- ℃ 11 تركيا
- 8 نوفمبر 2024
ابراهيم نوار يكتب: السائرون نياما إلى حرب عالمية ثالثة
ابراهيم نوار يكتب: السائرون نياما إلى حرب عالمية ثالثة
- 29 مارس 2023, 2:42:48 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أصبحت ظاهرة «عسكرة السياسة الخارجية الأمريكية»، التي تنطلق من تغليب الحرب وتغييب الدبلوماسية، خطرا داهما يهدد العالم كله، لأن اتساع نطاق هذه الظاهرة يعني عمليا تزويد الصراعات العالمية بالوقود الضروري لإشعالها، وصب المزيد من الزيت على النيران المشتعلة فعلا، بدلا من الاحتكام إلى قواعد القانون الدولي، ومبدأ حل النزاعات بالحوار والطرق السلمية، وتغليب الدبلوماسية على الحرب. السياسة الخارجية الجديدة للولايات المتحدة جعلت وزير الخارجية أنتوني بلينكن هو المفوض الرسمي بسحب شحنات متزايدة من مخزون الأسلحة لدى الجيش الأمريكي، وتحويلها إلى أوكرانيا، كما جعلت بلينكن الناطق الرسمي بلغة التهديد العسكري، ضد كل من لا ينتظم في الصف وراء الولايات المتحدة. الدور الجديد الذي يلعبه بلينكن على المسرح العالمي في تغليب الحرب وتغييب الدبلوماسية، لا يعكس مجرد تغيير شكلي أو رمزي، وإنما يعكس شهوة أنانية أمريكية في المحافظة على سيطرتها على العالم، حتى لو كان ثمن تحقيق ذلك هو دمار العالم كله. الولايات المتحدة تقود العالم، معصوب العينين، إلى مصير كارثي محتوم. وفي هذا السياق فإن هناك مسؤولية تاريخية كبرى تقع على عاتق المفكرين الأمريكيين، وفي الدول الحليفة والشريكة للولايات المتحدة، خصوصا في أوروبا الغربية، من أجل تشكيل ائتلاف واسع أو تجمع عالمي، يسعى للدعوة الى تغليب الحوار على الحرب، يبادر بإطلاق نفير الاستيقاظ لهؤلاء السائرين نياما إلى حرب عالمية ثالثة.
الدور الجديد الذي يلعبه بلينكن على المسرح العالمي يعكس شهوة أنانية أمريكية في المحافظة على سيطرتها على العالم، حتى لو كان الثمن دمار العالم كله
حرب أوكرانيا لم تعد هي الخطر الوحيد الذي يهدد العالم بنشوب حرب نووية، بل إن التهديد الأكبر والحقيقي، هو احتمال حدوث صدام عسكري بين الولايات المتحدة والصين، يتطور خارج نطاق السيطرة، إلى حد يتصادم فيه كبرياء أكبر قوتين عسكريتين في العالم. وإذا سالت الدماء على جوانب الكبرياء، فلن يكون هناك مجال للحسابات العاقلة، في وقت تحاول فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها محاصرة الصين بقوات نووية، بينما الصين تعزز روابطها العسكرية مع روسيا، الغارقة في حرب أوكرانيا ضد حلف الناتو. في أوروبا تمثل الأراضي الأوكرانية مجرد ساحة للقتال، تجري عليها حرب أمريكية بالوكالة ضد روسيا، مدعومة بأسلحة ومساعدات عسكرية وإنسانية من الولايات المتحدة ودول حلف «الناتو». ومع سيطرة نزعة «عسكرة السياسة الخارجية الأمريكية»، فإن صوت تجار الحروب، وقيادات التجمع الصناعي – العسكري الأمريكي سيكون هو الأقوى، إذا لم تعترضه أصوات قوية لتجمع عالمي قوي يعمل من أجل الحوار لا الحرب. وعلى بعد آلاف الأميال في جنوب شرق آسيا يجري التحضير لمواجهة أخرى، أشد خطورة لأنها لا تتعلق فقط بمعايير القوة العسكرية، ولكنها تتعلق بمعايير الكبرياء القومي لدى كل من الولايات المتحدة والصين.
في يومي 23 و24 مارس أصدر جيش التحرير الوطني الصيني بيانين أفادا بأن البحرية الصينية قامت بطرد قطعة بحرية عسكرية أمريكية، حاولت الإبحار من دون إذن عبر المياه الإقليمية في بحر الصين الجنوبي بالقرب من جزر «شيشا» Xisha ، ووصف البيان محاولات البحرية الأمريكية بأنها استفزاز متعمد وتصعيد في الاحتكاكات العسكرية مع الصين. وطبقا للبيان فإن المدمرة الأمريكية يو إس إس ميليوس Milius المزودة بصواريخ موجهة، حاولت دخول المياه الإقليمية بصورة غير قانونية، «بما يهدد السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي»، فتصدت لها القطع البحرية الصينية، وأنذرتها طبقا لما يقضي به القانون الدولي، وطردتها في المرة الأولى يوم الخميس 23 مارس. لكن القطعة البحرية الأمريكية نفسها عادت إلى المنطقة في اليوم التالي، محاولة الإبحار في المياه الصينية، فأنذرتها البحرية الصينية وطاردتها إلى خارج المياه الإقليمية الصينية. ووصف البيان الصيني ما حدث بأنه محاولة صارخة لتصعيد الاستفزاز العسكري في بحر الصين الجنوبي بواسطة الولايات المتحدة. إن تحقيق انتصار عسكري لأي من الطرفين في الحرب الأوكرانية الحالية هو ضرب من المستحيل، نظرا لطبيعة المرحلة التي يمر بها النظام العالمي، التي تتسم بالاضطراب الشديد والتغير الحاد في موازين القوى. ومن ثم فإن الخسارة لكل من الطرفين مؤكدة، حتى في حال استخدام الأسلحة النووية، التي لن ينتج عنها غير دمار مؤكد متبادل mutual assured destruction أو اختصارا «MAD» ، طبقا لنظرية الردع الاستراتيجي. صحيح ان المواجهات العسكرية لا تجري مباشرة بين أكبر قوتين في العالم، لكن الولايات المتحدة هي المورد الرئيسي للسلاح إلى أوكرانيا، وهي تقوم مع دول الناتو بدور أساسي في تدريب قواتها، وإمدادها بالخبراء العسكريين. كما أنها السند الرئيسي لها سياسيا واقتصاديا وعملياتيا. وتثبت واقعة إسقاط طائرة تجسس أمريكية فوق البحر الأسود بواسطة طائرات روسية في 14 مارس الحالي، أن القوات الأمريكية متورطة في العمليات العسكرية بشكل مباشر. ومن المرجح أن الطائرات وأجهزة التجسس العسكري العملياتي الأمريكية تزود قيادة القوات الأوكرانية بمعلومات حساسة عن تسليح القوات الروسية وإمداداتها وتحركاتها وتوزيعها على أرض العمليات. الحرب لم تعد بالضرورة صداما ذا منشأ قومي، ولا مواجهات عسكرية يخوضها بالضرورة جنود من البشر. وإذا كان لنا أن نرجح طرفا على آخر في الحرب الحالية من الناحية النظرية البحتة، على أساس معايير كيفية وكمية، فإن تقدم روسيا في ميدان الأسلحة الفرط صوتية يمنحها تفوقا نوعيا في مجال التسليح، كما أن تفوقها العددي في كمية الأسلحة النووية التكتيكية، يمنحها مزايا كمية، إضافة إلى المزايا اللوجيستية الضخمة التي تتمتع بها روسيا في حرب تجري على حدودها. وقد شهدت الأسابيع الأخيرة منذ بداية العام الثاني للحرب عددا من التطورات المهمة، تشير كلها إلى تصعيد الموقف على الجانبين: التطور الأول، يتمثل في قرار الرئيس الروسي (22 فبراير) بشأن تعليق العمل بمعاهدة ستارت الثالثة للحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية، التي تنص على تخفيض الحدود القصوى للرؤوس الحربية الهجومية الاستراتيجية للبلدين بنسبة 30 في المئة، والحدود القصوى لآليات الإطلاق الاستراتيجية بنسبة 50 في المئة بالمقارنة مع المعاهدات السابقة. التطور الثاني، هو إسقاط طائرة التجسس المسيرة الأكثر تطورا في الترسانة العسكرية الأمريكية «إم كيو – 9 ريبر»، التي كانت تعمل طبقا للبيان الأمريكي في الأجواء الدولية فوق البحر الأسود. التطور الثالث، هو بيان وزارة الدفاع البريطانية أمام مجلس اللوردات في 20 مارس بأنها تعتزم تزويد أوكرانيا بقذائف خارقة للدروع مصنوعة من اليورانيوم «المنضب»، وهي مادة شديدة الكثافة مقارنة بالرصاص، تتبقى من عمليات تخصيب اليورانيوم، ويترتب على استخدامها احتمالات إشعاعية بمعدلات بطيئة طويلة المدى ضارة بالإنسان والبيئة. ومع ذلك فإنها ليست مصنفة ضمن الأسلحة النووية. وقالت البارونة أنابيل غولدي الوزيرة في وزارة الدفاع البريطانية، إن هذه القذائف ستكون جزءا من تسليح صفقة دبابات «تشالينجر-2»، التي تعهدت بتقديمها إلى أوكرانيا، ضمن اتفاق دول حلف الأطلنطي على تزويدها بدبابات حديثة. وبعد انتشار النبأ قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه إذا حصلت أوكرانيا على هذه القذائف فإن بلاده سترد على ذلك، لكنه ترك الرد غامضا ولم يحدد طبيعته. ومن المعروف أن روسيا هي الأخرى تمتلك قذائف خارقة للدروع مصنوعة من اليورانيوم المنضب. التطور الرابع، هو إعلان بوتين في 25 مارس أنه يعتزم تحريك جزء من ترسانة روسيا النووية التكتيكية غربا إلى بيلاروسيا، لإقامة توازن للردع النووي التكتيكي في مقابل الأسلحة النووية التكتيكية المنتشرة في أوروبا. وتحتفظ الولايات المتحدة بحوالي 100 رأس نووي تكتيكي في 6 قواعد تنتشر في أوروبا بين هولندا وألمانيا، في الجناح الشمالي الغربي من حلف شمال الأطلنطي إلى إيطاليا وتركيا في الجناح الجنوبي الشرقي للحلف. وقد أعلنت في اكتوبر الماضي أنها بصدد تزويدها قبل نهاية العام بنسخة من أحدث الأسلحة النووية التكتيكية طراز «بي 61 – 12»، وهي عبارة عن قنبلة يبلغ طولها 3.6 متر وتحمل رأسا نووية أقل قوة مقارنة بالعديد من الإصدارات السابقة، لكنها أكثر دقة، ويمكنها اختراق سطح الأرض.
هذه التطورات الأربعة، التي وقعت في الأسابيع الأخيرة، تحمل في طياتها رغبة متبادلة في مواصلة استراتيجية التصعيد العسكري. ومن المتوقع أن تشتد حدة المعارك في الأسابيع المقبلة مع اقتراب فصل الربيع، ووصول المزيد من الأسلحة والذخائر إلى خطوط القتال، وقد أكد وزير الخارجية الأمريكي في بيان أصدره يوم 20 من الشهر الحالي، أن بلاده والدول الـ50 الداعمة لأوكرانيا، مستمرة في تقديم السلاح والدعم لها، حتى توقف روسيا حربها من طرف واحد، وقال في نهاية بيانه «يمكن لروسيا وحدها أن تنهي حربها اليوم، وإلى أن تفعل ذلك، فإننا سوف نقف متّحدين مع أوكرانيا، مهما استغرق الأمر من الوقت».