أحمد عزالدين يكتب : تعويم القوارب الأمريكية الغارقة ..!

profile
أحمد عز الدين كاتب ومحلل استراتيجي
  • clock 28 مايو 2021, 2:59:25 ص
  • eye 963
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

(1)

لا أجد سندا موضوعيا واحدا لهذه الموجة العالية من التفاؤل الذي أخذت في غمر الشطآن العربية ، ببروز مواقف متغيرة للإدارة الأمريكية تجاه أوضاع الإقليم بشكل عام ، وتجاه القضية الفلسطينية بشكل خاص ، فما أحسبه أن السيد بايدن وإدارته ما يزالان عند الخطوط الأساسية الأولى لآخر وثيقة صدرت باسم الأمن القومي الأمريكي ، وعند موروث كامل تنفسته كافة الإدارات الأمريكية السابقة .

ومن المؤكد أن بايدن ليس بوش الأبن ، لكن المدهش أن تصريحات الأول تكاد أن تتطابق مع تصريحات الثاني ، قبيل الفتح الإستراتيجي لضرب العراق ، وكأنهما قد صدرا من آلة كاتبة واحدة ، سواء عن ( تأييد قيام دولة فلسطينية ) أو عن (حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ) بل إن الثاني كان يتحدث بوضوح عن تجميد الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية .

الثابت أنه في شهر فبراير 2003 ، قدمت أمريكا تلميحات لدول عربية بأنه لم يعد أمامها سوى الاندفاع لعمل عسكري ضد العراق ، مصحوبة بطلبات عن تخفيض مستوى المعارضة العربية المعلنة ، وعن احتواء الرأي العام المناهض لهذه الحرب ، وكان ذلك مشفوعا بوعد أمريكي واضح وقاطع بأن أمريكا ستتوجه فور انتهاء عملية غزو العراق ، إلى جهد رئيسي على صعيد القضية الفلسطينية للوصول إلى حل يتضمن قيام دولة فلسطينية ، بل لقد حدد الأمريكان سقفا زمنيا لذلك وهو آخر شهر مايو 2003 ، مع فترة سماح إضافية كان أمدها شهرا واحدا .

لقد كان هناك من صدّق ذلك ، واعتبره وعدا موثوقا ، وحين انتهى التدمير الإبداعي للعراق ، وتمددت الشهور ، وانزاح الموعد بعيدا ، قررت الدول الرئيسية التي تلقت الوعد ، أن توفد أحد وزراء خارجيتها إلى واشنطن للسؤال عن عدم تنفيذ الوعد بحل القضية الفلسطينية ، ووقع الاختيار على أحد وزراء خارجية دولة خليجية بحكم خبرته وعلاقته بالإدارة الأمريكية ، وحين طرح الوزير السؤال في قلب البيت الابيض ، تلقى إجابة صادمة ، كان مضمونها ( هل تظنون أن العراق قد هُزم وحده ، إن الدول العربية مجتمعة قد هُزمت معه ) 

(2)

لقد بدأت موجة التفاؤل في الصعود مصاحبة لتصريحات " بلينكن " عن حل الدولتين ، وهو حل ظل لغزا مغلقا على جانب ، وبحرا مفتوحا للسباحة الحرة بغير شطآن على جانب آخر ، وعلى امتداد عقود ، ثم ارتفعت موجة التفاؤل بعد تحركات واتصالات أمريكية مكثفة ورفيعة المستوى ، أثناء وبعد حرب الصواريخ التي طالت تل أبيب ، وأغلب المدن الإسرائيلية ، والتي تلت وتزامنت مع حرائق غضب وصدامات عنيفة ، كان قلبها داخل الخط الأخضر ، ورجعها القوي في الضفة الغربية ، أما صداها الواسع ، فقد تحول إلى شرار قابل لإشعال ملايين العرب في تخوم فلسطين وما حولها وما بعدها ، وكان ثقل التحرك الأمريكي مكافئا تماما لأعراض التصدّع الكبير ، الذي لحق بنظرية الأمن الإسرائيلية ، والتي تغيرت صورتها العامة من حائط صد غير قابل للاختراق ، إلى مصفاة بها كثير من الثقوب ، ومن يد حديدية قادرة على إنزال عقاب قاهر ورادع ، إلى يد حديدية قادرة على إنزال عقاب لا هو بالقاهر تماما ولا هو بالرادع كليا .

أما هدف التحرك الأمريكي وغايته الكبرى ، بكل طاقة دفعه ، فهو الوصول إلى تهدئة ودفع هذه التهدئة إلى أقصى مساحة زمنية ممكنة ، ثم عزل الحالة الفلسطينية المستجدة ، عن الحالة الإقليمية العامة ، ثم تفتيت الحالة الفلسطينية وعزل عناصرها الرئيسية عن بعضها .

لقد تم ضبط إسرائيل في حالة أقرب إلى الانكشاف الإستراتيجي ، ولا أريد أن استخدم تعبيرا آخر ، استخدمه وزير دفاع إسرائيلي أسبق ، فقد وضع في سياق تقديره لما حدث تعبيرا محددا هو ( كشف العورة ) ، لذلك فإنني اعتقد أن المطلوب أمريكيا الآن ، ليس أكثر من قطع الدائرة الكهربائية ، أو إيقاف عمل نظرية الحث الكهرومغناطيسية ، بين القدس وغزة ، وبينهما وبين الضفة الغربية ، وبينهم جميعا وبين الدوائر الشعبية الساخنة في محيط عربي وإسلامي يمتد ، طولا وعرضا وعمقا ، ريثما يتم ترميم ما تهدم من حوائط نظرية الردع الإسرائيلية ، وتغطية ما انكشف منها ، أما الوعود المتكررة حول حل القضية الفلسطينية أو غيرها من القضايا الإقليمية الأخرى ، فهي لا تشكل كوب عصير الليمون الموضوع على المائدة ، وإنما بعض الشموع التي تزينها .

(3) 

إن ذلك لا يعني ، أن مصر حين تحركت في اتجاه وقف إطلاق النار ، وما بعد وقف إطلاق النار ، قد لعبت دورا لا يتطابق مع المصالح الفلسطينية .

لقد كان لدى مصر ما تتقدم به الصفوف دون غيرها ، بغير شك ، ولهذا كان التواصل معها اضطرارا لا اختيارا ، فضلا عن أنها رأت في اللحظة الراهنة شلالا من الضوء الفلسطيني ، يضئ عمق السرداب الذي احتجزت فيه القضية الفلسطينية ، وقد ظل سعيها من البداية إلى النهاية هو محاولة إخراجها من هذا السرداب ، ووضعها تحت شمس الحقيقة والواقع ، مثلما كان سعيها حثيثا ، في مسألة وقف إطلاق النار ، أن يكون قرار القبول من جانبيه بغير شروط ، تعبيرا عن اعتراف بتوازن ما في نتائج عمليات المواجهة العسكرية ، أما مسألة الهدنة وسقفها فهي في الرؤية المصرية موصولة بشروط مفتوحة على قلب القضية الفلسطينية لا على أطرافها فحسب ، ومصر بدورها التاريخي تجاه القضية الفلسطينية لا تحتاج إلى شهادة من أحد ، كما أنها انتدبت نفسها لأداء دور قومي هي صاحبته وقوة دفعه ، ورصيده المتجدد ، ومخزونه الطبيعي .

لقد قلنا وكررنا مرارا ، أن لحظة الحقيقة في الإقليم ليست ( لحظة الخليج ) كما أدعى بعض الذين صنعوا أحلاما من الرمل ، أكبر من رؤوسهم ، فمصر ثابتة في بيئة مهتزة ، وراسخة في بيئة متصدعة ، كما أن قيادة الإقليم ليست سلعة معروضة في بورصات البنوك أو دكاكين الأسواق المفتوحة .

(4)

لك أن تلاحظ أن أكثر ما انتشى به نتنياهو في حضور بلينكن هو ترديد آخر تصريح للسيد بايدن ، وهو تصريح للأسف نشرته الصحف العربية وبثته أكثر تليفزيوناتها ناقصا ، فقد تم بتر كلمتين اثنتين منه ، أما التصريح فقد كان نصه  ( إن الحرب لن تتوقف إلا إذا اعترف الشرق الأوسط بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية ) وأما الكلمتان اللتان تم بترهما من التصريح فهما ( كدولة يهودية ) ، اي أن شرط توقف الحرب في الشرق الأوسط ليس متوقفا حتى على الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود ككيان سياسي ، وإنما الاعتراف بحقها في الوجود كدولة يهودية ، وهو أمر يشكل معادلة أمريكية جديدة في ميزان الحرب والسلام في الشرق الأوسط .

ماذا يعني مضمون هذا الاعتراف ؟!

إنه – أولا – لا ينسحب على اللحظة الراهنة ، بمعنى أنه لا يطول فقط حقوق ثلاثة ملايين فلسطيني داخل الخط الأخضر كما قد يرى البعض ، وإنما ينسحب إضافة لذلك على اتجاهين متضادين ، الماضي والمستقبل .

وهو – ثانيا – في انسحابه على الماضي ، يخلق إشكالية تاريخية وعقائدية ووطنية وقومية غير قابلة للحل ، لأنه يعني الاعتراف بالحق التاريخي والعقائدي لإسرائيل وفق العقيدة الصهيونية في كافة الأراضي العربية ، التي احتلتها بالقوة المسلحة باعتبارها تمثل موروثا تاريخيا شرعيا لها ، وهو ما يعني ليس إضفاء مشروعية سياسية على إسرائيل كأمر واقع ، وإنما إضفاء مشروعية تاريخية من منظور العقيدة الصهيونية على وجودها .

إن ذلك معناه باختصار ، الاعتراف بأن كافة صور العدوان والحروب التي خاضتها إسرائيل ضد الفلسطينيين والعرب اتسمت بالشرعية ، لأنها كانت حروب تحرير لتراب تمتلكه وفق العقيدة الصهيونية ، وأن كافة الحروب العربية في مواجهة ذلك لم تكن حروبا مشروعة ، وإنما كانت عدوانا غاشمة في مواجهة حقوق مشروعة لطرف آخر .

دعك حتى من أن ذلك يعني إسقاط الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، ولكنه يعني أن كل حروبنا لصد عدوان أو لتحرير أرض ، كانت باطلة ، وأن كل شهدائنا ، كانوا ضحايا لهذا الباطل ، وأن شعلة المجد المتقدة لجيشنا وأبطالنا ، وسواهم من المحاربين الذين تنكبوا طريق الحق والحرية يتحتم أن تنطفئ . 

وهو – ثالثا – في اتجاه انسحابه على المستقبل يضفي مشروعية جديدة من المشروعية المختلقة السابقة على اي تمدد أو توسع إسرائيلي في أي أرض عربية وفق المفهوم نفسه والاعتراف ذاته .

وهو – رابعا – يعيد ربط جسم التسوية في المنطقة ، بما أجهزت عليه المتغيرات العاصفة داخل فلسطين التاريخية ، وفي مقدمتها مشروع الإبراهيمية الجديدة المختلقة وصفقة القرن ، وما بينهما من حفر مفتوحة 

(5)

أخشى أن أقول أنه إذا انتهت الوقائع التي ساقت الأمريكيين كرها إلى طلب النجدة ، فلن تكون هناك وعود قابلة للتحقق ، لذلك إذا لم يكن قلب القضية الفلسطينية هو القاطرة الأساسية التي تشد اللحظة الراهنة بالقوة إلى الأمام ، فلن نعدم بعد شهور أو سنوات وزيرا عربيا يطرح في البيت الأبيض سؤالا حول الوعود الأمريكية التي لم تتحقق ، وأنه سيتلقى إجابة على شاكلة ما تلقاه ، وزير عربي آخر بعد تدمير العراق .

التعليقات (0)