د أيمن نور يكتب : شباك نور - اليوم 3000

profile
د.أيمن نور المرشح الرئاسي المصري السابق
  • clock 22 أكتوبر 2021, 1:43:43 م
  • eye 26788
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

دق جرس التلفون .. قبل منتصف الليل بقليل، في منزلي على شاطئ الأسكندرية

كانت المكالمة "استثنائية"، بكل معاني الكلمة، من حيث شخص المتصل، أو موعد الاتصال، وفحواه، وهدفه

خليط متناقض من الشروط، والقيود والإغراءات، لا خيار ثالث، فإما أن تقبل، وتخضع، أو ترفض، وترحل

لم ينتظر الإجابة، ولم يترك لي اختيار موعد سفري، ولا وجهتي، ولا موعد عودتي، مقعدي كان على أول طائرة، حملتني لأي فضاء، أتنفس فيه الصعداء، كي أحدد، دون ضغط، قراري، واختياري .. إما أن أكون أنا، أو لا أكون..

وكوني "صاحب سوابق"، في الصدام مع استبداد الحكام، ادركت صعوبة المرحلة، واستحالة التعايش مع لحظة، لا صوت فيها إلا صوته، ولا همس، إلا همسه، ولا وجود إلا لمن يزعنون لإرادته، وينحنون لمشيئته، ويتغنون ببطولته وعبقريته


لم يكن لدي تهمة أهرب منها، ولا غاية، أو جهة أهرب إليها، كانت تهمتي، وكل غايتي، أن أقول كلمتي، فيما يحدث في بلادي، لم أهرب من اعتقال، تعرضت له خمس مرات في عمري، ولم يسكت صوتي .. ولم أفلت من عقاب، لأني لم أرتكب جريمة في حياتي، إلا حب هذا البلد، والحلم له بغد أفضل

تحملتني لبنان، عامان، وتركيا ستة أعوام .. إجمالاً ثمانية أعوام، و80 يوماً عشتها في الغربة، ولم تغب مصر عن خاطري لحظة، كل يوم أحلم بقراءة سورة يسين على قبر أمي، بالأسكندرية الحبيبة، والبكاء على قبر أبي في المنصورة الجميلة، والمشي في شوارع وأزقة دائرتي باب الشعرية، وزيارة بلانه وبلاد وقرى النوبة، وبورسعيد الباسلة، والمحلة المناضلة، والسويس الصامدة .. أحلم كل يوم بكل شبر من أرض مصر، تعفرت وتوضأت بترابه

مصر التي نحبها أكبر، وأبقى ممن حكموها ويحكموها، السذج – وحدهم – هم الذين إذا رأوا الشمس تغرب، توهموا أن الظلام والظلم سيطول، وأن الليل سيدوم للأبد

أعجب لقوم أمامهم الشمس المشرقة، ويديرون وجوههم عنها، ليصلوا لآلهة الظلام

أدهش لمن يتوهم أنه يقاوم الظلام، بإطفاء الأنوار، وليس بفتح النوافذ والأبواب

أرفض أن تُبنى سجوناً ومعتقلات، بدلاً من أن تُبنى قلاعاً للحرية، هى نقطة الوثوب الوحيدة للمستقبل، في عالم لا مكان فيه إلا للشعوب الحرة، فالحرية هى السبيل الوحيد إلى الحياة، ونهاية كل الديكتاتوريات في الكون واحدة، لا أعرف لماذا رفضنا أن نتعلم الدرس من تجارب الأخرين، لنكون نحن الكتاب الذي يدرسه الأخرون..

لسنا في حاجة لانتظار تجربة الحكم الديكتاتوري، ولا معرفة نتائج حمام الدم والمشانق، فهذا الطريق لا يوصل إلا للهزيمة، والفقر، والضياع، وهلاك الشعوب والأمم

لم نترك بلادنا، سعياً لحكم أو مغنم، أو انحيازاً لفريق ضد أخر، بل خرجنا دفاعاً عن الوطن كله، لنكون من الخارج صوتاً لمن لا صوت لهم في الداخل بفعل البطش وجمهورية الخوف..


3000 يوماً، لا أدعي فيها أننا انتصرنا لما نؤمن به من مبادئ، ونرجوه لبلدنا من حقوق مشروعة، لكننا – أيضاً – لم نخسر المعركة، فيوماً نربح جولة، ويوماً نخسر جولة، يوماً نحرر قلعة من قلاع الحرية، ويوماً تسقط أخرى في يد الاستبداد وأعوانه وحلفاؤه

من حق كل مصري أُبعد عن بلده، أن يحن للحظة العودة بلا خوف ولا عسف ولا ظلم، وأرفض أن نهوى بالمطارق على كل من أنهكته الأيام والسنوات الماضية، وأرفض أيضاً من يتصورون أنه كافياً طلاء البناء المتهدم، بطلاء ملون، كي ندعي أننا أصلحنا الشقوق والشروخ – قدر المستطاع – فنصف الحرية استبداد، والوطن إما حر أو مسجون، إما على الطريق الصحيح أو على الطريق الخطأ..

إننا لا نرفض الحوار المجتمعي، فنخن أهل حوار، لكننا نرفض حوار الطرشان الذي يستخدم منطق، الأبواب الدوارة، لتبقى كل الأمور والأحوال تدور حول نقطة الصفر



التعليقات (0)