- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
التفريط في الصناعات الاستراتيجية ..وصناعة البطالة ..مصر نموذجاً
التفريط في الصناعات الاستراتيجية ..وصناعة البطالة ..مصر نموذجاً
- 4 مارس 2021, 12:46:33 ص
- 994
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مدخل :
في الوقت الذي يصفي فيه السيسي ونظامه المصانع الكبرى والاستراتيجية بأثمان بخسة لا تساوي واحد على مائة أو الف من ثمنها مثل مصنع الحديد والصلب بحلوان رغم رمزيته التاريخية وقيمته التي لا تقدر بثمن ، وكذلك مصنع سماد طلخا، وغيرهما من قلاع الصناعة التي يفرط فيها السيسي ونظامه الحكام دون الاهتمام أو الاكتراث بالآثار الكارثية لذلك التخريب المتعمد لمصر وما ينتج عنه من انضمام العاملين في هذه المصانع إلى سوق البطالة التي يزور النظام أرقامها ويقلل معدلاتها ... وذلك استكمالاً لتصفية وبيع القطاع العام بأثمان ضئيلة للغاية في عهد المخلوع حسني مبارك ، ولا يراعي البعد الاستراتيجي في تصفية المصانع ولا الجانب الاجتماعي لسياساته التي تؤدي إلى فقدات عشرات الىلاف لوظائفهعم كل عام بسبب سياسات ذلك النظام ، ومن هنا تبرز الحاجة إلى دراسة نستعرض فيها وضع البطالة في مصر وكيف قوم النظام بتزوير أرقامها ... لأن البطالة إحدى أهمّ الظواهر والمشكلات الاقتصاديّة التي تعاني منها مصر، وهي مشـكلة عالمية تنتشر في الـدول المتقدمـة والنامية علـى السـواء، لكن بنسب متفاوتة، و تعود في جذورها إلى العصور التي شهدت ازدهار الصناعة، فقبل ذلك لم يكن هناك معنى لهذه المفردة ، سواء في العصر الحجري والحياة البدائية، حيث كان الأفراد يعملون في الزراعة أو الصيد البري أو البحري دون الحاجة للعمل عند أحد، أو في عصر الإقطاعيين حيث كان يعمل العبيد أو الأجراء عند أصحاب الأراضي والإقطاعيات، مقابل توفير حاجاتهم الأساسية اللازمة" كالمأكل والملبس والعلاج والسكن" للبقاء على قيد الحياة .
ويتناول التقرير التالي خريطة البطالة في مصر وأسبابها ونتائجها، ومقترحات للقضاء عليها أو الحد منها، وذلك من خلال المحاور التالية:
المحور الأول : تعريف البطالة :
التعريف الاقتصادي للبطالة : يعد أفضل تعريف اقتصادي واجتماعي للبطالة هو التعريف الذي وضعته منظمة العمل الدولية ، والتي عرفت البطالة بأنها الحالة التي تشمل الأشخاص الذین هـم فـي سـن العمـل، والقـادرین علیـه، والمـؤهلین لــه بــالنوع والمســتوى المطلــوبین، والــراغبین فیــه والبــاحثین عنــه، ومــوافقین علــى الولوج فیه في ظل الأجور السائدة، ولا یجدونه خلال فترة زمنیة معینة ([1])".
وقريباً من التعريف السابق ذكر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري في وصف مؤشر معدل البطالة ربع السنوي أن البطالة هم الأفراد من (15-64 سنة) الذين يقدرون على العمل ويرغبون فيه ويبحثون عنه ولكنهم لا يجدونه منسوبًا إلى قوة العمل في عمر 15 سنة فأكثر([2]) .
و طبقاً للتعريفين السابقين فإن البطالة لا تشمل الأشـخاص الـذین لا یبحثـون عـن عمـل بسـبب تقـدم السـن أوبســـــبب إصـــــابتهم بمـــــرض عقلـــــي أو جســـــماني أو بســـــبب إعاقـــــة، كمـــــا لا یشـــــمل الطلاب الـدارسين بالمــدارس أو الجامعات أو یقومــون بالواجبــات المنزلیــة، فهــؤلاء الأشخاص یُصَنّفون بشكل عام على أنهم خارج قوة العمل ، وكذلك المعاقين والمسنين والمتقاعدين ومن فقد الأمل في العثور على عمل و أصحاب العمل المؤقت ومن هم في غنى عن العمل ([3]).
المحور الثاني: أنواع البطالة
يمكن تقسيم البطالة إلى الأنواع التالية :
البطالة الدورية ( البنيوية ) ([4])، البطالة الموسمیة أو العارضة: ([5])، البطالة الاحتكاكية: وهي ناتجة عن تنقل العمال ما بين الوظائف و القطاعات و المناطق أو نقص المعلومات فيما يخص فرص العمل المتوفرة ([6] )، البطالة المرتبطة بهيكلة الاقتصاد ([7])، البطالة المقنعة: ([8]) ،البطالة القسرية ([9]) ، البطالة الاختیاریة "الطوعیة" والبطالة الإجباریة: عندما یتوقــف الأشــخاص عــن البحــث عــن عمل، ([10]) ،البطالة المقنعة "المستترة": تعنــي أن هنــاك عمــالاً یعملــون اســمًا لا فعــلاً ویقبضــون أجــورًا ورواتــب دون أي إنتاجیة فعلیة ([11]).
المحور الثالث:
قياس البطالــة: هو "نسـبة الأفـراد العـاطلین الراغبين في العمل إلـى قـوة العمـل المتاحـة فـي فتـرة زمنیـة معینـة في مجتمع سكّانيّ معيَّن ".. ویزداد الاهتمام بهذا المعدل في الدول الصناعیة كمؤشر على الأداء الاقتصادي، و هو معدل يصعب حسابه بدقة، وتختلف نسبة العاطلين حسب الوسط (حضري أو قروي) وحسب الجنس والسن ونوع التعليم والمستوى الدراسي ([12]) .
و للعلم فإن الكشـف عـن معـدلات البطالـة لـیس أمـرًا سـهلاً، فـیمكن أولاً الكشـف عنـه مـن خلال تعداد السـكان فـي البلـد الواحـد، لكـن هـذا یحـدث كـل عدة سـنوات فـي معظـم الـدول المتقدمــة، وقــد یتــأخر بســبب نقــص الإمكانــات فــي الــدول النامیــة، ویمكــن أن یسـتخلص هـذا المعـدل مـن العینـات التـي تقـوم بهـا أجهـزة الإحصـاء فـي بعـض الـدول كـل سنة أو كل ثلاثة أشهر([13]) .
ویتوقف قیاس البطالة علـى طـول الفتـرة المرجعیـة، فتقـدیر معـدل البطالـة بـالرجوع إلى یوم واحد لابد أن یكـون أعلـى مـن الرجـوع إلـى أسـبوع؛ لأن مـن لا یجـد عمـلاً فـي یـوم قـد یجـد عمـلاً فـي یـوم آخـر مـن أیـام الأسـبوع، كـذلك یختلـف قیـاس البطالـة حسـب توقیـت الفتــرة المرجعیــة خــلال العــام، خاصــة فــي المنــاطق التــي یتســم فیهــا النشــاط الاقتصــادي، بالموســـمیة مثـــل المنـــاطق الریفیـــة، فمـــن المنطقـــي أن یـــنخفض تقـــدیر معـــدل البطالـــة إذا أجریت العملیة الإحصائیة في فترة ذروة النشاط الاقتصادي عما إذا تمت في فترة ركود ([14]).
وفي بعض الدول الصـناعیة یـتم حسـاب معـدل البطالـة علـى أنـه عـدد الأشـخاص غیر العاملین كنسبةً مئویة من قوة العمل المدنیة فقط، أي باستثناء مـن یعملـون فـي القـوات المسـلحة، وبالتـالي فـإنهم یحصـلون علـى معـدل البطالـة بقسـمة عـدد الأشـخاص العـاطلین علـى العـدد الإجمـالي للأشـخاص سـواء العـاملین أو العـاطلین، ویعبـر عـن النتیجـة بالنسـبة المئویة([15] ).
المحور الرابع :
معدلات وخريطة البطالة في مصر
تتراوح نسب البطالة المعلنة في مصر في الفترة الأخيرة " العام الماضي 2017 والحالي 2018" بين 10و12% وذلك طبقاً لبينات هيئات رسمية منها وزارة التجارة والصناعية .. كما أعلن رئيس قطاع الإحصاءات السكانية بجهاز التعبئة والإحصاء، في أبريل من العام الحالي 2018 أن معدلات البطالة في مصر تصل إلى حوالي 11.8% تتركز في الحضر عن الريف.
وأن النشاط الزراعي يجذب 25%. من الأيدي العاملة، وأن هناك 4 أنشطة فقط يشغلون حوالي 60% من المشتغلين، منها الزراعة والتشييد والبناء والصناعات التحويلية وأن نسبة البطالة تزيد في فئة الشباب من 15 إلى 29 عامًا، ونسبتها 24.5%، وتتركز في الإناث عن الذكور ([16])معدل البطالة 2016 الإحصاء، وفي 15 مايو2018 أعلن الجهاز انخفاض معدل البطالة في مصر إلى 10.6 في الربع الأول من العام الحالي 2018 ، مقارنة بـ ـ12 في الربع الأخير من العام السابق 2017 ـ وذكر بيان الجهاز أن عدد العاطلين عن العمل بلغ 3 ملايين و94 ألفا فى الربع الأول من العام، بانخفاض 409 آلاف عن الربع المقابل من العام السابق 2017، بتراجع 215 ألفا عن الربع الرابع من 2017، و أن حجم قوة العمل بلغ 29 مليونا و186 ألف فرد، بزيادة 37 ألفا عن الربع المماثل من العام الماضى، وبانخفاض 86 ألفا عن الربع الرابع من 2017( [17]).
ثم أعلن الجهاز انخفاض معدل البطالة في الربع الثاني من العام الحالي ذاته 2018 إلى 9.9% ، وذكر أن حجم قوة العمل بلغ 29.036 مليون فرد هو حجم قوة العمل، "يشمل عدد المشتغلين والمتعطلين".
وأن عدد المتعطلين بلغ 2.875 مليونا ، بانخفاض 219 ألف عاطل عن الربع الأول لعام 2018، بينما بلغ عدد المشتغلين 26.161 مليونا ، وأن معدل البطالة بين الذكور بلغ 6.7% ، وبين الإناث 21.2% ، وأن 52.1% من المتعطلين يحملون مؤهلات جامعية وما فوقه، وأن نسبة العاطلين فى المدن بلغت 11.9%، فيما كانت في الريف 8.5%، وأن نشاط الزراعة والصيد الأكثر جذبا للمشتغلين الجدد بـ 701 ألف مشتغل زيادة عن الربع الأول من 2018 ([18] ).
ثم عاد الجهاز وأعلن في يوم 21ديسمبر 2018 أن نسبة البطالة في الربع الثالث من العام الحالي 2018 تبلغ 10% من مجموع الأيدي العاملة في "الفترة من "يوليو - سبتمبر2018"، سجل 10%، بارتفاع طفيف عن الربع السابق له مباشرة "الربع الثانى"، الذى بلغ المعدل خلاله 9.9%، شهد هذا الربع ارتفاعاً في قوة العمل وأعداد المشتغلين، حيث بلغ عدد قوة العمل " أعداد المشتغلين والمتعطلين" 29.215 مليون فرد منهم ( 23.447 ذكور ، 5.768 إناث)، وأعلن الجهاز ارتفاع أعداد قوة العمل بمقدار 179 ألف فرد بنسبة 0.6% عن الربع الثانى من عام 2018 ، وذكر أن السبب هو بداية تدفق الخريجين وموسمية العمل، فيما انخفضت بمقدار 257 ألف فرد بنسبة 0.9% عن الربع المماثل من العام السابق، بينما سجل عدد المتعطلين 2.920 مليون متعطل منهم ( 1.602 ذكور ، 1.318 إناث) بنسبة 10.0% "معدل البطالة" من إجمالى قوة العمل، وبارتفاع قدره 45 ألف متعطل بنسبة 1.6% عن الربــع الثانى من عام 2018، وبانخفاض قدره 593 ألف متعطل بنسبة 16.9% عن الربع المماثل من العام السابق([19] ).
وطبقاً للأرقام المعلنة فإن نسبة البطالة لدى الشباب (15 - 29 عاما) تبلغ 78.1 بالمائة من إجمالي العاطلين من العمل في الربع الثالث من العام الحالي 2018، و بين الشباب الحاصلين على مؤهل جامعي 38.3% (30.2 % للذكور، و49.4% للإناث)، مقابل 30.7% للحاصلين على مؤهل متوسط فني (24.7% للذكور، و48.9% للإناث)...وهذه الأرقام تشكك في القياسات والمعدلات التي أعلنها الجهاز والتي تتراوح دائماً بين 10و12% ...
ويرى الباحث والكاتب أن الأرقام المعلنة متدنية للغاية ولا ترقى للوضع الطبيعي أو الواقعي الذي يعيشه الشعب المصري ، والذي يلاحظ فيه أن معدل البطالة يقترب من 30% من مجموع القوى العاملة ، وتعتبر نسب البطالة بين الشباب المؤشر الأقرب للصواب الذي يجب القياس عليه باعتبار الشباب قوة العمل الحقيقية التي تشارك بالنصيب الاكبر في سوق العمل ، و بالتدقيق في تلك البيانات يتضح أن التعريف الذي يتم احتساب أرقام البطالة على أساسه لا يتسق مع الواقع، لأنه كما سبق ذكره أيضاً فإن الأجهزة الرسمية تعتبر أن المشتغل هو من عمل ولو لساعة واحدة في الأسبوع السابق على مسح البطالة([20])، ولعل ذلك يفسر انخفاض معدلات البطالة في الريف عن الحضر لانتشارظاهرة العمالة الموسمية أو اليومية بكثرة في الريف عن الحضر .
و كل ما سبق يشكك في نسب البطالة المعلنة من قبل الأجهزة الرسمية في مصر وعلى رأسها الجهاز المركزي للمحاسبات ، والدليل على ذلك مثلاً وجود تفاوت كبير في تقدير قوة العمل في مصر بين تقدير البنك الدولي الذي قدره البنك في عام 2016 بنحو 31.149 مليون فرد ، بينما قدره الجهاز المركزي للتعبة العامة والإحصاء للعام ذاته بـ 28.934 مليون فرد، بفارق 2.215 مليون فرد بين التقديرين ([21]).
وهذا الفارق أو الرقم ليس بالقليل ويدفع للشك في أعداد ومعدلات النسب المعلنة من قبل الجهاز المركزي للمحاسبات المصري .
و يترتب على ماسبق خروج ملايين العاطلين من إطار البطالة الرسمي المعلن من تلك الإحصائيات الرسمية ([22])، وهو أمر قد يصلح لمجتمعات متقدمة تقدم إعانات للبطالة وخدمات صحية مجانية للعاطلين عن العمل، بينما أجر عمل ساعة في مجتمعاتنا لا يكاد يكفي لشراء وجبة من الطعام، بل إن غالب جهات العمل لا تتبع أسلوب العمل بالساعة وإنما باليوم أو الأسبوع أو الشهر إلا فئات محدودة وأجر هذه الأعمال يكفي الحاجة اليومية للعامل منفرداً أو مع تلبية حاجة أسرته اليومية أيضاً على أقصى تقدير .
ويؤكد عدم دقة البيانات والمعدلات المعلنة من قبل جهاز الإحصاء هو اعتراف اللواء أبو بكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للتعبة العامة والإحصاء خلال مداخلة هاتفية تليفزيونية، بأنه من المستحيل حصر نسبة البطالة في مصر بأرقام محددة، لأنه يستوجب التواصل بشكل مباشر مع كل أسرة مصرية، الأمر الذي يشبه تعداد السكان، كاشفاً عن أن حساب النسبة يتم بإجراء استطلاع رأي على 21 ألف أسرة، يمثلون كافة مناطق الدولة للوصول لأقرب نسبة مماثلة للنسب الحقيقية، حسب قوله([23])
المحور الخامس : أسباب البطالة:
يوجد العديد من الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى ظهور ظاهرة البطالة أهمها :-
أولاً : العوامل الاجتماعیة:
- الزیادة السكانیـة: فالعوامل الدیموجرافیـة تلعـب دورًا مهمًـا فـي تـدفق الأعـداد الكبیـرة للعمـل، ومـن ثـم
تســاهم بدروها في الدفع بأعداد جديدة لسوق العمل الذي يعجز عن استيعابهم لأسباب مختلفة ([24]).
2-التزاید غیر المخطـط فـي تیـارات الهجـرة المكثفـة مـن المنـاطق الطـاردة للسـكان مثـل الریـف إلـى المنـاطق التـي تجـذب العمـال مثـل الحضـر والمـدن ،وذلـك بهـدف البحـث عـن فـرص العمـل ممـا أدى إلـى زیـادة معـدل نمـو البـاحثین عـن العمـل علـى معـدل النمـو الطبیعـي للسـكان فـي منـاطق الجـذب و ذلك عـدم تـوافر الخـدمات فـي المحافظـــات الریفیـــة، والتركیـــز علـــى تخصـــیص مزیـــد مـــن الاســـتثمارات داخـــل المنـــاطق الحضریة فهي سیاسة غیر متوازنة على الإطلاق ([25]) .
ویضـاف إلـى تلك المشـكلة الداخلیـة، مشـكلة تقلـص الهجـرة الخارجیـة، فقـد كانـت أسـواق العمـل الخارجیـة وبخاصـة دول الخلـیج العربـي تسـتوعب أعـدادًا كبیـرة مـن العمـالة المصـریة سـابقًا، أمـا الآن فقـد بـات الاسـتغناء عـن بعضـها واضـحاً خاصـة بعـد اسـتكمال بنیتها الأساسیة واحتیاجاتها التنمویة ([26]) وأيضاً لاتجاه بعضها لدعم العمالة المحلية أو الاكتفاء بالعمالة الأسيوية الرخيصة والاستغناء عن العمالة المصرية التي غالباً تكون أعلى من نظيرتها الآسيوية .
٣ - تغیر القیم والعادات المجتمعیة:
فقد انتشرت النظرة والقيم المادیة بدرجة كبيرة فـي سـلم ترتیـب القـیم داخـل المجتمـع، فـي حـین تقهقـرت بعـض القـیم الأخـرى المرتبطـة بالمعـاییر الخلقیـة والقـیم الدینیـة، والروحیة والتقالید الأصلیة لدى بعـض النـاس ممـا أفـرز عـادات ومعـاییر اجتماعیـة سـلبیة، وأثـر ذلـك علـى تفـاقم البطالـة المقنعـة، ومـن ثـم ضـعف الإنتـاج، فـافتقر العمـل والإخـلاص فیه والإتقان وأضحى الإهمال وعدم الشعور بالمسئولیة واضحًا وجلياً ([27]).
ثانیًا: العوامل الاقتصادیة:
- سیاسة الإصلاح الاقتصادي: وهو مايفسره النظام الحاكم برفع الدعم لخفض عجز الموازنة وتقليل النفقات ، وقد أسـهمت بـدور كبیـر فـي تفـاقم ظـاهرة البطالـة فـي كافـة قطاعـات الاقتصـاد القـومي، و كان لها أثـراً سـلبياً لهـذه السیاسـة علـى سـوق العمل یتضح في نقطتین:
أ- الاختلال في هیكل قوة العمل.
ب- الاختلال في هیكل البطالة.
ونتج عـن ذلـك بـدء تطبیـق هـذه السیاسـة بـین فئـات الشـباب المـتعلم، ویرجـع هـذا إلى انخفاض معدل نمو التوظیف في الجهاز الحكومي والقطاع العام ([28]) .
2- الخلل في هیكل توزیع الاستثمارات القومیة:
فقـد أسـهم الاسـتثمار السـائد فـي الحـد مـن قـدرة الاقتصـاد علـى اسـتیعاب أعـداد متزایدة من المشتغلین، فالتوزیع القطـاعي للاسـتثمارات لا یتسـق والقطـاعات الاقتصـادیة علـى تولید فرص للعمل، وإنما في الأنشطة الاقتصادیة التي تتسـم بضـعف قـدراتها علـى العمـال مثل قطاع الصناعة والتعدین، وقطاع الخدمات الاجتماعیة ([29]).
3- الخصخصة وعدم قدرتها على استیعاب العمالة:
حیـث بلــغ عــدد العــاملین فــي قطـاع الأعمــال فــي مطلــع التســعینيات ٤.١ ملیــون عــامل وموظف ، وبحلــول عــام ٢٠٠٢ تــم بیــع ١١٤ شــركة مــن أصــل ٣٨٨ ،وتــم تســریح ٥٠٠ ألـف عامــل مــن خـلال نظــام المعــاش المبكــر أو نظـم التقاعــد أو تجمیــد التوســعات والاستثمارات فیها فأدى إلى زیادة عدد العاطلین ومن ثم انتشرت البطالة ([30]) .
أما بعد انقلاب العسكري الذي وقع في مصر عام 2013 فقد تعرض 16آلف مصنع للتعثر والإغلاق، وهو ما دفع بمئات الآلاف إلى سوق البطالة ([31] ).
ثالثًا: العوامل التكنولوجیة والتعلیمیة:
١ - التقدم التكنولوجي:
- كما أدى التقــدم التكنولــوجي فــي بعــض القطاعــات إلــى الاســتغناء عــن طاقــات بشــریة عاملــة لإحــلال الآلات محلهــا، وهــو أمــر یكــاد یكــون مســتهدفًا مــن قبــل أصحاب رؤوس الأموال في المشروعات الكبرى والصـغرى، حینمـا تحقـق لهـم هـذه الوسـیلة توفيراً للوقت، وخفضًا في الجهد، وضغطًا للنفقات ([32]).
2- التعلیم وسوق العمل:
وذلك لكون الهیكـل التعلیمـي لا یرقـى لمتطلبـات سـوق العمـل فـي بعـض الكلیـات والمعاهـد، ولا یكـاد یوجـد تـوازن بـین السیاسـة التعلیمیـة وسـوق العمـل، و قـد أدى التوسـع فـي العملیـة التعلیمیــة تحــت شــعار التعلــیم للجمیــع، إلــى زیــادة كبیــرة فــي عــرض خریجــي الجامعــات والمعاهـد المتوسـطة لا یقابلهـا طلـب علـى هـذه الفئـة مـن العمالـة، حتـى إنـه قـد تصـاعدت أعداد كبیرة من البطالة بین المتعلمین لضعف التنسـیق بـین سیاسـة التعلـیم والتعیـین وإنشـاء العدیـــد مـــن الجامعـــات الإقلیمیـــة والمعاهـــد، وتخلـــي الدولـــة ضـــمنًا عـــن الالتـــزام بتعیـــین الخریجین، فأصبحت الجامعات تخرِّج ما یقرب من نصـف ملیـون طالـب (٤٨٥ ألـف) كـل عـــام ولا یســـتطیعون العمـــل، ممـــا یضـــطرهم إلـــى القیـــام بأعمـــال بعیـــدة كـــل البعـــد عـــن تخصصــهم العلمــي، أو یركنــون إلــى الدعــة والتكاســل والتقــاعس عــن الانخــراط فــي ســلك العمل، وعلى سبیل المثـال ترفـع الـبعض عـن العمل الیدوي والحرفي رغـم تـوافره ومجالاتـه ([33]) ،" يرجع ذلك حسبما يرى الباحث إلى تغير سلوكيات المجتمع وتراجع القوى الجسمانية والحالة الصحية لمعظم أفراد الشعب المصري" .
- قلة الاهتمام بالبحث العلمي: حیـث مازالـت تسـتخدم مجموعـة طـرق إنتاجیـة تقلیدیـة، وهـي تنـتج سـلعاً لا تتـواءم مع السوق العالمي؛ مما یضعف القدرة التصدیریة للاقتصاد القومي، مما یـؤثر فـي النهایـة سلبًا على كل من مستوى الدخل ومستوى العمالة([34]) .
٣- قلة الاهتمام بالبحث العلمي:
حیـث مازالـت تسـتخدم مجموعـة طـرق إنتاجیـة تقلیدیـة، وهـي تنـتج سـلعًا لا تتـواءم مع السوق العالمي؛ مما یضعف القدرة التصدیریة للاقتصاد القومي، مما یـؤثر فـي النهایـة سلبًا على كل من مستوى الدخل ومستوى العمالة.
وطبقاً لبيانات البنك الدولي عام 2015 " وهي آخر إحصائية معلنة " فإن مصر تنفق 0.72% من إجمالي الناتج المحلي على البحث العلمي([35]).، وهو رقم أو نسبة متدنية للغاية لنظام حاكم يعلن أنه يريد النهوض بمصر، ورغم أن هذه النسبة تقل عن النسبة المتدنية المقررة في دستور 2014 الذي وضع قيادة النظام الحالي ، والذي تنص المادة 23 منه على مايلي : تكفل الدولة حرية البحث العلمى وتشجيع مؤسساته، باعتباره وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية، وبناء اقتصاد المعرفة، وترعى الباحثين والمخترعين، وتخصص له نسبة من الإنفاق الحكومى لا تقل عن 1% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.. كما تكفل الدولة سبل المساهمة الفعالة للقطاعين الخاص والأهلى وإسهام المصريين فى الخارج فى نهضة البحث العلمى([36]).
ويكفي أن نعلم أن الكيان الصهيوني المحتل " المسمى بدولة إسرائيل" ينفق 4%من الناتج المحلي على البحث العلمي([37] ).. وبمقارنة الرقمين نكتشف أن تل أبيب تنفق أكثر من خمسة أضعاف ماتنفقه القاهرة على البحث العلمي ، ويتضح من ذلك الفارق الرهيب بين االاهتمام الحقيقي بالبحث العلمي وبين إطلاق التصريحات الجوفاء دون مردود أو مساع حقيقية لتنفيذ شيء منها على أرض الواقع .
رابعًا: عوامل أخرى مؤثرة:
١- عدم التوازن بین توزیع القوى البشریة مع العمل:
وهو ینتج عن عــدم الاســتغلال الأمثــل والتوزیــع المناســب للطاقــات البشــریة ، وعـدم وضــع الإنسـان المناســب فـي المكــان المناســب، فتكون النتيجة الطبيعية وجـود أعــداد كبیـرة مــن تخصصــات معینـة تعـاني مـن البطالـة، بینمـا هنـاك جهـات تحتـاج بشـدة لجهـودهم وتعـاني مـن نقـص شـدید فـي عمـالتهم المتخصصـة، ولا توجـد اسـتراتیجیة متوازنـة تجـاه العمـال نتیجـة ضـعف التنســـیق بـــین سیاســـة التعلـــیم وسیاســـة التوظیـــف، حیـــث تُتـــرك قضـــیة التشـــغیل والتوزیـــع لعشــــوائیة الأحــــوال والظــــروف، ودون خطــــة محكمــــة ومســــتمرة، فیســــاهم ذلك فــــي زیــــادة معدلات البطالة ورفع أعداد العاطلين .
ومن أبرز العوامل التي تؤكد هذا القصور في مصر:
- عدم توافر البیانات والدراسات الإحصائية الحقيقية و الصادقة، لذلك لا تجد بيانات البطالة التي يتم إعلانها من قبل الأجهزة الرسمية قبولا لدى عموم الناس، لأنهم يجدونها مختلفة تماما عن الواقع الذي يعيشونه، وبالتدقيق في تلك البيانات يتضح أن التعريف الذي يتم احتساب أرقام البطالة على أساسه لا يتسق مع الواقع ([38]).
فكما ذكر سابقاً فإن الأجهزة الرسمية تعتبر أن المشتغل هو من عمل ولو لساعة واحدة في الأسبوع السابق على مسح البطالة، وبالتالي يخرج ملايين العاطلين من إطار البطالة الرسمي، وهو أمر قد يصلح لمجتمعات متقدمة تقدم إعانات للبطالة وخدمات صحية مجانية، بينما أجر عمل ساعة في مجتمعاتنا لا يكاد يكفي لشراء وجبة من الطعام، بل إن غالب جهات العمل لا تتبع أسلوب العمل بالساعة وإنما باليوم أو الأسبوع أو الشهر([39])، باستثناء عمال اليومية أو التراحيل في المجال الزراعي والأعمال اليدوية كالبناء والحدادة والنجارة والسباكة .
وسبق ذكر اعتراف اللواء أبو بكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للتعبة العامة والإحصاء خلال مداخلة هاتفية تليفزيونية، باستحالة قياس البطالة بدقة في مصر([40]) .
- الاعتماد بشكل مُتزايد على الآلات، والتقنيات الحديثة التي حلَّت مَحلَّ الموارد البشريّة في العديد من الصناعات، والمجالات الإنتاجيّة، ممّا أثَّر على حجم فُرَص العمل المُتاحة لأبناء المجتمع([41]) .
- تدخُّل الجهات الحكوميّة في شئون السوق الحُرّ، كتدخُّلها في ضمان الحدّ الأدنى من الأجور؛ حيث إنّ تقليل الضرائب، والأجور، يُشجِّع الأنشطة الاستثماريّة، ومنها توفير فُرَص عمل جديدة([42]) .
- قلّة المُستثمِرين، أو تراجع أعدادهم وإغلاق مؤسساتهم "شركاتهم أو مصانعهم"؛ بسبب قلّة الأرباح، والواردات الماليّة ([43])، وسبقت الإشارة إلى تعثر 16ألف مصنع في مصر في السنوات الأخيرة التي أعقبت انقلاب الثالث من يوليو عام 2013 ([44]).
- عدم الربط والتنسیق بین تخطیط القوة العاملة وسیاسات التعلیم والتدریب.
- الهجرة غیر المخططة إلى الخارج.
- قصــور الأجهــزة المعنیــة بقیــاس الكفــاءة الإنتاجیــة ومعــدلات العمــل فــي حــین تكثــر
- الأجهــــزة المختصــــة بتخطــــیط القـــــوة العاملــــة، وتــــداخل اختصاصــــاتها، فهنـــــاك وزارة اللتخطــیط، ووزارة القــوى العاملــة، والجهــاز المركــزي للتنظــیم والإدارة.. الــخ، ولا یوجــد تنسيق بينها([45]) .
- دراسة للمنظمة العربية لتنمية الإدارية كشفت عن
- ويضاف إلى ماسبق عوامل بيئية ومجتمعية تبرز في المجتمع المصري كانتشار العشوائيات ، التي تبرز فيها مشكلة البطالة لما يعانيه سكان هذه المناطق من حالات معيشية متدنية نتيجة الازدحام ومخالفة قوانين تنظيم البناء، وانعدام الخصوصية، وتفشى الفقر والجهل والمرض والمخدرات والإدمان والشعور بالحقد على المجتمع الحضري ([46]) .
المحور السادس : حلول مشكلة البطالة :
1- : إصلاح التعلیم:
لأن أي فســاد فــي المنظومــة التعلیمیــة، یــؤثر علــى المجتمــع تــأثیرًا ســلبیًا فــي كــل مناحي الحیاة عامة، وتعـد مشـكلة البطالـة هـي إحـدى المشـكلات التـي یسـبب فسـاد التعلـیم إلـــى تفاقمهـــا وانتشـــارها، وبمقتضـــى العقـــل یتعـــین علـــى المجتمـــع ضـــرورة إصـــلاح هـــذه المنظومـة المهمـة لتخريج خريجين يناسبون سوق العمل، ولابـد مـن بحـث كفـاءة الهیئـات المسـئولة عـن التعلـیم والتـدریب،وكفــاءة المشــتركین فیهــا مــن معلمــین ومدرســین وحتــى الأبنیــة التعلیمیــة والطــرق التقنینیــة المســتخدمة فـــي التحصـــیل والاختیـــار ([47]).
ويلزم التنويه إلى أنه نتيجة تطبيق أساليب تعليم و مفاهيم الخاطئة تم توارث تعظیم العمــــل المكتبــــي والشــــهادات الجامعیــة ما أدي إلــي تــدفق أعــداد ضــخمة للالتحــاق بالجامعــات، دون الاهتمــام بمجــالات العمل والتخصص بعد التخرج ، لذلك يجب إعـــادة هیكلـــة التعلـــیم المتوســـط لتقلــیص المــدارس التجاریــة المتوســطة التــي تــوفر مئــات الآلاف دون عمــل متــاح وإعــادة النظــر فــي مناهجهــا حتــى تتــواءم مــع الخصــائص التــي یتطلبهــا ســوق العمــل، واســتخدام التكنولوجیا المتطورة([48]) .
- تنمیة المشروعات الصغیرة: يجب تشـجیع الدولـة للأسـر والشـباب بإقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة لأنها تعد الحل السحري الذي نجح في محاربة البطالة في كثير من الدول([49]) .
وذلك عبر تســـهیل عملیـــة الإقـــراض لــدي الشـــباب ومـــن الممكـــن اشـتراك منظمـات المجتمـع المـدني ونشـر القنـوات التـي یتعـرف مـن خلالهـا الشـباب علـي الجهـات التنفیذیـة والتغییـرات الهیكلیـة والقانونیـة لمعرفة الإجـراءات المطلوبـة للإقـراض للمشـروعات الصـغیرة والمتوسـطة ([50]).
وتعتبـر المشـروعات الصـغیرة فـي الیابـان هـي أسـاس الاقتصـاد هنـاك ، فهـي تمثـل ٤.٩٩ %من إجمـالي المشـروعات هنـاك والعمالـة بهـا تمثـل ٤.٨٤ %مـن إجمـالي العمالـة هنــاك ،أمــا مقــدار إنتاجهــا بالنســبة للإنتــاج الصــناعي إلاجمــالي فتصــل إلــي ٦٠ %فــي الصـــین ، ٥٢ %فـــي الیابـــان ، ٥٠ %فـــي الهنـــد وفـــي ألمانیـــا ٤٩ %فـــي تایلانـــد ٤٧ % و٤٣ %في الولایات المتحدة الأمریكیـة وفـي كوریـا الجنوبیـة ٣٥ %أمـا فـي الـوطن العربـي فلا تزید عن ٦.٢٧%([51]) .
- 3- الاهتمام بالقطاع الزراعي وإنعاش القطاع الخاص الوطني، لاسيما في مجال الأنشطة المرتبطة بديناميكية النهضة الزراعية، وهو ماسيسهم في الحد من التدفق العشوائي للهجرة من الريف إلى الحضر ووجوب تشجيع المساهمات الإنتاجية الفردية، مع الاهتمام الخاص بالادخارات والاستثمارات الوطنية الصغيرة في مفرداتها والهائلة في محصلتها الكلية ([52]) .
3-برامج التدریب والتوظیف :-
لكي تعد وتؤهل الشباب حتى يكونوا مؤهلين لسوق العمل، لأنه يلاحظ وجود مهن بهـا كثیـر مـن العـاطلین ،في الوقت الذي توجـد مهـن تحتاج عمالة و یصـعب على الـبعض الحصـول علیهـا لذلك يجب إنشاء منظومة تدریب وتوظیف لها عدة مراحل :
المرحلة الأولي : تحدید الحرف والمهن التي بها عجز كقطـاع الغـزل والنسـیج الـذي یعـاني مـن نقـص شـدید فـي إعـداد الفنیـین والعـاملین فیـه وأیضـا قطـاع المقـاولات وقطـاع السـیاحة وغیر ذلك .
المرحلـة الثانیـة : تحدیـد الشـركات التـي تحتـاج لهـذه الحـرف و المهـن وعمـل تعاقـد
معها ومع المتدرب للعمل لدیها لمدة معینة یحظى خلالها تكلفة التدریب ([53]).
المرحلـــة الثالثـــة : تـــوفیر التمویـــل الـــلازم لـــذلك مـــن هـــذه الشـــركات أو الجهـــات المانحـــة كالصــندوق الاجتمــاعي أو مــن خــلال المــنح الأجنبیــة أو مخصــص التــدریب المنصــوص علیه من قبل قانون العمل الجدید([54]) .
المرحلة الرابعة : وجود جهة أو هیئة منظمة لهذه المنظومة ، وهذه الهیئة یمكن إنشاؤها لتخطیط البرامج والتنسیق بین مراكـز التـدریب وتطورهـا وتقوم بعدة أعمال هي : الربط بین المتدربین والشركات والمصانع وعمل دراسـة مستفیضـة لهذا القطاع الحیوي ،ومن الممكن أن تقوم أیضـا بتصـدیر العمالـة المتدربـة والحرفیـة وذوى الكفاءة والخبرة ([55]).
الوسائل الدولیة للنهوض بالتدریب:
- قامـــــــت حكومـــــــات كثیـــــــرة بتنفیـــــــذ عـــــــدة بـــــــرامج مختلفـــــــة، تبعـــــــا لأحوالهـــــــا ومصـــالحها الداخلیـــة، ومـــا تـــراه الأصـــلح والأصـــح ، فمثلاً في ــي المملكـــة المتحــــدة :قامـــت الحكومـــة بتنفیــــذ برنامجـــا لتـــدریب الشــــباب فـــي عــــام ١٩٨٧م لمواجهـــــــة البطالـــــــة حیـــــــث ســـــــاهم هـــــــذا المشـــــــروع فـــــــي تـــــــوفیر إمكانـــــــات التــــدریب لأكثــــر مــــن ملیــــون شــــاب عاطــــل، كمــــا أعطــــي أولویــــة للعــــاطلین الأقــــل كفاءة لأنهم یواجهون صعوبات أكثر من غیرهم في البحث عن عمل ([56]) ، وفـــــي نیوزیلنـــــدا قامــــــت الحكومـــــة بتــــــدعیم برنـــــامج تـــــدریبي لــــــبعض الأولویـــــة فــــــي لالتحاق به لكبار السن والمتزوجین ([57]).
رابعا:التنمیة السیاحیة : ويقصد بها الارتقاء بأسالیب التعامل والاتصال مع الأفراد والجماعات الراغبـة فـي
الزیــارة والتنقــل ، وتلمــس ضــروب الراحــة والترفیــه داخــل أمــاكن و مواقــع و بیئــات معینــة ویعتمـد هـذا النشـاط علـى فنـون وأسـالیب الترغیـب والمنافسـة فـي تقـدیم خـدمات للسـائحین مقابل مبالغ تدفع للمؤ سسات والأماكن السیاحیة ، بالإضافة إلى بث الـوعي السـیاحي لـدى الجماهیر في قبول الآخر والترحیب به وثفافة التعامل معه، مما یـؤدي إلـى نتـائج جیـدة فـي اسـتكثار أعـداد كبیـرة مـن السـیاح ومـن ثـم تفـتح أبـواب جدیـدة للشـباب فـي التعامـل والعمـل وهو ما نسمیه برسالة التواصل الثقافي بین الزائرین والمقیمین([58]).
خامساً: تسهيل الاستثمار وتشجيع المستثمرين عبر خفض الضرائب ، أو وضع معايير لخفض الضرائب والرسوم للمؤسسات التي توظف أعداداً أكبر من العمالة ([59]) ، وتحسين الاستثمار يكون بالتوازي بين المشروعات المملوكة للدولة أو القطاع الخاص لكي يتشارك القطاعان في توفير فرص عمل جديدة .
سادساً: تحقيق العدالة بتخفيض رواتب العاملين المرتفعة جداً، وإعطاء فرص لموظفين جدد برواتب معقولة ([60]).
سابعا : تقديم سن التقاعد، أو على الأقل عدم التمديد لكبار الموظفين بعد بلغوهم سن المعاش لتوفير أماكن كبار السن للجيل الجديد([61]) .
ثامناً: تشجيع الهجرة إلى الخارج للبحث عن فرص عمل([62])، وإن كانت هذه الهجرة تستنزف كفاءات ثمينة ونفيسة تحتاجه مصر للارتقاء، والنهوض ، لكن تظل الهجرة أحد وسائل تخفيض معدلات ونسب البطالة .
تاسعاً:صرف معونات للعاطلين كما هو الحال في الدول المتقدمة .
عاشراً: يرى الباحث أن غياب نظام الحكم الرشيد هو حجر الزاوية والركن الركين ومربط الفرس للقضاء على مشكلة البطالة ، وحال توفر الحكم الرشيد تطبق الشفافية وتكون السلطة الحاكمة مختارة بحرية ونزاهة من قبل كل فئات وأطياف الشعب ([63])، و تتحقق سرعة الاستجابة لمطالبه وتلبية رغباته، وهو مايعني الاتجاه الجدي لحل المشكلات الكبيرة والمعضلات التي يعاني منها المجتمع ، وعلى رأسها مواجهة البطالة التي تعد أحد أهم أسباب الفقر، أو نتائجه، والحكم الرشيد يسمح بتوافر المعلومات الصادقة التي تعبر عن الحال الحقيقي للمجتمع الناتجة عن الدراسات الإحصائية الصادقة والمعبرة عن واقع الحال ، وليس الكاذبة أو الخادعة ، أو التي ترفع من سوق البطالة من يعمل لساعة واحد أسبوعياً.
ومن خصائص الحكم الرشيد تشجيع عمل منظمات المجتمع المدني واخيتار برلمان يعبر عن الشعب ويعمل لمصلحته ويرفع مظالمه للسلطة الحاكمة ، وبالطبع سينتج عن كل ذلك تحسين النظام الاقتصادي والقضاء على الفساد الذي يلتهم مقدرات الأمة، والاهتمام بالنهوض اقتصادياً بالدولة، عبر إنشاء مشروعات قومية كبرى حقيقية وليست وهمية، وهو ما ينتج عنه توفير ملايين فرص العمل .
وسينتج عن الحكم الرشيد أيضاً خفض الضرائب أو عدم المغالاة فيها، لتكون متوافقة مع معدلات الدخول ، وحينها أيضاً لن تكون الدولة تتبع منهج الجباية يعتمد اقتصادها على الضرائب والرسوم والغرامات كما هو الحال في مصر حالياً التي تقدر الضرائب بـ 77% من إجمالي إيرادات الدولة ([64]) .
وبدون تطبيق الحكم الرشيد لن تجد السلطة الحاكمة غير الشرعية وغير الرشيدة مايجبرها على العمل لصالح الشعب ، أو التضحية بالتربح من الحكم ، ولن يكون هناك مايجبرها على التضحية بأعوانها والمقربين منها الذين يتقاضون مرتبات خرافية أو يتربحون من الأنشطة الاستثمارية سواء بصورة مباشرة أو في الخفاء ومن وراء الستار.
خاتمة:
خلص التقرير إلى أن نسبة أو معدل البطالة في مصر يقترب من 30%، وهو ما يتقرب من ثلث الشعب المصري ، بل وقد تفوق ذلك بكثير ، وليس 10 أو 12% كما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في نشراته ربع السنوية الصادرة عن الأعوام السابقة ، والسيسي ونظامه يقومون برفع معدلات البطالة من خلال تصفية الشركات والمصانع الكبرى وعدم مراعاة القيمة الاستراتيجية للصناعات التي تتم تصفيتها ولا الجانب الاجتماعي الذي يترتب على فقدات الآالف بل وعشرات الآلاف لواظائفهم ، وقدم التقرير حلولاً ومقرتحات للقضاء على البطالة أو تقليلها بنسب ملموسة على رأسها تطبيق الحكم الرشيد الذي يعمل لصالح الشعب، ويقترب منه ويعمل على حل مشكلاته، وليس التهرب منها بإجراء الإحصائيات والمسوح غير الصادقة، أوبفرض الضرائب الباهظة على المشروعات الاستثمارية ، مما يؤدي إلى تباطؤ معدلات الاستثمار أوإفساد مناخ الاستثمار، أو تغييب الشعب بإطلاق التصريحات الوردية أو بالإعلان عن مشروعات وهمية وغير ذات جدوى مثلما حدث في مشروع تفريعة قناة الوسويس الذي أهدر النظام الحاكم فيه بقيادة السيسي ثمانية مليارات دولار على الدولة وتسبب في نفاد الدولار والعملات الصعبة من البنك المركزي وتسبب في انهيار الجنيه أمام العملات الأجنبية حسبما اعترف بذلك رئيس البنك المركزي السابق، و يطلق النظام الحاكم تلك التصريحات والوعود البراقة وغير الصادقة لتخدير الشعب ولا يتنبه إلى تفريط النظام في في مقدرات الأمة ،وإهدار الثروات، كالتفريط في مياه النيل وحقول غاز شرق المتوسط ، أوفي بيع 49% من اسهم قناة السويس لصالح موانىء دبي ، أو الاستعانة بالفاسدين في المناصب العليا والإغداق عليهم بالمرتبات الخرافية، أو يمدد لكبار الموظفين الذين يتقاضون تلك المرتبات المهولة، ويغلق الباب أمام صغار الشباب ، وبدون ذلك سيصعب أو يستحيل تنفيذ باقي الحلول والمقترحات للقضاء على مشكلة البطالة، وستظل حبراً على ورق لاتجد آذاناً صاغية ولا تلقى رغبة أو إرادة لتنفيذها .