- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
تمرد “بريجوجين”: ما مآلات الصراع بين الجيش الروسي ومجموعة فاجنر؟
تمرد “بريجوجين”: ما مآلات الصراع بين الجيش الروسي ومجموعة فاجنر؟
- 25 يونيو 2023, 4:51:53 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
خرج زعيم مجموعة فاجنر “يفجيني بريجوجين”، في فيديو مصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صباح يوم 24 يونيو 2023، ليعلن رفضه التوجهات والسياسات العسكرية التي تقودها موسكو حالياً في أوكرانيا، وأعلن عن اعتزامه تغيير هذه السياسات، والسيطرة على صناعة القرار في موسكو. وقد مثَّلت هذه المحاولة الانقلابية أو دعوة العصيان المدني، كما تصفها وسائل الإعلام الروسية، صدمة كبيرة داخلياً وخارجياً.
وبالرغم من إعلان قائد مجموعة فاجنر، مساء يوم 24 يونيو الجاري، إيقاف تمرد قواته وإعادتهم إلى معسكراتهم الميدانية في أوكرانيا؛ لتجنب إراقة الدماء الروسية؛ وذلك بعد وساطة من رئيس بيلاروسيا، فإن ما جرى داخل روسيا طرح عدداً من التساؤلات حول مستقبل روسيا وعمليتها العسكرية في أوكرانيا، ومستقبل نظام “بوتين” ككل، ومسار العلاقة بين الجيش النظامي والمجموعات العسكرية الروسية غير المنظمة التي لعبت دوراً هاماً خلال السنوات الأخيرة في تحقيق أهداف السياسة الخارجية الروسية العسكرية.
أحداث متسارعة
ذاع صيت رجل الأعمال الروسي “يفجيني بريجوجين” خلال السنوات الماضية على خلفية تدشينه مجموعة فاجنر، التي ساهمت في تزويد الحكومة الروسية بالقوة العسكرية اللازمة لتنفيذ عدد من أهدافها السياسية في الخارج، خاصةً بأفريقيا وروسيا. وقد لعبت هذه المجموعة دوراً هاماً في دعم العملية العسكرية الروسية القائمة حالياً في أوكرانيا، إلا أن خللاً في العلاقة بين قيادة قوات فاجنر والحكومة الروسية، بدأ يظهر إلى السطح خلال أبريل الماضي؛ فقد اتهم “بريجوجين” القوات الروسية بعدم تقديم الدعم اللازم لقواته في أوكرانيا، وهو ما أدى إلى مقتل العديد من هذه القوات المنخرطة في عمليات عسكرية بالشرق الأوكراني، إلا أن يومي 23 و24 من يونيو قد كشفا عن جانب جديد من هذه العلاقة؛ فقد انتقد “بريجوجين” القيادات الروسية العليا، ودعا جنوده إلى إنقاذ روسيا من مصير مجهول، لتدخل روسيا مرحلة جديدة من التمرد العسكري الشبيه بالانقلابات التي لم تشهدها منذ عقود طويلة مضت. وتتمثل أبرز مظاهر تطور الصراع الراهن بين مجموعة فاجنر والجيش الروسي في الآتي:
1– إعلان رئيس مجموعة فاجنر الانقلابي: ألقى “يفجيني بريجوجين” عدداً من التصريحات الهامة حول مسار الحرب الروسية في أوكرانيا؛ وذلك خلال 23 و 24 يونيو الجاري، مبرراً قراره بالتوجه إلى موسكو في محاولة لإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح، عقب انجراف الحكومة القائمة في موسكو حالياً عن هذا المسار، وتعريض مستقبل الأمة الروسية لخطر حقيقي. وقد أكد “بريجوجين” أن قراره بالتوجه إلى موسكو لا يعد انقلاباً عسكريّاً بل هو مسار لاستعادة العدالة التي غابت عن البلاد، كما أشار إلى أن الحرب الروسية الحالية في أوكرانيا لا تستهدف إعادة حق المواطنين الروسيين المقيمين في أوكرانيا، وتحرير كييف من النازيين الجدد، ونزع السلاح الأوكراني – كما تدعي الحكومة الروسية – وإنما هي تسعى بصورة أساسية إلى تسليط الضوء الإعلامي على عدد من القادة العسكريين المتطلعين إلى تحقيق المجد والشهرة على حساب مستقبل الأمة الروسية بأكملها. وأكد أيضاً أن عدد القتلى والخسائر التي لحقت بالجيش الروسي تتجاوز كثيراً ما يعلن عنه في المنصات الرسمية؛ هذا بالإضافة إلى تكبد الجيش الروسي خسائر فادحة، وفقدانه السيطرة على جزء كبير من الأراضي الأوكرانية القائمة في شرق أوكرانيا.
2– تأكيد زعيم فاجنر ضرورة تغيير القيادة العسكرية: صرح “بريجوجين” بأنه برفقة 2500 مقاتل سيعملون على إعادة روسيا إلى المسار القانوني الصحيح، وتحرير البلاد من سلطة القيادات الضالة، مع عدم الإخلال بمسار العملية العسكرية الروسية الحالية في أوكرانيا. وكشفت الساعات الأولى من يوم 24 يونيو الجاري عن خطط “بريجوجين” للسيطرة على العاصمة الروسية موسكو، وخلع عدد من القيادات العسكرية من مناصبهم، وعلى رأسهم وزير الدفاع الروسي “سيرجي شويجو “، ورئيس أركان الجيش “فاليري جيراسيموف”، وقد بدأ “بريجوجين” يطبق هذه الخطة؛ حيث كشفت بعض المنصات الإعلامية عن سيطرة قوات فاجنر على جميع المواقع العسكرية الروسية في مدينة روستوف التي تمثل مركز القيادة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
3– توجيه اتهامات رسمية إلى قائد فاجنر بالعصيان المسلح: سعت القنوات الروسية منذ اللحظة الأولى للمحاولة الانقلابية إلى التقليل من أهمية هذا التحرك؛ فمن ناحية، نفت هذه القنوات فرض السلطات الروسية حظر تجوال عامّاً بمدينة روستوف والمناطق المجاورة، وأكدت أن تعليماتها تدعو المدنيين فقط إلى الابتعاد عن مناطق الاشتباك حرصاً على حياتهم. ومن ناحية أخرى، وجهت السلطات الروسية تهمة الدعوة وقيادة عصيان مسلح إلى “بريجوجين”، كما دعا الجنرال الروسي “سيرجي سوروفيكين” الجنود الناشطين في جماعة فاجنر إلى عدم الانسياق وراء تعليمات قياداتهم العسكرية المضللة، والانضمام إلى صفوف الجيش الروسي، والوفاء بقسمهم الذي أدوه لرئيس روسيا الشرعي، وهو الوحيد الذي يمتلك الحق في توجيه تعليمات عسكرية رفيعة المستوى، وتسمية القيادات العسكرية العليا في البلاد.
4– تهديد الرئيس “بوتين” عناصر فاجنر: وعلى مستوى الكرملين، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية إن الرئيس “بوتين” على دراية جيدة بالمتغيرات والتطورات على الأرض، كما أكدت وكالة “سبوتنيك” الروسية أن وزارة الدفاع وجهاز الأمن الفيدرالي ووزارة الداخلية وحرس روسيا، جميعهم يقدمون تقارير للرئيس “بوتين” على مدار الساعة حول الإجراءات المتخذة على الأرض للتعاطي مع التمرد المسلح. وقد خرج الرئيس “بوتين” مساء الرابع والعشرين من يونيو لتأكيد رفضه أي محاولات تسعى إلى نشر الانقسام وبث روح الفرقة في الداخل الروسي، كما تعهد بملاحقة جميع المنخرطين في هذه المحاولة الانقلابية، واصفاً إياهم بالمخربين والخونة.
وفي سياق متصل، أكد الرئيس “بوتين” أن أي متعاون مع تعليمات رئيس مجموعة “فاجنر” ما هو إلا خائن سيلقى أشد أنواع العقاب مع سيطرة القوات الأمنية الرسمية على هذا التمرد. وبالتماشي مع هذه التصريحات، قامت قوات الأمن الروسية بتطويق مقر مجموعة فاجنر في سان بطرسبرج صباح الرابع والعشرين من يونيو.
5– اتخاذ إجراءات أمنية مشددة من قبل موسكو: أعلنت اللجنة الوطنية الروسية لمكافحة الإرهاب عن استحداث نظام لعمليات مكافحة الإرهاب في موسكو ومنطقة موسكو ومنطقة فورونيج. ويشمل نظام مكافحة الإرهاب – على سبيل المثال لا الحصر – إجراء تحقيقات ودراسة موسعة لجميع الوثائق المرتبطة بعمل مجموعات فاجنر؛ هذا بالإضافة إلى تعزيز حماية النظام العام، ومراقبة المحادثات الهاتفية، وتقييد الاتصالات، وتقييد حركة المركبات والمشاة في الشوارع. وفي هذا الصدد، قام بعض الأفراد ببث صور حصرية للشوارع والمناطق المختلفة، التي تظهر محاولة السلطات الروسية السيطرة على العملية الانقلابية، بجانب تسليط الضوء على تحركات جنود فاجنر في عدد من المدن الروسية الهامة، خاصةً مدينة روستوف، التي تقع على بعد 1000 كيلومتر جنوب العاصمة الروسية موسكو.
6– انخراط قوات شيشانية في المواجهات الروسية مع فاجنر: أعلن رئيس الشيشان “رمضان قديروف”، في تصريحات له يوم 24 يونيو الجاري عبر تليجرام، عن توجه مقاتلين من وزارة الدفاع الروسية والحرس الوطني في الشيشان إلى ما وصفها بـ”مناطق التوتر”. وأضاف قديروف: “سنبذل قصارى جهدنا للحفاظ على وحدة روسيا وحماية دولتها”، معرباً عن دعمه الكامل للرئيس بوتين، ومناشداً المقاتلين “عدم الانجرار إلى الاستفزازات”.
7– إيقاف تحركات فاجنر عقب وساطة بيلاروسيا: دخلت بيلاروسيا على خط الأزمة بعد إعلان الرئيس البيلاروسي تواصله مع قائد فاجنر “بريجوجين”، وهو ما أعقبه إعلان قائد قوات فاجنر “يفجيني بريجوجين”، في رسالة صوتية نشرها على تليجرام، أنه في حين أن رجاله على بعد 200 كيلومتر فقط (120 ميلاً) من موسكو، فإنه قد قرر إعادتهم إلى معسكراتهم الميدانية في أوكرانيا؛ لتجنب إراقة الدماء الروسية.
ولم يذكر “بريجوجين” إذا ما كان الكرملين قد استجاب لمطلبه بإقالة وزير الدفاع الروسي “سيرجي شويجو”، كما لم يصدر تعليق فوري من الكرملين في هذا الصدد، غير أن هذا الإعلان المفاجئ يأتي – بحسب تقارير – عقب بيان من مكتب الرئيس البيلاروسي “ألكسندر لوكاشينكو”، قال فيه إنه “تفاوض على صفقة مع بريجوجين بعد مناقشة القضية مع بوتين سابقاً”. وقال مكتب “لوكاشينكو” إن “بريجوجين” وافق على عرض الرئيس البيلاروسي بوقف تقدم مجموعة فاجنر لتهدئة التوترات، مضيفاً أن التسوية المقترحة تحتوي على ضمانات أمنية قوية لقوات فاجنر.
التداعيات المحتملة
من المتوقع أن يكون للأزمة عدد من التأثيرات المهمة على روسيا داخلياً وخارجياً، ويمكن حصر هذه التأثيرات على النحو التالي:
1– اهتزاز صورة الرئيس “بوتين”: صحيح أنه تم الإعلان مساء يوم 24 يونيو الجاري عن إيقاف تحركات قوات فاجنر وتمردها ضد القيادة الروسية، بيد أن ما جرى سيكون له تأثير عميق على صورة الرئيس “بوتين”؛ لأنه أظهره في موقف القائد غير القادر على التحكم في القوى المسلحة الفاعلة على الأرض. وما يعزز هذه الفرضية أن إنهاء تمرد فاجنر كان بوساطة من رئيس بيلاروسيا الذي تولى هو، وليس الرئيس “بوتين”، الاتصال بقائد فاجنر. علاوةً على ذلك، فإن إعلان الكرملين عن إسقاط الدعوى الجنائية ضد بريجوجين ومغادرته إلى بيلاروسيا بعد إعلان إيقاف تحركات قواته يزيد أزمة الرئيس “بوتين” ويضعف صورته بشكل أكبر.
2– احتمالية تفاقم ضغط الداخل الروسي على النظام: يلعب الداخل الروسي دوراً هاماً في إنجاح أو إفشال محاولة التمرد التي قام بها قائد فاجنر؛ فعلى الرغم من تردد بعض التقارير– منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في فبراير 2023 – التي تفيد برفض أغلبية المواطنين الروس لهذه العملية، فإنه لم توجد أدلة ملموسة على هذا الرفض، باستثناء بعض التظاهرات المحدودة التي شهدتها عدد من المدن الروسية خلال بداية العملية العسكرية، لكنها سرعان ما تلاشت مع استخدام السلطات الرسمية القوة لفض وإنهاء هذه الاحتجاجات. وقد تتيح محاولة تمرد فاجنر الأخيرة الفرصة للداخل الروسي للعب دور أكبر في الضغط على النظام الروسي، أو حتى دفعهم للتعاون مع القوات الانقلابية، خاصةً مع تلميح زعيم قوات فاجنر إلى وجود تعاطف داخلي روسي عام مع قواته؛ حيث قال إن المواطنين يلتفون حول جنوده، كما يرفض أصحاب المتاجر تلقي المال مقابل البضائع التي يشتريها جنود قوات فاجنر من المتاجر المختلفة.
3– منح قوى المعارضة الروسية فرصاً جديدة: يفتح تمرد فاجنر الأخير فرصاً لقوى المعارضة الروسية لتعزيز تحركاتها ضد النظام الروسي، سواء داخل روسيا أو خارجها. وظهرت مؤشرات ذلك مع التصريحات التي أطلقها فيلق المتطوعين الروس المعارض، يوم 24 يونيو الجاري، وذكر خلالها أنه “يشجع تحرك بريجوجين”، وأن “النظام في الكرملين لن يُقهَر إلا بالقوة العسكرية”، وأضاف الفيلق: “قواتنا موجودة داخل روسيا ومستعدة للمساعدة في القضاء على نظام بوتين”.
4– غموض مستقبل النظام الروسي: تسيطر حالة من الغموض على مستقبل النظام الروسي عقب محاولة تمرد فاجنر، التي جاءت من قبل واحد من أهم وأبرز حلفاء النظام الروسي من طبقة رجال الأعمال، الذين يُوصَفون كثيراً بالأوليجاركية. وقد يعزز هذا الحراك الانقسام الداخلي في النظام السياسي الروسي، مع تعاظم التخوف داخل هذه الطبقة من السياسات الانتقامية التي قد يتخذها الرئيس “بوتين” على خلفية المحاولة الانقلابية الأخيرة. وعلى صعيد الجيش، فإن تصريحات “بريجوجين” حول العملية العسكرية في أوكرانيا، والأوضاع المتراجعة والمتدنية التي يعاني منها الجنود في ساحات المعركة المختلفة؛ وذلك في الوقت الذي تسعي فيه القيادات العليا إلى تحقيق المجد والشهرة دون بذل أي مجهود فعلي على الأرض، قد تجد آذاناً صاغية في أوساط بعض القادة والجنود الروس، المتضررين بصورة أو بأخرى من الحرب القائمة حالياً.
5– إرباك العلاقة بين “بوتين” والقيادة العسكرية: تفرض محاولة تمرد فاجنر تساؤلات ملحة حول مستقبل العلاقة بين الرئيس “بوتين” وقيادة المؤسسة العسكرية؛ فمشهد التمرد يكشف أن “بريجوجين” تحرك نظراً إلى تفاقم الخلافات بينه وبين قادة المؤسسة العسكرية، واتهامهم بالفساد وعدم قدرتهم على إدارة الحرب في أوكرانيا. ومن ثم فإن الرئيس “بوتين” قد ينظر بالمزيد من التشكك تجاه قيادته العسكرية التي بدت غير قادرة على السيطرة على قوات فاجنر واحتوائها ومنعها من هذا التمرد أو حتى عجزت عن رصد تحركاتها بصورة مبكرة، بل قد يصل الأمر إلى حدوث صدام بين “بوتين” والقيادات الأمنية والعسكرية، وخاصةً إذا وصل “بوتين” إلى اقتناع مفاده أن ثمة أطرافاً داعمة لقائد فاجنر داخل مؤسسات الدولة قد شجَّعته على التحرك وإعلان التمرد المسلح.
كما أن الإعلان عن إيقاف تمرد قوات فاجنر بموجب تسوية تحتوي على ضمانات أمنية قوية لقوات فاجنر، قد يُثير مخاوف بشأن تفاقم التوترات بين “بوتين” والقيادة العسكرية، لا سيما أن الكرملين أعلن أنه لن يتم اتخاذ إجراءات قضائية ضد المقاتلين الذين شاركوا في التصعيد العسكري، كما أن التقارير التي تتحدث عن تلقي “بريجوجين” تعهداً بتغيير قيادة المؤسسة العسكرية الروسية قد تُفضي إلى تأزم العلاقة بين بوتين والمؤسسة العسكرية. ولعل هذا ما يفسر مسارعة الكرملين إلى تأكيد أنه لم يتم بحث إحداث تغييرات في قيادات وزارة الدفاع الروسية أثناء المفاوضات التي أجريت مع بريجوجين.
6– تعقيد حسابات القوى الغربية تجاه النظام الروسي: أثارت الأخبار القادمة من روسيا اهتمام العديد من القوى الدولية، وقد أكدت حكومات كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي عن متابعتها التطورات على الأرض عن كثب، وتمنِّيها الحفاظ على حياة المدنيين، كما عززت الدول الأوروبية المجاورة لروسيا إجراءاتها الأمنية عبر الحدود؛ فقد عززت إستونيا ولاتفيا من تنسيقهما الأمني عبر حدودهما، بينما علقت لاتفيا طلبات التأشيرة ودخول البلاد من روسيا. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يخرجا بتصريحات قوية حول الأزمة، واكتفيا بالقول إنهما يقومان بالتنسيق عن كثب مع الحلفاء، فإن بعض النقاشات القائمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيدي النظام الروسي، قد اتهمت واشنطن بالتخطيط والترتيب لهذا الانقلاب مع “بريجوجين”؛ وذلك في مقابل جعله رئيساً للبلاد عقب التخلص من “بوتين”.
وبالرغم من أن سقوط نظام بوتين قد يخدم مصالح الدول الغربية في التخلص من غريم رئيسي لها، علاوةً على أن هذا السيناريو سيعني بصورة تلقائية انتهاء حرب أوكرانيا لصالح كييف، فإن إسقاط النظام بتمرد من قبل مجموعة عسكرية من طراز مجموعة فاجنر لن يكون سيناريو مضمون العواقب؛ لأنه قد يؤدي إلى ما يشبه سيناريو الحرب الأهلية داخل روسيا، وهو أمر سيكون له تداعيات كارثية ممتدة؛ لن تتوقف عند حدود الداخل الروسي، بل سيصل إلى الدول الأوروبية، وهو أمر لن ترغب فيه الدول الغربية، وخصوصاً أنه قد يفتح الباب أمام احتمالات كارثية في ظل صعوبة التحكم في الأسلحة النووية الروسية في خضم الاقتتال الداخلي بين قوى وتشكيلات عسكرية متنوعة.
7– زيادة الشكوك بشأن مستقبل قوات فاجنر: تشكل محاولة التمرد، التي قامت بها فاجنر، نقلة نوعية في مسار العلاقة بين شركات الأمن الخاصة والحكومة الروسية. فقد مثلت هذه الشركات أداة مهمة تعتمد عليها روسيا لتحقيق أهدافها المختلفة في عدد من قضايا السياسة الخارجية الروسية. وفي هذا الصدد، ربما تفكر موسكو في التخلي بصورة أو بأخرى عن هذه السياسة الأمنية الهجينة في سياساتها وحروبها الخارجية، مع تهديد فاجنر للاستقرار العام في البلاد، وإضرارها بصورة الاستقرار والتماسك الذي حرص النظام الروسي على تصديرها خارجياً منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
ولكن إعادة موسكو النظر في السياسة الأمنية الهجينة أمر معقد، وقد يتطلب وقتاً لاعتبارات عديدة؛ في مقدمتها أن الحرب في أوكرانيا لا تزال قائمة، ومن الصعب التخلي عن مساهمة قوات فاجنر في الصراع، كما أن مجموعة فاجنر كانت واحدة من أدوات موسكو لتعزيز حضورها في بعض المناطق، مثل أفريقيا، ومن ثم فإن ما جرى يوم 24 يونيو الجاري داخل روسيا سيكون له تأثير كبير على أنشطة مجموعة فاجنر الحالية في أفريقيا. وربما يكون أحد السيناريوهات المطروحة هنا أن يتم إبعاد “بريجوجين” عن قيادة فاجنر، وإعادة هيكلة المجموعة كي يضمن الرئيس “بوتين” السيطرة الكاملة للمؤسسة العسكرية الروسية على المجموعة.
8– بحث “بوتين” عن بدائل لفاجنر: صحيح أن ثمة صعوبة لتخلي “بوتين” بصورة سريعة عن جهود مجموعة فاجنر، بيد أنه سيسعى إلى موازنة نفوذ المجموعة وإضعافها عبر البحث عن بدائل لها؛ فربما يعمل “بوتين” على توسيع استعانته بالقوات من بيلاروسيا والشيشان، باعتبارهما حليفين رئيسيين له، خلال الفترة القادمة. وقد ظهرت مؤشرات ذلك حتى قبل بداية تمرد فاجنر بأيام؛ حيث أعلنت موسكو، في 12 يونيو 2023 أنها وقعت عقداً مع مجموعة القوات الخاصة الشيشانية “كتيبة أحمد” من أجل تنظيم مشاركة الكتيبة في العمليات القتالية.
9– دعم التحركات العسكرية لكييف: على مستوى الحرب الأوكرانية، من الممكن أن يؤثر الصدام بين الجيش الروسي ومجموعة فاجنر على مسار العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، والسماح لأوكرانيا بمساحة حركة أكبر وتحرير بعض المناطق من سيطرة روسيا، وكذلك ممارسة الدول الغربية حملات دعائية مكثفة ضد النظام الروسي لتسريع معدل إضعافه، وربما تشجيع الدول الغربية على تقديم المزيد من الدعم العسكري لكييف على أمل أن حالة الضعف في موسكو قد تساعد على تحقيق سيناريو الهزيمة الكاملة لروسيا في أوكرانيا.
وقد استغل الرئيس “زيلينسكي” الوضع ليؤكد أن العملية الروسية في بلاده ليس لها أي أساس شرعي أو قانوني، وأن دول العالم يجب أن تتخلى عن حيادها السياسي، واتخاذ موقف واضح وصريح ضد العدوان الروسي. ومن ثم، سيعمل زيلينسكي خلال الفترة القادمة على تعزيز مطالبه من الدول الغربية لتزويده بالسلاح، مبرراً ذلك بالانقسامات داخل موسكو التي تعطي كييف فرصة سانحة لتحقيق تقدم عسكري أكبر.
10– إضفاء تعقيدات على موقف الصين: في الوقت الذي لم تعلق فيه الصين رسميّاً على التطورات الحالية التي تشهدها روسيا، فمن المرجح أن تعمل بكين على دعم نظام “بوتين”، ومنع سقوطه بما يهدد مصالحها الدولية؛ فليس من مصلحة بكين أن ترى “بوتين” يسقط بهذه الطريقة؛ لأنها ستفقد حليفاً رئيسيّاً لها، كما أنها ستمنح الدول الغربية حيزاً جديداً للحركة على الساحة الدولية والضغط على بكين في مناطق نفوذها الحيوي.
وفي هذا الصدد، ربما تسرع بكين من ضغطها على “بوتين” من أجل التوصل إلى تسوية في الصراع الأوكراني في أسرع وقت ممكن؛ لأن استمرار الصراع أكثر من ذلك قد يؤدي إلى تفاقم المشكلات أمام “بوتين” ويجعل مستقبله على المحك، ويفتح المجال أمام سيناريوهات غير متوقعة قد يحمل بعضها أخباراً غير سارة للصين ومصالحها. ولكن مع ذلك، سيظل موقف واشنطن من التسوية هو المحدد الرئيسي، وإذا ما كانت ترغب في استمرار الضغط على “بوتين” ووضعه في خانة ضيقة أو ستوفر له مخرجاً من مأزقه الراهن.
مستقبل معقد
من الصعب توقع المسارات التي ستؤول إليها الأزمة الحالية في روسيا، لكن من المؤكد أن محاولة التمرد التي نفذتها قوات فاجنر تنتج المزيد من الضغوط على الرئيس الروسي؛ لأنها أدت إلى اهتزاز صورته. وهكذا يمكن القول إن الأزمة الحالية التي تشهدها روسيا تعزز مرة أخرى من حالة عدم الاستقرار في القارة الأوروبية، وتفتح الأبواب للعديد من السيناريوهات العالمية الكارثية، التي ترتبط بصورة كبيرة بالسلاح النووي الروسي، وخطورة وقوعه في أيدي القوات المرتزقة من مجموعة فاجنر، ناهيك عن دخول روسيا في حالة من الفوضى غير المعهودة، وهو ما قد يضطر بعض القوى الكبرى إلى التدخل في الصراع مباشرةً.