- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
نورييل روبيني يكتب: لماذا يؤمن العقلاء بأمور غير منطقية؟
نورييل روبيني يكتب: لماذا يؤمن العقلاء بأمور غير منطقية؟
- 3 نوفمبر 2022, 6:04:22 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أصدر الكاتب “مايكل شيرمر” الباحث الأمريكي، ومؤرخ العلوم، والمدير التنفيذي لجمعية المتشككين، وناشر ومؤسس مجلة الشك، كتاباً جديداً بعنوان “المؤامرة: لماذا يؤمن العقلاء بأمور غير منطقية؟”، في 25 أكتوبر 2022، عن “مطبعة جامعة جونز هوبكنز”، استعرض فيه الأسباب التي تجعل فكرة المؤامرات جذابة للغاية لشرائح من الناس، ويقدم مراجعة شاملة لنظريات المؤامرة؛ من يصدقها ولماذا، وأيها حقيقي وأيها زائف، وما يجب أن نفعله حيالها. وجادل الكاتب بأن الثقة بنظريات المؤامرة تتقاطع مع الجنس والعمر والعرق والدخل ومستوى التعليم والوضع المهني، وحتى الانتماء السياسي. ومن ناحية أخرى، أشار “شيرمر” إلى أن أحد المحفزات التي تزيد من إيمان الناس بهذه المؤامرات هو أنه في بعض الأحيان، يتبين أن نظريات المؤامرة صحيحة؛ فقد كانت “ووترجيت” مؤامرة بالفعل، كما قام الأطباء بإيذاء المرضى عمداً في تجربة “توسكيجي” للزهري بين عامي 1932 و1972، كما تزيف الحكومات الحقائق أحياناً، وهو ما يتطلب التعامل مع نظريات المؤامرة بشكل بناء، وفقاً لما يطرحه الكاتب في مؤلفه الجديد.
تصنيفات متعددة
يشير الكاتب إلى أنه يوجد دائماً جمهور للمؤامرات، ويعرف المؤامرة بأنها شخصان أو مجموعة يتآمرون سراً للحصول على امتيازات أو لإلحاق الأذى بالآخرين بشكل غير أخلاقي أو غير قانوني. وقد تنوعت تصنيفات العلماء لعناصر المؤامرة، بحسب الكاتب؛ وذلك على النحو التالي:
1- مكونات لازمة لبناء المؤامرة: وضع عالما السياسة “جوزيف أوسينسكي”، و”جوزيف بارنت”، أربعة عناصر يجب أن تكون موجودة حتى تكون هناك مؤامرة، وهي: وجود مجموعة، تتصرف في الخفاء، لتغيير المؤسسات أو اغتصاب السلطة أو إخفاء الحقيقة أو الحصول على المنفعة، على حساب الصالح العام.
2- خمسة أنواع لنظرية المؤامرة: حاول بعض الباحثين تصنيف المؤامرة إلى أنواع مفاهيمية؛ ففي كتابه “ثقافة المؤامرة”، صنف عالم السياسة “مايكل باركون” نظريات المؤامرة إلى ثلاثة أنواع شاملة، هي: نظريات مؤامرة الأحداث Event conspiracy theories، مثل اغتيال جون كنيدي وأحداث 11 سبتمبر، ونظريات المؤامرة المنهجية Systemic conspiracy theories، مثل تلك التي تنطوي على السيطرة الاجتماعية، والسلطة السياسية، وحتى الهيمنة على العالم، وأخيراً نظريات المؤامرة الخارقة Superconspiracy theories، مثل تلك التي تنطوي على الحديث عن فرد واحد أو قوة تهيمن على العالم. وتقلل مثل هذه النظريات من تعقيد العالم إلى معركة بسيطة بين قوى الخير وقوى الشر.
فيما يضيف الكاتب تمييزاً آخر إلى هذه المخططات التصنيفية، مثل نظريات المؤامرة بجنون العظمة paranoid conspiracy theories، التي تنطوي على كيانات فائقة السرية تكون مدفوعة بجنون العظمة، والتي قد تشمل الأجانب، وقوى الشر، وكذلك نظريات المؤامرة الواقعية and realistic conspiracy theories، التي تنطوي على مؤسسات سياسية عادية تتآمر على التلاعب بالنظام للحصول على امتيازات غير عادلة وغير قانونية، وتشمل مخططات الغش الضريبي، وأنشطة التهرب من اللوائح التنظيمية.
3- انتشار نظرية المؤامرة في البلدان المتقدمة: أشار الكاتب إلى أن “أوسينسكي” و” بارنت” قاما أيضاً بتجميع البيانات من العديد من استطلاعات الرأي حول نظرية المؤامرة، التي كشفت عن بعض الأرقام “المقلقة”؛ إذ يعتقد نحو ثلث الأمريكيين بأن أوباما “أجنبي” وُلد خارج الولايات المتحدة، ويؤكد أكثر من نصف الجمهوريين هذا الادعاء. فيما يعتقد الكثيرون أن أحداث 11 سبتمبر كانت “عملاً داخلياً” لإدارة جورج بوش، بل تذهب نظريات المؤامرة إلى حد القول بأن قيادة الدفاع الجوي الأمريكي طلبت من الطائرات المقاتلة “الانسحاب” والسماح للطائرات التجارية بالوصول إلى أهدافها، ومن ثم تورط الجيش الأمريكي في المؤامرة. كما كشف استطلاع أجرته “يوجوف” عام 2016، أن 41% من البريطانيين يعتقدون أن الحكومة “تخفي الحقيقة حول عدد المهاجرين الذين يعيشون بالفعل في البلاد”، ويعتقد 4% أن “فيروس الإيدز تم نشره في جميع أنحاء العالم عن عمد من قبل منظمة سرية”.
عواقب وخيمة
يشير الكاتب إلى أن هناك عواقب واقعية للإيمان بالمؤامرات، ويمكن تناول أبرزها في عدد من النقاط؛ وذلك على النحو التالي:
1- الانخراط في أعمال العنف: خلص باحثون من جامعة “تشابمان” إلى أن منظري المؤامرة “يميلون إلى أن يكونوا أكثر تشاؤماً بشأن المستقبل القريب، وأكثر خوفاً من الحكومة، وأقل ثقة بالآخرين في حياتهم، وأكثر عرضة للانخراط في أعمال العنف بسبب مخاوفهم، مثل شراء الأسلحة. ويستشهد الكاتب بإطلاق النار الجماعي في مسجدين بنيوزيلندا عام 2019.
2- انتشار الجماعات المتطرفة: في السياق ذاته، يشير الكاتب إلى أنه قد ساعد هذا البحث في شرح تصرفات الجماعات المتطرفة مثل “القاعدة” و”داعش”؛ إذ يخشى أعضاء هذه التنظيمات من أن الولايات المتحدة تتآمر لاحتلال الشرق الأوسط وتدمير الثقافة الإسلامية، إن لم يكن الإسلام نفسه، وهي نظرية مؤامرة أشاعها المؤسس الفكري للقاعدة “عبد الله عزام”؛ ما دفعهم لتبني أفكار متطرفة وأفعال عنيفة.
3- توظيف المؤامرة لقمع المواطنين: بحسب الكاتب، تقوم الحكومات الاستبدادية بتلفيق نظريات المؤامرة حول التهديدات التي تتعرض لها الأمة وعلى إثرها يتم تنفيذ عدد من الإجراءات القمعية لمكافحة هذه المؤامرات، لكن يرى المؤلف أنه يجب على المواطنين بدورهم التفريق بين نظريات المؤامرة التي يجب تصديقها، مثل الغزاة الأجانب أو العصيان الداخلي، أو تلك التي صنعتها الحكومة نفسها لإخفاء أفعالها غير القانونية. وقد تكشفت مثل هذه المكائد التآمرية أيضاً في الدول الأوروبية خلال القرن العشرين، وفي الولايات المتحدة. على سبيل المثال، هدد الرئيس وودرو ويلسون والمحكمة العليا الأمريكية حريات الأمريكيين الألمان خلال الحرب العالمية الأولى.
عوامل مشتركة
يطرح الكاتب تساؤلاً مهماً حول من يؤمن بالمؤامرات، وهل هناك عوامل مشتركة فيما بينهم؟ ويشير في هذا السياق إلى أن المتآمرين “يتقاطعون في الجنس والعمر والعرق والدخل والانتماء السياسي والمستوى التعليمي والوضع المهني”؛ وذلك على النحو التالي:
1- الانتماء السياسي: يلعب الانتماء السياسي دوراً مهماً؛ فمن المرجح أن يُكون الليبراليون مؤامرات عندما يكون المحافظون في السلطة، والعكس صحيح. وتختلف أيضاً نظريات المؤامرة باختلاف الانتماء الحزبي. على سبيل المثال، الجمهورون البيض هم أكثر المتشككين حول مسقط رأس أوباما.
2- التشابه العِرقي: يشير الكاتب إلى أن العِرق ليس مؤشراً قوياً على المؤامرة الشاملة، لكنه يحدد جزئياً ما هي نظريات المؤامرة التي من المرجح أن يتم تبنيها. فعلى سبيل المثال، يميل الأمريكيون الأفارقة أكثر إلى الاعتقاد بأن الحكومة الفيدرالية اخترعت الإيدز لقتل السود، وأن وكالة المخابرات المركزية زرعت الكوكايين في أحياء المدن الداخلية لتدميرهم.
3- مستوى التعليم: بحسب الكاتب، فإن التعليم يخفف من حدة الإيمان بالمؤامرة؛ حيث سجل 42% من أولئك الذين لم يحصلوا على شهادة الثانوية العامة درجات عالية في وجود ميول تآمرية، مقارنة بـ22% من الحاصلين على شهادات عليا. ويؤكد الكتاب أنه كلما زاد التماهي مع النظرة العلمية للعالم، قل احتمال تصديق المؤامرات.
4- القلق الثقافي: يشير الكاتب إلى أن القلق الثقافي يؤدي إلى التفكير في المؤامرة؛ فعلى سبيل المثال، وجدت دراسة استقصائية أجريت عام 2018 على أكثر من 3000 أمريكي أن الذين عبروا عن شعورهم بأن القيم الأمريكية آخذة في التآكل كانوا أكثر عرضة للاتفاق مع التصريحات التآمرية مثل الإيمان بأن “العديد من الأحداث الكبرى وراءها تصرفات مجموعة صغيرة من المؤثرين”.
5- ضعف الثقة بالآخرين: وجدت الأبحاث المبكرة أن المؤمنين بالمؤامرة كانوا أقل ثقة بالآخرين مثل الأصدقاء والجيران وزملاء العمل، وليس فقط الحكومة ووسائل الإعلام. وقد تم إثبات ذلك في الدراسات البحثية عبر مجموعة متنوعة من التخصصات، بما في ذلك علم النفس المعرفي، والعلوم السياسية، والاقتصاد السلوكي، والدراسات القانونية.
أنماط المؤامرة
أشار الكاتب إلى وجود أنماط ثلاثة للمؤامرة، يمكن استعراضها على النحو التالي:
1- المؤامرة بالوكالة Proxy Conspiracism: تعد العديد من نظريات المؤامرة “وكلاء” لنوع مختلف من حقيقة المؤامرة، وهي إما حقيقة أسطورية، أو نفسية، أو تجربة معيشية أعمق.
وعلى هذا النحو، فإن تفاصيل وصدق نظريات مؤامرة معينة أقل أهمية من الحقائق المعروضة فيها، التي غالباً ما تحتوي على معانٍ تعريفية ووجودية وأخلاقية، وغالباً ما تتضمن القوة، لكل من المؤامرة والمتآمرين المتصورين.
2- المؤامرة القبلية Tribal Conspiracism: تشير إلى أن العديد من نظريات المؤامرة تحتوي على عناصر من المعتقدات ونظريات المؤامرة السابقة التي طالما اعتبرت عناصر أساسية للهوية السياسية، أو الدينية، أو الاجتماعية، أو القبلية. وعلى هذا النحو، قد تكون نظريات المؤامرة الحالية بمنزلة بدائل للنظريات السابقة التي لها جذور عميقة في التاريخ. وأشار المؤلف في هذا السياق إلى “أننا غالباً ما نميل إلى إصدار حكم قيمي بناء على معتقداتنا؛ لأن ميولنا القبلية المتطورة تقودنا إلى تشكيل تحالفات مع أعضاء متشابهين في التفكير في مجموعتنا وشيطنة الآخرين الذين لديهم آراء مختلفة”.
3- المؤامرة البناءة Constructive Conspiracism: يفترض معظم الباحثين والمعلقين على نظريات المؤامرة أنها تمثل معتقدات خاطئة، وهذا خطأ حسب الكاتب؛ لأن كلاً من التاريخ والأحداث الجارية مليئة بالمؤامرات الحقيقية، مثل فضيحة ووتر جيت، وانخراط وكالة المخابرات المركزية سراً في ممارسة الاغتيالات السياسية الدولية وتغيير النظام.
فعلى سبيل المثال، ناقشت إدارة “كينيدي” بالفعل طرق اغتيال “فيدل كاسترو” بأساليب كانت موجودة في أحد الأفلام الأمريكية، مثل استخدام سيجار متفجر؛ أو سيجار مسموم، بجانب كذب تقرير الحكومة الأمريكية عن تاريخ التدخل السياسي والعسكري في فيتنام من عام 1945 إلى عام 1967 والفجوة بين ما قيل للجمهور مقابل ما كان يحدث بالفعل أثناء مشاركة الدولة في الحرب، وغيرها.
وبحسب الكاتب يمكن التفكير في المؤامرة البناءة باعتبارها موقفاً افتراضياً عند العيش في عالم خطير؛ فإذا اتضح أنه لا يوجد خطر، فلا ضرر من ذلك. والأمثلة من التاريخ وفيرة، مثل حرب 6 أكتوبر 1973؛ إذ شن تحالف من الدول العربية، بقيادة مصر وسوريا، هجوماً مفاجئاً على إسرائيل، لكن هذا الفشل في الاعتراف بمؤامرة من جانب عدو محتمل أدى إلى يقظة إسرائيل الآن بشكل كبير حيال أي تهديدات محتملة لوجودها وهذه مؤامرة بناءة وفقاً للكاتب.
دوافع أساسية
أشار الكتاب إلى أن الاعتقاد التآمري مدفوع بثلاثة دوافع أساسية؛ وذلك كالتالي:
1- دوافع معرفية: تتضمن الدوافع المعرفية إيجاد تفسيرات سببية تخلق “فهماً مستقراً ودقيقاً ومتسقاً للعالم”؛ أي إن نظرية المؤامرة تفسير لعدد كبير من الأحداث التي تحدث في العالم والتي قد تبدو للوهلة الأولى فوضوية وعشوائية ولا يمكن تفسيرها.
فعلى سبيل المثال، لا يعد الاقتصاد خليطاً من قوانين العرض والطلب، وقوى السوق، وتغيرات أسعار الفائدة، وما شابه ذلك، بل وفقاً للتفكير التآمري يكون الاقتصاد مؤامرة لمجموعة من الأقوياء مثل مجموعة ومجلس العلاقات الخارجية، والمفوضية الثلاثية.
2- دوافع وجودية: تتضمن الدوافع الوجودية إيجاد تفسيرات سببية “تخدم حاجة الناس إلى الشعور بالأمان في بيئتهم وممارسة السيطرة عليها”. ومن ثم فإن السياسة ليست هذه العملية الفوضوية للحملات الانتخابية، والانتخابات التمهيدية، والانتخابات العامة، والتصويت، وما شابه ذلك، ولكنها وفق التفكير التآمري تدار من قبل عصابة سرية.
3- دوافع اجتماعية: تشمل الدوافع الاجتماعية “الرغبة في الانتماء والحفاظ على صورة إيجابية عن الذات والجماعة”؛ حيث يتم رؤية الجماعات الأخرى – خاصة المعادية منها – كونهم مجموعات منظمة بشكل جيد مدفوعة بمهمة سرية لاكتساب السلطة بشكل غير قانوني، على عكس “مجموعتنا” التي تتصف بصفات “ملائكية”.
استعادة الثقة
يشير الكاتب إلى أن استطلاعات الرأي تُظهر باستمرار عدم الثقة بالمؤسسات والسلطات التقليدية الأمريكية، ويرى الكاتب أن الرئيس السابق دونالد ترامب، لم يبرز من خلال ترويجه لنظريات المؤامرة حالة الخوف في البلاد، بل إنه استغل ما كان يتغلغل بالفعل في وسائل الإعلام والثقافة العامة، خاصة في المجتمعات عبر الإنترنت، في ظل مناخ من عدم الثقة. ولمعالجة ذلك، يطرح الكاتب بعض الاقتراحات حول الطرق التي يمكن من خلالها المساعدة في استعادة الثقة بالمؤسسات الحاكمة وتحييد فكر المؤامرة؛ وذلك على النحو التالي:
1- تعزيز معايير الحقيقة والصدق: يرى الكاتب أن قول الحقيقة والصدق هي فضائل لا بد منها، وكلما زاد احترام الناس لها على هذا النحو، قل احتمال انتهاكهم لها.
2- ممارسة الانفتاح النشط: أفادت الدراسات بأن هناك علاقة بين الانفتاح النشط والتشكيك في نظريات المؤامرة، وكذلك ثقة أعلى بالمؤسسات العلمية وإجماع العلم. والمبدأ هنا هو أن الانفتاح النشط يؤدي إلى تقييم أكثر موضوعية للأدلة، خاصة عندما تتعارض مع المعتقدات.
3- تطوير معايير البحث عن الحقيقة: يقترح الكاتب أنه يجب الضغط على المؤسسات لتطوير تلك المعايير التي تؤدي إلى البحث عن الحقيقة بدلاً من الدفاع عن المعتقدات، بما في ذلك – وعلى وجه الخصوص – الأوساط الأكاديمية، التي تتبنى “ثقافة أحادية خانقة”، وتعاقب الطلاب والأساتذة الذين يتحدون العقائد السائدة حول الجنس، والعرق، والثقافة، وعلم الوراثة، والاستعمار.
4- تجنب الاستقطاب الجماعي وغرف الصدى: اكتشفت عدد من التجارب كيف يمكن تعزيز المعتقدات غير المنطقية في غرف الصدى لأشخاص متشابهين في التفكير؛ ففي إحدى التجارب، تم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين: ليبراليين ومحافظين، وكُلفوا بمناقشة ثلاث قضايا: تغير المناخ، والعمل الإيجابي، وزواج المثليين. تم تسجيل آرائهم على ثلاث مراحل: (1) في البداية، بشكل خاص ومجهول. (2) في المنتصف بعد مناقشة القضايا بعضهم مع بعض حتى توصلوا إلى حكم جماعي في الموضوع. (3) بعد المناقشة بشكل خاص ومجهول.
وقد أكدت النتائج فرضية تأثير غرفة الصدى: ففي جميع القضايا الثلاث، أصبح كل من الليبراليين والمحافظين أكثر توحيداً وتطرفاً بعد تحدث بعضهم مع بعض فقط؛ ليس فقط في أحكامهم العامة، ولكن أيضاً في وجهات نظرهم الخاصة المجهولة. ومن ثم، جعلت المناقشات الجماعية المحافظين أكثر تشككاً في تغير المناخ وأكثر عداءً لزواج المثليين، بينما أظهر الليبراليون النمط المعاكس؛ وذلك بعدما أظهرت كلتا المجموعتين قبل المناقشة، تنوعاً أكبر بكثير.
5- تطوير عقلية الكشافة: يشير الكتاب إلى أننا بحاجة إلى تنمية موقف البحث عن الحقيقة، من خلال ما يسميه “عقلية الكشافة”، التي تقف على النقيض من “عقلية الجندي”؛ إذ تقود عقلية الجندي إلى “الدفاع عن معتقداتنا ضد التهديدات الخارجية، والبحث عن أدلة لدعم معتقداتنا، مع تجاهل الأدلة المضادة أو تبريرها، وتقاوم الاعتراف بأننا مخطئون؛ لأن ذلك يبدو كأنه هزيمة”. على النقيض من ذلك، تسعى عقلية الكشافة إلى اكتشاف ما هو حقيقي من خلال الأدلة والتحرك نحو الاستنتاجات التي تؤدي إلى خريطة أكثر دقة للواقع.
6- الالتزام بالعلم والإنسانية التنويرية: يرى الكاتب أن معظم التقدم الأخلاقي الذي حدث على مر القرون، بداية من إلغاء العبودية وعقوبة الإعدام، ومحاكم التفتيش، والمذابح، والعنف بشكل عام، إلى الاعتراف بالحقوق المدنية وحقوق المرأة والعمال وحتى حقوق الحيوان والأساس القانوني لها – كانت في النهاية نتيجة لتطبيق العقل والعلم لفهم السببية وحل المشكلات؛ من أجل زيادة فرص بقاء المزيد من الناس في أماكن أخرى وازدهارهم.
7- نشر معايير حرية التعبير والحوار: يدعو المؤلف إلى ضرورة انتشار معايير الحوار المفتوح وحريات التعبير على المستويات الرسمية والشعبية، مع تخفيف السلوك الرقابي الذي يؤدي إلى إسكات الذين يختلفون معك.
ختاماً، يؤكد المؤلف أن هذا الكتاب بداية لإعادة الثقة بالمؤسسات الأمريكية التي “نعتمد عليها لتحديد الحقيقة حول العالم”. ولا يقتصر الأمر على مجال منظري المؤامرة فحسب، بل لأي شخص لديه فضول ويرغب في فهم الحقيقة؛ وذلك من أجل الوصول إلى مجتمع قائم على الحقيقة، وهو “المجتمع الذي يجب أن ننتمي إليه جميعاً”؛ وذلك من وجهة نظر الكاتب.