الداعية خالد سعد يكتب: رحيل الإمام الرباني.. الحويني إلى جوار ربه

profile
خالد سعد داعية إسلامي مصري
  • clock 18 مارس 2025, 12:35:56 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
وفاة الشيخ أبو إسحاق الحويني

دموع الفراق.. وانطفاء النور

في يومٍ اهتزت فيه قلوب المؤمنين وأظلمت فيه سماء الدعوة، رحل عن دنيانا  سماحة الوالد حارس الحدود وفارس السنة وعالم الحديث، الشيخ الجليل أبو إسحاق الحويني، تاركًا وراءه إرثًا خالدًا من العلم والدعوة. إنه يومٌ حزينٌ تقطعت فيه الأنفاس، وتعالت فيه أصوات البكاء، وانسكبت فيه الدموع من محاجرها، وقد ضجت القلوب بالحزن والأسى على فقدان علم من أعلام الأمة، وعالم رباني عاش حياته كلها حاملًا لواء السنة، ومنافحًا عن الحق، وصابرًا على الابتلاءات.

لقد رحل الشيخ الجليل، وانطفأت شعلةٌ من نور العلم والهدى، لكن ذكراه العطرة ستظل حيةً في نفوس محبيه وطلابه، وستبقى كتبه ومحاضراته منارات هدى تشع في ظلام الجهل، وكلماته تلامس الأرواح وتبث فيها الثبات على الحق، مهما تكالبت الفتن وزادت المحن.
العالم الذي عاش فقيرًا.. ومات غنيًا بالعلم والمجد

لم يكن الشيخ الحويني من أولئك الذين أبهرتهم أضواء الدنيا وزخارفها، بل عاش حياة بسيطة متواضعة، كان فيها قلبه عامرًا بالإيمان وعقله مشغولًا بتحقيق التراث وتنقيحه من الدخيل، ولسانه ناطقًا بالحق لا يخشى في الله لومة لائم. عاش الشيخ في كنف الفقر، وكان يقتات من كسب يده، لكنه أبى أن يمد يده لأحد أو أن يتنازل عن مبادئه مقابل فتات الدنيا.

كان الشيخ مثالًا للعالم العامل، يأخذ بالأسباب، ويصبر على قضاء الله وقدره، ولم يكن يبالي بتلك الأوجاع والأسقام التي كانت تنهش جسده الضعيف، بل ظل شامخًا كالطود، ينشر العلم ويصدح بالحق، ويثبت الناس على التمسك بالكتاب والسنة.

أربعة آلاف مادة علمية.. وسيرة تفوح بعطر السنة

لقد ترك الشيخ الحويني وراءه ثروةً علمية هائلة، تكاد تبلغ أربعة آلاف مادة صوتية ومرئية، كل واحدة منها تروي قصة عالمٍ نذر حياته للعلم والدعوة. كانت دروسه نبراسًا للمسلمين، تضيء دروبهم وتنير عقولهم، وكانت مجالسه كرياض الجنة، يلتف حوله طلاب العلم من كل حدبٍ وصوب، يتلقون من معين علمه الصافي، ويتذوقون من درره الباهرة.

لم يكن الشيخ الحويني مجرد خطيب مفوّه، بل كان عالمًا محققًا، جمع بين الرواية والدراية، فأصبح بحق إمام المحدثين في زمانه، متمسكًا بمنهج السلف الصالح في الفهم والتطبيق. كان يجمع بين قوة البيان وعمق الفهم، فيصدع بالحق دون تردد، ويدحض الشبهات بقوة الحجة وسلامة الدليل

ستون مؤلفًا.. وتفنيد البدع والضلال

أعماله المطبوعة تشهد له بعمق علمه وسعة اطلاعه، حيث ترك قرابة ستين مؤلفًا تنوعت بين تحقيق الكتب النفيسة وتأليف الرسائل العلمية، فضلاً عن الردود على دعاة البدع والضلال الذين حاولوا تشويه السنة وتحريف الدين.
منها على سبيل المثال لا الحصر . 
١- تخريج تفسير بن كثير
٢ - الثمر الداني في الذب عن الألباني.
٣ - تحقيق الديباج شرح صحيح مسلم للسيوطي.
٤ - بذل الإحسان بتخريج سنن النسائي أبي عبد الرحمن.
٥ - تحقيق الناسخ والمنسوخ لابن شاهين.
٦ - مسيس الحاجة إلي تخريج سنن بن ماجة.
٧ - اتحاف الناقم بوهم الذهبي والحاكم.
٨ - النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة.
٩ - تنبيه الهاجد إلي ما وقع من النظر في كتب الأماجد.
١٠ - شرح وتحقيق المغني عن الحفظ والكتاب بقولهم لم يصح شيء في هذا الباب.

له كثير من الرسائل القصيرة منها:
١ - سمط الآلي في الرد علي الغزالي.
٢ - صحيح القصص النبوي.
٣ - تحقيق فضائل فاطمة لابن شاهين.
٤ - كشف المخبوء بثبوت حديث التسمية عند الوضوء.
٥ - نهي الصحبة عن النزول بالركبة
وغيرها
لقد كان الشيخ الحويني شوكةً في حلوق أهل الباطل، لا يهادن ولا يجامل، بل يصدع بالحق ولو أغضب الناس، مستشعرًا قول النبي ﷺ:
"لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا علمه."
فكان رضي الله عنه سيفًا بتارًا في وجه المنحرفين، مدافعًا عن العقيدة الصحيحة ببيانٍ شافٍ وحجةٍ دامغة.

مئات اللقاءات.. وصوت الحق في زمن الانكسار

لم يتوانَ الشيخ يومًا عن مواجهة التحديات، بل كان يسير بخطى ثابتة على منهج الأنبياء، يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجهر بالحق مهما كلفه ذلك من عناء. شارك في مئات اللقاءات والمقابلات والندوات، وكان فيها كالجبل الأشم، ثابتًا على مبادئه، ناصحًا للأمة، محذرًا من الفتن، دالًا على طريق الحق.

كانت كلماته تسري في قلوب سامعيه كالغيث، فتُحيي أرواحًا خبت فيها جذوة الإيمان، وتُذكّر الأمة بأصالتها ومنهجها المستقيم. أحبته الملايين من المسلمين، عربًا وعجمًا، وازدحمت المجالس براغبي سماع علمه، وكانوا يتسابقون للجلوس بين يديه ليشربوا من معين علمه الفياض.
ثباتٌ في وجه المحن.. وجبال راسخة في العلم والعمل

لقد مر الشيخ الحويني بظروفٍ صعبة وأوقاتٍ عصيبة، لكنه ظل راسخًا على مبادئه، كالجبل الأشم لا تهزه الأعاصير. لم يتاجر بدينه، ولم يبع علمه بثمنٍ بخس، بل ظل ثابتًا على منهج السلف، رافعًا لواء العقيدة، ومجددًا راية السنة.

كان الشيخ رمزًا للشموخ في زمن الانكسار، وصوتًا صادقًا في زمن التلون والتزييف. كانت مواقفه تذكرنا بمواقف الأئمة الأعلام، الذين جاهدوا في سبيل الله بأقلامهم وألسنتهم، ولم يضعفوا أمام الباطل.

وداعًا أيها العالم الرباني.. وداعًا يا حامل لواء السنة

رحمك الله يا شيخنا الجليل، فقد كنت قدوةً للعاملين، وعلمًا شامخًا في سماء الدعوة. غادرت الدنيا وأنت موفور الكرامة، عزيز النفس، ثابت المبادئ، فرحلت إلى جوار ربك وقد سطرت تاريخًا لن يمحى، وبصمةً لن تُنسى.
اللهم إنا نشهد أنك كنت عالمًا ربانيًا، عشت للعلم وعلمتنا أن نعيش له، وأقمت الحجة على المخالفين، ودحضت شبهات المبطلين. نسأل الله أن يتغمدك بواسع رحمته، وأن يسكنك الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

اللهم اجعل قبره روضةً من رياض الجنة، وأكرمه برؤية وجهك الكريم. اللهم ارزق الأمة بعلماء ربانيين يحملون لواء السنة، ويكملون مسيرته المباركة، ويرفعون راية الحق في كل زمان ومكان.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

التعليقات (0)