الشاعرة سهير الطويل.. قراءة في أعمال مصطفى صفوان

profile
سهير الطويل شاعرة وناقدة
  • clock 8 أبريل 2021, 12:19:50 ص
  • eye 1400
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

 بسط الموت راحتيه لواحد من أهم علماء النفس وابرزهم في التحليل النفسي معطيا ظهره لمرض طالما صادقه كثيرا .حملت كتبه النعش على أكتافها وتسابقت أمام قبره على قراءة الفاتحة .هي فقط المنتصرة بروحه الكاشفة عن أسرار عقله الفاتحة لأجيال وراء أجيال . ولد الدكتور مصطفى صفوان في ١٧ مايو عام ١٩٢١ بمحافظة الإسكندرية وتوفى في ٧ نوفمبر ٢٠٢٠ عن عمر يناهز ٩٩ عاما في محل إقامته بباريس تخرج الدكتور والعالم الكبير مصطفى صفوان من كلية فاروق الأول عام ١٩٣٤ (الإسكندرية) وفي أواخر الأربعينيات سافر إلى فرنسا ليكمل الدراسات العليا وكتب هناك العديد من مؤلفاته باللغة الفرنسية وانشغل بالترجمة وقد ترجمت أعماله بعد ذلك إلى اللغة العربية .من أهم مؤلفاته: "الكلام أو الموت.. اللغة بما هي نظام اجتماعي" 2003، "أربعة دروس في التحليل النفسي" 2004، "لماذا العرب ليسوا أحراراً" 2007، "حضارة ما بعد الأوديبية"، "نحو عالم عربي مختلف" 2017 وقد صدر له أيضا العديد من الكتب، التي بدأ في نشرها في الخمسين من عمره ومنها : "‬الجنسانيّة الأنثويّة" (‬1976)‬، ‬وفشل مبدأ اللّذة" (‬1979) ‬واللاشعور وكاتبه" (‬1982)‬، ‬و"الطّرح وشوق المحلّل" (‬1988)‬، ‬و"دراسات في الأوديب" (‬1994)‬، ‬و"ضيق في التّحليل النّفسيّ" (‬2000)‬، ‬و"عشر محاضرات في التّحليل النّفسيّ" (‬2001) ‬و"ندوات جاك لاكان" (‬2001) ‬و"البنيوية في التحليل وغيرها.

   وقد اهتم باللغة وكانت طريقه دائما إلى علم النفس متأثرا بلغة طه حسين واسلوب عبد القادر المازني وكان يردد نحن أبناء اللغة قبل أن نكون أبناء أمهاتنا .تتلمذ على يد أساتذة كبار في الفلسفة مثل الدكتور يوسف كرم والدكتور أبو العلا عفيفي والدكتور مصطفى زيور لينتقل إلى باريس ليكون تلميذا للعالم الفرنسي جاك لاكان .ترجم مسرحية عطيل لشكسبير باللغة العامية رغم حبه للغة العربية الفصحى قائلا دون تعليم اللغة العامية ستبقى الهوة بين الثقافة والشعب وأن هناك أدب رفيع في اللغة العامية مستدلا بحب إلى صلاح جاهين وفؤاد حداد وأكد الدكتور صفوان أن هناك أدبا عربيا يمكن للتحليل النفسي استخدامه كمادة له، وذكر في ذلك السياق ثلاثية رضوى عاشور "غرناطة" عن آخر أيام العرب في الاندلس وهجرتهم منها. وربما لو لم تكن الرواية باللغة العربية لحازت على ترجمات أكثر ورواج أكبر. ونقل إلى العربية كتاب رائد التحليل النفسي سيجموند فرويد: "تفسير الأحلام. وكان يعلم جيدا أهمية العودة دائما في تحليله النفسي إلى فرويد فشهد كلّ ‬الانشقاقات التي اخترقت حركة التّحليل النّفسيّ ‬بفرنسا بما في ذلك حل "‬المدرسة الفرويدية". ‬وهو من الأعضاء المؤسسين "‬للجمعية التأسيسية للتحليل النفسي"‬، ‬في عام ‬1983، ‬ومن ثم »‬المؤسسة الأوروبية« ‬للتحليل النفسيّ. ‬

 بدايات 

: كان للبيئة العائلية أثر في تكوينه الفكري فهو إبن الشيخ صفوان أبو الفتح من أوائل المبشرين بالفكر الإشتراكي وخلال دراسته في الجامعة انضم لمجموعة الإسكندرية وكان معه الروائي ادوار الخراط والمترجم فخري أبو السعود أحد رواد الأدب المقارن وكذلك أستاذ الأدب الإنجليزي البارز مجدي وهبة والممثل محمود مرسي والشاعر والرسام السوريالي أحمد مرسي. وكانوا أقرب إلى تبني السوريالية، والبعض الآخر كان من بين ناشطين المنظمات اليسارية . تأثر في باريس بمناخات ما بعد الحرب العالمية الثانية بفردينان دو سوسير في علوم اللغة والألسن، و بالأنثروبولوجي كلود ليفي ستروس، و تعلم وقتذاك التحليل النفسي مع مارك سكولمبرغ، و العالم الرائد جاك لاكان وذلك عام 1949.

 قال عنه جاستون باشلار أنه محلل نفسي يستحق من الشهرة أكثر مما له فاستقل بعدها ليعمل منفردا مطورا اهتمامه باللغة ليفرق بين الرمزي والمتخيل. وكتبت الناقدة الفرنسية إليزابيث رودينسكو مقالاً عنه في جريدة "لوموند" أنه من أبرز وأهم علماء النفس العالميين المعاصرين الكبار. ولقد اخترت أن اتحدث في هذا المقال عن أحد كتب مصطفى صفوان وهو كتاب الكلام أم الموت وقد شدني عنوان كتاب الكلام أو الموت خاصة أن فكرة الموت تناشد عقل ووجدان الكثير خاصة الشعراء وأنا واحدة منهم وأعتقد لا يوجد شاعر لم يكتب عن الموت فتحمست لقراءة هذا الكتاب فوجدت أول جملة في مقدمة الكتاب لدكتور مصطفى حجازي مترجم هذا الكتاب "لقد شدني عنوان هذا الكتاب بقوة وشغف " لم أتعجب بل توقعت هذا فالحياة التي تتجسد في التعبير عن الفكر تختلف كل الاختلاف عن الحياة البيولوجية وبدون التفكير يكون الموت لا محالة. قال لاكان أن الكلام أو الموت هو تعبير كاشف في فهم جدلية الوجود الإنساني وتفاعلات البشر .وإلا فهو العنف الذي يتكاثر راهنا على مدى الساحة العالمية وما يجره من تنكر لإنسانية الآخر وصولا إلى قهره واستغلاله.  

 ومع أن هذا التعبير قد صدر عن لاكان في وضعية تحليلية نفسية كما قال دكتور مصطفى حجازي إلا أنه أخذ بعدا إنسانيا و اجتماعيا وسياسيا .فهو يحمل رسالة سياسية فعلية بين الذوات وبين الحاكم والمحكوم كما بين الشعوب بل أنه يتجاوز السياسة بمعناها الشائع وصولا الى الديمقراطية الفعلية كما قال لوكن ماك كابي في تقديمه للنسخة الإنجليزية .أنها النظام الرمزي تبعا لثلاثية لاكان الشهيرة الخيالي ، الرمزي ، الواقعي .

إنه قانون سابق على الوعي الفردي وهو الذي يجعل المجتمع الإنساني ممكنا كما يقول الدكتور صفوان في نهاية الفصل الأخير وهو تحديدا قانون حصانة الآخر ومنع قتله أو الاعتداء عليه .ومنع الكذب ومصداقية الكلام والتي من دونها ينهار الرباط الإنساني وهذا ما حاول مصطفى صفوان البرهنة علية هذا الكتاب من خلال رحلة فكرية بالغة التألق والتعقيد وتدعو القارئ للتفكير والتأمل .انه يطرح الأفكار ويحاكمها فيترك للقارئ التفكير والاستنتاج والتأمل وصولا الى الوعي الذاتي الخاص والوعي الإنساني العام .  

يأخذنا مصطفى صفوان رحمة الله عليه في رحلة فكرية تنتقل ما بين فلسفة اللغة والمنطق وفلسفة القانون والأخلاق ومنها إلى الأنثروبولوجيا والأديان .يناقش نظريات المعنى والقصد ويحلل تناقضاتها وحدودها ويبين المنحنى التحليلي النفسي الذي يتعارض مع هذه المذاهب مبينا الحقيقة الذاتية وهذا ما يهتم به التحليل اللاكاني .وصول الذات إلى الوعي بحقيقتها وقدرتها على قول الحقيقة .يكشف صفوان في عمله هذا عن عمله هذا عن عمل مجتهد ومستوعب للفكر الغربي إضافة إلى الفكر الإسلامي إذ أنه أخذ مرجعيات المدرسة اللاكانية وهو بذلك يثير بصددها تساؤلات كاشفة وخصبة تفتح آفاق الرؤية الفكرية .

وقال دكتور مصطفى حجازي أن رغم ما لاقاه دكتور مصطفى صفوان من عنت من مرتزقة الفكر في بلده مصر ومن حرب المتسلطين على شؤون العلم والأكاديمية إلا أنه ظل رحمة الله عليه في غربته المريرة أكثر من خمسين عاما في باريس أكثر إصرارا على حمل لواء تحرير أمته وناسه المهدورين منهم والمقهورين .كتب مصطفى صفوان كتاب الكلام أو الموت باللغة الفرنسية في الأصل ولكنه ترجمه إلى اللغة الإنجليزية وأدخل عليه إضافات عديدة مع تقديم وبناء على توصية المؤلف تم اعتماد النسخة الإنجليزية الكاملة وهكذا اعتمد المترجم العنوان الفرنسي الذي يختلف عن الإنجليزي الذي أتى على شكل استفهامي كلام أم موت ؟ يرسي صفوان ببراعة كبرى الخطوات التي تأخذه من حظر الكذب إلى منع القتل وصولا إلى حظر سفاح المحارم .

يشغل تحليل صفوان قانون الدال أي واقع كون أساس مادة الكتابة أو الكلام .تطالعنا قراءة الكلام أو الموت بمجابهة حيز من المادة يدخل الجزع في النفس من المنطق الفلسفي إلى الأنثروبولوجيا ومن الديانة الإغريقية إلى ملكية القرون الوسطى . الكلام أو الموت : الكلام أو الموت هو كتاب يظهر القدرة على الانخراط في نقاش عبر كل العلوم الإنسانية .يقوم هذا الكتاب بدور المدخل النموذجي للمناظرات المتنوعة التي يناقشها مع القصد إلى المحارم .أما صعوبة هذا الكتاب تكمن في تكوين اللاوعي وآثاره على الحياة الاجتماعية .فصفوان كان يقوم بصياغة علم الجبر حيث يمثل كل كائن صيغة فردية وخلافا لفرويد الذي تنتهي حالاته دوما بالفشل .حاول فرويد أن يكون اللاوعي والرباط الاجتماعي انطلاقا من محتوى محدد ألا وهو الأب الميت أما صفوان باعتباره مريدا للاكان ركز على الشكل أي اسم الأب ذلك الاسم الذي يحمل الشهادة على موت ذلك الأب الذي ولد رغبته الذاتية وأسس الرباط الذي يربط الإنسان بأجداده.



التعليقات (0)