حرب أكتوبر في دفاتر المؤرخ العسكري اللواء عبدالمنعم كاطو(3 - 3 )

اللواء عبد المنعم كاطو: معركة رمضان أول حرب إلكترونية وأكبر استخدام للدروع البشرية

profile
مصطفي إبراهيم رئيس التحرير التنفيذي لموقع 180 تحقيقات ورئيس تحرير موقع 180ترك
  • clock 8 أكتوبر 2024, 12:57:19 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

* الخبراء الروس قدروا نجاح الجيش المصري ب"30%" فحققنا نجاحاً بنسبة 5%

* مضخات المياه النفاثة أزالت 3 ملايين متر من السواتر الترابية لخط بارليف

*1600 قارب نقلت 8000 جندي للضفة الشرقية للقناة في وقت قياسي 

*الثغرة تمت بدعم أمريكي ولولا  معونة واشنطن ما عبر جندي من العدو للضفة الغربية للقناة 

*المقاومة الشعبية في السويس أذلت قوات العدو وأجبرتها على الانسحاب من السويس

*نتائج الحرب دفعت بالعرب ليحتلوا المرتبة السادسة في ترتيب القوى العالمية 

 

 

في ذكرى معركة أكتوبر المجيدة أعيد نشر حوار أجريته مع الخبير الاستراتيجي اللواء عبد المنعم كاطو الذي نشر في جريدة النهار الكويتية قبل سنوات  ، وذلك لاستخلاص العبر والدروس من الماضي وللاطلاع على تفاصيل جديدة عن معركة أكتوبر العظيمة.

حمل الخبير الاستراتيجي المصري المرحوم  اللواء عبدالمنعم كاطو نكسة 5 يونيو 1967 ونتائجها المؤلمة للقيادتين السياسية والعسكرية في ذلك الوقت لاتخاذهما الكثير من القرارات والتصرفات الخاطئة التي أدت إلى الهزيمة الرهيبة التي لم يكن يحلم بها العدو ولم تخطر ببال قياداته.

وأوضح المؤرخ العسكري في حديث خاص  سبق أن تم أجراؤه معه في حياته ، و  ننشره على ثلاث حلقات أن القوات المسلحة المصرية ظلمت كثيراً بسبب القرارات والتصرفات الخاطئة لتلك القيادات، مؤكداً أن الجيش المصري كان يمتلك العتاد والقيادات الميدانية للرد على الهجوم أو تقليل آثاره لأقل قدر ممكن، وأن حجم المرارة التي شعر بها كل فرد في الجيش كانت هي الدافع والمحفز لحسن الأداء والفدائية والفداء وإجادة التخطيط وحسن الإدارة لحرب أكتوبر المجيدة. وأكد ضابط تخطيط الجيش الثاني في حرب أكتوبر أن حرب الاستنزاف معركة مستقلة وفاز فيها الجيش المصري بنجاح منقطع النظير وحقق أهدافه المرجوة منها وهي تسخين الجبهة وكسر الحاجز النفسي عند الجندي المصري والقضاء على أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر ودراسة مواقع وتحصينات العدو الصهيوني على أرض الواقع.

وأوضح كاطو ان الرئيسين الراحلين انور السادات وحافظ الأسد استخدما «سلاح الشك» للتمويه على الاستعدادات لحرب 6 اكتوبر التي وصفها بانها اول حرب الإلكترونية في التاريخ وشهدت اكبر استخدام للدروع البشرية. وأكد المؤرخ العسكري أن نتائج حرب أكتوبر الإجمالية لا تعد ولا تحصى على المستوى العربي والدولي والعسكري وعلى إسرائيل نفسها حيث أسقطت نظرية الأمن الإسرائيلية وكسرت ذراع إسرائيل الطويلة وجعلت العالم يضع العرب في المنزلة السادسة في ترتيب القوى على مستوى العالم. ..وإلى نص الحلقة الثالثة من الحوار : 

*نأتي إلى تحديد ساعة الصفر وأسرار اختيارها؟ وماذا حدث في الساعات الأولى للحرب؟

- حدد الجيشان المصري والسوري موعد الهجوم في الساعة الثانية بعد الظهر بعد أن اختلف السوريون والمصريون على ساعة الصفر وهو موعد غريب جديد في دنيا المعارك لأن المعتاد أن يكون بدء الهجوم مع أول ضوء أو مع آخر ضوء ويكون القتال ليلاً ويكون المهاجم يمتلك أجهزة رؤية ليلية، وتم التوصل إلى الموعد المحدد بحيث تكون الشمس عمودية على الجنود المصريين وبزاوية على الجنود السوريين ولا تكون في وجوههم إلا بعد قطع شوط كبير والتوغل في هضبة الجولان ولذلك كان من غير المتوقع اختيار ساعات الظهيرة لبدء الهجوم.

وتم إخطار الاتحاد السوفياتي بميعاد الحرب لأنه القوة التي ستساعدنا وتعوض خسائرنا، وإن لم يحدث ذلك بصورة موازية أو مساوية للدعم الأميركي لإسرائيل، وبدأت مصر الحرب كما سبق ذكر ذلك بضربة جوية عبر مطار بلبيس الجوي الحربي (يقع في محافظة الشرقية - حوالي 60 كيلومترا شمال شرق القاهرة) وتشكلت من نحو 222 طائرة مقاتلة عبرت قناة السويس وخط الكشف الراداري للجيش الإسرائيلي مجتمعة في وقت واحد في تمام الساعة الثانية بعد الظهر على ارتفاع منخفض للغاية، واستهدفت محطات الشوشرة والإعاقة في أم خشيب وأم مرجم ومطار المليز ومطارات أخرى، ومحطات الرادار وبطاريات الدفاع الجوي، وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة في خط بارليف، ومصافي البترول ومخازن الذخيرة، وكان مخططاً لها أن تكون على ضربتين متتاليتين قدر الخبراء الروس نجاح الأولى بنحو 30 في المئة وخسائرها بنحو 40 في المئة ونظرا للنجاح الهائل للضربة الأولى والبالغ نحو 95 في المئة وبخسائر نحو 2.5 في المئة تم إلغاء الضربة الثانية، وحققت هذه الضربة هدفها بنجاح وخسرت مصر 11 طائرة فقط منها طائرة بقيادة عاطف السادات شقيق الرئيس الراحل أنور السادات.

أضخم تمهيد نيراني

وتبع مرور الطائرات قناة السويس التمهيد النيراني وهو أول واضخم حشد نيراني شهدته الحروب، وتم تنفيذه بقوة أكثر من 2000 قطعة مدفعية بخلاف المئات من قطع الرمي المباشر لمدة 53 دقيقة اعتبارا من الساعة الثانية وخمسة دقائق بعد ظهر يوم 6 أكتوبر وقد وصل معدل الضرب في هذا التمهيد النيراني في الدقيقة الأولى إلى حوالي 10.500 دانه بمعدل 175 دانه في الثانية الواحدة. وأذكر هنا أنه بمجرد عبور الطائرات قناة السويس بدأ ضرب نقاط المراقبة التي فوق الساتر الترابي ولا أنسى أبداً مشهد تطاير نقاط المراقبة بسبب ضرب المدفعية المصرية لها، وبذلك فقد الصهاينة عينهم التي يشاهدوننا بها من الشط الشرقي للقناة، وتم في نفس التوقيت بعد عبور الطائرات اقتحام الموجة الأولى لقناة السويس في بقوة 8000 مقاتل من خلال 1600 قارب وفى سباق رهيب مع الزمن وليصبح إجمالي عدد المقاتلين في الشرق 80 الف مقاتل مصري بنهاية يوم 6 أكتوبر.

وبدأت قواتنا بعد بدء الاقتحام مباشرة بما لا يزيد على 30 دقيقة في صد الهجمات المضادة المعادية وإنهاك القوى واستمر ذلك طوال الحرب، وكان أول علم مصري يرفع على الساتر الترابي لخط بارليف كان في الساعة الثانية والدقيقة 37 بعد ظهر يوم 6 أكتوبر في المنطقة جنوب معبر الشط. ونجح سلاح المهندسين المصري في إنشاء أول كوبري ثقيل فى حوالي الساعة الثامنة مساء وبعد 8 ساعات أي حوالي الساعة 8.30 قاموا بعمل 60 ممراً في الساتر الترابي على طول الجبهة وإنشاء 8 كباري ثقيلة، و4 كباري خفيفة، وتشغيل 30 معدية.

لماذا لم تتصد الصواريخ الإسرائيلية للضربة الجوية المصرية والسورية؟

لأننا تعلمنا من ضربة 67 الجوية حيث دربنا طيارينا على الطيران المنخفض لكي لا ترصدهم رادارات العدو، وهذا ما نفذناه بنجاح أبهر العالم في معركة أكتوبر.

لماذا لم تتصد الطائرات الإسرائيلية للطائرات المصرية؟

لمفاجأة الهجوم المصري، وبعدها عندما حاولت الطائرات الإسرائيلية مهاجمة الأراضي المصرية تصدت لها الصواريخ ودفع ذلك القيادة الإسرائيلية إلى إصدار أوامر لطائراتها بعدم الاقتراب من خط القناة   لمسافة من 15 كيلو متراً.

*ما الجديد الذي قدمته العسكرية المصرية في هذه الحرب؟

- الكثير والكثير، ومن أبرز هذه الأشياء تغيير مفاهيم عسكرية مترسخة بأن الدبابة يقابلها دبابة حيث أثبت الجيش المصري فشل تلك النظرية وواجه الجنود المصريون الدبابات الإسرائيلية ودمروا الكثير منها باستخدام المدافع «الآر بي جي والبلانست وذلك الأمر تم تدريسه كنظريات حربية جديدة بعد ذلك في الكليات والمعاهد والأكاديميات العسكرية العالمية، وتكرر ذلك الأمر في مواجهة الطائرات حيث أسقط المشاة المصريون العديد من طائرات العدو باستخدام الصواريخ المحمولة على الكتف «سام، وبهذا أسقط الجندي المصري والعربي تلك القواعد وواجه الدبابات والطائرات وحطمها، وقصص قنص الدبابات والطائرات مشهورة وقرأها الناس في كل مكان وبهرت العالم أجمع.

وكان ذلك أول استخدام مكثف للدروع البشرية المصرية، وتم ذلك بقتال الفرد المترجل للدبابة والطائرة ولتعترف القوات الإسرائيلية خلال إدارة المعارك بان فرد المشاة والصاعقة المصري أصبح ذراعاه اكثر طولا من دباباتهم ومدافعهم.

و من الجديد في تلك الحرب ملحمة إنشاء معابر المعديات والكباري على قناة السويس بادئة بفتح 81 فتحة شاطئيه في الساتر الترابي بأسلوب التجريف بمضخات المياه النفاثة محققة إزالة 3 ملايين متر مكعب من التربة، وتمت الفتحة الأولى في الساعة 5.15 مساءً.

النتائج الأولية

*ماذا عن نتائج الحرب في الأيام الأولى؟

-وخلال أعمال قتال اليوم الأول دمرت قواتنا أكثر من 200 دبابة إسرائيلية وقتلت وأسرت وحاصرت أكثر من 1500 جندي وضابط إسرائيلي،و كان لأول مرة في تاريخ حروب الدبابات يتم تدمير 150 دبابة في مدة لا تزيد على 20 دقيقة مع اسر معظم أطقمها من المقاتلين الإسرائيليين يوم الاثنين 8 أكتوبر على شريحة محدودة من مسرح العمليات بالقطاع الأوسط لسيناء.

وأذكر أن أكبر عدد من الأسرى تم القبض عليهم من نقطة حصينة واحدة هي حصن بور توفيق حيث كان عددهم 37 بين ضابط وجندي إسرائيلي.

وبدأت القوات السورية الهجوم وانطلقت قذائف المدافع على التحصينات الإسرائيلية في الجولان، واندفع الآلاف من القوات البرية السورية إلى داخل مرتفعات الجولان تساندها قوة كبيرة من الدبابات، بينما كان طيران سلاح الجو السوري يقصف المواقع الإسرائيلية، وعبر القناة 8000 من الجنود المصريين، ثم توالت موجتا العبور الثانية والثالثة ليصل عدد القوات المصرية على الضفة الشرقية بحلول الليل إلى 60000 جندي، في الوقت الذي كان فيه سلاح المهندسين المصري يفتح ثغرات في الساتر الترابى باستخدام خراطيم مياه شديدة الدفع.

في الساعة الثانية تم تشغيل صافرات الإنذار في جميع أنحاء إسرائيل لإعلان حالة الطوارئ واستأنف الراديو الإسرائيلي الإرسال رغم العيد، وبدأ تجنيد قوات الاحتياط, وبالرغم من توقعات المصريين والسوريين، كان التجنيد الإسرائيلي سهلا نسبيا إذ بقي أغلبية الناس في بيوتهم أو احتشدوا في الكنائس لأداء صلوات العيد. ولكن الوقت القصير الذي كان متوفرا للتجنيد وعدم تجهيز الجيش لحرب منع الجيش الإسرائيلي من الرد السريع على الهجوم المصري السوري المشترك.

أهداف استراتيجية

هل تحققت الأهداف الاستراتيجية للجيشين المصري والسوري في الأيام الأولى للحرب؟

بالتأكيد فقد حقق الجيشان المصري والسوري الأهداف الإستراتيجية المرجوة من وراء المباغتة العسكرية لإسرائيل، وكانت هناك إنجازات ملموسة في الأيام الأولى بعد شن الحرب، حيث توغلت القوات المصرية 20 كيلومترا شرق قناة السويس، وتمكنت القوات السورية من الدخول في عمق هضبة الجولان.

وفي 14 اكتوبر، ونتيجة للخسائر الكبيرة التي كان الجيش السوري يتعرض لها، قررت القيادة المصرية القيام بعملية تطوير للهجوم خارج مظلة الدفاع الجوي لتقليل الضغط على الجبهة السورية والاستيلاء على منطقة الممرات الاستراتيجية.

واستخدم في عملية التطوير حوالي 400 دبابة كانت مهمتها هي التمركز غرب القناة وبالقرب منها لحماية ظهر القوات المصرية من اي عملية التفاف.

الا ان التطوير لم يكتب له النجاح لأنه مع غياب الحماية الجوية قامت القوات الجوية الاسرائيلية بتدمير حوالي 250 دبابة من إجمالي الدبابات، مما جعل ظهر الجيش المصري مكشوفا أمام أي عملية التفاف، وفي هذا اليوم بدأت اول طائرات الجسر الجوي الأميركي في الوصول للمطارات الاسرائيلية.

وقد اعترف وزير خارجية الولايات المتحدة هنري كيسنجر فى إحدى زياراته لمصر في حديث له مع المشير محمد عبد الغني الجمسي رئيس أركان الجيش المصري بعد الثغرة بأن الولايات المتحدة تحققت من عبور الفرقة 21 المدرعة (المصرية) من غرب القناة إلى شرقها استعدادا لتطوير الهجوم فى اتجاه المضايق وكان يعنى ذلك أن أميركا استنتجت نوايانا في استئناف الهجوم فى وقت مبكر، وزودته إسرائيل بنتائج الاستطلاع الذى تم يوم 13 أكتوبر، وبدأ العدو الصهيوني في الإعداد لعملية العبور لشرق القناة وهوم اعرف بعد ذلك بالثغرة التي حدثت في منطقة الدفرسوار.

ثغرة الدفرسوار

*هل غيرت الثغرة في موازين القوى في ميدان المعركة؟

-بالتأكيد, العدو الصهيوني ضخم من شأنها وهول من قدرها لكنها أدت لانقلاب جزئي في موازين المعركة حيث أدت الثغرة لتدمير عدد من بطاريات صواريخ سام 2و3و6 المصرية ما أدى لنجاح عدد من الطائرات الاسرائيلية في عبور القناة،كما نجحت القوات الاسرائيلية في حصار مدينة السويس، إلا أنها فشلت في اجتياحها، حيث نجحت المقاومة الشعبية وفرق الصاعقة في الدفاع عن المدينة وتكبيد القوات الاسرائيلية خسائر فادحة.

إلا أن الأهم هنا هو أن الثغرة ادت لحصار القوات الاسرائيلية للجيش الثالث المصري وقطع الامدادات عنه حيث كانت القوات الاسرائيلية متواجدة يوم 23 أكتوبر في كل مكان خلف الجيش الثالث مما اجبر مصر على وقف القتال.

وكادت هذه الخطة أن تصاب بالفشل بسبب تأخر وصول معدات العبور الى منطقة الدفرسوار، والتعطيل في عمليات تأمين المعبر عند الدفرسوار والتي كانت تستلزم السيطرة التامة على المنطقة الممتدة من نقطة العبور حتى مسافة 5 كم شمالا حيث قابلت الخطة الإسرائيلية للسيطرة على هذه المنطقة مقاومة باسلة من القوات المصرية، ونتيجة لذلك تعثرت خطة العبور الإسرائيلية.

كان التخطيط الإسرائيلي لعملية العبور يهدف بالدرجة الأولى الى تحويل أنظار المصريين عما سوف يجري مساء 15 أكتوبر عند الدفرسوار،ولذلك بدأت غارات جوية إسرائيلية مركزة اعتبارا من الساعة الخامسة صباح 15 أكتوبر على مناطق تمركز الجيش الثاني الميداني، وظلت هذه الغارات المكثفة حتى قبيل الغروب وفي الوقت نفسه وبعد أن نجحت هذه الغارات في تحويل أنظار المصريين عبرت القوات الإسرائيلية الى الضفة الغربية وبدأت هذه القوات تتقدم دون مواجهة أو مقاومة.

*ما دور المقاومة الشعبية في الدفاع عن مدينة السويس؟

- لقد ادوا دوراً بطولياً لا ينسى وكان نتيجة مقاومتهم الباسلة بالاشتراك مع قوات الجيش تأخر العبور الرئيسي للقوات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية بعد أن فشل ثلاث مرات متتاليه حيث قوبل اللواء الإسرائيلي المدرع بقيادة العقيد «آمنون بهجوم مصري غير مسبوق كلف القوات الإسرائيلية خسائر فادحة في الأفراد والمعدات والأسلحة.

وأمام ذلك اقترح وزير الدفاع الإسرائيلي موشي ديان سحب لواء المظلات المتمركز في الضفة الغربية تحت قيادة العقيد داني مات والغاء العملية كلها قائلا بالحرف الواحد: «المصريون سوف يذبحون قواتنا على الشاطئ الآخر، لكن اقتراحه قوبل بالرفض في غرفة العمليات الإسرائيلية.

وتولى الجنرال شارون قائد مجموعة العمليات رقم 143 مهمة إقامة وتأمين رأس كوبري (منطقة عبور) على ضفتي قناة السويس عند نقطة الدفرسوار ليلة 15و 16 أكتوبر تمهيدا لعبور فرقة إسرائيلية تحت قيادة الجنرال إبراهام أدان (برن) صباح يوم 16 أكتوبر.

وفي صباح 16 أكتوبر قاد العقيد «آمنون بنفسه الهجوم الرابع على التوالى على منطقة «تقاطع الطرق الإستراتيجية لتأمين عملية العبور، ونظرا للإنهاك الذى أصاب القوات المصرية التى خاضت قتالا مريرا طوال الليل ونقص الذخيرة اُجبرت هذه القوات في النهاية على الإنسحاب من مواقعها وتقدم آمنون بقواته وأستولى على منطقة تقاطع الطرق، الا أنه في سبيل تحقيق ذلك فقد أصبح موقفه في غاية السوء فلم يتبق له سوى 27 دبابة فقط إضافة الى خسارته لأعداد هائلة من الجنود.

ولم يتأخر وصول قوات الدعم الإسرائيلية كثيرا لكنها لاقت في سبيل ذلك أيضا خسائر فادحة بعد أن تعرضت للنيران المصرية من كل جانب، لكنها في النهاية نفذت مهمتها.

مع وصول المساعدات الاميركية وانكشاف ظهر الجيش المصري، نجحت قوة اسرائيلية محدودة في اقتحام القناة يوم الخامس عشر من اكتوبر عند منطقة البحيرات المرة فيما عرف بثغرة الدرفسوار،حيث بدأت عملية واسعة لتطويق الجيش الثالث المصري.

وفي الساعة العاشرة صباح يوم 16 أكتوبر وصل أول بلاغ للقيادة المصرية عن وجود قوات إسرائيلية غرب القناة الى مركز قيادة الجيش الثاني الميداني وكان البلاغ يتضمن كشف وجود 5 دبابات برمائية إسرائيلية في مطار الدفرسوار، وبعد نحو ساعة أصدرت قيادة الجيش الثاني الأوامر بدفع سرية مشاة ميكانيكية مدعمة بفصيلة دبابات الى مطار الدفرسوار لتدمير قوة العدو بالمطار غير أن مهمة القوة باءت بالفشل نتيجة إنقطاع الإتصال مع القيادة.

وقبيل حلول ظهر اليوم نفسه بدأت قوات العدو الإسرائيلية بأول عملية هجومية تجاه الغرب، وفي الساعة الثانية عشرة ظهرا أصدر اللواء تيسير العقاد الذى تسلم مسؤولية قيادة الجيش الثاني الميداني خلفا لللواء سعد مأمون الذى أصيب صباح يوم 14 أكتوبر بأزمة قلبية، أصدر أوامره بتدمير القوات الإسرائيلية المتقدمة نحو الغرب غير ان القوات المصرية التي كُلفت بهذه المهمة سقطت في كمين محكم وأستشهد قائدها العقيد أركان حرب حسين رضوان ودُمرت 15 عربة مدرعة مصرية ومعظم الدبابات ومدافع الاقتحام.

*ما هي حقيقة الدور الأميركي في مساعدة إسرائيل في إنجاح الثغرة؟

-كما سبق القول إن الدعم الأميركي كان غير محدود لإسرائيل وكان هو العامل الرئيس تحول الموقف لصالح اسرائيل بعد الانهيار شبه الكامل للجيش الإسرائيلي على الجبهة المصرية من 6 إلى 12 أكتوبر، وهو ما أجمع عليه كل المشاركين فى القتال من الجانبين، هى قيام طائرة استطلاع أميركية ظهر يوم 13 أكتوبر بالتجسس على جبهة القناة والدلتا لرصد مناطق الدفاع الجوى وتحركات القوات المصرية وكانت الطائرة تحلق على ارتفاع 30 كيلو متراً بسرعة تصل إلى ثلاث أضعاف سرعة الصوت وسبق القول إن نتائج هذا الاستطلاع والتجسس قد تم تسليمها إلى القيادة الاسرائيلية للاستفادة بها فى عمليات الاختراق التى تمت أثناء الثغرة.

يؤكد أيضا التواطؤ الأميركى مع اسرائيل فى عملية الثغرة بالإضافة إلى تعويض أسلحتهم وأحاطتهم بنتائج التجسس والاستطلاع وأنه فى نفس الوقت الذى بدأت اسرائيل الإعداد لتنفيذ عملية الثغرة كان هناك بطء متعمد من جانب الإدارة الأميركية فى تدخلها للتوصل إلى القرار بوقف اطلاق النار وهو ما كانت تلح عليه وتسعى إليه وتضغط من أجله منذ بداية المعارك إذ رأت أميركا أنه لا داعى للعجلة بعد أن بدأت اسرائيل تأخذ زمام المبادأة.

نتائج حرب أكتوبر 73

*ما النتائج النهائية لحرب أكتوبر على المستوى المحلي والدولي من وجهة نظركم؟

-حرب أكتوبر هي أول حرب للجيش الإسرائيلي يعالج فيها الأطباء جنودا بأعداد كبيرة مصابين بصدمات نفسية وعصبية من القتال وهناك من نسوا أسمائهم من هول الهجوم المصري الكاسح « من أقوال قادة إسرائيليين في مذكراتهم.

ويعد حائط صواريخ الدفاع الجوي المصري أول وأكبر حائط صد في تاريخ الحروب وقت اندلاع الحرب، وهو يعد أول استخدام للحرب الالكترونية في التاريخ، وقد أدى القائمون عليه دورهم بكفاءة في منظومة دقيقة لم تشهدها الحروب السابقة والذي تمكن من لي ذراع إسرائيل الطويلة وأسقط لها في اليوم الأول للقتال عدد 38 طائرة يقودها أكفأ طياريها، وقد أدى ذلك لأن يصدر قائد القوات الجوية الإسرائيلية أوامره يوم 8 أكتوبر بعدم اقتراب الطائرات لأقل من 15 كم شرق القناة.

كما أن حرب أكتوبر هي أول حرب (بعد معارك الاستنزاف) تتكبد فيها إسرائيل خسائر فادحة في الأرواح إذا بلغت خسائرها 2522 قتيلاً بخلاف الأسرى والجرحى والمفقودين وتتمثل ضخامة هذه الخسائر فيما لو قورنت بتعدادها البشري المحدود.

وكان لأول مرة تستخدم الدول العربية سلاح البترول والأرصدة في موقف عربي متضامن لم تشهده الأمة العربية منذ عدة قرون ووصف بأنها القوة السادسة.

واستطاعت القوات المصرية في الأيام الأولى للمعركة أن تحقق هدفا استراتيجيا لا يختلف عليه أحد وهو كسر النظرية الأمنية الإسرائيلية كما حقق الجيش المصري إلى جانب الانتصار الاستراتيجي انتصارا آخر في عملية العبور التي اكتسحت مانعا مائيا ضخما في ساعات ثم دخلت لعدة أيام في معارك بالمدرعات والطيران وأمنت لنفسها عدة رؤوس كباري داخل سيناء وألحقت بالعدو خسائر وصلت إلى ربع طائراته وثلث دباباته تقريبا في ظرف أسبوع واحد من القتال.

وفجرت الحرب والظروف والصعاب التي نشبت فيها طاقات إنسانية جبارة للجندي المصري لم يكن أحد يضعها في حسبانه أو تخطر بباله أنها موجودة على هذه الدرجة من الاقتدار.

ومن أهم نتائجها استرداد السيادة الكاملة على قناة السويس، واسترداد جزء من الأراضي في شبه جزيرة سيناء واسترداد جزء من مرتفعات الجولان السورية بما فيها مدينة القنيطرة وعودتها للسيادة السورية. ومن النتائج الأخرى تحطم أسطورة أن جيش إسرائيل لا يقهر والتي كان يقول بها القادة العسكريون في إسرائيل.

أعاد نصر أكتوبر للشارع العربي والمصري ثقته في ذاته بعد أن كانت تجتاحهما حالة من الإحباط الشديد اثر نكسة 1967 والتي رافقها العديد من المظاهر الاجتماعية في الوطن العربي.

المواقف العربية خلال الحرب أظهرت وعدا بعصر عربي جديد يضع العرب على موضع يرضونه لأنفسهم من توافق وتكامل يؤدي بهم إلى الصفوف الأولي حيث قام تحالف عربي واسع وقوي وراء جبهة القتال تمثل في عدة خطوط تساند بعضها بطريقة تستطيع تعويض جزء كبير من الانحياز الأميركي لإسرائيل، وقد كانت الجيوش العربية المقاتلة بشجاعة هي الخط الأول وكانت الجبهات العربية الداخلية التي تجلت إرادتها هي الخط الثاني كما ظهر سلاح البترول للمرة الأولى بعد أن لوحت السعودية باحتمال قطع إمداداتها لأي دولة تقوم بمساعدة إسرائيل.

نتائجها على المستوى الإسرائيلي

انكسرت نظرية الأمن الإسرائيلي على المستوى الاستراتيجي والتي تقوم على عدة مرتكزات هي التفوق الكيفي أما الكم العربي وضعف عربي عام بسبب الخوف وحرب الأعصاب مما يؤدي إلى وهن على مستوى اتخاذ القرار.

أحدث انكسار هذه النظرية صدمة عسكرية وسياسية لم يسبق لها مثيل في التاريخ القصير لدولة إسرائيل وقد أدى ذلك بدورة إلى تفكك تركيبة القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل وتمزق العلاقات فيما بينها وبدأت مرحلة تبادل الاتهامات وتصفية الحسابات.

على مستوى الرأي العام أدى انكسار إسرائيل إلى سقوط أساطير إسرائيلية كثيرة رددوها وصدقوها وتبعهم العالم في ذلك على رأسها الجيش الإسرائيلي الذي كان أمل إسرائيل وموضع اعتزازها الأول، وأيضا سقطت صورة المخابرات الإسرائيلية التي كانت غائبة عن مسرح الأحداث بالمعلومات والكشف والتحليل كما سقطت شخصيات إسرائيلية كانت مثل الآلهة أو الأوثان لدى الراي العام الإسرائيلي ومنها غولدا مائير وموشي ديان.

ووجدت إسرائيل نفسها مرغمة على الاستمرار في عملية التعبئة العامة لدعم خطوطها العسكرية وكان ذلك يعني أن عجلة الإنتاج الإسرائيلي في الزراعة والصناعة والخدمات توقفت أو أصبحت على وشك التوقف.

أهم نتائجها على المستوى العالمي  

استطاعت مصر من خلال موقفها القوي في الحرب خلق رأي عام عالمي واضح مناهض للجبهة التي تساند إسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة وقد عبر عن هذا الرأي مثلاً الرئيس الفرنسي في ذلك الوقت بومبيدو بقوله: نحن نعرف أن العرب هم الذين بداو القتال ولكن من يستطيع أن يلوم طرفاً يقاتل لتحرير أرض احتلها اعداؤه كما حصلت مصر على مدد عسكري ضخم خلال أيام المعركة، فقد قررت القيادة السوفياتية تعويض الجيش المصري عن بعض خسائره من الدبابات وأهدته 250 دبابة من طراز تي 62 كما بعث رئيس يوغسلافيا في ذلك الوقت جوزيف تيتو بلواء كامل من الدبابات وضعه تحت تصرف القيادة المصرية.

 

 

التعليقات (0)