء جنوبيين بالدولة المركزية، فإن نتيجة الاستفتاء ستكون تحصيل حاصل ، وستتم المحافظة على وحدةالسودان الديموقراطى العلمانى المدنى ، وسيتفرغ الجميع شماليون وجنوبيون للتنمية والتعمير ، وللأسف التقط الشماليون ذلك الطعم بسذاجة ،وظلوا خلال ستة سنوات يغيرون الواقع السياسى والثقافى ، و ينفقون الاموال على الطرق والبنية التحتية فى الجنوب ،وكذلك يقيمون وينشئون المشروعات التجارية والصناعية والزراعية وغيرها من المشروعات الاقتصادية فى جوبا عاصمة جنوب السودان ، أملا فى نيل رضاء الجنوبيين قبل تفعيل حق تقرير المصير الذى اقرته الامم المتحدة فيما يعرف بإتفاقية نيفاشا عام 2005والتى وقعها السودان مع الجبهة الشعبية لتحرير السودان ، بإشراف دولي، حيث ألتزمت الدولة السودانية بموجب تلك الإتفاقية بإجراء استفتاء لتقرير مصير اقليم الجنوب بعد مرور ستة اعوام على توقيع تلك الإتفاقية، وبالتحديد فى يناير عام 2011 ،ورغم كل ما أبداه السودان من تفانى وتعاون وانفاق، فوجئ السودانيون الشماليون بالموافقة الكاسحة على الانفصال التام للجنوب السودانى عن الدولة الأم بنسبة مدوية بلغت حوالى (98 فى المائة ) فى الإستفتاء الذى جرى خلال الفترة من 9 يناير وحتى 15 يناير 2011 ، وذلك رغم كل التطمينات التى أوحى بها الجنوبيون لصانع القرار السودانى، وتكرارا لمهزلة انفصال السودان نفسه عن مصر عام 1956 والتى تمت بحجة الحفاظ على استقرار الجنوب ، وقد ظل السودان الرسمى طوال غالبية تاريخه الحديث عقب إستقلاله عن مصر يحاول الابتعاد عن واقعه وهويته العربية سدا للذرائع ،ومنعا لمحاولات الانفصال الجنوبية وتقسيم السودان ،حتى إنه عندما اعلن السادات والقذافى وحافظ الأسد والنميرى عن مشروع اتحاد الجمهوريات العربية عام 1972، والذى يضم كل من مصر وليبيا وسورية والسودان ،تراجع السودان عن المضى قدما فى تلك الخطوة بحجة مراعاة ظروف الجنوب السودانى الرافض لذلك المشروع؟ و هكذا إستمر الجنوب يعمل كعقبة كأداء، وحائط فولاذى يمنع اى تقارب للسودان مع محيطه العربى أو هويته الاسلامية ،حتى إنتهى الأمر بالانفصال التام وإعلان دولة الجنوب ،وتفاخرها العلنى بالعلاقات مع إسرائيل وبالزيارات والتواجد المستمر للمسئولين الاسرائيلين بمدينة جوبا عاصمة الدولة الجديدة، وبالتالى أصبح مجرى النيل الأبيض الذى يورد حوالى 15 % من الكميات الواردة لنهر النيل، محصورا ومحاصرا داخل كيان معادى لمصر وللعالم العربى،ثم أصبح هذا الحدث مدخلا داعما لمشروع إنشاء سد النهضة على النيل الأزرق لإحكام سيطرة أثيوبيا الكاملة على النيل الأزرق هوالآخر، لتصبح كامل مصادر المياه الواردة لمصر والسودان فى مهب الريح ؟
وبدلا من أن ينتبه الجميع إلى هذا الخطر الداهم والواضح ، إذا بعشرات القبائل والعرقيات فى شمال السودان تسير قدما نحو تنفيذ المزيد من الشرذمة والتقسيم ، تحت إشراف ودعم نفس الرعاة الإسرائيليين والفرنسيين وكذلك أثيوبيا ومعهم دولة جنوب السودان هذه المرة ؟ وهناك مزاعم عن ضغوط يتعرض لها السودان لمنح سلطة الحكم الذاتى فى ولاية النيل الأزرق التى تقع علي الحدود بين السودان و اثيوبيا لأحد الفصائل الإرهابية التى تدين بالولاء لأثيوبيا وجنوب السودان ؟بما يعنى أن سيطرة أثيوبيا لم تعد فى منطقة سد النهضة فقط ، لكنها امتدت إلى داخل السودان بدون قتال ولا حرب، كما أن ولاية جنوب كردفان قد تنال الحكم الذاتي أيضا لتصبح تحت سيطرة مليشيات تدين بالولاء لأثيوبيا هى الأخرى؟
كذلك توجد خلافات داخلية بين المكونات السياسية والعسكرية الحاكمة فى الخرطوم ، سواء بين مكونات الجيش السودانى نفسه وقوات الدعم السريع ، أو الخلافات الواضحة بين المكون العسكرى من ناحية والمكون المدنى من ناحية أخرى ، الأمر الذى دعا السيد حمدوك رئيس الوزراء السودانى إلى التحذير من تشرذم وتشظى السودان وإنتهاء السودان إلى الأبد ؟
إن خطورة هذه التحركات المريبة بالقرب من مصادر المياه ،و التى تتكامل مع كارثة سد النهضة، وتأثيراتها الحتمية على مستقبل مصر ، تقتضى من صانع القرار المصرى إعادة النظر فى الاستراتيجية الحالية التى فشلت فى الحفاظ على الحقوق المصرية فى مياه النيل ، والتى تلخصت وتركزت على محاولات إحتواء الجانب الأثيوبى وحده ، توازيا مع التنسيق السياسى الخجول مع الخرطوم، بينما يبدو السودان يترنح وحيدا فى مواجهات خشنة غير متكافئة، ووسط إختراقات واضحة تهدد أمنه القومى ووحدته الداخلية،مما قد يدفع المسئولين هناك للتوصل إلى تفاهمات منفردة مع أثيوبيا وجنوب السودان مما سيزيد من تعقيدات الموقف المصرى ؟
ويمكن التأكيد على إنه لاتزال هناك عدة بدائل ممكنة للتحرك فى الوقت الحالى لمواجهة تلك الأزمة ،من بينها مساندة ودعم الحكومة المركزية فى السودان لمنع كل مخططات التقسيم الجديدة هناك، مع التركيز الشديد على هذا الملف، بعيدا عن المهاترات والمكايدات السياسية الصغيرة التى تستغرقنا في قضايا أقل خطورة ، كذلك يمكننا إعادة طرح فكرة التكامل الاقتصادى والإستراتيجى بين دولتى المصب ،بل وبحث مدى إمكانية اعلان فورى لدولة إتحادية جديدة تضم مصر وشمال السودان ،لشرعنة تواجد جيش موحد قوى حديث يتموضع على حدود كل من أثيوبيا وجنوب السودان بهدف تقليل آثار الكارثة التى إكتمل نصابها ؟