- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
بين الفرص والمخاطر.. كيف ستؤثر أزمة أوكرانيا على دول الخليج؟
بين الفرص والمخاطر.. كيف ستؤثر أزمة أوكرانيا على دول الخليج؟
- 12 فبراير 2022, 1:53:07 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بشكل مباشر أو غير مباشر، تقع دول مجلس التعاون الخليجي، باعتبارها أكبر مورد للطاقة في العالم، في كثير من الأحيان، في شرك التوترات بين روسيا والغرب في السنوات الأخيرة.
مع استمرار تصاعد التوترات بين روسيا وأوكرانيا، وزيادة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "ناتو" دعمهما السياسي والعسكري لكييف، باتت دول مجلس التعاون الخليجي في مأزق، حيث يجب أن يوازنوا بدقة علاقاتهم مع روسيا، التي أقاموا معها علاقات تدريجيًا منذ عام 2015، ومع الغرب، الحليف التاريخي التقليدي والضامن الأمني لدولهم.
وفي ظل دخول بريطانيا بعد أمريكا في خضم الأزمة بعمق أكبر، إلى جانب المصالح الخليجية المباشرة مع أوكرانيا، وملفات العرب المتنازع عليها دولياً في اليمن وسوريا وليبيا والاتفاق النووي الإيراني، بات اكتفاء الخليج بدور المتفرج في الأزمة أمراً مستبعداً.
ويمكن القول إن عواقب أي سيناريوهات تتبعها موسكو أو الغرب، سواء كانت حلول دبلوماسية أو مواجهات عسكرية، ستؤثر بشكل مباشر على العلاقات التي أقامتها دول الخليج مع القوى الخارجية، وتوازن القوى في المنطقة، حيث عززت نتائج الربيع العربي الأهمية المتزايدة لموسكو في المنطقة، بينما ظل عامل واشنطن مركزيًا أيضًا.
وشهد التحالف الوثيق التقليدي بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، تحولات خلال السنوات الأخيرة، حيث تميل سياسات كل إدارة جديدة تقلص مشاركتها في المنطقة إلى تحفيز المزيد من التعاون بين روسيا ودول الخليج.
ويمكن تلخيص السياقات التي تقود لانخراط الخليج في الصدام بأوكرانيا، في عدة نقاط رئيسية، هي الشرعية الدولية، والغاز القطري، والاتفاقيات الأمنية مع الغرب، والتبعات الاقتصادية.
الشرعية الدولية
يعد الحشد العسكري، كالذي تقوم به روسيا على حدود أوكرانيا، هو تكتيك لإرباك دفاعات المستهدف، وتحقيق الهجوم الساحق.
وبالعودة إلى 2 أغسطس/آب 1990، حشد الرئيس العراقي السابق "صدام حسين" 7 فرق عسكرية من قوات الحرس الجمهوري الأفضل تسليحاً وتدريباً واجتاح الكويت بـ100 ألف جندي.
ولأنّ التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة على شكل مأساة، ومرة على شكل مهزلة، ولتحاشي المهزلة، وحتى لا يكرر الرئيس الروسي "فيلاديمير بوتين" ما فعله "صدام"، ستقف دول الخليج مع قرارات مجلس الأمن التي تمثل الشرعية الدوليَّة.
وفي عودة إلى تاريخ الأحداث، التي سبقت الغزو العراقي الغاشم للكويت، يتشابه التصعيد الحالي والسجالات التى سبقت الاجتياح، فهناك تطمينات من وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف"، أنه لا يريد إلا الرد على المبادرة الروسية للضمانات الأمنية التي تقضي بانسحاب القوات الأجنبية من بلغاريا ورومانيا، وأن روسيا تتصرف حصرا ضمن إطار القانون الدولي، ولا داعي لتفسير تصرفاتها كمحاولة لتشكيل "مجال نفوذ" خاصة بها في أوروبا.
وهو نفس سيناريو تعهدات "صدام"، للملك الأردني حينها "الحسين بن طلال" وللرئيس المصري وقتها "حسني مبارك"، بعدم غزو الكويت.
وهنا سيجد الخليج نفسه مع الشرعية ومجلس الأمن، بانتظار تقديم طلب أمريكي رغم الفيتو الروسي.
الغاز القطري
ومع احتشاد القوات الروسية على الحدود الأوكرانية، دعت الولايات المتحدة أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني"، حاكم أكبر بلد منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم، إلى البيت الأبيض للتباحث حول إمداد أوروبا في حالة اضطراب التجارة بين روسيا والاتحاد الأوروبي.
وقد تجد قطر، التي طالما وازنت مصالحها بين الغرب والشرق، ولا تزال أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال إلى شرق آسيا، نفسها ملزمة بهذا الطلب.
وفي الوقت نفسه، من الواضح أن الدولة الخليجية الصغيرة ستستفيد مالياً من مثل هذا الاقتراح.
من ناحية أخرى، اتجهت سياسات موسكو الإستراتيجية، نحو تحويل منافسيها في مجال الطاقة، دول الخليج تحديداً، إلى شركاء لها، ما شجع الترابط الاقتصادي.
ويصف الأكاديميان الروسيان "ليونيد إساييف" و"نيكولاي كوزانوف" سياسات التوازن الروسية مع دول الخليج بأنها "استراتيجية مساومة".
لكن المحاولات الأمريكية المستمرة لاستبدال النفط والغاز الروسيين في السوق الأوروبية، تعني نقصاً هائلاً في موارد الطاقة في العالم، ووقف الإمدادات إلى الصين.
أي أن المشاركة في الحرب الروسية الأمريكية بشكل آلي وفوري، ستجعل من دول الخليج أعداءً للصين، التي من المرجح أن يدفعها هذا السيناريو إلى تسريع انخراطها في الحرب على موارد الخليج.
الاتفاقيات الأمنية
مع تعهد الغرب خاصة الولايات المتحدة بأمن الخليج ودوله، ووجود قواعد غربية في دول مجلس التعاون، فإن من غير المستبعد استخدامها في الصراع الغربي الروسي، إذا غزت موسكو جارتها كييف.
واستخدام القواعد الأمريكية بدول الخليج في خضم الصراع، يجعل هذه الدول أهدافاً مشروعة للرد العسكري الروسي، كما أنها توفر ذريعة مشروعة لتدمير منشآتها النفطية والغازية بشكل كامل، إذا أردات روسيا التصعيد.
الشيء الوحيد الذي يمكن أن يمنع روسيا من القيام بذلك، هو أن تظل دول الخليج مورداً رئيسياً للنفط والغاز للصين الصديقة لروسيا، لكن هذا يعني رفضها لواشنطن في محاولاتها لاستبدال الإمدادات الروسية في أوروبا.
وهذا يعني أيضا، صراعاً حاداً بين هذه الدول والولايات المتحدة.
بطريقة أو بأخرى، لا يمكن للدول العربية في الخليج، إلا أن تختار، وسيتعيّن عليها اتخاذ هذا الخيار في وقت مبكّر عن دول العالم الأخرى، بل وسيكون هذا الاختيار صعباً للغاية.
تبعات اقتصادية
ومع أن العلاقات بين دول الخليج وجمهورية أوكرانيا، بدأت مبكراً بعد استقلال الدولة في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، إلا أنها لم تشهد التطور المتسارع إلا حديثاً، بعد أن دخلت في مرحلة الشد والجذب بين روسيا والغرب، خصوصاً بعد 2017، العام الذي شهد توقيع اتفاق إطار جماعي بين مجلس التعاون ممثلاً في دوله الست وأوكرانيا.
وبعد أن تم إبرام الاتفاق، تمت الإشارة إلى أنه جاء منسجماً مع رغبة الطرفين في استكشاف مجالات التعاون والحوار، واقتراح الآليات المناسبة لذلك، كما تعقد اجتماعات لفرق عمل وخبراء من الجانبين لمناقشة ما يتفق عليه في إطار المواضيع ذات الاهتمام المشترك.
وبعد هذا الاتفاق شهد التبادل التجاري والتعاون بين دول المجموعة وكييف تنامياً متسارعاً على أكثر من صعيد، قاد رئيس الدولة "فولوديمير زيلينسكي" 2021 إلى زيارة الإمارات التي بلغت أرقام التبادل معها نحو مليار دولار، وسط تأكيد "زيلينسكي" اهتمامه بالبناء على وجود 200 شركة أوكرانية في الإمارات من أجل تعظيم النشاط الاقتصادي بين البلدين.
في الوقت نفسه، سعت روسيا إلى بناء علاقات تعاون اقتصادي أقوى مع دول مجلس التعاون الخليجي من خلال جذب استثمارات واسعة من دول الخليج مما يعني أن الخسائر الاقتصادية داخل روسيا ستؤثر سلبًا على دول الخليج أيضًا.
ويهدد أي تصعيد في أوكرانيا، الاستثمارات الخليجية هناك، فضلا عن الاستثمارات الخليجية في روسيا نفسها.
كما يهدد العلاقات الاقتصادية الأمريكية الخليجية، المتنامية في الفترة الأخيرة.
صفقة
رؤية أخرى، يتبناها السياسي السعودي "نزار عبيد مدني"، الذي يقول إن المساومات في أوكرانيا قد تكون تستهدف "صفقة ما"، تحضر على الأرجح في تفاصيلها ملفات عربية أيضاً في مثل سوريا.
وأعرب الدبلوماسي الذي عمل لسنوات في وزارة الخارجية ووزيراً للدولة للشؤون الخارجية سابقاً، عن اعتقاده بأن "ما يحدث حالياً بين الولايات المتحدة وروسيا من جهة وبين أوروبا وروسيا من جهة أخرى يخبئ وراءه أمرين، الأول استبعاد قيام أي مواجهة عسكرية مباشرة بين أمريكا وروسيا أو بين أوروبا وروسيا، فلا أمريكا في وارد التحرك عسكرياً على النطاق العالمي، ولا أوروبا في وضع يسمح لها بمثل ذلك التحرك بخاصة في مواجهة روسيا".
أما الأمر الثاني، فهو التوقع بأن هناك "صفقة ما" يتم الإعداد لها في الخفاء بين الغرب وروسيا، "ويتم بموجبها السماح بنوع من الهيمنة الروسية على أوكرانيا، قد تؤدى إلى إحلال نظام موال لموسكو في كييف، والتوقف عن محاولات ضم أوكرانيا أو غيرها من الدول الأوروبية المحاذية لروسيا إلى حلف ناتو، وذلك في مقابل موافقة روسيا على الانسحاب من سوريا ولو بشكل تدريجي، تمهيداً للتوصل إلى حل نهائي للوضع هناك".
وإذا اندرج الاحتمال الأخير ضمن مجريات الملف الأوكراني، فإن الخليجيين سيكونون معنيين بالأحداث في كييف تبعاً لذلك، بوصفهم عرباً مهتمين بالمنطقة العربية، ولأنهم أيضاً منخرطون في القضية السورية، وإن بشكل متفاوت.
ففي الوقت الذي حافظت مسقط على علاقتها وسفارتها في دمشق طوال سنوات الحرب، فإن أبوظبي هي الأخرى عادت إليها وسط حديث عن نقاش في البيت الخليجي حول عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ومن ثم إلى دول مجلس التعاون الخليجي بما فيها السعودية كبرى دول المجلس، التي تردد أنها بدأت خطوات اتصال بسوريا، على الرغم من انتقاداتها المبدئية للنظام.
وفي كل الأحوال، سيتوجب على دول الخليج القيام بدراسة متأنية للفرص والمخاطر التي تخلقها التوترات الحالية بين روسيا والغرب وما قد ينشأ عنها من تغيرات في ميزان القوى.