- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
هل يشجِّع التفوق الروسي بوتين على إطلاق السلاح “التكتيكي” لردع الناتو؟
هل يشجِّع التفوق الروسي بوتين على إطلاق السلاح “التكتيكي” لردع الناتو؟
- 24 أبريل 2022, 8:28:28 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
2000 قنبلة نووية تكتيكية تمتلكها روسيا مقابل 200 فقط لدى أمريكا، أما وسائل توصيل وإطلاق تلك الأسلحة فتتفوق فيها موسكو بنسبة 4 إلى واحد، فكيف انقلبت معادلة الردع النووي؟ وماذا يعني ذلك؟
النادي النووي- أي الدول التي تمتلك أسلحة نووية- يضم 9 أعضاء، على رأسهم روسيا والولايات المتحدة، وتمتلكان معاً نحو 90% من الترسانة النووية العالمية، تليهما الصين وفرنسا وبريطانيا، ثم باكستان والهند وإسرائيل وكوريا الشمالية.
وبينما تعترف الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (روسيا والولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا) بترسانتها النووية، تظل الهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل ضمن دائرة عدم الاعتراف الرسمي، رغم أن امتلاك سلاح نووي هو أمر يستحيل إخفاؤه بطبيعة الحال.
حرب أوكرانيا وواقع نووي جديد
كان الهجوم الروسي على أوكرانيا، المستمر منذ 24 فبراير/شباط 2022، قد أعطى بعداً جديداً لاحتمال الحرب النووية، بعد أن أعطى الرئيس فلاديمير بوتين تعليماته بوضع الأسلحة الاستراتيجية لموسكو على "أهبة الاستعداد"، رداً على مساعدات الغرب لأوكرانيا.
وتناول تقرير لمجلة New Yorker الأمريكية عنوانه "الواقع النووي الجديد"، قصة الأسلحة النووية ورصد كيف تبدَّلت معادلة الرعب النووي، التي كانت تميل بشكل صارخ لصالح الولايات المتحدة على حساب الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة.
ففي خطابه الذي ألقاه عند تسلُّمه جائزة نوبل للسلام عام 1991، أعلن ميخائيل غورباتشوف، آخر زعيم للاتحاد السوفييتي، أن "خطر نشوب حرب نووية عالمية قد اختفى عملياً". وقال إن موسكو وواشنطن انحرفتا "من المواجهة إلى التفاعل، وفي بعض الحالات المهمة، الشراكة".
وأدى انهيار الاتحاد السوفييتي- الذي ولَّد خمس عشرة دولة جديدة بما في ذلك أوكرانيا- إلى تغيير العالم. وأضاف غورباتشوف أنه في أوروبا الجديدة، كانت كل دولةٍ تعتقد أنها أصبحت "مستقلةً وذات سيادة كاملة".
جنود أوكرانيون يتفقدون شحنة أسلحة من صواريخ جافلين المضادة للدبابات التي قدمت الولايات المتحدة منها الآلاف لأوكرانيا، فبراير 2022/ Getty
تصوَّر المؤرخون أن نهاية الحرب الباردة ستؤدي إلى زوال العصر النووي، في ظلِّ دبلوماسية جديدة ومعاهدات للحد من التسلح. بدأت المخاوف المتأصلة- أن كيلوطن من الطاقة المدمرة والإشعاع السام يمكن أن يهلك مدينةً كاملة ويحرق عشرات الآلاف من البشر- بدأت تلك المخاوف تتبدَّد. وبعيداً عن خبراء السياسة، أُسقِطَت كلمة "نووي" إلى حدٍّ كبير من القاموس العالمي.
أعاد هجوم فلاديمير بوتين على أوكرانيا العالم إلى إدراكٍ مُزعِج بالتهديد النووي. في الشهر الماضي، ظهرت التحذيرات الرسمية بوتيرة مذهلة. وقال ويليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية والسفير السابق لدى روسيا، محذِّراً، في 14 أبريل/نيسان 2022: "بالنظر إلى اليأس المحتمل للرئيس بوتين والقيادة الروسية، وبالنظر إلى الانتكاسات التي واجهوها عسكرياً حتى الآن، لا يمكن لأي منا أن يتعامل باستخفاف مع التهديد الذي يمثله اللجوء المحتمل إلى الأسلحة النووية التكتيكية أو الأسلحة النووية منخفضة القوة".
لقد تغير تقييم الولايات المتحدة لمتى ولماذا قد تستخدم موسكو مثل هذه الأسلحة، وهذا ما أقرَّ به سكوت بيرير، مدير وكالة استخبارات الدفاع، في شهادته أمام لجنة فرعية للقوات المسلحة بمجلس النواب. وقال إن الحرب المطولة في أوكرانيا ستقوِّض القوة البشرية والعتاد الروسي، بينما ستدفع العقوبات الدولة إلى كسادٍ اقتصادي وتقوِّض قدرتها على إنتاج المزيد من الذخائر الموجهة بدقة والأسلحة التقليدية.
وقال: "نظراً لأن هذه الحرب وعواقبها تضعف ببطء القوة التقليدية الروسية، فمن المرجح أن تعتمد روسيا بشكل متزايد على رادعها النووي لإثارة الغرب وإظهار قوتها لجمهورها الداخلي والخارجي".
بوتين والتباهي بالأسلحة النووية الروسية
ساهم الاختبار الناجح للكرملين، في 20 أبريل/نيسان، لصاروخٍ قادر على الطيران بسرعات تفوق سرعة الصوت وحمل ما يصل إلى عشرة رؤوس حربية نووية في أي مكان في العالم في هذه الصورة المشؤومة.
تفاخر بوتين في التلفزيون الحكومي قائلاً: "هذا السلاح الفريد حقاً سيجبر كل من يحاول تهديد بلدنا في خضم الخطاب العدواني المسعور على التفكير مرتين". وفي الشهر الماضي، ألغت واشنطن اختبارها الخاص لصاروخ عابر للقارات من أجل "التحكُّم في التصعيد"، على حدِّ قول وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن.
وقال بيرنز إن روسيا لم تغير موقع قواتها النووية بعد، على الرغم من الضجيج بشأن حالة الاستعداد المتزايدة. هذا علاوة على أن صاروخها الجديد ليس جاهزاً للنشر. لكن هجوم بوتين على أوكرانيا له "بُعدٌ نووي مميَّز"- مع دروسٍ تمتد إلى ما هو أبعد من أوكرانيا وستستمر بعد انتهاء الحرب، بحسب ما جاء في خاتمة جمعية الحد من التسلح في واشنطن العاصمة هذا الشهر.
الرئيس الروسي افتخر بسلاح بلاده النووي الجديد/ رويترز
وقال داريل كيمبال، المدير التنفيذي للمنظمة، إن هجوم بوتين "يؤكد حقيقة أن الأسلحة النووية لا تمنع الحروب الكبرى. وأسلحة الناتو النووية أثبتت عدم جدواها في منع العدوان الروسي على أوكرانيا". وأضاف كيمبال: "عندما يفشل الردع النووي، فإنه يفشل بشكل كارثي".
يُبرِز الهجوم على أوكرانيا مشكلةً أكبر. إن البنية التحتية للأمن العالمي- مثل الجسور والسكك الحديدية وشبكات الكهرباء التي تشكل بنيتنا التحتية المادية- آخذة في الاضمحلال. التحدي القادم هو ابتكار هيكل أمني جديد أو أكثر استقراراً- مع المعاهدات، وأدوات التحقق، والإشراف، والإنفاذ- لتحل محل النماذج المتآكلة التي وُضِعَت بعد انتهاء الحرب الكبرى الأخيرة في أوروبا، قبل سبعة وسبعين عاماً.
وكشف هجوم بوتين كذلك عن تغييراتٍ في التوازن العالمي للطاقة النووية. قبل فترة وجيزة من تقاعده الشهر الماضي، قال كينيث فرانك جونيور، وهو جنرال ذو أربع نجوم كان يرتدي سابقاً مفتاحاً حول رقبته يفتح مادة حساسة ضرورية للرئيس للاستجابة لأزمة نووية، إنه فيما يبدو وكأنه عودة إلى الحرب الباردة وأيامه الأولى كضابط بحري شاب، تركز الولايات المتحدة مرة أخرى على التهديدات النووية من موسكو.
كيف تفوقت روسيا على أمريكا في الردع النووي؟
خلال الحرب الباردة، بين عامي 1945 و1989، طوَّرَت واشنطن ترسانتها النووية لمواجهة قوة موسكو المتزايدة في مجال الأسلحة التقليدية. في عام 1954، اختبرت سلاحاً أقوى بألف مرة من ليتل بوي، القنبلة المدمرة التي أُلقِيَت على هيروشيما، حتى إن الولايات المتحدة أنتجت الألغام الأرضية النووية.
وبعد أن حصل السوفييت على القنبلة، كانت الولايات المتحدة لا تزال تتمتع بميزة ثمانية إلى واحد في القدرات النووية أثناء أزمة الصواريخ الكوبية، في عام 1962. وبحلول نهاية الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة قد طوَّرَت "ميزةً أكبر في القدرات النووية تجعلها تتفوَّق على العالم أجمع"، وقد بدا الأمر "وكأنه لا يمكن التغلُّب عليه".
قال كينيث فرانك إنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، "أخذ البنتاغون إجازة" من دراسة الحرب المتطورة. قال: "نظرنا بعيداً". انجرفت الولايات المتحدة إلى حرب في أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001، ثم اختارت غزو العراق في عام 2003.
عمل ماكنزي في كلتا الحربين. وركَّزَت الولايات المتحدة على الصراعات التقليدية وحالات التمرد، بينما قامت روسيا، تحت حكم بوتين، ببناء ترسانتها النووية. قال ماكنزي إن القدرات الأمريكية والروسية "انقلبت تماماً" اليوم. تتمتع الولايات المتحدة بالتفوق في مجال الأسلحة التقليدية، بينما تمتلك موسكو المزيد من الأسلحة النووية- والمزيد من الخيارات لاستخدامها.
تغير أيضاً نوع الأسلحة النووية الأكثر إثارة للجدل. أسقطت الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين استراتيجيتين على اليابان. الأسلحة الاستراتيجية بعيدة المدى تسافر حوالي ثلاثة آلاف ميل، وتنتج انفجارات عالية القوة، ويمكنها تدمير مساحات شاسعة من الأرض وأي إنسان داخل النطاق.
أما روسيا، فتمتلك حالياً ما يزيد قليلاً عن ستة آلاف رأس حربي استراتيجي، بينما تمتلك الولايات المتحدة 5.500 فقط. وبدءاً من السبعينيات من القرن الماضي، تفاوض البلدان على عدة معاهدات للحد من الأسلحة الاستراتيجية، على الرغم من إلغاء جميع هذه الاتفاقيات باستثناء واحدة منذ ذلك الحين. معاهدة البداية الجديدة هي الاتفاقية الثنائية الوحيدة الباقية، وقد مُدِّدَت لخمس سنوات بعد فترة وجيزة من تنصيب بايدن، لكنها تبدو أكثر هشاشة الآن.
الرئيس الأمريكي جو بايدن – Getty Images
النوع الآخر من الأسلحة النووية تكتيكي، أو غير استراتيجي، الأمر الذي يقلق الولايات المتحدة أكثر اليوم. وهي أسلحةٌ أقصر مدى، فهي تسافر لمسافةٍ تصل فقط إلى 300 ميل، وغالباً ما يكون لها رؤوس حربية منخفضة القوة. على الرغم من ذلك، يحمل بعضها كيلو طناً أكثر من قنبلة هيروشيما. وهي مصممة لإخراج الدبابات أو تشكيلات القوات في ساحة المعركة- وليس القضاء على مدينة.
في تاريخ الأسلحة النووية، لم تكن هناك أبداً معاهدة- ثنائية أو دولية- تحد من تطوير أو نشر الأسلحة النووية التكتيكية في أي مكان. خلال الحرب الباردة، أنتج كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي الآلاف من هذه الأسلحة، مع سيطرة موسكو على ما يصل إلى خمسة وعشرين ألفاً.
بعد ذلك، فككت الولايات المتحدة معظم ترسانتها التكتيكية وسحبت معظم تلك الأسلحة من أوروبا، بينما احتفظت روسيا بمزيدٍ من مخزونها. وهناك الآن تفاوتٌ كبير في الترسانات التكتيكية. في الشهر الماضي، أفادت خدمة أبحاث الكونغرس أن روسيا لديها ما يصل إلى ألفي قنبلة نووية تكتيكية، بينما تمتلك الولايات المتحدة حوالي مئتي قنبلة.
اليوم، تمتلك روسيا أيضاً العديد من أنظمة إيصال الأسلحة النووية التكتيكية- طوربيدات الغواصات، والصواريخ الباليستية على الأرض أو البحر، وقذائف المدفعية، والطائرات- بينما تمتلك الولايات المتحدة فقط قنابل الجاذبية التي يمكن إسقاطها من الطائرات الحربية.
اختتم ماكنزي بالقول: "لديهم قدرات متنوعة أكثر مما لدينا". يوجد أكثر من مئة سلاح نووي تكتيكي أمريكي مرة أخرى في أوروبا، في قواعد في خمس دول من حلف الناتو: بلجيكا وألمانيا وهولندا وإيطاليا وتركيا. ومعظم القوات الروسية موجودةٌ على جبهتها الغربية، بالقرب من حدود أعضاء الناتو.
ترجمة عربي بوست