- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
صادق الطائي يكتب: لماذا نحب نظريات المؤامرة؟
صادق الطائي يكتب: لماذا نحب نظريات المؤامرة؟
- 11 أبريل 2022, 12:20:24 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
«نظرية المؤامرة» بات مصطلحا شائعا معروفا على نطاق واسع، لكنه غير محدد الماهية، مجهول التفاصيل، تجد الكثيرين اليوم يرددون الاسم، من دون أن يعوا بدقة ماهية التوصيف. إذ أن هذا المصطلح ولد في القرن العشرين وشاع بشكل كبير مع الالفية الثالثة نتيجة الفيض الهادر للمعلوماتية الرقمية وأدواتها المتمثلة بمحركات البحث، التي تمكنك من الوصول لما تبحث عنه بسرعة وبساطة، إذ يشير ستيفان ليونداوسكي أستاذ علم النفس في جامعة بريستول إلى «أن كل هذه الآثار ترتبت على السيل المتدفق من المعلومات الزائفة التي نواجهها على الإنترنت في العصر الحالي، الذي فقدت فيه الحقيقة هيبتها».
هل قرأت كتيبات الألغاز؟ هل استمتعت بقراءة القصص البوليسية؟ هل تابعت مسلسلات وأفلام الجريمة والتحقيقات المخابراتية؟ هل تذكر متعتك من كل ذلك؟ إنها المتعة نفسها، أو شيء قريب منها يمكنك الحصول عليه عندما تسلم قيادك لتلقي ما يقوله (العارف) وهو يكشف لك خيوط مؤامرة ما.
لكن الأمثلة الأولى التي تعاطيت معها كان دافعك لذلك بشكل أساس البحث عن المتعة والتسلية، وربما في آخر المطاف يمكن أن يكون لديك دافع للبحث عن المعرفة والمعلومة، بينما في حالات تلقي «نظرية المؤامرة» يكون الأمر معكوسا، إذ تبدأ بالبحث عن المعلومة، ومحاولة الوصول إلى المعرفة، ثم تغرق في متعة الكشف السلس والمبهر لخفايا مغلفة بمعطيات علمية زائفة، حيث تقدم لك «نظرية مؤامرة»مكتملة فتصبح من مريديها والمدافعين عنها بضراوة.
خطر «نظرية المؤامرة» في خلق هوية جمعية مرتابة، قلقة، لا تمتلك معرفة علمية حقيقية، ولا تسعى للتعاطي بموضوعية مع معطيات الواقع
يمكننا تقديم مدخل لفهم المصطلح بالقول: إن المؤامرة يجب أن تحوي طرفين، هما المتآمر والمُتآمر عليه، والغاية هي إخفاء الحقيقة، عبر صياغة أكاذيب بشكل منظم، للوصول لتحقيق نتائج تكون مخفية عادة عن المتلقي البسيط، لكنها تكشف له عبر طروحات العارفين، وهنا تبدأ المتعة التي يستشعرها متلقي «نظرية المؤامرة». ويذكر الباحثون أن مصطلح «نظرية المؤامرة» ورد لأول مرة في مقالة اقتصادية عام 1920، وتم تداوله بشكل محدود بعد ذلك، حتى دخل قاموس أكسفورد عام 1997. ويمكننا أن نقول إن «نظرية المؤامرة» هي تفسير لحدث أو موقف يستدعي مؤامرة من مجموعات شريرة وقوية، غالبا ما تكون ذات دوافع سياسية، وتتصف «نظرية المؤامرة» بأنها تعزز نفسها عبر ما يعرف بالتفكير الدائري، إذ تتم إعادة تفسير كل الأدلة التي تفند المؤامرة، أو غياب الدليل على إنها أدلة على حقيقتها، حيث تتحول «نظرية المؤامرة» إلى مسألة إيمان وليس شيئًا يمكن إثباته أو دحضه. ويرى بعض الباحثين النفسيين أن الإيمان بـ»نظرية المؤامرة» قد يكون ضارا نفسيا أو عضويا، ويرتبط بمجموعة من العلل النفسية كالتفكير التحليلي المنخفض، والإسقاط النفسي، والبارانويا. وقد وجد الباحثون في الدراسات النفسية والاجتماعية أن الناس يميلون إلى الإيمان بـ»نظرية المؤامرة» لأسباب ثلاثة. أولها، الاعتقاد بوجود مؤامرة ما، ومعرفة تفاصيلها يجعل الناس يشعرون شعورا أفضل تجاه أنفسهم ومجتمعاتهم. وثانيا، أنها تساعد الناس على إيجاد معنى في عالم مربك وفوضوي. وثالثا، تسبب «نظريات المؤامرة» إحساسا بالأمان والسيطرة والتفوق، إذ لا يستسيغ الناس فكرة وقوع أحداث كبرى بصورة عشوائية، مثال ذلك الحروب، والأوبئة، والقتل الجماعي، ولهذا يقول الدكتور ستيفان ليونداوسكي «إن نظرية وجود زمرة من الأقوياء وراء هذه الأحداث العشوائية قد تطمئن البعض وتريحهم نفسيا، لأن الناس متعطشون للإجابات».
لكن يجب التوقف عند بعض التصريحات التي تبدو مشوشة، ربما نتيجة عدم دقة الفهم، وأبرز هذه التصريحات التي يمكن أن نسمعها أو نقرأها هي قول أحد ما: «أنا اؤمن بنظرية المؤامرة». هذا التصريح مشوش فكريا، لأنه لا يفرق بين «نظرية المؤامرة» والمؤامرة، إذ لا أحد ينكر وجود مؤامرات عبر التاريخ البشري، لكن التعاطي مع الحدث ودراسته وتحليله بمناهج موضوعية وعلمية شيء، والتعاطي معه بمنهجيات «العلوم الزائفة» التي تدعي العلمية والموضوعية شيء ثان تماما، وهذا الشأن هو «نظرية المؤامرة» بمعنى؛ أن «نظرية المؤامرة» ببساطة هي مجموعة أكاذيب تم ترتيبها بهيكلية جذابة لتسويقها للمتلقي بدافع غير معروف. فإذا قال أحدهم» أنا اؤمن بنظرية المؤامرة» فإن ذلك يعني» أنا اؤمن بالأكاذيب» لكن القول بوجود مؤامرات، سياسية، اقتصادية، علمية هو أمر حقيقي ويمكن البحث والتعمق فيه شرط أن نسلك المسار الصحيح. وربما هاجم البعض مجتمعاتنا الشرق اوسطية، أو العربية، أو الإسلامية بصفتها مجتمعات متخلفة تشيع فيها ظاهرة الإيمان بـ»نظرية المؤامرة» وهذا أمر غير دقيق، إذ تشيع «نظرية المؤامرة» في كل المجتمعات الإنسانية، وربما كانت هنالك مجتمعات تحظى برفاهية العلوم المتطورة لكنها تعاني من تفشي الإيمان بـ»نظرية المؤامرة «بشكل واسع، وتشير الكاتبة ميليسا هوغينبوم في مقال نشرته (BBC) إلى المدى الواسع لانتشار نظريات المؤامرة في الغرب، وتحديدا في الولايات المتحدة الأمريكية بقولها: «إن حوالي نصف المواطنين الأمريكيين يصدقون نظرية مؤامرة واحدة على الأقل، ولم يتمكن العلماء من تحديد الخصال المشتركة التي تميز الشخص الذي يصغي لهذه النظريات من غيره». كما كشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة بازل في المناطق السويسرية المتحدثة بالألمانية، وفي ألمانيا المجاورة أن 30% من الأشخاص يؤمنون ولو جزئيا بإحدى الإشاعات، أو نظريات المؤامرة ذات العلاقة بجائحة كورونا.
في كتابه المهم في هذا المضمار:»العقول الشكاكة.. لماذا نصدق نظريات المؤامرة؟» يشير الدكتور روب بروزرتن أستاذ علم النفس في كلية جولد سميث للدراسات النفسية في جامعة لندن، إلى نقاط مهمة في فهم «نظرية المؤامرة» وآليات انتشارها، وإمكانية التعامل معها، فهو يعتقد أن «نظرية المؤامرة» لا تقوم على البراهين القوية، لكنها تعتمد على اصطياد أو رصد عدد من المشاهدات المنفردة، أو الأحداث الغريبة، أو الثغرات في الروايات أو الأخبار الرسمية التي لا تجد لها تفسيرا، أو الربط بين الخيوط المختلفة داخل واقعة تاريخية ما لنسج قصة تفسيرية شاملة. كما لا يمكن إثبات خطأ «نظرية المؤامرة» في أحوال كثيرة، لأنها قائمة على التشكيك في السلطة نفسها، فإلى أي سلطة سنحتكم؟ فإذا ظهر دليل يتماشى مع النظرية، فسيقول أصحاب النظرية: هذا طبيعي، وهذا ما أخبرناكم به؛ أما إذا ظهر دليل مناقض لها فسيقولون: هذا أمر متوقع، لأن المتآمرين يزيفون الأدلة لإخفاء المؤامرة؛ وإذا لم يظهر أي دليل قَطُّ، قالوا: طبيعي، فالمتآمرون يلتزمون الحذر، وهم على قدر فائق من المهارة.
كما يشير بعض علماء النفس، مثل كارين دوغلاس الأستاذة في جامعة كِنت التي كشفت بعد بحث متعمق أسبابا عديدة تجعل بعض الناس أكثر إقبالا على نظريات المؤامرة من غيرهم. إذ ذكرت في إحدى دراساتها، أن البعض لديهم نزعة فطرية وتكاد تكون نرجسية للتفرد والتميز، وقد يتحقق هذا التميز عندما يشعر المرء بأن لديه معلومات نادرة، أو تفسيرات سرية لبعض الأحداث العالمية. كما أن هنالك ارتباطا تجدر الإشارة له بين «نظرية المؤامرة» والهوية الاجتماعية، وهو ما أشارت له عالمة النفس آني ستيرنسكو من جامعة نيويورك في مقالتها المنشورة في مجلة (Current Opinion in Psychology) إذ تشير إلى: أن «محتوى نظرية المؤامرة يزوِّد المؤمنين بها بهوية اجتماعية تدفعهم للتمسك بها. مثلًا، يُعرِّف النازيون الجدد أنفسهم بأنهم الحركة المعارضة لتآمر اليهود». كما يشير عدد من الإسلاميين إلى المؤامرة العالمية للقضاء على الإسلام، أو»نظرية المؤامرة» التي تقول إن هنالك منظمات يحركها الشر المحض مثل الماسونية العالمية، تسعى لتدمير المجتمعات العربية والإسلامية بطرق مختلفة، بعضها مكشوف لكن أغلبها مخفي.
إن خطر»نظرية المؤامرة» على مجتمعاتنا يتمثل في أنها تخلق هوية جمعية مرتابة، قلقة، لا تمتلك معرفة علمية حقيقية، ولا تسعى للتعاطي بموضوعية مع معطيات الواقع، كما أنها تخلق قطاعات في المجتمع تتصف بالاستسلام والاتكالية وانتفاخ الذات الفارغ القائم على مقولات تاريخية مفادها إننا «العرب أو المسلمون» أفضل البشر، وذلك كمعطى بنيوي، وليس نتيجة جهدنا الذي نبذله، أي أن الله خلقنا كذلك، لذلك فإن كل العالم يتآمر ضدنا. لكننا سننتصر في النهاية، حتى من دون أن نسعى بشكل جاد لأن نطور أنفسنا لنقف على قدم المساواة مع الاخر الذي نتهمه بالتآمر علينا. وفي اعتقادي أن العلاج الامثل للتعامل مع أي محتوى يمكن أن يقودنا لـ»نظرية مؤامرة» هو التمعن والتفكر عدة مرات قبل تسليم القياد لطوفان المعلومات في الزمن الرقمي الذي نعيشه.
كاتب عراقي