- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
الباحث المصري سامح عسكر لموقع "180 تحقيقات" : الدواعش يقلدون أمراء الحرب الإسلاميين بشكل أساسي
الباحث المصري سامح عسكر لموقع "180 تحقيقات" : الدواعش يقلدون أمراء الحرب الإسلاميين بشكل أساسي
- 18 يوليو 2021, 4:26:35 م
- 5759
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
حوار : سليم صفي الدين
الأزهر الذي لم يبرأ من مرضه القديم.
الشيخ أحمد الطيب رمزا عند السلفيين.
عبدالله رشدي، صنيعة إعلامية.
محمد حسان متورط في التحريض على العنف والتكفير والدعوة للجهاد.
العلمانية مطبقة في الدستور المصري.
خطاب شيخ الأزهر يشبه خطاب الإخوان.
العلمانية قيمة فكرية وأخلاقية.
الإلحاد نتيجة طبيعية للانفتاح الإعلامي وسطوة الإنترنت.
سامح عسكر، كاتب علماني، وباحث تاريخي وفلسفي، عضو مؤسس في الحملة الشعبية المصرية للتنوير، وعضو مؤسس في المنظمة العربية للتنوير التابعة للأمم المتحدة، له العديد من المؤلفات أهمها "تحرير الفكر.. الفلسفة هي الحل.. سيكولوجيا المرأة... وغيرهم. معروف بآرائه المختلفة والصادمة.. حول نظرته لتغيير خطاب شيخ الأزهر، وظاهرة الإلحاد، والتيار العلماني، كان لنا معه هذا الحوار..
بداية: كيف تنظر إلى تحول خطاب شيخ الأزهر؟
شيخ الأزهر الحالي من مدرسة خلط الدين بالسياسة، وتبني رؤية الجماعات في ضرورة تقويم المجتمع، وتلك المدرسة ممتدة منذ الشيخ عبدالمجيد سليم، والخضر حسين، نهاية بالشيخ عبدالحليم محمود، ويظهر ذلك من تصدره الحديث السياسي كثيرا ومقابلة الزعماء والأحزاب وتصريحاته المتعددة التي ينحاز فيها للحروب والصراعات كتأييده لحرب اليمن مثلا، لكنه مع ذلك يملك حسا دبلوماسيا للتكيف مع الأجواء واستمالة المجتمع المصري في الداخل.. ما يعني فقدان الشيخ لبرنامج ومذهب واضح، وهذا هو السر في تناقضاته الكثيرة التي يُفهَم منها أحيانا تطرفه الديني مثلما ظهر في مناظرته مع الدكتور الخشت، رئيس جامعة القاهرة، حين ظهر معاديا للحداثة وتبنى ايدلوجيا الجماعات بتقديم السنة على الكتاب، ثم يظهر معتدلا في ما يفهَم أنه تحولا، وفي الحقيقة هو ليس تحوّلا بل تكيفا مع ميول مجتمعية ورأي عام من ناحية، وحفظا لوجوده ومصالحه الشخصية من ناحية أخرى.
هل هذا التكيف –كما أسميته- يعنى أننا نمضى نحو تجديد الخطاب الديني؟
تجديد الخطاب الديني لا يتحقق من الأزهر الذي لم يبرأ من مرضه القديم الذي ثار عليه الشيخين "محمد عبده وخالد محمد خالد" وملخص هذا المرض في التقليد، والتعصب الديني، والخرافة وعبادة الأنا، وربط تصرفات البشر بالدين، بل سيحدث هذا التجديد المنتظر من طريقين اثنين، الأول هو الدولة والقوانين وفي هذا الطريق ينبغي تعديل المواد الدستورية والقوانين التي تخدم الجماعات وصارت سيفا على رقاب المثقفين، ومنعت حق التفكير في الدين ومصادرة رأي المعترضين على التطرف والخرافة، أما الطريق الثاني هو الحريات وإشاعة منطق التدافع وحرية الآراء مما يُوجِد مساحة كبيرة للمثقفين وعناصر التجديد للعمل في بيئة مناسبة لا تطاردهم مثلما كانت تطارد السلطة ساحرات أوروبا في القرون الوسطى.
وفي رأيك كيف يحدث التجديد؟
تجديد الخطاب الديني سيحدث فور النظر لشخصيات مثل "عقبة بن نافع وخالد بن الوليد" مثلا على أنهم شخوصا عادية تخطئ وتصيب ولا ينبغي تقليد أحوالهم وسيرتهم الحربية، فالدواعش يقلدون أمراء الحرب الإسلاميين بشكل أساسي ولا ينظرون إليهم على أنهم شخوصا عادية بل مقدسات ورموز يحرم تجاوزها، التجديد هو ما سيعالج تلك الجزئية ويضع كل شخصية في موضعها الصحيح دون إهانتها أو عبادتها، وما دام ذلك مُحالا أو بعيد الإمكان فلا تجديد حقيقي سيتم وستخرج أجيالا تريد إحياء سيرة هؤلاء المقاتلين، إضافة لإحياء فتن وجرائم التاريخ الإسلامي الطائفية – وهي كثيرة جدا.
وكيف سيواجه السلفيين هذا التوجه؟
السلفيون بكل تنويعاتهم وتجاربهم وفرقهم المختلفة يمثلون أقصى اليمين الديني، وبالتالي رفضهم للتجديد والنظر إليه كعداء وخطر محتمل هو طبيعي، فهم التيار الوحيد المتبقي من الصحوة الإخوانية الوهابية بثقافتها وأدبياتها ومفاهيمها الدينية، وأعني بالتيار الوحيد المتبقي أي المسموح لهم بالعمل السياسي والاجتماعي بكل حرية، بينما هذا لم يعد متوفرا للإخوان، برغم أن الإخوان والسلفيين أصحاب مذهب فكري واحد هو الوهابية الجهادية وإحياء السلطة الدينية التي سادت في القرون الوسطى، وتطبيق القوانين البدائية والقديمة بدعوى انها شريعة إسلامية واجبة.
هذا يعنى أن السلفيين والإخوان شيئا واحدا؟
السلفي لا يقل خطرا عن الإخواني، بل في تفاصيل كثيرة هو أخطر لإشغال السلفيين حيز أقصى اليمين الديني والنظر باستعلاء وكراهية للمختلفين بالرأي، إضافة لتكفير ذوي الأديان والمذاهب الأخرى لحرفيتهم الشديدة وظاهريتهم النصوصية التي ورثوها من الأئمة الحنابلة وأهل الحديث بالمجمل، وعن كيفية مواجهتهم للتجديد فهم يتحدون الآن بشكل جزئي مع الأزهريين في مواجهة نشاط التجديد والنقد الديني الصادر من العلمانيين والفلاسفة والمفكرين، وصار الشيخ أحمد الطيب رمزا عند السلفيين لا يختلف عن الصحابة والتابعين والمبالغة في تصوير دوره بالبطل المنقذ للإسلام، ومن يريد أن يرى تفاصيل ذلك فلينظر للإعلام الإخواني وفضائيات السلفية العاملة وقنوات دعاتهم الشهيرة على يوتيوب.
كيف ترى استدعاء المحكمة لمحمد حسين يعقوب، ومحمد حسان؟ وما هو العائد من ذلك؟
الشيخ حسان متورط في التحريض على العنف والتكفير والدعوة للجهاد، وشهادته في المحكمة ورطة كبيرة إذا عامله القاضي كما عامل الشيخ يعقوب، فحسان له شريطين يحرض فيهما على الجهاد والغزوات، الأول : بعنوان "جراح وآمال" جعل فيه الجهاد والتوسع الديني هدف كل مسلم، والثاني: بعنوان "الجهاد سلعة ثمنها الجنة" حرّض فيه على الجهاد بالمطلق وأنه الطريق الوحيد لتطبيق الشريعة، إضافة لشرائطه التكفيرية عن الشيعة بعنوان "الشيعة والقرآن" وعن أحداث النهاية التي أسهب فيها الحديث عن الخلافة... وغيرها
كل هذه الشرائط إضافة لخطبه على الفضائيات مثلت مادة خصبة جدا للتطرف الديني، ونجح في تربية جيل كامل من المتطرفين الشباب والمراهقين المستعدين للجريمة ونسب جريمتهم لله، وعن رد فعل الشيخ فبقراءة لطيفة لرموز الوهابية لا يمكن لهم التضحية بأنفسهم وسيعلن الشيخ براءته من تلاميذه في قضية داعش امبابة، فلن يختلف عن يعقوب بشيء وكثيرا ما كنت أحذر في الماضي من هؤلاء أنهم يصنعون الإرهاب ثم يتبرؤون من نتائجه مثلما تبرأ حسن البنا، من قتل النقراشي.
لكني مع ذلك أرى فضيلة كبيرة وحسنة هامة لتلك الشهادة في إسقاط رمزية هؤلاء الشيوخ عند أتباعهم مثلما سقطت عند المجتمع، وفئة كبيرة من شيوخ السلفية بدأوا في طلب العذر لحسان ويعقوب وإجبارهم على استعمال التقية، وهذا سلوك طبيعي لرجل الدين أنه غالبا يستعمل التقية إذا شعر بالخطر على نفسه ويضطر لنفاق ومداهنة الأقوياء.
لماذا يترك الأزهر عبدالله رشدي، وأمثاله يطلقون الفتاوى دون تدخل؟
عبدالله رشدي، صنيعة إعلامية وليس أزهرية، فالأزهر لم يكلفه بشيء ولا يتحكم في نشاطه، وقد سبق لوزير الأوقاف التصريح بذلك، فهو صنيعة برجوازيين ورجال أعمال صدّروه للإعلام ليشغل الفراغ الذي تركه دعاة الإخوان ورموز الوهابية بعد ثورة يونيو، فتم التضخيم من حجمه والتعظيم من أمره برغم قلة بضاعته العلمية وأخلاقه المتدنية، وظهر ذلك من أصحاب القنوات الخاصة ورجال أعمال متطوعين أنفقوا عليه بالإعلانات لتكبير صفحاته وقنواته بالإنترنت، وعناوين مثيرة على اليوتيوب تهاجم خصومه، كل ذلك مدبر من تلك الفئة الرأسمالية بعيدا عن الأزهر الذي نجح في وقفه عن الخطابة وضغط بشدة لعدم استضافته في الإعلام كممثل عن الأزهر. ولا أتصور أن قيادة سياسية كبيرة تدعمه فهو عبء على الدعوة والعلم والسياسة معا، وأخطائه كبيرة متعددة.
ومن يقف وراءه في رأيك؟
من يريد الوقوف على هوية تلك الفئة الداعمة لرشدي، فليراجع تاريخ "حسن راتب" معه كأشهر رجل أعمال دعّمه وصار ضيفا مستديما على قناة المحور، إضافة لعقده برنامج لم يكتمل بسبب ما قلته عن قلة بضاعته العلمية وتهوره في تكفير المسيحيين والعلمانيين وهجومه الدائم على المرأة، إضافة لرجل الأعمال "سعيد حساسين" وغيرهما من فئة ذوي رؤوس الأموال المحافظة دينيا والمتشددة عُرفيا والمحدودة فكريا.
وأذكر جيدا أن خطة إشهار رشدي ليصبح داعية كبيرا ليملأ فراغ الإخوان كانت بعقد مناظرات بينه وبين مدعين نبوة ومهدوية وألوهية مصطنعة لحشد العامة وكسب تعاطفهم، وهذه الطريقة معهودة لصنع الفارق والتمدد شعبيا، تكررت في الماضي مع دعاة على نفس النمط كالشيخ يوسف البدري وغيره، إضافة لعقد مناظرات بينه وبين علمانيين ومستنيرين كان الانحياز فيها واضحا من القنوات والمذيعين إليه بوضوح في أوامر مسبقة من صاحب المحطة.
هل المثقف العربي يجب عليه الالتحام بالسلطة؟
وظيفة المثقف هي المعرفة سواء كان ذلك مع السلطة أو المعارضة أو منظمات المجتمع المدني أو حتى مع رجل الدين، وأتحفظ على صفة الوجوب في السؤال لمعنى ذلك الذي يحط من قدر المثقف ويجعله منافقا للسلطة ومداهنا لها، فالمثقف يفكر من خارج الصندوق ليلقي الضوء على مشاكل المجتمع الحقيقية فتنبته السلطة لتلك المشكلات، أي أن رؤية المثقف هي الضوء الذي ينير الظلام للمسئولين في الواقع والدول التي تهمل رؤى المثقفين تتخلف.
مع ذلك يجب التنبيه أن وظيفة المثقف لن تؤتي ثمارها بدون الأمن الاجتماعي والسياسي، لذا فالنقد الثقافي والعقلاني للمشكلات يهدف للتصدي إلى كل ما يهدد سلام المجتمع بشكل أساسي، ومعنى ذلك فإن اصطفاف المثقف مع المعارضة الإسلامية المتشددة والفوضوية هو خطيئة فكرية تصادر حق المجتمع في السلام، ولأن هذه المعارضة تؤمن بالجهاد والغزوات والثورات بشكل دائم فلا يمكنها التعايش مع أي حكومة ومن ثم صار نقدها ورفضها عملا ثقافيا بامتياز، ومن أولويات المثقف دائما أن ينحاز للجماهير وحقوق الإنسان، فلو كانت السلطة مع الجماهير وحقوق الإنسان فالطبيعي أن يصبح المثقف مع السلطة، لكنه لا يلتحم معها ضد الجماهير، ولا يجب عليه الانحياز في صراعات الأحزاب بأي شكل.
كيف تستطيع الدولة تطبيع العلمانية؟
العلمانية في مصر مطبقة ضمن مواد الدستور المصري في معظمه، يستثنى من ذلك المادتين 2، 7 عدا ذلك فكافة مواد المواطنة وحقوق الإنسان والحريات هي مواد علمانية صرفة، والمشكلة في تصور المجتمع ورجال الدين للعلمانية أنها تدعو للانحلال الخُلُقي والجنس العلني وما إلى ذلك.. والرد عليه أن بيوت الدعارة في مصر كانت مرخصة حتى نهاية الأربعينات، وأن الذي أغلقها هو رئيس وزراء مصر الأسبق "إبراهيم عبدالهادي" الذي كان وفديا ليبراليا علمانيا، تخيل حضرتك علماني ليبرالي يغلق بيوت الدعارة المصرية التي لم يجرؤ الشيوخ والإخوان طيلة 21 عاما في علاقتهم مع الملك على إغلاقها..!
وفي تركيا نشط الإخوان في السبعينات وحكموا الدولة بالتعاون مع الحركة الملّية عن طريق زعيمهم الشهير "نجم الدين أربكان"، وكانت من علامات حكمهم (العصر الذهبي للإباحية التركية في السينما) قبل أن يوقفه قادة الانقلاب سنة 80، علما بأن مشتركي هذه الصناعة من ممثلين وممثلات لجأوا لهذا النوع من التمثيل في عز الأزمة الاقتصادية وحاجتهم إلى المال، إضافة لغزو قبرص والفتنة السنية الشيعية في مدينة قهرمان مرعش، يعني الإخوان ورجال الدين نشطوا في عصر كانت فيه (مذهبية وإباحية وفتن سياسية وأزمات اقتصادية وغزو لشعوب أخرى) وهذه سمة عامة للحكم الإسلامي في عصر الحداثة الذي يغض الطرف عن طبيعة الإنسان وحاجته المادية والبيولوجية والنفسية تحت وطأة الشريعة، فيركزون على السلطة وتنهار لديهم كل القيم التي نادوا بها قبل الصعود.
ما فهمته من حديثك أن مصر علمانية؟!
مصر دولة علمانية من منتصف القرن 19م في زمن الوالي سعيد باشا، وتعززت في عهد الخديوي إسماعيل، ومقدمات ذلك بدأت في عهد محمد علي، الذي أقدم على تغيير التشريعات لتتوافق مع الحداثة التي ظهرت في ذلك الزمن بالعالم كله، إنما الشيوخ والجماعات يحاولون تغيير هذه الهوية إلى دولة دينية يحتكمون فيها لقوانين بدائية قروسطية ثار عليها الإنسان في عصر الحداثة، ويريدون عودة الماضي بمركبة سفر عبر الزمن دون الوعي بإمكانية ذلك، وبخصوص مشكلة المادتين 2،7 فالثقافة العامة ومدنية الدولة ومقاومة الظلاميين كافية لتحجيم وتعطيل هاتين المادتين اللتان تمثلان مشكلة حقيقية ومدخلا هامة لتغيير هوية الدولة لنموذج أقرب للنموذج الأفغاني.
هل الأزهر سببا في عدم تجديد الخطاب والسعي نحو الحداثة؟
خطاب الأزهر الحالي يشبه خطاب الإخوان، وما يميزه التناقض الصارخ بين خطاب الداخل والخارج، وكثرة التعارضات الظاهرة والموضوعية في المواقف، فيقولون للآخر أنهم حداثيون، بينما لأنفسهم "جهاديون تراثيون"، تأمل شعار الإخوان للخارج "دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية" وللداخل "الجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا" هذه حقيقة بيانات الأزهر التي تُصاغ وفقا لظروفها وهوية المخاطَب، فإذا كان المخاطَب هو المسيحي والأوروبي أو الأجانب بشكل عام فيصدرون لغة معتدلة ويتحدثون كثيرا عن التسامح وقدرة الإسلام على التواصل والتفاهم، بينما لو كان المخاطَب مسلما يستعملون نفس خطاب المنابر التقليدي الرجعي المتشدد ، ويتكلمون كثيرا عن الشريعة الإسلامية والجهاد، وأنه لولا الغزوات والفتوحات ما وصل الإسلام من الصين شرقا للأندلس غربا وفقا لتصريح شيخ الأزهر الغريب!
من أكثر الأدلة على أن الأزهر سببا في المشكلة وأن ورفعه شعار التجديد هو مجرد كلام وشعارات فارغة، قراره بإنشاء (أكاديمية الأوقاف) لتدريب خطباء الأزهر، وهذا القرار تسبب في فقدان الإمام للانفتاح والمهارات الاجتماعية والتواصل المعرفي، علاوة على تعصبه الشديد للنص الذي يحفظه بين الجدران، فعلى من يريد التجديد أن يسافر وينفتح ويحتك بالأمم والشعوب والثقافات المختلفة لا أن تغلق عليه حجرة وتظل تردد عليه نصوصا يحفظها..!
هل تعتقد –كما يقول البعض- أن الأزهر مخترق من قبل جماعة الإخوان؟
في مقالات سابقة لي طرحت عشرات الأدلة على اختراق الجماعات والإخوان لمؤسسة الأزهر، وتمرير معتقداتها العنيفة والمتطرفة برداء الأزهريين، وبالتالي صارت قصة سيطرت الأزهر على الفتوى بعيدا عن الحكومة يُعرّض الدولة لمخاطر، فأصبح نقل سلطات الفتوى بعيدا عن هذا الكيان المخترَق، هو جزء من المقاومة الفكرية للإرهاب وحصارا كبيرا لمنابع التطرف الديني. شيخ الأزهر نفسه قال في شهر يونيو 2016 بضرورة قتل المرتد، وهذا انتهاك صارخ للدستور المصري.
أعتقد أن الدولة انتبهت مؤخرا وحاولت نقل الفتوى لوزارة العدل لكن أمرا ما حدث وتعطل المشروع بفضل انتفاضة الجماعات والخلايا النائمة للوهابية والإخوان داخل تلك المؤسسة التعليمية العريقة، التي ستعود لسابق مجدها فقط إذا انتبهت لدورها التعليمي وتخلت عن سمتها التنفيذي الذي وضعه الإخوان في دستور 2012 أملا بأن يكون الأزهر هو جماعة الحل والعقد المشرفة على تطبيق الشريعة والعودة بالدولة المصرية لقرون إلى الوراء.
لماذا لا نرى نموذجا علمانيا يقدم نفسه كبديل سياسي؟
العلمانية قيمة فكرية وأخلاقية توضع في الدستور والقوانين لا أن تصبح طرفا في صراع سياسي تقوى وتضعف بقدرة أصحابها، فالقيم تحتاج إلى مبدأ ورغبة وقدرة لتنفيذها، قد يوجد لديك مبدأ التَعلمُن لكن رغبتك غير حاضرة أو مشوشة من أثر الخلافات حول أحقية تمثيل العلمانية، وقد يكون لديك المبدأ والرغبة واضحة لكن لا تملك القدرة علي التَعلمُن بشكل صحيح، وقتها كل أفعالك ستمثل مبادئك في المجتمع، وتنهار العلمانية ومبادئها حتى لو اكتسبتها آليا نتيجة لظروف دولية.
فكرة النموذج العلماني تماما كالنموذج الإسلامي، لا علاقة لها بالتنوير وبإنشاء النموذج كبديل سياسي – كما تفضلت في سؤالك – يكون قد وضعت التعلمن كحزب منافس للإسلام وبالتالي يصدق قولهم أن العلمانية تعني الإلحاد، وهذا غير صحيح فهي ليست دينا أو حزبا ندعو الناس إليه، بل نشأت لوجود مناخ من الحريات الفكرية والسياسية، أدى ذلك لوجود حالة شعورية تصنع خطابا ثقافيا يشكل كل مناحي الحياة، وبالتالي فكرة تكوين نموذج علماني الآن كبديل سياسي بدون حريات هي فكرة فاشلة وتنم عن غباء أصحابها، فالليبرالية ليست متجذرة في الشعب المصري، بل هو إسلامي صِرف، ما زال يرى حكم الدولة وظيفة دينية، هذا جعل من العلمانية في مصر خطابا نخبويا، لا علاقة له برجل الشارع، والحل في الاحتكاك بالشعب وتقديم بديلا طيبا يخاطب قيم الانفتاح، ولكن كل هذا ضاع بفقدان العلمانيين الزعامة والقوة وتسلط البلهاء والسذج والطائفيين على خطابهم الثقافي.
وباختصار شديد العلمانية ليست منافسا ولا بديلا، بل هي قيمة حداثية واجبة وحتمية لا يجب إخضاعها للتجارب والتحديات، أي في المحصلة هي ثقافة فوق دستورية حكمت العالم كله وآن لمصر أن تفهم تلك الثقافة وتتعايش معها لتنهض..
كيف ترى ظاهرة الالحاد في العالم العربي بعد ثورات الربيع؟
هذه نتيجة طبيعية للانفتاح الإعلامي وسطوة الإنترنت، إضافة لصدمات داعش والقاعدة والحكم الديني، وهي ليست ظاهرة حديثة بل وجدت قديما وستوجد كجزء أساسي في مكونات العقل البشري، فالإنسان سيظل في صراعه الفكري مدى الحياة، لكن هذه الموجه ستضعف يوم أن تتحول المعابد والمدارس الدينية إلى أماكن لنشر الفضيلة والعدل والتفكير، وتتوقف نهائيا عن نشر التعصب الديني والظلم والتكفير.
هل هذا يعني وجود إلحاد قديم وآخر جديد؟
بكل تأكيد، فالإلحاد الجديد مختلف عن القديم الذي كان مهتما أكثر بالإلهيات والتنظير العقلي، وفي القرن 19 ظهر بتعريفات جديدة للدين أوسع من الإلهيات، لكن اليوم صار الإلحاد مختلف خصوصا بعد الربيع العربي، والانفجار المعلوماتي في السوشال ميديا، أي أن ظاهرة الإلحاد المعاصر مركبة جدا ومتنوعة للغاية ولم تعد محصورة في العقليات كما يظن رجال الدين المسلمين، الذين إذا رغبوا في التنوير ومقاومة هذه الظاهرة فعليهم تجاوزها أولا وهذا لن يحدث سوى بما قلت من انفتاح وتواصل والكف عن التكفير واتهام الآخرين بالانحلال والفجور.
لا يعني ذلك إنكار حق الملحد واللاديني، فهو إنسان يبحث عن الحقيقة في الغالب وأكثرهم مسالمون، وثورات هؤلاء ضد الدين بها جوانب إيجابية مشجعة على التطوير والعلاج وجوانب سلبية لا تعرف سوى الهدم، وشخصيا عندما أنتقد الإلحاد فمن الجانب السلبي لضبط سلوكيات أصحابه وحملهم على الفضيلة أو على الأقل أن يهتموا بالبدائل لدى الناس، فالبشرية تُلحد كلما تورط الدين في السياسة، وتحصل موجات هجرة جماعية من الإيمان بسبب ظلم وتسلط المؤمنين، ولو علم الفقهاء في العلمانية من خير بحفظها للدين بعيدا عن صراعات السياسة لرفعوا القبعة لفلاسفة أوروبا الذين نادوا بذلك قبل زمن.
كيف يمكن نجاح المحاولات الفردية للتنوير؟
سيحدث ذلك فور الاعتراف بكل مذاهب واتجاهات التنوير المختلفة، وعدم إقصاء أي فئة منهم، فالتنوير هو اتجاه نقدي بالأساس، لو لم تنقد أوضاعك السلبية كلها فلست مستنيرا بل مغلقا مثلك كمن تنتقدهم أحيانا، واتجاهات النقد كثيرة منها نفسية وعقلية وعلمية ونصية واجتماعية ووجودية، بحر واسع من مذاهب النقد كلنا يمارسها دون علم، وحين نختلف لا نعلم كيف اختلفنا، أقرب نماذج الاختلاف في مذاهب النقد الأدبي واللغوي أنك ستجد طريقة لويس عوض مختلفة عن سلامة موسى مختلفة عن العقاد، كذلك في نقد الموروث طريقة إسلام بحيري، مختلفة عن عبده ماهر، وخالد منتصر، وإبراهيم عيسى، وكذلك عدنان ابراهيم والرفاعي، فضلا طريقة الملحدين واللادينيين وغير المسلمين بالمجمل.
الجيد في تعدد المذاهب النقدية هذه أنها تعالج آفات بعضها وتسد ثغراتها بنفسها، وبالتالي هي ضرورية من حيث كونها مُكمّلة، أنا شخصيا طريقتي أزعم أنها فريدة جدا لا يمتلكها أحد غيري ولن يحدث، مذهبي في النقد والعلم مختلف عن كل هؤلاء، إنما نشترك جميعا في هدف تنويري واحد وهو مقاومة التشدد الديني، والإرهاب والتكفير، والأصوليين وخلط الدين بالدولة، وبالتالي فالتنوير هنا طريقة تفكير تؤدي لحياة أفضل وتصحيح الأخطاء، وليس مذهبا على الإطلاق.
ما هي آخر اصداراتكم المكتوبة؟ وفيما تناقش؟
كتبت 16 كتابا، أذكر منهم "الإخوان بين الجمود وتحديات المرحلة، وفلسفة الأخلاق، ومدينة الإخوان، ورحلتي من الإخوان إلى العلمانية" لكني أعتز بإصداري الأخير "كشف اللثام عن فقه الإمام" الذي هو أقرب للموسوعة الفقهية شاملة الجوانب ومتعددة من النقد العقلي والعلمي والأخلاقي للتراث، ومحاكمة الفتاوى والفقه التقليدي الجامد، إضافة لكشف قضايا جديدة لم تكن محل جدل في السابق وتسليط الضوء عليها.