- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
بيسان عدوان تكتب: اليوم التالي للحرب.. رؤية فلسطينية بامتياز
بيسان عدوان تكتب: اليوم التالي للحرب.. رؤية فلسطينية بامتياز
- 13 يونيو 2024, 11:16:17 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في أعقاب الحرب الأخيرة على غزة، والتي أقل ما يمكن قوله عنها أنها حرب إبادة جماعية شهدها القرن الحادي والعشرين، برز بقوة التساؤل عن اليوم التالي وما هي الرؤية السياسية الفلسطينية البديلة. فقد تبين بجلاء أن وهم حل الدولتين قد انهار إلى الأبد، في ظل الممارسات الاستعمارية الصهيونية المتمثلة في التوسع الاستيطاني والتطهير العرقي والعدوان المتكرر على الشعب الفلسطيني.
كما أظهرت هذه الحرب مدى التحيز الأمريكي الصارخ لصالح "إسرائيل" وإدارتها للصراع بما يخدم مصالحها على حساب الحقوق المشروعة للفلسطينيين. في ظل هذا الواقع المؤلم، بات واضحًا أن الحل السياسي التقليدي القائم على حل الدولتين قد فشل فشلاً ذريعًا، وأن الشعب الفلسطيني مدعو أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة صياغة رؤيته السياسية والاستراتيجية.[1]
منذ البداية، كان جوهر المشروع الصهيوني يتمثل في تطبيق مشروع استعمار استيطاني إحلالي على كامل فلسطين، أي تأسيس "دولة يهودية" عليها وتحويلها إلى "أرض إسرائيل" عبر الاحتلال والإرهاب وطرد السكان من أراضيهم وتأسيس نظام فصل عنصري (أبارتهايد) والإبادة الجماعية. هذا المشروع الاستعماري كان ينطلق من أيديولوجية صهيونية تستند إلى ادعاءات غير تاريخية بحق الشعب اليهودي في فلسطين (أرض الميعاد).[2]
في مقابل هذا المشروع الصهيوني التوسعي، طُرِح قبيل النكبة البديل التحرري المتمثل في إنشاء دولة فلسطينية ديمقراطية واحدة من النهر إلى البحر. هذا الطرح استمر بعد النكبة إلى أن حرفت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية البوصلة فتبنت عام 1974 "برنامج النقاط العشر" وشعار "الدولة الفلسطينية المستقلة" على 22% من أرض فلسطين. ثم تواصلت تراجعاتها حتى وقعت عام 1993 على اتفاقية أوسلو، مقرة بذلك "بشرعية" الدولة الصهيونية ومخرجة لفلسطينيي الأرض المحتلة سنة 1948 واللاجئين من المعادلة الفلسطينية، مما شكل انحرافًا جوهريًا عن الطرح الفلسطيني التحرري وخروجًا عن الثوابت الوطنية.[3]
لذا، لا بد لشعبنا من التخلي عن كل أشكال اللا-حلول المساومة، ومنها طرح الدولتين وثنائية القومية والكونفيدرالية والسعي لنيل "حقوق متساوية ضمن الدولة اليهودية"، والعودة إلى طرحنا التحرري التاريخي: تفكيك الكيان الصهيوني والتحرير والعودة إلى دولة فلسطينية ديمقراطية علمانية واحدة. وستكون هذه الدولة:
دولة فلسطينية واحدة
هذه الدولة ستضمن حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وممارسة سيادته على أرضه، وستضمن تطبيق حق العودة بالكامل للاجئين الفلسطينيين. كما ستضمن منح اليهود المتخلصين من الأيديولوجية الصهيونية والراغبين في العيش كمواطنين فلسطينيين حق المواطنة فيها. وستكون هذه الدولة تجسيدًا لاستكمال عملية التحرير الوطني وتحرير الشعب الفلسطيني من الاستعمار الصهيوني، وتحرير اليهود من الإيديولوجية الصهيونية.[4]
دولة فلسطين ديمقراطية
هذه الدولة ستكون ديمقراطية لجميع مواطنيها دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو الثقافة أو اللغة أو الجنس أو النوع الاجتماعي، محافظةً على امتياز التراث الفلسطيني بالتعدد الثقافي والديني والعرقي. ولن تكون نسخة عن النماذج الرأسمالية الاستعمارية، بل دولة يمارس مجتمعها دوره السياسي ويعبر عن إرادته السياسية ويختار طريقة إدارة شؤونه من خلالها. وهذا يتوافق مع النماذج الديمقراطية التقدمية في العالم كالنموذج الجنوب أفريقي ما بعد الأبارتهايد أو النموذج الإسباني في القرن العشرين.[5]
دولة فلسطين القانونية
علي دولة فلسطين الجديدة أن ترسي مبدأ القانون قبل كل شيء وأن ينص دستورها علي تجريم الفكر الصهيوني، في الوقت الذي ستضمن به الحقوق للجميع دون استثناء. وأولى هذه الحقوق ستتمثل بحقوق الشعب الفلسطيني التي لا تسقط بالتقادم، وخصوصًا حقوق اللاجئين في العودة والتعويض عن عقود التشرد، فهذه الحقوق غير قابلة للتصرف أو للتفاوض. وحيث أن ذلك سيتعارض مع المصالح والامتيازات التي منحها النظام الاستعماري للتجمع اليهودي في فلسطين نتيجة عمليات التطهير العرقي والإحلال، لا بد من التأكيد على أن إقامة العدل للفلسطينيين في المسائل المتعلقة بالملكية أو السكن أو غيرها لن يفضي إلى إجحاف بحق التجمع اليهودي المتخلص من امتيازاته الاستعمارية.[6]
يشكل طرح الدولة الفلسطينية الديمقراطية الواحدة النقيض التام للمشروع الصهيوني، وتستدعي إقامتها تفكيك الكيان الصهيوني وكل علاقات القوة الاستعمارية الكامنة فيه. هذه الرؤية التحررية والتقدمية هي السبيل الوحيد لاستكمال عملية التحرير والنهوض بالقضية الفلسطينية، والتي تنسجم مع نماذج التحرر الوطني والديمقراطي في العالم.[7]
المراجع:
[1] "الأزمة السياسية الفلسطينية بعد الحرب على غزة"، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت (2023).
[2] إحسان نصر الله، "جذور المشروع الصهيوني الاستعماري في فلسطين"، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 78 (ربيع 2009).
[3] سمير أمين، "تراجعات منظمة التحرير الفلسطينية وآفاق الكفاح الوطني"، مجلة الطريق، العدد 12 (شتاء 1985).
[4] عبد الوهاب المسيري، "الرؤية التحررية للقضية الفلسطينية"، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت (1996).
[5] نزيه أبو نضال، "النموذج الديمقراطي للدولة الفلسطينية المنشودة"، مجلة شؤون فلسطينية، العدد 59 (يناير 2002).
[6] عدنان أبو عامر، "قضايا الملكية والسكن في دولة فلسطين الديمقراطية"، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت (2010).
[7] سمير جريس، "الدولة الفلسطينية الديمقراطية: النموذج البديل"، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 101 (شتاء 2015).