- ℃ 11 تركيا
- 8 نوفمبر 2024
يحيى الكبيسي يكتب: عن جعجعة الأمم المتحدة وطحين حقوق الإنسان!
يحيى الكبيسي يكتب: عن جعجعة الأمم المتحدة وطحين حقوق الإنسان!
- 11 أغسطس 2023, 12:15:15 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أدلى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك في ختام زيارته الأولى للعراق، بتصريحات حول عدد من القضايا.
وبعيدا عن عصر الغليان العالمي والتغير المناخي، أعرب المفوض السامي عن «قلقه» تجاه الإجراءات المتعلقة بملاحقة الصحافيين والناشطين عبر الدعاوى القضائية والتي كما قال «أحدثت تأثيرا مخيفا على حرية التعبير»! كما أشار إلى التقارير التي تفيد بوقوع أعمال عنف وتهديدات بالقتل «على يد عناصر مسلحة» ضد الناشطين وأن هذا كما قال أيضا «يضيق المجال المتاح للمناقشة»! كما تحدث عن الاختفاء القسري لمئات الآلاف من الأشخاص بين عامي 2014 و 2017، وإلى أنه يرحب بالدعوة التي وجهتها الحكومة العراقية إلى لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري، وحث الحكومة العراقية على تنفيذ توصيات تلك اللجنة (مع أن هذه اللجنة لم تلتفت مطلقا إلى التجاهل المنهجي للحكومة العراقية في التحقيق في دعاوى الاختفاء القسري بالمطلق في سياق التغطية على مرتكبيها)!
وتحدث عن «التاريخ المؤلم» لاستخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة «في عهد صدام حسين وخلال الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة والصراع مع داعش وصولا إلى وقتنا الحاضر»!
وشدد المفوض السامي على أن «المفتاح لوقف هذه الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان يتمثل في القضاء على الإفلات من العقاب الذي تمتع به منتهكو حقوق الإنسان في السابق»! وعلى أهمية «اتخاذ إجراءات سريعة وشفافة لمنع الإفلات من العقاب في القضايا المتعلقة بالتظاهرات التي شهدتها البلاد في أكتوبر 2019»! مشيرا إلى أن المفوضية قد وثقت مقتل ما لا يقل عم 487 متظاهرا و 7715 جريحا بسبب «استخدام القوة من قبل قوات الأمن العراقية والعناصر المسلحة ضد المتظاهرين»!
ثم تحدث، أخيرا، عن أهمية تقوية المؤسسات القضائية، لكي تتمكن من العمل بصورة «مستقلة وفعالة» وأنه يرحب «بالجهود الجارية لإصلاح القوانين لجعلها تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان»!
الحقيقة أن هذه «الجعجعة» تأتي في سياق ما أسميناه «دبلوماسية العلاقات العامة» التي تمارسها الأمم المتحدة ومنظماتها في العراق منذ زمن، وهي ديبلوماسية تعتمد اللغة الإنشائية، للتغطية على ما جرى ويجري في العراق من الانتهاكات المنهجية!
فباستثناء موضوع «توثيق» من قتلوا أو جرحوا في احتجاجات تشرين، فقد كان المفوض السامي حريصا على عدم «إزعاج» أحد عندما تحدث عن دور «العناصر المسلحة» في عملية القتل المنهجية هذه، وهو يعلم تمام العلم أن هذه «العناصر المسلحة» كانت تعمل بمعية القوات الأمنية!
لا يمكن للأمم المتحدة إلا أن تلعب دور شاهد الزور في العراق، فثمة قرار دولي بالإبقاء على الهدوء الهش في العراق قائما بكل ما يفرضه من وقائع
ففيما يتعلق بحقوق الإنسان، فإن المفوض السامي يدرك تماما أن لجنة حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق «يونامي» تحولت إلى شاهد زور «محترف» في هذا السياق. وقد سبق لنا أن وثقنا هذا الدور في مقالات عديدة! فقد التزمت «يونامي» مثلا الصمت الغريب، وهي ترى الحملة التي قامت بها وزارة الداخلية العراقية، بالشراكة مع القضاء «المسيس» ضد ما عرف بحملة «المحتوى الهابط»! يومها تواصل الناشطون مع مكتب حقوق الإنسان في بعثة يونامي لشرح المخالفات القانونية ضد حرية التعبير، لكن المكتب والبعثة أصروا على صمتهم، وهو ما دفع الناشطين حينها إلى توجيه مذكرة احتجاج للأمين العام للأمم المتحدة نفسه على إدارة البعثة الأممية في العراق بسبب ذلك «الصمت الغريب وغير المبرر»!
وقد تكرر هذا الصمت قبيل زيارة المفوض السامي نفسه، إذ لم يصدر عن البعثة حتى اللحظة مجرد «كلمة» بشأن الحملة السياسية المنظمة التي تقودها الأحزاب الشيعية الحاكمة في العراق ضد «مفهوم الجندر/ النوع الاجتماعي» والتي وصلت إلى حد منع استخدام هذا المصطلح، في الجامعات العراقية، ومنع استخدامه في الإعلام، وهو ما اضطر المفوض السامي إلى الحديث بنفسه عن هذا الموضوع، لكنه اكتفى بتوصيف هذه الهجوم بأنه مثير «للدهشة» !
وفيما تعلق بالاختفاء القسري، حرصت الأمم المتحدة نفسها على التغطية على مسألة جرائم إخفاء قسري موثقة، وجرائم إعدام خارج إطار القانون، وجرائم تهجير قسري وتغيير ديمغرافي، وذلك عبر قرار مجلس الأمن المرقم 2379 والذي أنشأ فريق تحقيق خاص لمتابعة الجرائم التي قد ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها تنظيم داعش، ولم تلتف إلى الجرائم نفسها التي ارتكبتها القوات العسكرية العراقية والميليشيات العاملة معها!
ووصل الأمر إلى الكذب والتضليل كما حدث في الإحاطة التي تقدم بها الممثل الخاص للأمين العام في العراق 2017 حين قال إن بعثته «لم تتلق أي دليل على وجود انتهاكات واسعة الانتشار «! مع أن تقارير يونامي نفسها كانت تتضمن عشرات الأدلة الموثقة على حصول انتهاكات واسعة النطاق! وفي 2017 إلى مجلس الأمن وجدناه يقول: «وكذلك أخضعوا منتسبيهم والقوات الأخرى للمحاسبة بشأن الخروقات» وهذا ما لم يحصل مطلقا، فقد تجاهلوا عشرات الأدلة ولم يحققوا فيها!
أما فيما يتعلق بالتعذيب، بدا المفوض السامي حريصا على تذكر صدام حسين وداعش لمجرد تمرير عبارة أن التعذيب مستمر «وصولا إلى وقتنا الحاضر» ولم ينتبه إلى أنه يقارن بين هؤلاء وبين الحكومة العراقية الحالية! مع أن تقارير يونامي نفسها تكرر دائما العبارات التالية:
«يبقى امتثال القضاء بالإجراءات الأصولية الدولية والدستورية ومعايير المحاكمة العادلة تكتنفه المشاكل.. ونادراً ما يحقق القضاة في الادعاءات بأن الاعترافات كانت قد انتزعت بالقوة، مفضلين الاعتراف بها كدليل، ويأخذون بها لإدانة المتهمين» وإلى أن «التعذيب حقيقة واقعية «، إلى أن «المساءلة المحدودة» في قضايا التعذيب تشير إلى «قبول هذه الممارسات والتغاضي عنها كوسيلة لنزع الاعتراف»!
اما «الإفلات من العقاب» الذي عده المفوض السامي مفتاحا لوقف انتهاكات حقوق الإنسان، فهو يعلم تماما انه سياسة منهجية، وبالتالي الحديث عنها بهذه الطريقة «التنظيرية» يبدو غير مفهوم تماما إلا في سياق «دبلوماسية العلاقات العامة» التي ذكرناها!
أخيرا حرص المفوض السامي على الإشارة إلى القضاء، ومؤسسات حقوق الإنسان الوطنية، وضرورة تقويتها، والحقيقة أن يونامي كانت شريكا في ضمان تحول «المفوضية العليا لحقوق الإنسان» في العراق، إلى ممثلية للأحزاب، كما أن تقاريرها تحدثت بشكل صريح عن عدم إمكانية «ضمان محاكمات عادلة» في العراق! والحديث عن «الجهود الجارية لإصلاح القوانين لجعلها تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان» فقد بدت أقرب إلى النكتة التي تثير الاستغراب لا الضحك! فمراجعة سريعة لطبيعة القوانين التي قدمت في السنوات الأخيرة تظهر بوضوح أن مبادئ حقوق الإنسان غير مفكر فيها من الأصل!
لا يمكن للأمم المتحدة إلا أن تلعب دور شاهد الزور في العراق، فثمة قرار دولي بالإبقاء على الهدوء الهش في العراق قائما بكل ما يفرضه من وقائع، وليس ثمة بديل عن دبلوماسية العلاقات العامة لإدامة هذا الهدوء!
كاتب عراقي