حسن حسين يكتب : الثورة والثورة المضادة

profile
حسن حسين كاتب صحفي
  • clock 9 أبريل 2021, 9:22:27 م
  • eye 1067
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

قبل أن تفكر الجماهير في القيام بالثورة تنشط القوى المضادة للثورة من أجل إجهاضها في مهدها ،حتى لا تقوم لها قائمة  وقبل أن تقوى ويصبح الانقضاض عليها مكلفاً ، وربما يؤدي الصراع معها إلى نتائج كارثية لا تتحمل تبعاتها على المدى الطويل .


وهكذا فإن القوى المضادة للثورة دائماً ما تسبق الثورة بخطوة أو خطوات ، خاصةً أنها عادةً ما تملك من النفوذ والقوة والمال ما يسمح لها بذلك، وتستغل إنهماك القوى الثورية في التخطيط وتصحيح المسارات والبحث عن إمكانيات لدعم التدفق الثوري و محاولاتها في حماية نفسها من العدو الخارجي ولملمة شظاياها السياسية المكونة لها في داخلها ، لتتقدم خطوات لقهرها وإحراز نصر حاسم عليها .

لا تيأس القوى المضادة للثورة ، ولا تضع أسلحتها في أغمادها ،حتى في اللحظات التي تظن الثورة أنها حققت نجاحاً ما واستقرت سفينتها في مرافئ النصر وتكاد تحتفل بالفوز المبين ، إذا بها تطالع في الأفق المزيد من المحاولات الإجهاضية بغض النظر عن موازين القوى ، فالمعركة بالنسبة للثورة المضادة  حياة أو موت لا ثالث لهما.

في أحد المرات قال عبدالناصر " لو ظهرت الثورة المضادة سألبس لها الكاكي وأنزل لقتالها في الشوارع " ، إدراكاً منه أن تلك القوى الرجعية لا تموت ولكنها تكمن في لحظات الضعف، وتعمل على خطط مرحلية ، تجدد أساليبها وتدعم ادواتها ، من اجل إقتناص لحظة ضعف للقوى الثورية.

وفي كتابه ( اليسار في ظل الثورة المضادة ) يؤكد ماركوز أن " النظام الرأسمالي أصبح مضطراً، حتى يدافع عن نفسه ، إلى تنظيم الثورة المضادة داخل حدوده وخارجها على حدِ سواء " ويعتبر أن " الثورة المضادة وقائية إلى حد كبير بصفة عامة "

المشكلة التي تواجهنا الآن ان هذه القوى المضادة للثورة إستولت على الحكم بشكل أو بآخر، بالاحتيال أو بخداع الجماهير أو بعقد صفقات قذرة مع أغلب أطراف المعادلة، مما ادى إلى إمتلاكهم أدوات الحكم وأجهزة مؤسسات الدولة المركزية المصرية، أقدم الدول في التاريخ ، وباسم الشرعية يعيثون فساداً في التركيب الهيكلي لهذه الأجهزة والمؤسسات وتطويعها من أجل تسويغ الأمور لهم حتى لو كانت ضد إرادة الجماهير،

وتذرع الثورة المضادة  بفكرة ( الشرعية ) لم يأت من فراغ ،حيث يعتبر غالي شكري أن الشرعية " من خصائص الوطنية المصرية ، فهى تعني عند المصريين القانون والنظام والسلم ، وهى توجز في الضمير الحضاري معاني الحرية والعدل والتقدم " ، وهذه الجذور الفكرية متأصلة من قرون طويلة فى وعى ووجدان الإنسان المصري، منذ توحد الإله مع الملك الفرعون .

يبدو أخيراً أن المجتمع المصري بل ربما يمكننا أن نقول أيضاً أن المجتمع العربي يقف على أعتاب مرحلة جديدة من تعريف ثوابته الفكرية والحضارية ، صحيح أن تلك العتبات التاريخية تخوض في بحر دماء ، لكنها الأضحية التي يطلبها التاريخ من أجل السماح بالدخول إلى مراحل أكثر تقدماُ ورقياً ، وربما مسألة ( الشرعية ) هى أول تلك الثوابت التي على المحك الثوري/التاريخي ، بل إن تعريف مصطلح الثورة نفسه يحتاج مزيداً من الاجتهاد الفكري والنظري ، لن يسمح في المستقبل أن تكون هناك ( شرعية ) خاوية من المضمون لا تحفل سوى بتسلقها ذرى السلطة والحكم دون أن يكون بينها وبين الجماهير ( عهداً ) مكتوباً واضحاً ينص على جوهر العلاقة بين الشعب والحاكم ، يقيد فيه كل احتمالات تفرد الحاكم بعيداً عن رقابة الشعب.

ربما ما يشهده الوطن العربي الآن هو أحد حلقات التاريخ المتقدم ، وربما ما تشهده مصر يكون هو آخر حلقات الصراع مع القوى الرجعية المتلحفة بالشعارات الدينية ، والتي في إطار سعيها للتمسك بالسلطة عملت على تأسيس حلف واسع من الدول الرجعية في المنطقة ، التي أصابها الرعب من نجاح ثورة يناير المصرية ، في كتابه ( المانيا: الثورة والثورة المضادة ) يقول إنجلز ( حين لا تصل الثورة إلى مرحلة الحسم يكون ذلك مقدمة إلى قمعها بوحشية لا نظير لها ، لأن نجاحها الإقليمي يعني إشتعال شقيقاتها في المحيط الأوسع ، وتبدأ على الفور الحرب الشاملة ضد الحد الأدنى من الحريات الديمقراطية )، وهذا بالتحديد ما يفسر سر الدعم المتواصل لحكومة الإخوان في مصر من الدول الرجعية في المنطقة أو حتى الولايات المتحدة أكبر دولة رأسمالية والقائد الحقيقي للثورة المضادة في العالم.

الخطر الأكبر الذي يتهدد الجميع الآن أن قوى الثورة والقوى المضادة لها أعلنا بوضوح إستحالة التجاور معاً وأنه لابد من رحيل أحدهما عن الوطن وأن المعركة الأخيرة هى معركة وجود و على المهزوم ان يضع عصاه على كتفه ويرحل غير مأسوفِ عليه ، مما يعني بوضوح أن المعركة المقبلة ستكون عاصفة ودموية ولن تبقٍ ولن تذر.

صدق ريجيه دوبريه حين قال " في كل بلد عانى تجربة الثورة ، إشتبك الثوريون من جهة، والإصلاحيون وخونة المستقبل من جهةِ أخرى )..

التعليقات (0)