- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
هل تعلن روسيا انتهاء الحرب على أوكرانيا في ذكرى «هزيمة النازية»؟
هل تعلن روسيا انتهاء الحرب على أوكرانيا في ذكرى «هزيمة النازية»؟
- 24 أبريل 2022, 12:13:39 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في عام 1812 غزت قوات نابليون أراضي روسيا فيما عرف بـ«الحرب الوطنية الأولى» واستمرت القوات الفرنسية في التقدم، فيما اضطر الجيش الروسي للتراجع داخل الأراضي الروسية، حتى استطاع نابليون تحقيق نصر غير حاسم في منطقة «سمولينسك»، والتي تبعد اليوم قرابة 400 كيلومتر عن موسكو، ثم تلاقى الجيشان في أهم معارك هذه الحرب، وهي «معركة بورودينو»، على اسم البلدة التي تبعد حوالي 160 كيلومترًا عن مركز موسكو اليوم.
كانت فكرة نابليون الدائمة هي تحقيق نصر حاسم في موقعة واحدة؛ تمكنه من تأمين النصر في الحرب، لكن الجيش الروسي رغم خسارته لمعركة بورودينو منع نابليون من تحقيق مثل هذا النصر الحاسم، وعلى الرغم من أنه سمح للقائد الفرنسي بالدخول إلى موسكو، فإنه لم يعتبر ذلك نصرًا لجيش نابليون، بل اضطر الأخير للانسحاب من موسكو في النهاية، وخوض معارك أثناء الانسحاب، أنهكت جيشه على طول الخط، بالإضافة إلى عوامل الشتاء والطين والأمراض وحرائق موسكو.
تكرر الأمر مرة أخرى مع الأمة الروسية في الحرب العالمية الثانية؛ أو كما أسماها الاتحاد السوفييتي «الحرب الوطنية الكبرى»، إذ بدأت القوات النازية في اجتياح الأراضي السوفييتية عام 1941، ووصلت حتى 25 كيلومترًا من موسكو، وحاصرت سانت بطرسبرج (لينينجراد) واقتربت جدًا من اجتياح القوقاز الغني بالموارد الطبيعية، لحرمان السوفييت من الطاقة، وتأمين الطاقة للجيش الألماني.
إذ عوّل هتلر، مثل نابليون، على سقوط العاصمة الروسية، وآمن بأن هذا السقوط سيعني انتهاء الحرب مع الروس، لكن على عكس نابليون لم يتمكن هتلر من دخول موسكو، وانتهت الحرب الوطنية الكبرى بتقدم الجيوش السوفييتية ودخولها برلين وإنهاء النازية بالتعاون مع جيوش الحلفاء.
ولهذه التواريخ عند الروس أهمية كبرى، وهي تشكل جزءًا مهمًّا من الهوية الروسية، ومن تعريف الروسي لنفسه ووطنه، وما زال الروس حتى اليوم يحتفلون بذكرى الانتصار على النازية في اليوم التاسع من شهر مايو (أيار) كل عام.
تمثل المناسبات الوطنية التي على هذا النحو رمزية كبيرة في كل الدول، فالولايات المتحدة عندها يوم الرابع من يوليو (تموز)، للاستقلال عن بريطانيا، والصين تحتفل بالثالث من سبتمبر (أيلول) كل عام، منذ 2015، في ذكرى الانتصار على اليابان في الحرب العالمية الثانية، وفي فيتنام يجري الاحتفال بيوم الثلاثين من أبريل (نيسان) في ذكرى الانتصار على الولايات المتحدة الأمريكية، وتوحيد فيتنام بعد سقوط سايجون، وغيرها من التواريخ والمناسبات حول العالم.
لكن بعض القادة؛ قد يكونون مهتمين أكثر من غيرهم بهذه التواريخ وهذه الرمزيات، وقد يحاول بعضهم ربط أحداث حالية بهذه المناسبات التاريخية، لكسب شرعية ما؛ خصوصًا إذا ما استطاع هؤلاء القادة إيجاد علاقة بين ما حصل في الماضي وبين ما يحصل اليوم، وهو أمر قد يُقدِم عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قادم الأيام، فكيف ذلك.
هل يخطط بوتين لإعلان النصر في التاسع من مايو؟
يسود اعتقاد في أوكرانيا والدولة الغربية أن بوتين ربما يخطط لاحتفال مختلف بذكرى النصر على النازية في التاسع من مايو (أيار) 2022، ففي ظل قرب دخول العملية العسكرية شهرها الثالث في أوكرانيا والتقدم الكبير للجيش الروسي في الجنوب والشرق، والتقدم الجاري في ماريوبول، دون قدرة الروس على تأمين سيطرة كاملة على أي مدينة أوكرانية، فقد يخطط بوتين لإنهاء الحرب وإعلان النصر في ذات المناسبة.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
ويعطي ذلك للقوات الروسية أقل من شهر لإتمام أركان هذا «النصر الروسي» الذي سيعلنوه، وإن لم يكن واضحًا طبيعة هذا النصر على وجه التفصيل، خصوصًا وأن روسيا متكتمة في إعلان أهدافها التفصيلية، ولكننا نستطيع أن نستنتج أن مثل هذا النصر لن يتحقق إلا على الأقل بالسيطرة الكاملة أراضي الدونباس؛ أي جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك، كما أعلنت روسيا نفسها عن ذلك باعتباره هدفًا أساسيًّا للمرحلة الثانية من عمليتها العسكرية.
في حال تحقق ذلك؛ فإن الروس يستطيعون أن يقولوا إنهم «أعادوا التاريخ»، وهزموا النازية مرتين خلال قرن واحد، وإن اختلفت الظروف؛ بما في ذلك الفرق الشاسع بين ألمانيا النازية، ونازيي أوكرانيا الذين يشكلون مجرد جزء من القوات الأوكرانية الرسمية، وميليشيات أخرى قد لا تكون انضمت لأي تشكيل رسمي أوكراني.
رغم أن مثل هذا «الانتصار» لن يكون مشابهًا لانتصار السوفييت في حرب عالمية، ومع أحد أقوى الجيوش وأضخمها في التاريخ، ولكنه بلا شك -إن تحقق- فسيكون مادة دعائية دسمة للجيش الروسي لتشبيه ذلك الانتصار بتلك؛ وسط ادعاءات روسية -بعضها موثق بالفعل- عن انتهاكات ضخمة لحقوق الأقلية الروسية في أوكرانيا على يد الجماعات النازية الجديدة فيها.
وفي حال استطاع بوتين إعلان هذا النصر، وإقناع الشعب الروسي به، بعد تحقيق تقدم مهم على الأرض يسمح بمثل هذا الادعاء، فسيكون ذلك داعمًا كبيرًا لبوتين وشعبيته في الداخل، خصوصًا مع إضافة ذكرى جديدة ليوم قومي عظيم في الذاكرة الروسية.
في المقابل؛ قد يُعلن النصر ولا تنتهي الحرب في أوكرانيا؛ تمامًا كما حصل مع الولايات المتحدة في العراق، والتي أعلنت انتهاء «العمليات العسكرية الكبرى» في العراق من طرف الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في اليوم الأول من مايو (أيار) 2003، بعد أقل من شهر ونصف على بدء العزو، وقبل أن يعاني الاحتلال الأمريكي من آثار المقاومة العراقية لأعوام لاحقة، كبدت جيوش التحالف خسائر كبيرة جدًّا، واستنزفت الجهود الأمريكية أكثر من الأيام الأولى للحرب.
كما أن الغرب يرسم صورة مختلفة لأهداف روسيا في أوكرانيا، تتضمن احتلال كييف نفسها، وإسقاط الحكومة الأوكرانية الحالية، واستبدالها بحكومة أخرى، وربما السيطرة على كامل الشرق الأوكراني بالمعنى الواسع، أي من كييف شمالًا إلى شبه جزيرة القرم، وكل ما يقع بين هذا الخط وبين الحدود الروسية إلى شرق البلاد.
ووفقًا لهذه الأهداف التي يتكلم عنها الغرب، يبدو أنه من المستحيل تحقيق أي نصر ممكن لروسيا في أوكرانيا، فالقوات الروسية انسحبت من حول كييف، وإذا كانت معركة ماريوبول استمرت لفترة أطول من شهر ونصف، فالمتوقع أن معركة كييف قد تكون أصعب وأطول أمدًا من ذلك، وهو غير متناسب مع المدة المتاحة قبل ذكرى النصر.
ليس احتفالًا عاديًّا.. عرض أسلحة لم يرها العالم من قبل
المعتاد في روسيا أثناء الاحتفال بيوم النصر على النازية إقامة استعراض ضخم للقوة العسكرية، عبر تنظيم المسيرات العسكرية، واستعراض أحدث أسلحة الجيش، سواء تقليدية أو أسلحة دمار شامل، بالإضافة لمسيرات لمتقاعدين عسكريين روس، و«أبطال حرب» سابقين، واستذكار لتضحيات الشعوب السوفييتية بشكل عام، والشعب الروسي بشكل خاص، لا في الدفاع عن روسيا والاتحاد السوفييتي فقط؛ بل الدفاع عن العالم كله في وجه الخطر الفاشي الذي مثلته ألمانيا النازية، كما تراه روسيا.
الاحتفال بذكرى النصر على النازية في موسكو
وهذه الاحتفالات مستمرة في روسيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، وهي جزء مهم من التقويم السنوي الروسي، ولكن هذه الاحتفالات تأتي اليوم في واقع مختلف عما عرفته روسيا في تاريخها كله.
فالغرب يسعى اليوم لعزل روسيا بشكل كامل عن العالم، وحصارها اقتصاديًّا بهدف تركيعها في النهاية، لذا فذكرى النصر على النازية لن تصادف حدثًا عسكريًّا فقط؛ بل سياسيًّا واقتصاديًّا، وبالتالي حدثًا مجتمعيًّا بشكل عام، وبصورة لم تشهدها روسيا في السابق.
ورغم أن الكرملين يقول إن الاحتفال بالنصر على الفاشية سيجري بشكل اعتيادي هذا العام، إلا أن بعض المؤشرات تقول إن روسيا قد تحاول الاحتفال بطريقة مختلفة في هذا العام، لا على مستوى الاستعراض العسكري فقط، بل على مستويات أخرى أيضًا، وإن لم يظهر منها الكثير حتى الآن.
فعلى المستوى العسكري؛ قد يكون الاستعراض مثلما كان في السابق، ولكن الاستعدادات تظهر نية روسيا استعراض أحد صواريخها الضخمة العابرة للقارات، والتي تستطيع حمل رؤوس نووية، وسط مخاوف الغرب من إمكانية استخدام روسيا لأسلحة نووية في أوكرانيا، بسبب ما يعتبرونه «فشل الغزو».
كما أن روسيا أعلنت الأربعاء 20 أبريل (نيسان) أنها أجرت تجربة ناجحة لـ«أفضل الصواريخ العابرة للقارات في العالم»، والذي يستطيع حمل صواريخ نووية أيضًا، وهو صاروخ تطوره روسيا منذ سنوات، وتخطط منذ زمن لبدء استخدامه خلال عام 2022، وقد تجعل الحرب الأوكرانية هذا الحدث مهمًا جدًا في العالم.
وعلى جانب آخر؛ تخطط روسيا لإطلاق نسخة بديلة عن “Google Play Store”، لتكون النسخة الروسية البديلة عن النظام الغربي بعد حظر استخدامه في البلاد، وهو ليس مهمًا للمستهلكين العاديين فحسب، بل للمطورين والمبرمجين أيضًا، والذين خسروا أعمالهم ودخولهم نتيجة للعقوبات الغربية المتعلقة بمجال عملهم.
وفي غضون ذلك بدأت الحكومة الروسية إجراءات تتجاهل حقوق الملكية لكثير من المنتجات الفكرية والرقمية، ويبدو أنها ستسمح بتقليدها في الداخل حال عدم وجود بدائل عنها على الأقل، للسماح للروس بالتمتع بخدمات حظرها الغرب عنها، ويتضمن ذلك بناء وسائل تواصل اجتماعي مشابهة لوسائل التواصل الغربية، لكنها روسية المنشأ وإن كانت مقلدة، لتتيح لمستخدميها الوصول لنفس الخدمات دون الوقوع تحت طائلة العقوبات الغربية، وقد يكون في جعبة الروس غير ذلك من الأمور لإعلانها لاحقًا، ولن نستطيع معرفة ذلك إلا وقت الاحتفال بعيد النصر في روسيا.