إيمان البحر درويش حالة غنائية خاصة جدا فهو الابن البار لمدرسة الغناء المصري والوطنية الخالصة، منذ دخوله عالم الفن كان إيمان شديد الحرص على مواقفه، لم يضبط ايمان يوما في غير الموقف الصحيح، لم يشارك أبدا زفات الحكام، ولم يشارك في مهرجانات الزيف والنفاق ، ولما لا ؟

إيمان ابن الإسكندرية الجميلة إسكندرية الماريا و ترابها الزعفران حسب وصف أديبنا الكبير إدوارد الخراط، إسكندرية سيد درويش، عشق أسامة أمور عكاشة، إسكندرية محمد كريم قائد المقاومة الشعبية في مواجهة الاحتلال الفرنسي، إسكندرية أحمد فؤاد نجم…

يا اسكندرية بحرك عجايب

يا ريت ينوبني من الحب نايب

تحدفني موجة على صدر موجة

والبحر هوجة الصيد مصايد

إيمان البحر درويش ابن البحر والسماء والتاريخ والعمارة و الشوارع والبيوت..

ابن الصيف ونسائمه، وابن الشتاء الجميلة عشق النبلاء والعشاق، وهو حفيد الشهاب الساطع في سماء الموسيقى المصرية الحقيقية حفيد السيد درويش، شهاب الفن المصري ومبدعه، وصاحب النقلة الموسيقية المصرية.

سيد درويش لم يكن موسيقيا عابرا بل مجددا، صاحب مدرسة جديدة في الموسيقى والمفردات.

غني درويش للناس في مصر في الحارات والشوارع ،غنى لأصحاب الحرف والصنايعية، وغني للوطن و عبر عنه، استطاع درويش الكبير أن يكون صوت الناس والوطن، واستطاع درويش الحفيد أن يكون امتداداً طبيعيا للجد، فهو

المصري كريم العنصريين

بنيت المجد بين الاهرمين

و كان الجد صوت الناس حينما ضاقت عليهم أحكام الاحتلال، فغنى لهم وبيهم

يا بلح زغلول يا حليوه يا بلح

كان الجد الذي سابق الزمن ليؤلف أوبرا مصرية، وكان الجد الذي رحل وشعب مصر كله يغني بألحانه قصيدة يونس القاضي

بلادي بلادي بلادي

لك حبي وفؤادي

مصر يا أم البلاد

انتي غايتي والمواد

و على كل العباد

كم لنيلك من أيادي

إذن هذا هو إيمان البحر ،جذور تنبئ عن أصالة وعشق ومحب،ة و وطنية لم تغب لحظة عن طريق ايمان منذ ظهوره عندما بدأ يغني أغاني سيد درويش حتى معركته الأخيرة التي يخوضها ضد اعلاميي ومحاميي وموسيقى وفنانين السامسونج .

لم يظهر إيمان في ظل حاكم طوال سنوات عمره، لم ينافق شخصاً، لم يُضبط إيمان بتصريح او حوار يمالئ السلطة، إنما كان دائما في صف الوطن.

أطل إيمان علينا في بداية الثمانينات بمجموعة أغانٍ لجده سيد درويش ،اختار و أجاد الاختيار غني انا المصري.. اهو ده اللي صار و من الأغاني التي لي أن أتوقف أمامها.. أغنية

يا حلاوة ام إسماعيل

في وسط عيالها

زي النجفة عم بتلعلط في جمالها

ثم نري هذا المشهد العبقري لهذه السيدة المصرية العريقة الممتدة عبر آلاف السنين والسند والظل للرجل والَوطن

فتقول الأغنية

تزرع وتقلع في الغيط ويا راجلها

وتعاود تاني لعجينها وغسيلها

تلك هي الأم المصرية النبيلة المخلصة، شجرة البيت والعمل التي تحمل همَّ البيت والوطن

انتقل ايمان وبمصاحبة الملحن فاروق الشرنوبي السكندري المبدع، و الصديق العزير الى مرحلة أخرى ومع الشعراء، وكان الظهور المبدع لإيمان.. هل ممكن أن ننسى لإيمان

مكتوب لي أغنيلك

واغزل مواويلك

وإن جف نبع الحب

أروى عطش نيلك

ياللي الدهب شعرك

مفرود على ضهرك

لو أمتلك مهرك

يا مصر اهدي ليك

ثم ينتقل ايمان بنا مع شعرائه وملحنيه، ليقدم لنا أغنية من أجمل الاغاني التي عبرت عن جيل كامل هؤلاء الذين صرخوا في وجهه مبارك المستبد الذي أفسد البلاد والعباد.. صرخ إيمان البحر

قول ياقلم قول

قول يا قلم.. إياك تخاف لحظة ندم

اصرخ ولم الناس

وافتح لنا الكراس

صفحة قصاد عينا

نقرأ ضمايرنا

قول يا قلم قول

و ينتقل بنا في أغنية أخرى إلى حالة أخرى من حالة العشق و الأمنيات للوطن فيغني ايمان البحر

نفسي اقولك الف حاجة

بس آآآآآه..آآآآآه ....آآآآآآه لو تسمعيني

يا بلدنا يا بلد

هو من إمتى الولد

بيخاف من أمه

لما في الضلمة تضمه

صدقيني خفت منك

ترى هل يخاف ايمان البحر من أمه في هذه اللحظة التي يواجه فيها كل منافقي السلطة على مدار السنوات، هؤلاء الذين أكلوا على موائد كل المماليك والسلاطين والمستبدين

إن ايمان الذي لم ينزلق مره واحدة في نفاق، بل كان أكثر أبناء جيله اتساقاً مع نفسه،كان ايمان في كل ما يغنيه صوتا للناس و الوطن، كانت أغانيه العاطفية عشقا في الوطن

حينما حوصر ياسر عرفات في سنواته الأخيرة وكنا نبحث عن أغنيه للقدس كان صوت ايمان البحر هو صوتنا في ماسبيرو معبراً عن فلسطين.. 

حينما كانت الانتفاضة الفلسطينية كان إيمان يغني.. "أذِن يا بلال" ومجموعة من الأغاني الوطنية لفلسطين..

إيمان البحر درويش حينما يدافع عن نهر النيل، ويشير إلى مَن فرط و بدد فيه فإنه يتسق تماماً مع تاريخ طويل له من الالتزام بِهَمِ وقضايا الوطن لم يكن إيمان سياسيا ولكنه كان فنان مؤمنا يما غنى لم يتغير أو يشده عالم الرأسمالية كما جذب غيره، لم يبع أحلام عشاق فنه كما باع غيره في دقائق مقابل المال لم يعترف بالكيان الصهيوني ولم يجد اي زريعة لكي يبرر نزواته وعشقه للبقاء و الشهرة والأضواء، بل حتى في أحلك الفترات وهو مريض لم يتاجر بمرضه او يتسول به كان رجلاً كريم العنصرين.. حفيد الأكرمين.. ابن مصر المرفوع الرأس..

ايمان البحر درويش الملتزم بقضايا وهموم وطنه سينتصر على كل الذباب الإعلامي، و على مدعي الفن، وعلى هؤلاء الذين يفرطون في الوطن، مقابل حفنة من الدولارات فيهينوا الوطن بعدما أهانوا أنفسهم .

يبقى أن اقول انني اقتربت منه مرتين، كان في الحالتين احتفالاً بميلاد سيد درويش في القناة الثالثة في الأولى كان يوما ثقافياً كاملاً عن سيد درويش بعنوان "الشهاب"، وكان ضيفا علينا جاء إلينا بمجرد طلبه، و دخل شامخاً كبيراً في فنه و أصله و نبيلاً ومهذباً مع كل من قابله في ماسبيرو، من عامل الاسانسير والبوفيه معنا جميعا ،و في المرة الثانية كان تورتة الاحتفال بعيد ميلاد السيد درويش و إيمان البحر درويش فإن لم تخني الذاكرة فهما مواليد نفس الشهر شهر مارس .

ايمان البحر درويش عشت كريم العنصرين.. عاشق بمصر من المهد الي المنتهى.. قادر على أن تصرخ تلم الناس و تؤذن فينا كبلال داعياً إلى النضال من أجل الوطن ومن أجل تحرير القدس.. دمت متسقاً مع ذاتك و قلبك وعقلك ومبادئك.. دمت إيمان البحر السيد درويش

دمت يا إيمان

طير في السما

يعشق بالوما

عاش قلبه. و نما

من غير نمنمة

وبسيط.. إنما

عايش ملحمة