إبراهيم نواريكتب: المشروع الفلسطيني في مفترق طرق بين خيارات الدولة والمقاومة والحكم الذاتي

profile
  • clock 20 سبتمبر 2023, 1:13:24 م
  • eye 495
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يواجه الفلسطينيون، بصرف النظر عن انقساماتهم السياسية منعطفا تاريخيا خطيرا، من المرجح أن يحدد مسار قضيتهم لعقود طويلة مقبلة. ومع تحول التطبيع بين السعودية وإسرائيل إلى خطوات عملية على الأرض، ما يؤسس لأن يكون «إعلان التطبيع» مجرد تقنين للأمر الواقع، فإن وجود الرياض والقاهرة داخل محور «التعايش والتطبيع» من شأنه أن يكسر إلى حد كبير محور «المقاومة والصراع». المنعطف التاريخي الذي نشير إليه ليس افتراضا نظريا، أو ساحة لجدل سياسي، أو أكاديمي، وإنما هو واقع جديد، يتشكل وينشأ وينمو يوما بعد يوم. وعلى الرغم من أن مشروع «المقاومة» يوجد هو الآخر على الأرض في صور متعددة فلسطينيا وإقليميا، من خلال الدعم الإيراني وقوة حماس والجهاد الإسلامي في غزة، ونفوذ كل منهما في الضفة الغربية، وقوة حزب الله في لبنان، فإن تأثير هذا المشروع في توسيع شرخ الانقسام الفلسطيني، أكبر من تأثيره في إضعاف استراتيجية الردع الإسرائيلية. ومع أن مشروع «المقاومة» سابق على مشروع «التطبيع»، إلا أن عملية بناء واقع جديد وحقائق فعلية على الأرض تسير في اتجاه تكريس سياسة التعايش والتطبيع. ويزيد من خطورة هذا المنعطف التاريخي حالة انسداد المجال العام في وجه أي حراك سياسي ديمقراطي فلسطيني، سواء في الضفة الغربية، أو في قطاع غزة منذ انتخابات يناير 2006.

العلاقات بين الفلسطينيين

في نهاية يوليو الماضي استضافت مدينة العلمين، العاصمة الصيفية الجديدة لمصر، جولة جديدة من جولات البحث في مصالحة تاريخية بين الفصائل الفلسطينية كافة. هذه الجولة، التي شارك فيها 11 فصيلا منها، فتح وحماس، وقاطعتها 3 فصائل أخرى هي الجهاد الإسلامي، والصاعقة، والجبهة الشعبية – القيادة العامة، لم تسفر عن اتفاق يذكر، لكنها اتفقت على تشكيل لجنة من الأمناء العامين للفصائل للنظر في ملفات الخلافات، وإيجاد حلول لها، وهو قرار يعني إبقاء الوضع على ما هو عليه. ولا شك في أن الخلافات بين فتح وحماس هي مركز الخلافات بين الفلسطينيين أنفسهم، ومن ثم فإن البحث عن مصالحة بين فتح وحماس من شأنها إنهاء الانقسام الرئيسي بين الفلسطينيين أنفسهم، وتمهيد الطريق لبناء موقف موحد، مع هامش متفق عليه للمناورة السياسية يسمح بتحقيق أكبر مكاسب ممكنة للشعب الفلسطيني.
وتتطلب المصالحة بين فتح وحماس، فتح المجال لحراك سياسي ديمقراطي في كل أوساط الشعب الفلسطيني، من دون تقرير نتائج هذا الحراك مسبقا، وإدارته بالطريقة التي تحقق النتائج المقررة سلفا. إطلاق الحراك السياسي الفلسطيني يمثل احتياجا جوهريا في الوقت الحاضر، نظرا لخطورة الخيارات التاريخية المطروحة، التي أصبحت مقدمة على جدول أعمال السياسة في الشرق الأوسط عموما، وليس في ما يتعلق بمستقبل الفلسطينيين فقط. ويتطلب إطلاق الحوار السياسي توفر شرطين أساسيين:
الشرط الأول هو أن تكف قيادة كل من فتح وحماس عن الاعتقاد بأن لعبة السياسة بينهما هي لعبة صفرية، وأن أي انتصار لواحدة منهما هو هزيمة للأخرى، أو خصما من قوتها. اللعبة الصفرية في إدارة السياسة الفلسطينية تعمق الانقسامات وتؤدي في نهاية الأمر إلى إضعاف الشعب الفلسطيني وإرادته.

البحث عن مصالحة بين فتح وحماس من شأنها إنهاء الانقسام الرئيسي بين الفلسطينيين أنفسهم، وتمهيد الطريق لبناء موقف موحد، ويسمح بتحقيق أكبر مكاسب ممكنة للشعب الفلسطيني

أما الشرط الثاني لإطلاق الحراك الفلسطيني فهو إجراء الانتخابات الفلسطينية. إن تجميد حالة المجلس التشريعي الفلسطيني على الوضع الذي جاءت به انتخابات 2006 يعني سلب إرادة الشعب الفلسطيني لصالح فرض سلطة الفصائل، واستمرار السلطة الوطنية الفلسطينية على تكوينها الراهن، الأمر الذي يضعف شرعيتها، ويقلل نفوذها وفاعلية سياساتها. وتظهر استطلاعات الرأي بشكل عام تضاؤل نفوذ السلطة في الضفة، خصوصا في الشمال، كما تظهر انخفاضا حادا في مستوى الثقة السياسية المتبادلة بين المواطنين والسلطة. ولا شك في أن إسرائيل لها مصلحة مؤكدة في عدم انتشار النفوذ السياسي لحركة حماس خارج غزة إلى الضفة الغربية. وقد كانت الانتخابات موضوعا لحوارات كثيرة في القاهرة بين الفصائل الفلسطينية، لكن أفق إجرائها ما يزال مسدودا حتى الآن. ومع استمرار الانقسام فإن إرادة الشعب الفلسطيني ستظل مهددة وضعيفة، بينما يزيد إلحاح اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بخيارات تاريخية فاصلة.

إسرائيل والمعضلة الفلسطينية

تواجه إسرائيل معضلة كبرى في علاقاتها مع الفلسطينيين، وقد تتجاوز هذه المعضلة حدود العلاقات مع الفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق المحتلة والخارج إلى «الفلسطينيين – الإسرائيليين» الذين يشكلون ما يقرب من 20 في المئة من السكان ويتمتعون بحقوق التصويت والترشح في الانتخابات العامة والبلدية في إسرائيل. وتسير هذه العلاقات على حبلين مشدودين يمثل كل منهما خطاً أحمر. الأول هو رفض إقامة دولة فلسطينية، لأن ذلك يمثل تهديدا وجوديا للدولة اليهودية، والثاني هو رفض قيام دولة ثنائية القومية للسبب نفسه، بين هذين الحبلين تواجه إسرائيل معضلة علاقاتها بالفلسطينيين. تحت عنوان «إسرائيل والمعضلة الفلسطينية» كتب كوبي ميشيل، وتامير هايمان، وأوري ويتمان مقالا في مجلة «الأمن القومي» التي يصدرها معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب «Strategic Assessment» في يوليو الماضي، يناقش فيه الخبراء الثلاثة المعضلة التي تواجهها إسرائيل في إدارة علاقاتها مع كل من السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية، وسلطة حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في غزة. وتعتبر إسرائيل أن تقوية السلطة الفلسطينية تعني إضعاف حماس، وأن تقوية حماس تعني إضعاف السلطة. لكن المستوى الثاني لتداعيات إضعاف السلطة، أو حماس يرتبط بنظام الردع الإسرائيلي العسكري والسياسي. ففي حال إضعاف حماس، تزيد القوة السياسية للسلطة الفلسطينية، وهو ما يؤهلها للانتقال من مجرد كونها إدارة للحكم الذاتي، تحت سيادة فعلية إسرائيلية، إلى نواة لإقامة دولة فلسطينية، وهو خط أحمر ترفضه إسرائيل. جزء من المعضلة الإسرائيلية في العلاقات مع الفلسطينيين، هو إنها ترفض أيضا استيعاب الفلسطينيين، لأن ذلك يعني إقامة دولة ثنائية القومية. ولم ينتبه الكتاب الثلاثة إلى أن كل محاولات إضعاف حماس بضرب بنيتها العسكرية التحتية واغتيال قياداتها، أدت عمليا إلى زيادة شعبيتها ونفوذها، ليس في غزة فقط، بل في الضفة الغربية أيضا. وعلى الجانب الآخر يقول الخبراء الثلاثة إن إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية يؤدي عمليا إلى زيادة قوة سلطة حماس في غزة واتساع نفوذها السياسي، وهذا من شأنه تقريب إيران من تحقيق هدفها لحصار إسرائيل من جبهات متعددة بواسطة حزب الله في الشمال وحماس والجهاد الإسلامي في الشرق والجنوب. ويعتقد الخبراء الذين ينتمون إلى تيار الوسط الإسرائيلي، أن الحكومة الإسرائيلية الحالية ليست مؤهلة لاتخاذ خطوات لتقوية السلطة الوطنية الفلسطينية، وتعزيز دورها في مجالي إدارة شؤون الحياة اليومية للفلسطينيين والتنسيق الأمني مع إسرائيل. ومن ثم فإنهم يفترضون أن تشكيل «حكومة وحدة وطنية» يمثل ضرورة لوضع إطار سياسي استراتيجي للعلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين. كما يخلصون إلى أن وضع السلطة الوطنية الفلسطينية مهزوز جدا، ومن المشكوك فيه إعادتها إلى موقع قوة مع استمرار الظروف الحالية، ويتفقون على أن أي إجراءات لتقوية السلطة الفلسطينية، يجب أن تسبقها ضربات لإضعاف حماس، من خلال تدمير بنيتها العسكرية التحتية، وهو أمر تتفق عليه كل حكومات إسرائيل.

مطالب السلطة الفلسطينية

خلال المحادثات التي جرت في أوائل الشهر الحالي، وحسب شبكة «بي بي سي»، التقى فريق يمثل السلطة الوطنية الفلسطينية، يضم رئيس المخابرات ماجد فرج، وحسين الشيخ، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير مع مستشار الأمن الوطني السعودي الدكتور مساعد بن محمد العيبان، في إطار الدبلوماسية المكوكية الجديدة في الشرق الأوسط التي تقودها الولايات المتحدة، من أجل تحقيق اختراق تاريخي في عملية دمج إسرائيل إقليميا. وطبقا لما ذكره مسؤول فلسطيني كبير مطلع على المناقشات» في تصريحات لشبكة «بي بي سي»، فإن الوفد الفلسطيني أطلع السعودية والولايات المتحدة على خمسة شروط تضعها السلطة لتأييد التطبيع بين السعودية وإسرائيل.
الشرط الأول، هو نقل أجزاء من الضفة الغربية (المنطقة ج) الخاضعة حاليا للسيطرة الإسرائيلية الكاملة إلى حكم السلطة الفلسطينية. والشرط الثاني هو «وقف تام» للتوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية. أما الشرط الثالث فيتعلق باستئناف الدعم المالي السعودي للسلطة الفلسطينية، والذي تباطأ منذ عام 2016 وتوقف تماما قبل ثلاث سنوات. الشرط الرابع يطالب بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس. ويطالب الشرط الخامس باستئناف المفاوضات التي توسطت فيها الولايات المتحدة بين إسرائيل والفلسطينيين من حيث توقفت في عهد وزير الخارجية آنذاك جون كيري في عام 2014. هذه الشروط لم تتضمن المطالبة بالاتفاق على مبدأ حل الدولتين، ولا على وقف تغيير الواقع في القدس الشرقية، لكنها تفتح الباب لمبدأ إمكان تبادل الأراضي بين الطرفين طبقا لما نصت عليه خطة ترامب.

كاتب مصري


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)