- ℃ 11 تركيا
- 6 يناير 2025
الداعية خالد سعد يكتب: سوريا بين الرسائل السياسية والمواقف المبدئية: قراءة في زيارة وزيرة الخارجية الألمانية
الداعية خالد سعد يكتب: سوريا بين الرسائل السياسية والمواقف المبدئية: قراءة في زيارة وزيرة الخارجية الألمانية
- 4 يناير 2025, 10:42:54 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في عالم السياسة، كل إشارة لها دلالتها، وكل تصرف يحمل رسالة. فلا مكان للعفوية في عالم تُحسب فيه التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة. ومن هذا المنطلق، يمكن قراءة مشهد رفض رئيس سوريا أحمد الشرع مصافحة وزيرة الخارجية الألمانية، حيث كان هذا الموقف مفعماً بالدلالات السياسية والدينية العميقة التي تحتاج إلى تحليل لفهم مغزاها ورسائلها المتعددة.
رسائل ألمانية معلنة بعدائية مفضوحة
لطالما أظهرت ألمانيا مواقف عدائية تجاه قضايا المسلمين، خصوصاً في دعمها العلني للكيان الصهيوني وجرائمه في غزة. زيارة وزيرة خارجيتها إلى دمشق لم تكن استثناءً؛ إذ حملت معها دلالات واضحة للهيمنة والاستعلاء. فقد وصلت الوزيرة مرتدية سترة واقية من الرصاص وعلى متن طائرة عسكرية، مما يُظهر عدم احترام للسيادة السورية، وكأنها في مهمة عدوانية وليست دبلوماسية. مظهرها وتصرفاتها كانت رسالة واضحة: "لسنا هنا للتعاون بل للتفوق".
رسائل سوريا: السياسة والدين في موقف واحد
على النقيض من الرسائل الألمانية، جاء موقف القيادة السورية صارماً وثابتاً، محملاً بالعديد من الرسائل ذات البعدين الديني والسياسي:
1. الرسالة الدينية: الثبات على الشريعة
امتناع الرئيس السوري عن مصافحة وزيرة الخارجية الألمانية لم يكن مجرد موقف سياسي، بل جاء انطلاقاً من التزام بالحكم الشرعي الذي يحرم مصافحة المرأة الأجنبية. امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم :
> "إني لا أصافح النساء"
).
قال النبي صلى الله عليه وسلم أيضا
> "لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ"
مما يبرز تمسك القيادة السورية بثوابتها الشرعية رغم الضغوط الدولية التي تسعى لتغيير الهوية الإسلامية. وان كان هناك اثر أورده القرطبي في تفسيره عن أم عطية قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع نساء الأنصار في بيت، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فقام على الباب وسلم علينا فرددن أو فرددنا عليه السلام، ثم قال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن، قالت: فقلن: مرحبا برسول الله، وبرسول رسول الله، فقال: تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئا ولا تسرقن ولا تزنين، قالت: فقلنا: نعم، قالت: فمد يده من خارج الباب أو البيت، ومددنا أيدينا من داخل البيت، ثم قال: اللهم اشهد.
فذكر بعض أهل العلم أن عمر صافح النساء من وراء حجاب أو بعدما وضعن على ايديهن خرقه وقد ضعفه جمع من أهل العلم والأثر على فرض صحته يمكن أن يجاب عنه بأن مد الأيدي من وراء حجاب فيه إشارة إلى وقوع المبايعة، وإن لم تقع المصافحة.ومع فرض أن هناك خلافاً في مسألة جواز المصافحة في المعاهدات والمبايعات فقد اختار الاحوط وفضل عدم المصافحة حتى ولو كانت من وراء حجاب .
2. الرسالة السياسية: رفض التنازلات
امتناع السيد احمد الشرع عن المصافحة جاء أيضاً رداً على التصريحات الألمانية التي أبدت رفضها لدعم أي مشروع إسلامي في سوريا المستقبلية. هذه الخطوة عكست رفضاً قاطعاً لأي تدخل خارجي يمس ثوابت البلاد ومبادئها، وكأن الموقف يقول: "كما أنتم تعلنون عداءكم لمبادئنا، نحن نرد بموقف واضح يضع حدوداً لتطاولكم".
فعداء الغرب للاسلام ليس جديداً؛ فهو حقيقة قررها القرآن الكريم منذ البداية. قال الله تعالى:
> "وَلَنْ تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ"
وقال تعالى:
> "وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً"
فالكفار لن يرضوا عن المسلمين إلا إذا تخلوا عن دينهم، وهو ما يظهر في محاولاتهم المستمرة لفرض الهيمنة الثقافية والفكرية على المجتمعات الإسلامية، كما جاء في الزيارة الألمانية.
كما إن جهود الغرب لا تقتصر على محاربة الإسلام فكرياً، بل تمتد إلى محاولاتهم لنشر الفساد والرذيلة.كما قال الله تعالى:
> “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ”
فنوايا الكفار لنشر الفاحشة في المجتمعات الإسلامية، بهدف إضعاف هويتها وإبعادها عن دينها. وهم يحاولون دائما أن يروجوا لشعارات حقوق المرأة وحرية المرأة وتحرير المرأة ومحاولة اظهار أن الإسلام ظلم المرأة وجحد حقوقها كذبا وزورا
فعلى عكس ما يحاول أعداء الغرب تصويره، فإن الإسلام كرّم المرأة وصان حقوقها، وجعل احترامها وحمايتها من أولوياته. قال الله تعالى:
> "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
> "استوصوا بالنساء خيرًا"
كما حرم الإسلام وأد البنات وكل أشكال الظلم الواقع على المرأة. قال الله تعالى:
> "وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ"
سوريا والمشهد الإسلامي: معركة الثبات على المبادئ
إن تحرير سوريا من الاحتلال الأسدي العسكري ليس نهاية الطريق، بل هو بداية لمعركة جديدة تتمثل في الحفاظ على الهوية الإسلامية أمام الضغوط الخارجية. وهنا يبرز دور العلماء والدعاة والتيارات الإسلامية في دعم القيادة السورية للحفاظ على المكتسبات، والتصدي لأي محاولة لطمس معالم الدين.
الخاتمة: الثبات بعد النصر
الموقف السوري تجاه وزيرة الخارجية الألمانية يمثل درساً مهماً في الثبات على المبادئ الإسلامية والسياسية. فهو يبعث برسالة إلى الداخل والخارج بأن سوريا لن تبيع ثوابتها في سوق التنازلات السياسية، مهما كانت الإغراءات أو الضغوط.
نسأل الله أن يوفق أهل سوريا وقيادتها الجديدة للثبات على دينهم وحماية هويتهم، وأن يجعلهم قدوة للأمة الإسلامية في مواجهة تحدياتها. فالمعركة الحقيقية لا تزال مستمرة، والثبات بعد النصر أصعب من تحقيقه. والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.