- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
أهمية سواحل مكران الاستراتيجية لمحور الصين وباكستان القادم
أهمية سواحل مكران الاستراتيجية لمحور الصين وباكستان القادم
- 16 أغسطس 2021, 6:49:35 م
- 981
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
نشرت صحيفة “جهان صنعت” الاقتصادية تقريرا مطولا يستند لتقرير أعدته مؤسسة “تدبير اقتصاد” عن أهمية منطقة تشابهار الواقعة على سواحل مكران جنوب شرقي إيران، فشرحت مميزات هذه المنطقة التي تجعلها مكانا لمعادلة تنافس اقتصادي وتجاري بين أطراف دولية.
لسواحل منطقة مكران أهمية بالغة على المستوى الدولي، فهي التي تتوضع جنوب شرقي إيران وجنوب غربي باكستان وعلى امتداد ساحل بحر عمان، وتكمن أهميتها في كونها منطقة آمنة رغم زيادة التوتر في الشرق الأوسط، وفي هيمنتها على أهم طرق نقل الطاقة.
وعلى صعيد آخر، فإن اتصال خليج عمان وميناء تشابهار على الساحل الشرقي لمكران بممر العبور الدولي الشمالي الجنوبي يلعب دورا في مرور البضائع لشرق إيران ودول آسيا الوسطى.
وقد أدّى اتصال ميناء تشابهار بالمياه الحرة لتطلُّع دول آسيا الوسطى، الهند، الصين، أفغانستان ودول أوروبا لاستغلال هذا الميناء في نقل بضائعهم، إلى جانب وجود مؤهلات بيئية وطبيعية واقتصادية وموانىء مناسبة للعبور والشحن وإمكانيات لتسهيل عبور البضائع لدول آسيا الوسطى والقوقاز وحتى روسيا، كل ذلك جعل تلك البقعة موضع اهتمام وتنافس بين القوى الفاعلة في آسيا كالصين والهند وأميركا.
استراتيجية الهند في مكران
ترى الهند في مشروع تطوير ميناء تشابهار أهمية حيوية وجيوسياسية، فالهند بكونها صاحبة اقتصاد حديث الظهور تبذل جهودًا ضخمة للوصول إلى الممرات الدولية ولتأمين عبور سلعها، وبالنظر إلى المشاكل السياسية بين الهند وباكستان، يعتبر تشابهار خيارا مناسبا لنيودلهي.
وبالإمكان تلخيص الأهداف الرئيسية لحضور الهند في ميناء تشابهار بالتالي:
- المنافسة مع الصين وباكستان
- التوسع التجاري والسيطرة على السوق ومنابع الطاقة خاصة في أفغانستان وآسيا الوسطى
- الاتصال والارتباط الإقليمي بأوراسيا وآسيا الوسطى
- استمرار النفوذ في أفغانستان ولجم نفوذ باكستان فيها
- تحقيق مشروع “طريق القطن” كثقل يوازن حلقة الصين وباكستان وطريق الحرير
- اقتصاديًا، يتيح تطوير تشابهار للهند فرصة الارتباط بدول آسيا الوسطى وأفغانستان وروسيا، كما يهيئ لها إمكانية تطوير علاقات تجارية مع أفغانستان من خلال الالتفاف على باكستان عبر ممر الشمال-الجنوب، وتصدير سلعها عبر أفغانستان إلى دول آسيا الوسطى وهي دول حبيسة.
من غير الممكن تقييم استراتيجية القوى العظمى في سواحل مكران دون النظر إلى تطورات ميناء جوادر الباكستاني، كما أن الصين التي تحوّلت إلى قطب من الأقطاب الاقتصادية في العالم، تسعى من خلال التنافس الشديد مع الهند إلى الهيمنة على أسواق آسيا الوسطى.
تسببت حاجة الصين للطاقة وتصدير سلعها من خلال محور الترانزيت الشرقي باستثمارها في “جوادر”، الذي يقع جنوبي ولاية بلوتشستان الباكستانية التي تبعد عن الحدود الإيرانية 70 كيلومترا، ليس لأنه يلبي رغباتها التجارية وحسب، بل لأنه سيمنحها فرصة لمراقبة السيادة العسكرية الأميركية على المنطقة.
وتتلخص أهداف الصين الرئيسية في “جوادر” بالتالي:
- السعي لتجهيز رابط بري مع أوروبا والاستفادة من ممر الشمال-الجنوب
- كسب قوة ردع لمواجهة تحكم وسيطرة أميركا على مصادر الطاقة في الشرق الأوسط
- تعويض خطر الحرمان من النقل البحري خاصة في الممرات الحساسة مثل مضيق ملقا وهرمز، فترغب الصين في الوصول إلى مياه الخليج وبحرعمان والمحيط الهندي دون استخدام مضيق ملقا واستغلال مناطقها الجنوبية
- تعزيز القوة الاقتصادية في النقاط العالمية الاستراتيجية ولاسيما ميناء جوادر
- ربط مناطق الصين الغربية بالأسواق العالمية
- تسعى الصين للاستفادة عسكريا عن طريق إيجاد قاعدة عسكرية والاستفادة من الإمكانيات البحرية والساحلية في ميناء جوادر
- تقصير مسار واردات النفط من إيران ومنطقة الخليج
- الاستفادة من مساحة باكستان للتفوق على منافسيها الهند وأميركا
ووفقًا لأحدث المعلومات الباكستانية، بدأ استثمار الصين في ميناء جوادر عام 2015 بقيمة 46 مليار دولار ومن المقرر ارتفاع المعدل 12 مليار دولار بحلول 2030
وتسببت النفقات المرتفعة للنقل للصين من ناحية، ومخاوفها بشأن تشكيل أميركا لتحالف ضدها واحتمال محاصرة الدول المنافسة لها مثل اليابان والهند لبحر الصين من ناحية ثانية، بأن تبحث الصين عن حل للتخلص من هذا الوضع، ويبدو أن “جوادر” الخيار المنطقي الوحيد للالتفاف على عقوبات واشنطن وللوصول للمياه الخليجية التي تعد الممر الأهم لتأمين الطاقة التي تحتاجها.
ومع تطبيق مشروع ممر الصين-باكستان، ستصبح الصين قادرة على تخفيض تكاليف نقل النفط إلى ثلث التكلفة الحالية، وستسهل الوصول لمصادر الطاقة، لكن المشروع يواجه مشكلات عدة، أغلبها تتعلق بالمشكلات الداخلية لباكستان، من قبيل عدم وجود بنى تحتية للنقل وضعف الإمكانيات التجارية والصناعية المرتبطة بها، لكن المشكلة الرئيسية للصين في “جوادر” تتعلق بانعدام الأمن في هذا الميناء، فضلا عن أن الوضع الأمني على حدود باكستان مع أفغانستان وإيران والهند غير مناسبة، نظرًا لأن هذه المناطق تشهد صراعات متكررة بين الأهالي والحكومة المركزية، وقد تسببت الصراعات العرقية والطائفية في باكستان بعدم شعور المستثمرين الاقتصاديين بالطمأنينة.
كما تحول وعورة الطرق الجبلية في كشمير دون إنشاء الطرق وخطوط النفط والغاز، وعلى الرغم من هذه المشكلات، لم تصرف الصين النظر عن تطوير جوادر، وأعربت خلال العام الماضي عن رغبتها في الاستثمار في ميناء تشابهار الإيراني، وقربه من ميناء جوادر الباكستاني بمسافة 70 كيلومتر، يؤشر إلى المنافسة الاستراتيجية بين الهند والصين في المنطقة.
وتعتمد باكستان على استثمار الصين في ميناء جوادر، وتتلخص أهداف باكستان في ميناء جوادر في:
- إيجاد بنية تحتية للنقل والاتصالات وعبور السلع لأجل التنمية الإقليمية
- إخراج الأنشطة الاقتصادية والتجارية لباكستان من احتكار ميناء كراتشي وإيجاد ميناء اقتصادي آخر
- إنشاء قاعدة عسكرية وتجهيز القوى البحرية الباكستانية من خلال تعزيز العلاقات الأمنية والعسكرية مع الصين إنشاء خط أنابيب نفط وغاز من ميناء جوادر إلى محافظة سين كيانغ الصينية
- ترسيخ العلاقات مع منطقة الخليج وأداء دور في سوق النفط العالمي
لا شك أن التغييرات في عملية التنمية في جوادر أو تشابهار، يجعل كل منهما يؤثر على الآخر، وفي حال أدت الاستثمارات الصينية في ميناء جوادر إلى تحوّله إلى ميناء ضخم على سواحل مكران، فهذا سيشكل تهديدا لميناء تشابهار، وبإمكانه تضييع فرص العبور والشحن للميناء، كما أن جوادر سيضع أفغانستان وآسيا الوسطى في متناول الصين دون الحاجة إلى الطرق الإيرانية، وهو ما سينهي المكانة الاستراتيجية لإيران بالتالي.
وعلى الرغم من التهديدات المذكورة، يعتقد بعض الخبراء أنه يتعين النظر إلى جوادر على أنه مكمّل لتشابهار بدلًا من اعتباره منافساً له، إذ أن انعدام الاستقرار والأمن في باكستان له آثار سلبية كثيرة على إيران، وستحمل التنمية الاقتصادية في باكستان مصالح للمناطق الشرقية من إيران.
وفي ظل أنه من المتوقع ألا تحل الأزمة الأفغانية قريبًا، فمن الممكن أن يكون طريق إيران إلى آسيا الوسطى جذّابا للصينيين باعتباره مكملاً لجوادر، ومن خلاله يمكن تطوير التعاون مع الصينيين عن طريق هذا الميناء، لكن من ناحية أخرى يعتقد بعض الخبراء أن اتصال تشابهار وجوادر يسلب استقلالية تشابهار، فهذا الميناء الأخير بمثابة نقطة ارتكاز بيد إيران، تستطيع استخدامها في القضايا السياسية والأمنية والتجارية، وبالتالي يتوجب على الجهاز الديبلوماسي في البلاد أن يعي أنه لا يجب التضحية بتشابهار مقابل توثيق العلاقات الودية مع الهند وباكستان.
أهمية استراتيجية لسواحل مكران لأميركا
إنَّ الحد من قوّة الصين يمثل أحد العناصر الرئيسية في سياسية أميركا الخارجية، وتعتبر الهند إحدى الأدوات الأميركية لتقييد الصين، فمن بين دول المنطقة يعد الخلاف بين أميركا والهند من الناحية الاقتصادية والسياسية هو الأقل، ومن هذا المنطلق تدعم أميركا تعزيز نفوذ الهند في أفغانستان وحتى استثمارها في ميناء تشابهار في إطار إيجاد استقرار في أفغانستان، بهدف تقييد الصين.
كما أن منح الولايات المتحدة للإعفاء الخاص بتشابهار يمكن قراءته في إطار السياسة الخاصة بأميركا في المنطقة وتنافسها مع الصين، وبحال شكّلت إيران والهند وأميركا مثلثًا، فيمكن اعتبار أن الضلع الممتد بين (الهند وأميركا) والآخر الممتد بين (الهند وإيران) بأنه يتميز بصلات عميقة، إلا أن الضلع الأميركي الإيراني يسوده الخلاف.
وفي ظل هذا الموضوع، فمن الممكن الاستفادة من المواجهة والتوازن بين القوى العظمى -أي بين تضامن أميركا والهند من جانب، ومواجهة أمريكا والهند للصين من جانب ثان- في توفير فرصة مناسبة لإيران كي تستغل قدرات الدول المختلفة لتطوير سواحل مكران وميناء تشابهار كمكون رئيسي في هذه المنطقة.
كما تجدر الملاحظة أنه حين تتنافس الدول فهذا يعني وقوع احتمال عدم الاستقرار في تشابهار، وهذا بالتالي قد يمنع النمو الاقتصادي.