بـايـدن فـي طـريـق الـصّـدام مـع مـوسـكـو

profile
رامي أبو زبيدة كاتب وباحث بالشأن العسكري والامني
  • clock 19 مارس 2021, 9:04:26 م
  • eye 864
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

كتب الون بنكاس مقالاً في صحيفة هآرتس الإسرائيلية تحت عنوان بـايـدن فـي طـريـق الـصّـدام مـع مـوسـكـو، جاء فيه.

المقابلة التي أجراها الرئيس الأميركي، جو بايدن، هذا الاسبوع، في برنامج "صباح الخير أميركا"، التابع لشبكة "إي.بي.سي" ليست صدفية. اختير التوقيت بعناية من أجل نقل رسائل واضحة وحازمة للصين وروسيا، كل على حدة، حسب مكانتها في سلم اولويات السياسة الخارجية الأميركية، وفي تصورات التهديد المختلفة التي تمثلها بالنسبة للولايات المتحدة.

يوم الجمعة الماضي شارك بايدن في مؤتمر قمة افتراضي لرؤساء الرباعية الاربعة: الولايات المتحدة والهند واليابان واستراليا. وزير الخارجية الأميركي، انطوني بلينكن، ووزير الدفاع، لويد اوستين، أنهيا جولة محادثات في موضوع الصين في اليابان. إضافة الى بايدن، طرحا فعليا اهدافاً مركزية في سياسة ادارته الخارجية: نظام تحالفات الولايات المتحدة وكبح نشاط تمدد الصين واستعراض عضلاتها.

الجبهة الروسية، التي اصبحت أسسها معروفة ومتوقعة، تمت اضافتها الآن بشكل علني. فقد نشر مكتب المخابرات القومية، الجسم الذي يشمل معظم اجهزة المخابرات في أميركا، أول من أمس، تقريراً خاصاً عن تدخل خارجي في محاولة لترجيح الكفة في انتخابات الرئاسة الأميركية في العام 2020. التقرير الذي يتكون من 15 صفحة هو تقرير واضح وقاطع ويستند الى شهادات كثيرة ومتقاطعة.

بذل بوتين جهودا كبيرة واستخدم عملية عميقة في محاولة للمس ببايدن ومساعدة دونالد ترامب، بالأساس هو ضعضع، بعد أربع سنوات ناجحة جدا من ناحية روسيا في هذا المجال، ثقة الأميركيين بالنظام والمؤسسات والإجراءات السياسية في أميركا.

كل ذلك أجبر الرئيس على التحدث بصوته وليس من خلال الوزراء والموظفين. "بوتين سيدفع الثمن، أنا أعرفه جيدا"، قال بايدن. هل تعتقد أنه قاتل؟ سأل مجري المقابلة، جورج ستيفانوبولس مباشرة. "نعم، أعتقد ذلك"، أجاب الرئيس الأميركي.

يعرف بايدن عن تدخل روسيا منذ كان تدخلا سوفييتيا. فقد كان شاهدا على ذلك خلال 36 سنة كسيناتور.

وفي منصب رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ وفي السنوات الثماني التي كان فيها نائب الرئيس الأميركي. وقد عرف ايضا عن تقرير مولر، وهو المحقق الخاص الذي فحص تدخل روسيا في انتخابات الرئاسة الأميركية في العام 2016. يعرف بايدن روسيا، ويعرف بوتين، ويحصل على معلومات استخبارية اكثر بكثير ومحدثة اكثر من التي توجد في التقرير.

في التقرير، هذا الشهر، الذي وقعت عليه رئيسة المخابرات الوطنية، افيريل هاينس، كتب أن روسيا استخدمت شبكة من العملاء والمبعوثين، "عملاء نفوذ" تابعين للمخابرات الروسية.

بوتين، كما ورد في التقرير، كان مطلعا على العملية التي استهدفت المس ببايدن، ويبدو أنه اعطى التوجيهات للقيام بها. وقد كانت له سيطرة على شخص اسمه اندريه دراكاتس، الذي تصادق مع محامي ترامب، رودي جولياني. نشر دراكاتس اكاذيب وتشويها ومعلومات كاذبة ونظريات مؤامرة بوساطة أشخاص آخرين قاموا بتشغيل شبكة لناشري الأكاذيب في روسيا. "كانت هذه عملية استخبارية اخترقت دائرة الرئيس ترامب الداخلية"، قال رئيس لجنة المخابرات في مجلس النواب، آدم شيب. "يتعلق الأمر بجهود روسية جدية ومتواصلة في الحملات الانتخابية في العام 2016 و2020"، قال رئيس لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ، السناتور جون فيرنر. وكرد متوقع، قامت روسيا باعادة سفيرها من واشنطن، من أجل التشاور، وهذه عملية دبلوماسية رمزية واحتجاجية ولا توجد لها أي اهمية، وهي قائمة منذ 200 سنة.

نطاق استجابة واسع

السؤال المهم هو ما الذي ستفعله أميركا بالفعل. وضع بايدن نفسه في وضع رد ضعيف جداً، تمثل في قراره عدم معاقبة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على قتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي.

من جهة اخرى، رد شديد جدا يمكن أن يتدهور ليصبح تصعيداً سيمنع التعاون في عدد من المواضيع التي تريد فيها الولايات المتحدة التوصل إلى تفاهمات مع روسيا: الاتفاق النووي مع إيران، تحديد اتفاق ستارت لتقليص السلاح النووي، وسياسة المناخ.

على الرغم من ذلك، يجدر الامتناع عن تصريحات هستيرية عن مواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا. لا توجد لأي أحد مصلحة أو فائدة من ذلك. خلافا لفترة الحرب الباردة، أو على الاقل صورتها على أنها صراع بين دولتين عظمتين متساويتين في القوة، لا يوجد أي تناسب بين أميركا وروسيا.

الناتج القومي الاجمالي الخام في الولايات المتحدة هو 22 تريليون دولار تقريبا. ومثيله في روسيا هو 1.2 تريليون بالعملة ذاتها، أي أكثر بـ 18.25 ضعف. سكان الولايات المتحدة، 335 مليون نسمة، اكثر بـ 2.3 ضعف سكان روسيا، التي يبلغ عدد سكانها 146 مليون نسمة. ولغرض المقارنة، الناتج الاجمالي في كاليفورنيا (3.1 تريليون)، تكساس (1.8 تريليون) ونيويورك (1.7 تريليون)، كل واحد منها اكبر من الناتج القومي الخام في روسيا.

خلافا لجهود بوتين من اجل بناء صورة بحسبها روسيا هي دولة عالمية، فان الواقع مختلف.

روسيا دولة ضعيفة اقتصاديا، تعتمد بالاساس على تصدير النفط والغاز. وهي تحتاج الى سعر يتراوح بين 100 – 110 دولارات للبرميل من اجل معادلة الميزانية. هذا السعر ظهر آخر مرة في بداية العام 2012، ومنذ ذلك الحين انخفض بالتدريج ووقف على 50 – 60 دولاراً. وقد وصل الى حضيض 10 – 20 دولاراً للبرميل على خلفية التباطؤ الكبير الذي أحدثه وباء "كورونا"، والآن يبلغ سعر البرميل 64 دولارا أو 68 دولارا للبرميل الخام من نوع برينت.

توجد روسيا ايضا في موقف ضعيف نسبيا من ناحية سياسية. باستثناء عضويتها الدائمة في مجلس الامن، إلا أن تأثيرها الجيوسياسي محدود في مناطق النفوذ التي تحدها ماديا. صحيح أنها ذات قدرة تكنولوجية ضخمة، لكنها استخدمت في معظمها لتطوير انظمة قتال، القليل في العالم يشترونها أو مستعدون لتمويلها.

لذلك، نطاق ردود أميركا هو نطاق واسع جدا، يتراوح بين فرض عقوبات محدودة على المحيط المقرب من بوتين ومرورا بتجاهل استعراضي في الساحات الدولية وانتهاء بالردود الشديدة جدا والتي توجد في يد الولايات المتحدة.

مثلا، منع تجنيد الاموال من قبل الحكومة الروسية في الولايات المتحدة، أو منع الشركات الأميركية من شراء سندات روسية. السؤال هو هل بايدن مستعد لمواجهة دبلوماسية في الجبهتين؟ حسب أسلوبه في الشهرين الاخيرين يبدو أن الجواب هو نعم.

كلمات دليلية
التعليقات (0)