- ℃ 11 تركيا
- 19 نوفمبر 2024
هاني المصري يكتب: أين كانت منظمة التحرير.. وأين أصبحت وهل يمكن إنقاذها؟!
هاني المصري يكتب: أين كانت منظمة التحرير.. وأين أصبحت وهل يمكن إنقاذها؟!
- 8 فبراير 2022, 4:40:03 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أكتب هذا المقال أثناء اجتماع جلسة المجلس المركزي غير الشرعية، وسأركز فيه على محاولة الإجابة عن سؤال: ماذا بعد المجلس المركزي؟
قبل الشروع في الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من التطرق إلى أين كانت منظمة التحرير سابقًا، وأين أصبحت، لتحديد أن ما يجري استمرار أم انقطاع؟
كما هو معروف منظمة التحرير ائتلاف جبهوي مستند إلى الميثاق القومي (ثم أصبح الوطني)، وإلى برنامج سياسي ونظام داخلي، وإلى تقديم خدمات لقطاعات من الفلسطينيين، وإذا دققنا سنجد أن كل هذه المسائل إما غير موجودة كليًا، أو تغيّرت جوهريًا.
وحصلت المنظمة على شرعيتها من خلال تبني هدفي التحرير والعودة، واعتماد المقاومة المسلحة، وكانت انطلاقتها الثانية والحقيقية بعد هزيمة 1967، وتبوء الثورة الفلسطينية، وخصوصًا حركة فتح قيادتها، منذ العام 1969، ولعبت معركة الكرامة دورًا حاسمًا في تحقيق ذلك.
كما تشكلت المنظمة من فصائل مقاتلة وازنة، وكانت حركة فتح أهمها كونها تملك الأغلبية بحكم وزنها، ودورها، وحافظت عليها من خلال برامجها، ونضالها، وإنجازاتها، واللجوء إلى التفرد والهيمنة ونظام المحاصصة ودعم النظام الرسمي العربي لها. كما ساعدها تبني البرنامج المرحلي على الحصول على الشرعية الفلسطينية والعربية والدولية.
وضمت المنظمة ممثلي الاتحادات الشعبية والنقابات المنتخبين، حيث كانت هيئات فاعلة تجري فيها انتخاباتـ ومن أهم روافع منظمة التحرير، وكما ضمت ممثلين عن العسكر والمستقلين الذين أسسوا المنظمة، وكان أحمد الشقيري على رأسهم، ولعبوا دورًا مهمًا في مختلف مراحلها، وكان رئيس المجلس الوطني من المستقلين حتى العام 1996.
لا بد من ممارسة ضغط سياسي وشعبي متعاظم ومتراكم يهدف إلى إحداث التغيير ويفرضه، على أساس الشراكة الكاملة من دون تخوين أو تكفير أو احتكار للحقيقة والدين والوطنية.
أما منظمة التحرير الآن فقد تم تغييبها بشكل جوهري منذ توقيع اتفاق أوسلو، وتعمق ذلك ما بعد استشهاد الرئيس ياسر عرفات، وأكبر شاهد على ذلك ما حدث في دورة المجلس الوطني الأخيرة في العام 2018، حيث دعي المجلس للانعقاد بشكل فردي، ومن دون اهتمام جدي بضم حركتي حماس والجهاد، ومن دون نية لتذليل العقبات التي تحول دون ذلك، ولم يتم توفير أجواء الثقة عبر احترام مؤسسات المنظمة، وتنفيذ قراراتها، بل أصبح أمرًا عاديًا اتخاذ قرارات ولا تنفذ، أو كما حدث بالتخلي عن قرار التحلل من الاتفاقيات من دون الرجوع إلى المؤسسات أو الفصائل التي شاركت في القرار ودعمته، كما جرى مع إلغاء الانتخابات من دون تشاور ولا مشاركة للكل الوطني.
وأغرق المجلس الوطني في دورته السابقة بأعداد غير محددة من الأعضاء من دون معرفة لماذا ولا على أي أسس، ولم تشكل في بداية الدورة لجان كما كان معمولًا به سابقًا، حيث كانت تشهد اللجان حوارًا جديًا ينتهي بتقديم توصيات لإقرارها من المجلس الوطني. كما تم شطب أعضاء بعدم دعوتهم، من ضمنهم شخصيات تاريخية رافقت المنظمة منذ البداية، من دون تفسير ولا تبرير.
وارتكب المجلس الوطني الخطيئة الكبرى بتفويض صلاحياته بالكامل للمجلس المركزي، بحجة تمكينه من الانعقاد بفترات متقاربة، ومعظم الأعضاء لا يعرفون كيف اتخذ هذا القرار، فلم تعرض المسألة على اللجنة القانونية مع موجبات التعديل لتدرسها، وتقديم توصيات بالتفويض المطلوب، ليصار إلى إقرار التعديل للنظام الداخلي على هذا الأساس. كيف يعقل في ضوء هذا العوار القانوني الذي يمس بشرعية عقد المجلس المركزي ويضرب بنية المنظمة الأساسية أن يبنى عليه تخويله بانتخاب رئيس المجلس الوطني وأعضاء جدد في اللجنة التنفيذية، من دون مشاركة أعضاء المجلس الوطني الذين لهم الحق في الانتخاب والترشح؟! كان يمكن الالتزام بقرار المجلس بتشكيل مجلس وطني جديد، وليس التمسك بقرار التفويض الذي من شأنه القضاء التام على المنظمة إذا لم يتم التراجع عنه.
وللتدليل على صحة ما ذهبنا إليه، نشير إلى أنه في الفترة منذ تأسيس المنظمة حتى توقيع اتفاق أوسلو عقد المجلس الوطني 20 دورة، ولم يعرض الاتفاق على المجلس الوطني، بل تم الاكتفاء بالمصادقة عليه في المركزي.
هذا مع العلم أن المجلس المركزي أقر إنشاؤه في العام 1977 وعقد أول جلسة في العام 1985، وعقد 30 دورة حتى العام 2018، في حين كان المجلسان الوطني والمركزي يعقدان قبل أوسلو جلسة أو جلستين في كل عام. وكانت مؤسسات المنظمة حينها فاعلة وتشهد حوارات جادة ومعارضة تمكنت من منع إقرار مسائل سياسية وتنظيمية، وشهد تباينات وصلت إلى درجة تعليق عضوية فصائل لعضويتها في اللجنة التنفيذية لكن على خلفية سياسية، سواء كان ذلك صحيحًا أم خاطئًا، ولكنه من حق أي فصيل وأي عضو من دون أن يصل إلى التشكيك بالمنظمة ووحدانية تمثيلها.
وساعد على تفعيل المنظمة حينذاك أن حركة فتح كانت حركة شعبية واسعة، ولم تصبح حزب موظفي السلطة، وتشهد تعددية وأشبه بجبهة وطنية داخل المنظمة. ونقول لكهنة المعبد المتباكين على المنظمة ويحذرون من البدائل للبقاء على سيطرتهم بأن من سعوا لإنشاء البدائل من خارجها فشلوا، أما البديل عنها فهو ولد من داخلها، من خلال قيام السلطة التي جرى تضخيمها وتقزيم المنظمة. فالسلطة أنشئت بقرار من المجلس المركزي، وأي إنقاذ للمنظمة يتطلب إنهاء سطوة السلطة عليها، وإعادتها إلى مكانها كأداة من أدوات المنظمة.
ما يعطي بعض الأمل أن حجم المعارضة لعقد المجلس المركزي في جلسة غير شرعية كبير جدًا، وهذا يرجع لأنها غير شرعية من الناحيتين القانونية والسياسية؛ كونها تهدف أساسًا إلى شرعنة السقف السياسي الجديد الهابط للسلطة، الذي يتساوق مع “السلام الاقتصادي”، وتنصيب القيادات الداعمة لهذا النهج.
رغم ما سبق يمكن أن نشير بدرجة من الثقة إلى أن الأمل بالتغيير موجود، لأن هناك خارطة سياسية جديدة قد ترسم.
فعدم حضور الجلسة شمل الجبهة الشعبية، والمبادرة، والجبهة الشعبية – القيادة العامة، والصاعقة، وأوساط واسعة من فتح (ناصر القدوة ومن معه في الملتقى الوطني الديمقراطي، ومحمد دحلان وتياره)، وتيار كبير في الجبهة الديمقراطية، وحزب الشعب الذي شارك في الجلسة الافتتاحية وانسحب، والتحالف الشعبي للتغيير، والحملة الوطنية لإنقاذ منظمة التحرير، وعدد مميز من المستقلين، منهم حنان عشراوي، وحسن خريشة، وفيحاء عبد الهادي، ومحسن أبو رمضان، وأحمد عزم، إضافة إلى ريما نزال وغيرهم ممن قاطعوا دون إعلان، إضافة إلى أن أعضاء المجلس من كتلة التغيير والإصلاح من رئاسة المجلس التشريعي ورؤساء اللجان الذين لم تتم دعوتهم أسوة بنظرائهم من حركة فتح من أعضاء التشريعي المنحل بشكل غير قانوني، ولكن تم التعامل معه كمنحل بالنسبة إلى بعض الأعضاء وقائم بالنسبة إلى آخرين.
ويضاف إلى ما سبق أن العديد من المشاركين في المركزي من حركة فتح وغيرها من الفصائل والمستقلين غير راضين عما يجري، وشاركوا إما خشية من العقاب، أو لأنهم ما زالوا يرون أملًا في المنظمة بوضعها الحالي وأن العمل من داخل المؤسسة أفضل أو أقل سوءًا، أو خشية من قيام أو الانزلاق إلى تشكيل منظمة تحرير بديلة أو موازية، وفي ظل عدم طرح المعارضة لبديل مقنع وعملي، وتبقى هذه نقطة ضعف كبرى يجب أن تعالج حتى تؤخذ المعارضة على محمل الجد.
إن عقد المجلس المركزي على خطورته لا يجب اعتباره نهاية المطاف، بل قد يكون بداية الفرج، على أساس رب ضارة نافعة، ويمكن تحويل شيء ضار إلى شيء نافع.
نقاط انطلاق لا بد منها
منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد، وإن عدم ضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي وفصائل وقطاعات وشخصيات وازنة لها؛ ينتقص من هذا التمثيل، ويهدد بفقدانه كليًا، وهذا يتطلب توزيع قيادات المنظمة، ودوائرها على مختلف أماكن تواجد الشعب الفلسطيني، حتى تقوم بدورها كممثل للشعب كله ولا تبقى تحت رحمة الاحتلال.
إنّ إنقاذ القضية الوطنية التي تواجه تحديات جسيمة وأداة تجسيدها منظمة التحرير، لا يمكن أن يكون من دون الاتفاق على إعادة تعريف وإحياء المشروع الوطني، والميثاق الوطني، وتحديد الهدف الوطني المركزي في هذه المرحلة، والشراكة الحقيقية، ومن دون إنهاء الانقسام، بما يوحد المؤسسات في سلطة واحدة، ومن ثم الذهاب إلى الانتخابات، وإعادة تعريف السلطة، وتغيير وظائفها، وموازنتها، والتزاماتها؛ لتكون أداة من أدوات منظمة التحرير والبرنامج الوطني.
إن وحدانية تمثيل المنظمة أمر لا مساس به، وهذا يقتضي احتفاظ أعضاء المجلس الوطني بعضويتهم إلى حين تشكيل مجلس وطني جديد، عبر الانتخابات لممثلي الشعب المنتخبين في المجلس التشريعي من الضفة والقطاع، والممثلين المنتخبين للاتحادات الشعبية والنقابات والجاليات والمخيمات في الخارج حيثما أمكن، وبالتوافق الوطني وفق معايير حيثما يتعذر إجراء الانتخابات.
الشروع في حوار وطني تمثيلي يشارك فيه ممثلون عن جميع تجمعات الشعب الفلسطيني وقطاعاته، خصوصًا الشباب والمرأة، وإنهاء واقع أن المنظمة تغرق بممثلين من الضفة، وبعدد قليل من القطاع والشتات؛ بهدف الاتفاق على رزمة شاملة تطبق بالتوازي والتزامن.
تشكيل قيادة انتقالية مؤقتة تضم ممثلين عن القيادة المتنفذة، وممثلين عن القطاعات المختلفة، تمارس عملها لمدة عام فقط، إلى حين إجراء الانتخابات وتشكيل المجلس الوطني وتغيير السلطة.
وحتى يتم تحقيق ذلك، يجب عدم الاكتفاء برفض الخضوع والاستسلام للواقع، وإنما أيضًا الابتعاد عن التطرف والمغامرة والقفز عن الواقع.
يمكن البدء بإعلان موقف من أوسع قطاع من المهتمين يطالب القيادة الرسمية بالدعوة إلى الحوار الشامل المطلوب المختلف عن حوار الطرشان الذي جرى سابقًا، من دون أوهام عن إمكانية استجابتها، فلا يجب الاعتماد على المطالبة والمناشدة من المسؤولين الذين أوصلونا إلى هذا الوضع المأزوم على كل المستويات والمجالات، ولا انتظار الاستجابة، لأن من مصلحة القديم إبقاء الوضع على ما هو عليه، بل لا بد من ممارسة ضغط سياسي وشعبي متعاظم ومتراكم يهدف إلى إحداث التغيير ويفرضه، على أساس الشراكة الكاملة من دون تخوين أو تكفير أو احتكار للحقيقة والدين والوطنية.
وهذا الهدف حتى يتحقق بحاجة إلى وضع خطة ملموسة، تتضمن لقاءات وندوات ومؤتمرات واجتماعات ومظاهرات واعتصامات، وصولًا إلى تشكيل جبهة وطنية واسعة للإنقاذ الوطني تحت شعار “نعم لإنقاذ وإعادة إحياء وبناء مؤسسات منظمة التحرير، لتكون قولًا وفعلًا الممثل الشرعي الوحيد”.
وأخيرًا، هل يمكن النجاح في تحقيق هذا الهدف؟ الجواب: إنه صعب جدًا، ولكنه ليس مستحيلًا، فهو بحاجة إلى وقت، وإدراك أن زمن تأسيس منظمة التحرير يختلف كثيرًا عن الوضع الراهن، محليًا وعربيًا وإقليميًا ودوليًا وإسرائيليًا، وأن إعادة بناء المنظمة تؤثر فيه عوامل ومتغيرات متعددة، وليس العامل الفلسطيني وحده على أهميته. فهل نبدأ؟