- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
حرية الفكر والتعبير تعد تقرير عن تكييف الاتهامات لسجناء الرأي
حرية الفكر والتعبير تعد تقرير عن تكييف الاتهامات لسجناء الرأي
- 4 أبريل 2021, 1:25:20 م
- 871
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
اعتادت السلطات القضائية في مصر خلال السنوات القليلة الماضية على استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة للتنكيل بمعارضي النظام السياسي. استهدف التنكيل بشكل خاص: صحفيين، مبدعين، أكاديميين، نشطاء سياسيين ومواطنين عاديين، على خلفية تعبيرهم عن آرائهم أو القيام بممارسة مهام عملهم، أيًّا كان الوسيط أو وسيلة التعبير، طالما كان المحتوى به شبهة معارَضة للسياسات القائمة
يمكن القول إن هذه الممارسات عبَّرت في مجملها عن نمط انتهاك صار اعتياديًّا خلال السنوات الخمس الأخيرة، في انتهاك صريح لقانون الإجراءات الجنائية، الذي ينص على الهدف من قرار الحبس الاحتياطي وضوابط استخدامه وبدائله. حيث يعتبره القانون إجراءً احترازيًّا لحماية التحقيق أو سير المحاكمة، وخاصة في الحالات التي يُخشى فيها من نفوذ أو سلطة المتهم التي قد تمكِّنه من العبث بالأدلة أو الأحراز أو القيام بما مِن شأنه التأثير على سير العدالة بالتحقيق أو المحاكمة
أما في الحالات التي لا يخشى منها ذلك؛ فقد أجاز قانون الإجراءات الجنائية وفق المادة 201 للسلطات المختصة بالحبس الاحتياطي أن تصدر بدلًا منه أمرًا بأحد التدابير الاحترازية الثلاثة: “إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه، أو أن يقدم نفسه لمقر الشرطة في أوقات محددة، أو حظر ارتياد المتهم أماكن محددة”. كما أجاز القانون نفسه حبس المتهم فى حال مخالفة الالتزامات التي يفرضها التدبير
في بيان[1] له بمناسبة اليوم الإفريقي للحبس الاحتياطي، الذي يوافق يوم 25 إبريل من كل عام، دعا المجلس القومي لحقوق الإنسان في ٢٠١٧ إلى: “إيجاد حل لهذه المشكلة خصوصًا، وأنه قد يُحبس الشخص احتياطيًّا، وبعد طول فترة حبسه تظهر براءته، وبذلك يكون قد عُوقب على جريمة لم يرتكبها”. كذلك دعت مؤخرا ٣١ دولة في بيان مشترك[2] على هامش الدورة ٤٦ لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، الحكومة المصرية إلى: “الكف عن الاستخدام المفرط للحبس الاحتياطي”، حيث نوَّهت إلى التوسع فى إجراءات الاحتجاز السابق للمحاكمة، وضم المحتجزين إلى قضايا جديدة بتهم مماثلة بعد انتهاء المده القانونية لحبسهم احتياطيًّا
تمكنت وحدة الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة من رصد تطور مهم على مستوى استخدام السلطات القضائية _بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية_ سلطتها في حبس المتهمين احتياطيًّا، هذا التطور لا يمكن وصفه بالجديد، ولكن بعد تكرار استخدامه بشكل موسع ومنهجي يكون من الممكن توصيفه باعتباره “نمط انتهاك اعتيادي” للحق في المحاكمة العادلة
يتعلق هذا التطور بما عرف مؤخرا بـ”تدوير المتهمين”. حيث تقوم الأجهزة الأمنية، الضالع الأكبر في ممارسة هذا النمط من الانتهاكات، بالامتناع عن تنفيذ قرارات إخلاء سبيل متهمي حرية التعبير، وبعد احتجازهم دون مسوغ قانوني لفترات زمنية متفاوتة، تقوم بإعداد محاضر تحريات جديدة. تعتمد عليها نيابة أمن الدولة العليا في إدراج المتهمين المخلي سبيلهم، بعد انتهاء الحد الأقصى للمدة القانونية المحددة لحبسهم احتياطيًّا، وأحيانًا قبل انتهاء تلك المدة، على ذمة قضايا جديدة. وفي أغلب الأحوال يكون التدوير من الداخل دون أن يتمتع المتهم بقرار إخلاء سبيله بشكل فعلي
ويواجه المتهمون في معظم تلك الحالات نفس لائحة الاتهامات المتكررة المبنية على تحريات الجهات الأمنية. بما يمكِّن السلطات القضائية من حبسهم احتياطيًّا عامين آخرين على ذمة التحقيقات، ليكون بذلك المتهم قد قضى أربعة أعوام قيد الحبس الاحتياطي دون الإحالة إلى المحاكمة. كما أن بعض المتهمين يجري إعادة تدويرهم في قضايا جديدة أكثر من مرة
قدمت الوحدة القانونية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير دعمًا قانونيًّا لصالح ١٣٣ متهمًا من ضحايا انتهاكات حرية التعبير، بصوره المختلفة، خلال عام ٢٠٢٠، بينما تمكن محامو المؤسسة من الحصول على قرارات إخلاء سبيل أو استبدال الحبس الاحتياطي بتدابير احترازية لصالح مئة متهم خلال نفس العام، نصفهم (٥٠ متهمًا) أعيد تدويره في قضايا جديدة بعد إخلاء سبيلهم على ذمة قضايا أخرى
وقد رصد التقرير تعرض كافة المتهمين على ذمة القضية، وعددهم ١٦ شخصًا حتى الآن، للحبس الاحتياطي لفترات زمنية متفاوتة، تراوحت بين ٣٢ يومًا و٣٣ شهرًا، حتى وقت كتابة هذا التقرير، رغم انتفاء الشروط القانونية للحبس الاحتياطي في أغلب الحالات. في استخدام واضح للحبس الاحتياطي باعتباره عقوبة للتنكيل بكل من يعارض السياسات القائمة، كما أوضحنا سلفًا بالتفصيل. بينهم عشرة متهمين تم تدويرهم على القضية ٦٥ أثناء تنفيذ قرارات إخلاء سبيلهم على ذمة قضايا أخرى، حتى تتمكن السلطات القضائية من إيجاد مسوغ قانوني لاستمرار حبسهم احتياطيًّا، إمعانًا في التنكيل بهم
يعتبر مصطفى جمال أبرز حالات المتهمين على ذمة تلك القضية، فقد تعرض للتنكيل عن طريق الاحتجاز المطول السابق للمحاكمة. حيث قضى جمال أكثر من ثلاثة أعوام قيد الحبس الاحتياطي، عبر تدويره في أكثر من قضية، بنفس الاتهامات
قبض على جمال للمرة الأولى في مطلع شهر مارس من عام ٢٠١٨ على خلفية أغنية “بلحة” للمطرب رامي عصام. وبقي قيد الحبس الاحتياطي قرابة ٢٧ شهرًا قبل أن يُخلَى سبيله في نهاية مايو ٢٠٢٠. لم ينفذ قرار إخلاء سبيل جمال وظل قيد الاحتجاز غير القانوني حتى ظهوره من جديد في نيابة أمن الدولة العليا بتاريخ ١٤ يوليو، متهمًا على ذمة التحقيق في القضية رقم ٧٣٠ لسنة ٢٠٢٠ بنفس لائحة الاتهامات، حيث جرى تدويره للمرة الأولى
وفي جلسة ٤ يناير ٢٠٢١ قررت غرفة المشورة بمحكمة جنايات القاهرة إخلاء سبيل جمال مرة أخرى ولكن هذه المرة مع إلزامه بتدابير احترازية. إلا أن الأجهزة الأمنية تحايلت من جديد على قرار إخلاء سبيله، وقامت بإعادة تدويره مرة ثانية على ذمة التحقيق في القضية ٦٥ لسنة ٢٠٢١، حيث وجهت إليه نيابة أمن الدولة العليا نفس الاتهامات للمرة الثالثة، والتي كان أبرزها؛ الانضمام إلي جماعة إرهابية مع علمه بأغراضها، إنشاء حساب على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) بغرض نشر أخبار كاذبة وكان ذلك لغرض إرهابي ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة من شأنها الإضرار بالأمن والنظام العام
كذلك حالة نجلاء فتحي، التي أعيد تدويرها وهي بملابس السجن. حيث قررت غرفة المشورة بمحكمة الجنايات إخلاء سبيلها بتدابير احترازية في جلستها المنعقدة بتاريخ ١٧ يناير ٢٠٢١، بعد أن قضت ثمانية أشهر قيد الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيق في القضية رقم ٥٣٥ لسنة ٢٠٢٠. إلا أن الأجهزة الأمنية امتنعت عن تنفيذ القرار، واحتجزت فتحي ثلاثة عشر يومًا بدون مسوغ قانوني، قبل أن تظهر في نيابة أمن الدولة العليا، في ٣١ يناير ٢٠٢١، مرتدية ملابس السجن، ومتهمة على ذمة التحقيق في القضية رقم ٦٥ لسنة ٢٠٢١ حصر نيابة أمن دولة عليا. واجهت فتحي نفس الاتهامات في القضيتين، والتي كان أبرزها؛ الانضمام لجماعة إرهابية مع علمها بأغراضها