إضفاء المؤسسية على المجلس التركي.. ما هي مكاسب أردوغان وكيف سترد روسيا والصين؟

profile
  • clock 20 نوفمبر 2021, 9:46:17 ص
  • eye 584
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

غذّت القمة الأخيرة لمجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية، المعروف باسم "المجلس التركي"، طموحات أنقرة لقيادة محور اقتصادي وأمني تركي، لكن لا تزال هناك عقبات جيوسياسية واقتصادية ومؤسسية كبيرة.

وكانت القمة، التي عقدت في إسطنبول الأسبوع الماضي، منعطفا حاسما في إضفاء الطابع المؤسسي على المجلس بتحويله إلى منظمة، وهو ما يتماشى مع أجندة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان".

واستضاف "أردوغان" خلال القمة رؤساء أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان، وهم أعضاء كاملون في المجلس إلى جانب تركيا، وكذلك رئيس تركمانستان ورئيس وزراء المجر اللذين تتمتع دولتيهما بوضع المراقب.

وركزت القمة على تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية والنقل، وكذلك الوضع في أفغانستان، والتطورات الإقليمية والدولية الأخرى.

ويمثل العالم التركي مساحة 4.5 ملايين كلم مربع، ويبلغ عدد سكانه أكثر من 160 مليون نسمة، ويبلغ إجمالي الناتج المحلي لدوله مجتمعة أكثر من 1.5 تريليون دولار.

ويدرك "أردوغان" ونظراؤه جيدا إمكانات المجموعة، ويبدو أنهم حريصون على إنشاء منصة قوية يدعمون فيها بعضهم البعض.


وتوفر المنصة فرصة لهذه الدول لبناء اقتصاد إقليمي وتكتل دبلوماسي وأمني؛ مما يساعدها في انتزاع بعض الاستقلالية عن صراع القوى العالمية مثل الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين.

واعتمد المشاركون وثيقة تسمى "رؤية العالم التركي-2040"، التي تحدد أهدافا بشأن السياسة الخارجية والأمن والتعاون الاقتصادي، والروابط بين المجتمعات، والعلاقات مع الجهات الأجنبية حتى عام 2040.

وتعليقا على الوثيقة، أكد "أردوغان" أن الدول الأعضاء ستكثف جهودها لتطوير التعاون متعدد الأطراف في القضايا العالمية.

وتأسس "المجلس التركي" عام 2009 من قبل تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان، بالاعتماد على الإرث العرقي واللغوي المشترك.

وانضمت أوزبكستان كعضو كامل العضوية إلى المجلس عام 2019، بعد عام من حصول المجر على صفة مراقب.

وانضمت تركمانستان التي تتبع سياسة الحياد الدائم إلى المجلس بصفة مراقب في قمة إسطنبول الأخيرة.

وعمل "المجلس التركي" أيضا كمظلة لمنصات التعاون الأخرى بين المجتمعات التركية مثل "المنظمة الدولية للثقافة التركية"، و"الجمعية البرلمانية للبلدان الناطقة بالتركية"، و"الأكاديمية التركية الدولية"، و"مؤسسة التراث والثقافة التركية"، و"الغرفة التركية للتجارة والصناعة".

وتخطط الدول الأعضاء أيضا لإنشاء صندوق استثماري؛ لدعم الجهود المبذولة لتنويع اقتصاداتها، وزيادة التجارة البينية، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وتعزيز الإطار المؤسسي لـ"الغرفة التركية للتجارة والصناعة".

كما أن الجهود جارية أيضا لتحسين روابط النقل بين الدول الأعضاء، بما في ذلك مبادرة لتعزيز التعاون بين سلطات الموانئ البحرية، عبر ما يسمى بـ"ممر النقل الأوسط" العابر لبحر قزوين من تركيا إلى الصين، وهو أكثر توفيرا وأسرع من بقية طرق التجارة بين أوروبا وآسيا.

وخلال القمة، شدد كل من "أردوغان" والرئيس الأذربيجاني "إلهام علييف" على أهمية ما يسمى بـ"ممر زانجازور"، وهو طريق نقل تطمح باكو من خلاله إلى إلى إعادة ربط إقليم ناختشيفان بدولته الأم أذربيجان.

وبالنسبة لتركيا، لا يعني هذا المسار ارتباطا بريا مع أذربيجان فحسب، بل يعني أيضا بوابة إلى حوض بحر قزوين وآسيا الوسطى.

وترى أنقرة إمكانات اقتصادية كبيرة في الطريق كحلقة وصل رئيسية في مشاريع النقل والاتصالات والبنية التحتية المحتملة التي من شأنها أن تجمع العالم التركي وتعزز ممر النقل الأوسط عبر قزوين بين الشرق والغرب.

وتعهدت أرمينيا بتوفير رابط نقل بين البر الرئيسي لأذربيجان وناختشيفان كجزء من الهدنة التي توسطت فيها روسيا، والتي أنهت الحرب الأذربيجانية الأرمنية على جيب ناجورنو كاراباخ المتنازع عليه في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وقد ساهم الدعم التركي في انتصار أذربيجان؛ مما عزز نفوذ أنقرة في باكو، وساعد في انفتاحها على آسيا الوسطى.

وتريد حكومة "أردوغان" الآن تعزيز مكاسبها من خلال إقامة علاقات اقتصادية وعسكرية أوثق مع الجمهوريات التركية في آسيا الوسطى.

وبالنسبة "لأردوغان"، يُعتبر "المجلس التركي" أداة لتعزيز الوجود التركي في أوراسيا وسط العلاقات المتوترة مع أوروبا والولايات المتحدة والمخاوف المستمرة من تداعيات توجه تركيا بعيدا عن الكتلة الغربية.


ومن زاوية السياسة الداخلية، كانت القمة فرصة لـ"أردوغان" لتصوير نفسه كزعيم للعالم التركي وحشد قاعدته القومية والمحافظة.

ومع ذلك، هناك نقطة مهمة يجب التأكيد عليها وهي أنه لم يعترف أي من شركاء تركيا في "المجلس التركي" بجمهورية شمال قبرص التركية بالرغم من جهود أنقرة طويلة الأمد لكسر العزلة الدولية لشمال قبرص، والتي لا يعترف بها إلا تركيا.

وفي إشارة إلى أن هذا يزعج أنقرة، وجّه "أردوغان" نداءً جديدا لنظرائه في القمة، قائلا: "إنني أعول على دعمكم القيم في تخفيف العزلة والحصار اللذين يتعرض لهما القبارصة الأتراك وهم جزء لا يتجزأ من العالم التركي".

وقد يروج القوميون في تركيا للقمة باعتبارها خطوة نحو إنشاء "اتحاد تركي"، لكن عدم دعم القبارصة الأتراك يظهر أن المجلس التركي يحركه البراجماتية، التي تركز على الاقتصاد بدلا من المثالية العرقية.

وقال مسؤول تركي مطلع إن "الديناميكيات العالمية تتطلب من الدول التركية إضفاء المزيد من الطابع المؤسسي على شراكتهم من أجل تحقيق المصالح المشتركة، كما أن تحديات الفترة المقبلة لا يمكن تجاوزها إلا من خلال تضافر تلك الدول التي حققت قدرا كبيرا من التماسك الثقافي والاقتصادي، وإلى حد ما، التماسك السياسي".

ومع ذلك، فإن المنطقة التي توجد بها دول "المجلس التركي" يُنظر إليها على أنها الفناء الخلفي لروسيا والصين.

ويعني ذلك أن مستوى أعلى من التعاون الأوثق في مشاريع الاقتصاد والنقل والبنية التحتية سينظر إليه بالتأكيد على أنه خطر من قبل روسيا والصين.


وتريد روسيا والصين الاحتفاظ بالسيطرة على آسيا الوسطى وتعارضان ظهور قوة أخرى في المنطقة.

وبالرغم من تأكيد دول "المجلس التركي" أن إضفاء الطابع المؤسسي على المجلس لا يهدف إلى تحدي روسيا والصين، فمن غير المرجح أن تقتنع القوتان الكبيرتان بذلك.

وفي الوقت الذي تعامل فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي روسيا والصين كمنافسين، يمكن لحكومة "أردوغان" أن ترى في عملية إضفاء الطابع المؤسسي على "المجلس التركي" ورقة رابحة في علاقاتها مع إدارة "جو بايدن".

كما أن هذه القضية ذات أهمية داخلية بالنسبة لـ"أردوغان"، الذي يكافح من أجل تعزيز الدعم الشعبي له وسط مشاكل اقتصادية عميقة.

وقد تجلب الموضوعات القومية التركية المزيد من المكاسب السياسية.

وبالمثل، فإن فكرة كون تركيا القوة الدافعة للعالم التركي يمكن أن تكون أداة مفيدة في تشكيل جبهة يمينية متجانسة على الساحة السياسية المحلية.

ومع ذلك، فإن إحجام الدول التركية عن الاعتراف بجمهورية شمال قبرص التركية يظل أهم مؤشر على الطبيعة البراجماتية لـ"المجلس التركي". ولم يتضح بعد كيف سيكون رد فعل موسكو وبكين على جهود إضفاء الطابع المؤسسي على هذا الكيان.

المصدر | متين جوركان/ المونيتور- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

التعليقات (0)