- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
أحمد عسكر يكتب: لماذا تزايد العداء بين مالي والدول الغربية؟
أحمد عسكر يكتب: لماذا تزايد العداء بين مالي والدول الغربية؟
- 22 أغسطس 2022, 7:01:53 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أنهت قوة برخان الفرنسية مهمتها في مالي بعد انسحاب آخر وحدة عسكرية من منطقة جاو شمال البلاد، في 15 أغسطس الجاري، وهو ما تزامن مع قرار وزارة الدفاع الألمانية، في 12 أغسطس الجاري، تعليق مهام قواتها العسكرية المنضوية تحت لواء بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) حتى إشعار آخر؛ وذلك بعد رفض السلطات المالية استخدام إحدى الطائرات الألمانية التي تحمل قوات ألمانية مجالَها الجوي. وهو ما يكشف حجم التعقيدات التي تشوب العلاقات بين مالي والغرب خلال العامين الأخيرين نتيجة جملة من الإجراءات المُتبادَلة من الطرفين التي عززت حالة العداء لدى الرأي العام المالي تجاه الدول الغربية؛ الأمر الذي يمثل تحدياً كبيراً أمام مستقبل التعاون الدولي والإقليمي في سبيل تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي في منطقة الساحل والصحراء.
مؤشرات دالَّة
تعكس جملة من المؤشرات تنامي العداء بين مالي والدول الغربية مع صعود المجلس العسكري المالي للسلطة في مايو 2021، وتتمثل أبرزها في:
1– معاداة الغرب للمجلس العسكري المالي الحاكم: فقد أدان “جان إيف لودريان” وزير الخارجية الفرنسي السابق، في فبراير 2022، قادة المجلس العسكري المالي الحاكم، ووصفهم بأنهم غير شرعيين وخارجون عن السيطرة، وهي الإدانة التي جاءت ردًّا على طرد مالي نحوَ 90 جندياً دنماركياً كانوا قد وصلوا للانضمام إلى بعثة تاكوبا الأوروبية في المنطقة؛ ما اعتبرته السلطات المالية تصريحات عدائية ضدها، وهو ما دفعها إلى طرد السفير الفرنسي لدى باماكو، كما وجهت السلطات المالية انتقادات إلى القوى الأوروبية، واتهمتها باستعراض قوتها الاستعمارية في البلاد. ودعا “عبد الله ديوب” وزير الخارجية المالي، باريس إلى ضبط النفس واحترام مبدأ عدم التدخُّل في شأن بلاده الداخلي.
وفي تطور لافت، أنهت مالي – من جانب واحد – معاهدة الدفاع المشترك مع فرنسا في مايو 2022 بسبب انتهاكات للسيادة الوطنية المالية؛ حيث اتهم المجلس العسكري المالي القوات الفرنسية بالتجسُّس والتخريب في البلاد، واتهم باريس بانتهاك المجال الجوي في مواقف عدة منذ يناير 2022؛ ما يعني إنهاء مهام قوتَي برخان الفرنسية، وتاكوبا الأوروبية لمكافحة الإرهاب.
2– توالي الإجراءات الغربية العقابية ضد مالي: تزعمت فرنسا ممارسة المزيد من الضغوط على المجلس العسكري المالي الحاكم بالتنسيق مع شركائها الأوروبيين؛ من أجل الإسراع في إنهاء المرحلة الانتقالية في البلاد والانتقال إلى الديمقراطية – حسب وصفها – التي كان مقرراً انتهاؤها في عام 2026 قبل تأخيرها إلى عام 2024؛ إذ ضغطت باريس على دول الاتحاد الأوروبي من أجل سحب قواتها العسكرية ضمن قوة تاكوبا الأوروبية من مالي، والانسحاب من مهمة التدريب التابعة للاتحاد الأوروبي التي تُقدِّم المشورة للجيش المالي، خاصةً بعدما انسحبت قواتها من قواعدها في شمال مالي في فبراير 2022 وأعيد انتشارها في المنطقة انطلاقًا من النيجر.
وقد أعادت بعض القوى الغربية تقييم وضع قواتها في قوة تاكوبا الأوروبية وسط تدهور العلاقات مع المجلس العسكري المالي؛ حيث قررت الدنمارك في يناير 2022 سحب وحدتها من جنود النخبة من تاكوبا. وتخلَّت النرويج عن خطط نشر قوات لها في مالي ضمن بعثة مينوسما، كما أعلنت إستونيا عدم الاستمرار في مالي.
فيما هددت ألمانيا بالانسحاب من مالي إذ تأجلت الانتخابات المالية أربع سنوات أو أكثر. ووصفت وزيرة الدفاع الألمانية تعاون باماكو مع مجموعة فاجنر الروسية بغير المقبول على الإطلاق، وأن وجودها سيكون له نتائج عكسية على التنمية واحترام حقوق الإنسان وزعزعة الثقة بالسلطات المالية. واستبعدت بلجيكا نشر وحدة عسكرية مكونة من 250 جندياً في البلاد. كما فرض الاتحاد الأوروبي في فبراير 2022 عقوبات ضد خمسة أعضاء من المجلس العسكري الحاكم المالي؛ بسبب اتهامهم بالوقوف في طريق الانتقال السياسي الناجح في البلاد.
3– تزايد الانتقادات الغربية لانتهاكات حقوق الإنسان في مالي: وهو ما تعتبره السلطات المالية وسيلة ضغط عليها من أجل تقديم تنازلات للغرب، خاصةً فيما يتعلق بعلاقتها بمجموعة فاجنر الروسية؛ فقد علق الاتحاد الأوروبي في أبريل 2022 مؤقتاً مهمته التدريبية العسكرية في البلاد بسبب المخاوف الأمنية المتزايدة بعد صدور تقارير أفادت بسقوط مدنيين على يد القوات المالية بدعم من قوات فاجنر الروسية، كما أعرب أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، في يونيو 2022، عن غضبه بسبب هجوم إرهابي نفذته بعض العناصر الإرهابية أسفر عن مقتل 100 مدني، فضلًا عن التقارير التي تُصدرها الأمم المتحدة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في مالي.
4– إقدام فرنسا على تحريض “إيكواس” ضد مالي: لدى الرأي العام المالي إدراك بتورط باريس في تحريض الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) على ممارسة المزيد من الضغوط على باماكو من أجل التراجع عن تطوير العلاقات مع الروس، وتسريع إجراء الانتخابات الرئاسية لتسليم السلطة. وقد عزز ذلك اتهامُ السلطات الانتقالية الحاكمة لباريس بتوظيفها إيكواس أداةً للضغط وفرض العقوبات على مالي بهدف خنق الاقتصاد المالي وزعزعة الاستقرار في البلاد والإطاحة بالمؤسسات الانتقالية. وكانت مالي قد تعرضت لعقوبات إيكواس في يناير 2022 قبل قرارها رفع العقوبات الاقتصادية عنها في يوليو 2022 في محاولة لتحفيزها على الالتزام بخريطة الطريق حول انتهاء المرحلة الانتقالية بهدف تسليم السلطة في عام 2024.
5– تدهور العلاقات ببعثة مينوسما: ثمة توتر متصاعد بين الحكومة المالية والبعثة الأممية؛ بسبب تقييد حركة الأخيرة في البلاد، واتهاماتها المتكررة للقوات الحكومية المالية بالتورط في انتهاكات حقوق الإنسان هناك؛ الأمر الذي دفع الحكومة المالية إلى فرض العديد من القيود على عمل البعثة في البلاد خلال الشهور الماضية، مثل طرد نائب المتحدث باسم البعثة في أغسطس الجاري. وكانت وزيرة الدفاع الألمانية قد سبق أن اتهمت المجلس العسكري المالي بالتدخل في مهمة الأمم المتحدة ومحاولة عرقلة عمل البعثة الأممية، وهو ما يجعل السياق العام الذي تعمل فيه البعثة مفعماً بالأزمات والتوتر، لا سيما أن هناك حالة من الرفض لدى السلطات المالية تجاه وجود البعثة في البلاد، وهي الحالة التي انتقلت بدورها إلى الرأي العام المالي؛ الأمر الذي يفرض حالة من الضبابية والغموض حول مستقبل البعثة في ظل التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها في البلاد بالرغم من تجديد مهمتها لمدة عام مقبل.
دوافع تنامي العداء
ثمة عدد من الدوافع لتزايُد حالة العداء بين مالي والدول الغربية خلال الفترة الماضية، يمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو الآتي:
1– تزايد التقارب الروسي المالي: يسير التعاون بين باماكو وموسكو بسلاسة خلال الفترة الأخيرة، وهو ما يدلل عليه انتشار قوات فاجنر في البلاد وتقديم بعض المساعدات العسكرية للجيش المالي بجانب مساندة مالي لروسيا في الأمم المتحدة في الأزمة الأوكرانية. وهو ما يفاقم القلق الفرنسي والأوروبي من تنامي الدور الروسي في المنطقة، في ضوء المخاوف من استغلال موسكو ورقة الإرهاب للضغط على أوروبا ومساومتها بشأن بعض الملفات الشائكة بين الطرفين، مثل العقوبات الغربية على موسكو على خلفية تورطها في أوكرانيا.
2– تشويه الغرب صورة المجلس العسكري المالي: هناك غضب متصاعد لدى الحكومة الانتقالية المالية من تكرار الاتهامات الغربية للجيش المالي بالتورط في انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد بالتعاون مع قوات فاجنر، في محاولة لتأليب الرأي العام الداخلي على قادة المجلس، بالإضافة إلى تشويه السمعة الدولية للرئيس الانتقالي “أسيمي جويتا”، خاصةً أنه ربما يسعى إلى الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في البلاد.
3– التوجس من زعزعة الاستقرار الداخلي في مالي: يستمر الرفض الفرنسي والغربي للمرحلة الانتقالية في البلاد؛ ما ترتب عليه تزايد مخاوف المجلس العسكري الحاكم من احتمالية زعزعة تلك القوى أمنَ واستقرارَ البلاد، كما أن استمرار القوات الأجنبية في البلاد دون تحقيق أي نتائج جيدة في مجال مكافحة الإرهاب، ربما يعزز نفوذ التنظيمات الإرهابية في البلاد، وهو ما دفع رئيس الوزراء “شوجيل مايجا” إلى اتهام فرنسا بالتورط في تقسيم البلاد بسبب تدخلها العسكري في المنطقة، فضلًا عن مهاجمته قوة تاكوبا الأوروبية التي أسستها باريس.
4– رفض الوجود العسكري الأجنبي في البلاد: وذلك خاصةً بعدما أخفقت عمليتا برخان الفرنسية وتاكوبا الأوروبية في القضاء على التهديدات الأمنية في مالي ومخاطر التنظيمات الإرهابية هناك منذ انخراط القوات الفرنسية في البلاد في عام 2013؛ الأمر الذي ترتب عليه تنامي مشاعر السخط الشعبي تجاه القوات الفرنسية والأوروبية في البلاد، وخروج التظاهرات المطالبة بطردها من البلاد واستبدال القوات الروسية مكانَها لإحداث طفرة في مكافحة التنظيمات الإرهابية في شمال البلاد على غرار أفريقيا الوسطى.
5– إحداث تغيير في السياسة الفرنسية والأوروبية تجاه مالي: وذلك بتبني سياسة تعزيز المخاوف الأمنية لدى الأوروبيين في منطقة الساحل بهدف إجبارهم على تقديم تنازلات للمجلس العسكري المالي فيما يتعلق بتمديد المرحلة الانتقالية الحالية، وربما تخفيف حدة الانتقادات في حالة ترشح “أسيمي جويتا” للانتخابات الرئاسية، إضافة إلى تخفيف حدة الانتقادات الغربية الموجهة له رغبةً في تحسين صورته على الصعيدين الداخلي والدولي.
وإجمالًا، ربما يحافظ المجلس العسكري المالي الحاكم على ورقة تنامي حالة العداء بين مالي والدول الغربية باعتبارها ورقة رابحة يستطيع توظيفها جيداً في تعزيز نفوذه الداخلي، ويمكنه أن يساوم بها الغرب خلال الفترة المقبلة ما دام يمتلك حليفاً قوياً، وهو روسيا الطامحة إلى توطيد نفوذها في منطقة الساحل ومزاحمة القوى الأوروبية، لا سيما فرنسا، لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في أفريقيا ومناطق استراتيجية أخرى.
وهو ما قد يدفع بعض القوى الأوروبية إلى التحرر من المصالح الفرنسية وإعادة بناء علاقاتها بالسلطات الانتقالية في مالي، لا سيما في ضوء تنامي المخاوف الأمنية الأوروبية من تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية في الساحل، وما قد يترتب عليه من احتمال تمدُّده إلى العمق الأوروبي خلال المرحلة المقبلة.