- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: إيران خطوات متثاقلة في مسار نووي طويل.
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: إيران خطوات متثاقلة في مسار نووي طويل.
- 27 أكتوبر 2022, 1:12:01 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
شهد عامي 2013-2015، جولات تفاوض مضنية، بين إيران والقوى الكبرى، بُغية التوصل إلى اتفاق نووي، والذي أُبرم في 14 تموز / يوليو 2015. لكن قبل توقيع الإتفاق، تصاعدت حدة الهواجس الدولية، وارتفع منسوب القلق الغربي، إزاء ما تقوم به إيران من أنشطة نووية، خاصة مع وصول الأخيرة إلى إمكانيات تخصيب تصل حتى نسبة 20%. الأمر الذي دفع المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، تحت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، إلى الجلوس على طاولة المفاوضات بسبب الخشية من توصل إيران إلى سلاح نووي، بل وتقديم تنازلات لها تمثلت في الإفراج عن مليارات الدولارات في الخارج.
لكن ضمن ذلك، وعلى الجانب الآخر، فقد شكلت العقوبات الغربية والأممية بوجه عام، ورقة الضغط الرئيسية لدى المشاركين في المفاوضات آنذاك، لدفع إيران قُدمًا للانخراط في مفاوضات تقود إلى اتفاق نووي، الأمر الذي أوتي ثماره، عبر توقيع إيران على الإتفاق النووي 2015.
في مرحلة لاحقة، ومع خروج الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي في 2018، صُدمت إيران، لكن بذات التوقيت، فقد انتزعت طهران من المجتمع الدولي، ورقة إثبات دولية، تمحورت حول إمكانية الوصول إلى مستويات تخصيب مُقلقة، وبمرور الوقت، خاصة بعد خروج واشنطن من الاتفاق النووي في 2018، تغيرت معادلة الضغط النووية، وتحركت بعض قطع لعبة الشطرنج التي يمسك بزمامها الإيرانيون والقوى الغربية المنخرطة في المفاوضات، الأمر الذي ألقى بظلاله تأثيراته على المفاوضات التي انعقدت خلال العام المنصرم 2021، بجولاتها السبع في فيينا.
حقيقة الأمر، هناك توافقات غير معلنة بين واشنطن وطهران، حيال استمرار جولات التفاوض، الأمر الذي يكشف عن وجود قناعة لدى الطرفين ومعهما الأطراف الدولية المشاركة في التفاوض، على ضرورة التسريع في الوصول إلى نتائج نهائية، تعيد إنتاج الاتفاق النووي، وتحدّ من المسار التصاعدي الذي بدأته طهران في عمليات تخصيب اليورانيوم، وتقطع الطريق على اقترابها من العتبة النووية عمليًا، بعدما استطاعت من خلال الانتقال إلى خطوة التخصيب بمستوى 60 في المئة الوصول إلى هذه العتبة نظرياً.
في ذات الإطار، ثمة إشارات متكررة أرسلتها الولايات المتحدة، لجهة استعدادها ورغبتها بالتفاوض المباشر مع إيران خلال الفترة السابقة، لكنها إشارات لم تلقَ رد فعل من جانب الإيراني، على الرغم من أن المرشد الأعلى أعطى الضوء الأخضر لمثل هذه الخطوة في حال اقتضت الضرورة ذلك، عندما أكد أن إيران لن تهدر أيَّ فرصة للتفاوض من أجل الخروج من العقوبات الاقتصادية الخانقة، لكن تبقى الاثمان السياسية ما يُقلق طهران، والمحكومة بحتميّة الجلوس مع الأميركي وجهاً لوجه، سواء في إطار السداسية الدولية، أو بشكل مباشر وثنائي.
الموقف الذي أعلنه وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، حول الإمكانية الجدية للتفاوض مع واشنطن، سواء من خلال عودتها إلى التفاوض الطبيعي في إطار مجموعة "5+1"، أو التفاوض المباشر على هامش هذه المجموعة، يحمل مؤشراً واضحاً على التقدم الذي حققته مفاوضات فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي، إلا أن طهران تُدرك أن الرغبات الأمريكية، لا تقف عند حدود إحياء الاتفاق النووي، بل ترتبط تلك الرغبات، بطابع سياسي محضّ، تتعلق بالدور الإيراني في منطقة غرب آسيا.
كل ذلك يأخذنا مباشرة إلى استنتاجات تؤكد سعي إيران، لتأطير المفاوضات النووية في مستوى مساعدي وزراء الخارجية والخبراء القانونيين والتقنيين، لكن ذلك لن يحقق الهدف الإيراني، بالتوصل إلى إتفاق نووي جديد، ليبقى مشهد التفاوض المباشر مع واشنطن، ماثلا وبقوة أمام صانع القرار الإيراني، ودون ذلك، سيبقى احتمال فشل أو انهيار المفاوضات، أكثر تحققًا، وهذه المخاوف هي التي تساعد على فهم كلام عبد اللهيان عندما قال إن "الأمل في أن ننتقل إلى مرحلة التنفيذ من خلال هذا المستوى التفاوضي، وألّا تكون هناك حاجة للقاءات على مستويات عالية، لكننا سنتخذ القرار بأي خطوة بالتناسب مع التقدم في المفاوضات".
كل ما سبق، يؤكد بأن طهران ستكون أمام خيارين، إما الذهاب إلى التفاوض السياسي المباشر مع واشنطن، أو المقامرة بكل المسار التفاوضي في فيينا، وإطاحة إمكانية رفع العقوبات الأمريكية بشكل كامل عن طهران، الأمر الذي يعني، بأن استمرار طهران بالتمسك بسياسة المماطلة في الذهاب إلى خيار التفاوض المباشر مع واشنطن، سيكون له تأثيرات على مسار المباحثات النووية.
مما سبق يتضح جليًا، أن طهران وجراء تعقيدات المسار النووي، تحاول إمساك العصا من الوسط، والتقدم في المسار النووي، بالاعتماد على جزئيتي التفاوض السياسي وربطه بالتفاوض النووي، لكن رغم ذلك، قد لا يكون المسار النووي سالكًا، خاصة أنَّ إظهار واشنطن لليونة التفاوضية، لا يعني اطلاقًا تقديم تنازلات سياسية من قبل الإدارة الأمريكية، فالمسار السياسي الذي تُعبده واشنطن، تؤطره شاخصات أمريكية واضحة، تتعلق بالتفاوض المباشر، وبالتالي، فإن أيَّ رفض إيراني لهذا المسار، قد يضع المفاوضات حول العقوبات وإعادة إحياء الاتفاق النووي في مهب الريح، فالربح الإيراني بحده الأدنى المتمثل في إلغاء العقوبات الاقتصادية وإعادة إحياء الاتفاق، لن يكون على حساب الخسارة الأميركية في فتح مسار التفاوض السياسي على مختلف الملفات الإقليمية.