- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
هل الجزر يقوِّي النظر فعلًا؟
نشر موقع لايف ساينس الأمريكي تقريرًا لبنجامين بلاكيت، الصحافي المهتم بالعلوم، تحدث فيه عن القصة الحقيقية خلف الادِّعاء بأن الجزر يساعد في الرؤية بالظلام، وما هي الظروف الذي دعت إلى إطلاق مثل هذه الدعاية.
الرادار أم الجزر؟
يستهل الكاتب تقريره بالقول: إذا اعتقدت يومًا أن الجزر يساعدك في الرؤية بالظلام فقد خدعتك مجموعة من موظفي الخدمة المدنية البريطانيين منذ أربعينات القرن الماضي. أما إذا كنت تعلم بالفعل أن هذا القول المأثور كان حلمًا رآه دعاة الحرب العالمية الثانية، فربما تكون قد قبلت ذلك القول لأن لندن أرادت أن تشتت انتباه الألمان النازيين بعيدًا عن التطوير البريطاني في تكنولوجيا رادارات الطائرات.
ووفقًا لهذه الرواية كان السبب وراء نجاح سلاح الجو الملكي في إحباط القوات الجوية الألمانية، أو الغارات الليلية التي شنَّتها قوات (لوفتفافه) – الطيران النازي – هو أن طياريه كانوا يتناولون كثيرًا من الجزر، ولذلك لا داعي أن يقلق جواسيس هتلر بشأن أي تقدم بريطاني في تكنولوجيا الرادارات. ولكن هأنت قد خُدعتَ مرةً أخرى؛ إذ صُممت هذه الحملة الدعائية التي تشيد بالجزر لخداع مواطني المملكة المتحدة في المقام الأول، وليس أي شخص آخر في الرايخ الثالث.
بريطانيا المحاصرة
يشير الكاتب إلى أنه بعد سقوط فرنسا عام 1940 تُرك البريطانيون بمفردهم وأصبحوا منقطعين عن إمبراطوريتهم عن طريق الغواصات الألمانية التي تُسمى غواصات يو. وكان الحفاظ على امتلاء بطون البريطانيين في الجبهة الداخلية أمرًا بالغ الأهمية لاستمرار القتال، إذ إن استيراد الغذاء أصبح يزداد صعوبة أمام دولة قائمة على جزيرة. واتضح أن الطقس البريطاني ملائم تمامًا لزراعة الجزر، ولكن المشكلة الوحيدة أن المستهلك البريطاني لم يكن مُولعًا بالجزر.
يقول جون ستولارتشيك، أمين متحف الجزر العالمي: «لم يكن الجزر قط من الخضروات التي تحظى بشعبية كبيرة قبل الحرب العالمية الثانية، بل كان يُعد من خضراوات الفقراء».
إلا أن إنتاج الجزر خلال الحرب ازداد بنسبة 300% في بريطانيا، وفقًا لستولارتشيك. وأصبحت الحكومة في موقف صعب، إذ كان هناك إنتاج كبير من هذه الخضراوات والذي سيُهدَر إن لم يتغير موقف المواطنين منه. وأوضح ستولارتشيك أن «الحكومة روَّجت للجزر على نطاق واسع، والسبب الرئيس وراء ذلك أن الجزر كان متوفرًا في البلاد، ولا حاجة لاستيراده من الخارج، ومن ثم لا يتعرض لهجمات بحرية في طريقه إلى البلاد. إضافة إلى أنه كان بديلًا جيدًا للبضائع الأخرى المقنَّنة».
الرؤية في الظلام: كذبة بيضاء
يلفت الكاتب إلى أن الحل الذي توصلت إليه حكومة وينستون تشيرشل كان أن تكذب الحكومة على الشعب كذبة بيضاء. فانتشرت الملصقات التي تروج لخصائص الجزر المفترَضة التي تمكن من الرؤية في الظلام، وربط ذلك بنجاح سلاج الجو الملكي. ولكن الحقيقة أن طياري سلاح الجو الملكي كانوا ناجحين جدًّا في المهام الليلية بفضل الرادار الملحق بطائراتهم.
طائرة ألمانية – الحرب العالمية الثانية
ومثل معظم الأكاذيب المقنعة كان هناك جزء ضئيل من الحقيقة في الدعاية. فأولًا يحتوي الجزر على مستويات عالية من البيتا كاروتين واللوتين، ومضادات الأكسدة التي يستخدمها الجسم في إنتاج فيتامين «أ». وهذا الفيتامين يساعد العين في تحويل الضوء إلى إشارة يمكن أن تحول إلى الدماغ لمعالجة الصور، خاصة في حالة الإضاءة الخافتة. وقالت د. إميلي تشو، نائبة المدير السريري في المعهد الوطني للعيون في بيثيسدا بولاية ماريلاند لمجلة سيانتفيك أمريكيان: إن هذا يعني أن الجزر يمكن أن يساعد في تحسين الرؤية لدى شخص يعاني من نقص فيتامين «أ»، ولكنه لن يساعد الأشخاص الذين لديهم بالفعل مستويات كافية من فيتامين «أ» في الحصول على رؤية أفضل. كما أن القرنية (الجزء الخارجي الشفاف من العين) يمكن أن تتضرر إذا كان الشخص يعاني نقصًا في فيتامين «أ»، وفقًا لتقرير نُشر عام 2013 في مجلة كوميونتي آي هيلث.
المواطنون هم المستهدفون وليس الألمان
ثانيًا أجرى العلماء البريطانيون تجارب لمعرفة هل يمكن أن يُحسن الجزر رؤية الطيارين، وفقًا لستولارتشيك. ولكن لم تكشف تلك الدراسات عن أي شيء ذي بال. لقد كانت تقنية الرادار على الطائرات المقاتلة البريطانية هي التي منحتها الأفضلية، وليس النظام الغذائي الذي يتَّبعه الطياريون، ومن غير المرجح أن الدعاية البريطانية ظنت حقًا أن حملتهم يمكن أن تصرف انتباه القيادة الألمانية العليا عن مثل هذه الحقيقة. إضافةً إلى ذلك هبطت طائرة بريطانية مزوَّدة بمعدات رادار على متنها اضطراريًّا في فرنسا عام 1941، واستعاد الألمان بقايا الطائرة واكتشفوا التكنولوجيا وبدأوا في تطوير نظام مماثل على الفور، وفقًا لمتحف الجزر العالمي.
ويختم الكاتب مع ستولارتشيك الذي قال: «ومن الواضح أن الحملة الدعائية كانت تستهدف المواطنين داخل البلاد أكثر من الألمان. فلو كانت القصة تستهدف المخابرات الألمانية في المقام الأول، فسيكون من الغريب تداولها بشدة في الصحافة البريطانية. ولم يكن الألمان بهذا الغباء».