- ℃ 11 تركيا
- 26 ديسمبر 2024
نهاد أبو غوش يكتب: ثلاثون عاما على أوسلو والنهج ما زال قائما
نهاد أبو غوش يكتب: ثلاثون عاما على أوسلو والنهج ما زال قائما
- 3 سبتمبر 2023, 4:09:13 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تمر في شهر أيلول / سبتمبر الجاري الذكرى الثلاثون لتوقيع اتفاق أوسلو، المعروف باتفاق إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي، والتي تلتها اتفاقيات أخرى مكمّلة أو مُفصّلة، أبرزها بروتوكول باريس الاقتصادي في نيسان 1994، ثم اتفاقية أوسلو 2 التي وقعت بعد عامين من الأولى في طابا المصرية ثم في واشنطن. أبرز النتائج التي ترتبت على توقيع اتفاق أوسلو كان إنشاء السلطة الفلسطينية، وعودة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية مع عشرات الآلاف من كوادرها وعناصرها وعائلاتهم إلى أرض الوطن.
لكن النتيجة الحقيقية الملموسة التي يعرفها كل فلسطيني أن الاحتلال ما زال يتكرس ويفرض سطوته على كل الفلسطينيين، ويتحكم في حياتهم وحركتهم وتنفسهم، أما الآمال التي انتعشت وجرى ترويجها وتضخيمها مع توقيع الاتفاق، على شاكلة تحويل قطاع غزة إلى سنغافورة الشرق الأوسط، فما لبثت أن تبددت مع اغتيال اسحق رابين ثم وصول اليمين برئاسة بنيامين نتنياهو للحكم في العام 1996. واكتملت الخيبة/ الكارثة بتبني حزب العمل الإسرائيلي تحت قيادة إيهود باراك رؤية اليمين الإسرائيلي بتأبيد الاحتلال، والقيام بكل ما من شأنه تقويض فرص قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وتوسيع الاستيطان، وتهويد القدس، وجعل الحكم الإداري الذاتي المحدود سقفا لطموحات الفلسطينيين مع تعزيز تبعيتهم لإسرائيل.
هل كان مصير الصراع والسلام معلقا على حياة شخص واحد اسمه اسحق رابين وحين اغتالته قوى اليمين الإسرائيلي المتطرف أوسلو انهار هذا السلام وتبين الوجه الحقيقي لإسرائيل، أم كان أوسلو فخّا نصبته إسرائيل بإحكام واستدرجت إليه القيادة، ومعها عموم الحركة الوطنية الفلسطينية؟ أم كان مقامرة ورهانا على رغبة حزب العمل الجادة في السلام، أم يا ترى كان خيارا واعيا قبلت به القيادة الفلسطينية وهي مدركة تمام الإدراك لثغرات الاتفاق القاتلة ولكنها وافقت عليه مرغمة تجنبا لما هو أسوأ بالنسبة لها، أي خيار الشطب والخروج من المعادلة ولا سيما أن القيادة تعرضت قبل الاتفاق، وتزامنا مع نتائج حرب الخليج الأولى وانهيار الاتحاد السوفييتي، لحصار سياسي ومالي عربي ودولي.
لعل بعض الأسئلة المثارة تكون من اختصاص المؤرخين والباحثين، الذين تتطلب مهمتهم دراسات علمية رصينة بعيدة عن الهوى والانفعالات والانحيازات المسبقة، وبعضها الآخر أجاب عليها الواقع بوضوح لا مزيد عليه إذ نراه الآن ونتلمسه من متابعتنا اليومية للمشروع الإسرائيلي الراهن لحسم الصراع وتصفية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. وليس ثمة جديد في القول أن كل الثغرات والمثالب التي انطوى عليها اتفاق أوسلو في نصوصه وتطبيقاته كانت واضحة وقد شُخّصت بدقة من قبل القوى المعارضة ومنتقدي الاتفاق، وخصوصا أن الاتفاق لم يشر باي شكل من الأشكال لوجود الاحتلال ولا تطرق بوضوح إلى هدف مسيرة التسوية والمفاوضات بالخلاص من الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس، وأجّل القضايا الأكثر أهمية وهي القدس واللاجئين والمستوطنات والدولة والحدود، وأضيفت لها قضية المياه في تصميم إسرائيلي لا يخلو من الدلالات التوسعية، بينما صنفت قضية الأسرى ضمن ما أسمي بإجراءات بناء الثقة.
في بداية المفاوضات والاتفاقيات، أظهرت إسرائيل تشددا مفتعلا ومبالغا به حيال القضايا الشكلية والبروتوكولية، من قبيل تسمية المجلس الفلسطيني، وصفة الرئيس، هل هو President كما يُسمّى رؤساء الدول، أم Chairman كما يسمى رئيس هيئة أو مؤسسة أو سلطة. ولكنها لاحقا تساهلت في هذا الأمر وأغدقت على الفلسطينيين ما شاؤوا من لوازم الوجاهة والبريستيج، وخصوصا امتيازات كبار المسؤولين من بطاقات وحرية حركة وألقاب وتسهيلات لم الشمل لأسرهم، مقابل التشدد في القضايا السيادية الحقيقية مثل نشاطات السلطة في القدس والمناطق المصنفة (ج) أو الأحوال العامة للشعب وما يتعرض له مئات الالاف يوميا من صنوف التنكيل والإذلال على الحواجز والطرق التي تصل بين المحافظات.
باستثناء شهادات فردية وشخصية أدلى بها بعض من شاركوا في التحضير لاتفاق أوسلو ثم غادروا مواقعهم، لم تحصل مراجعة جادة ومسؤولة لما جرى، مراجعة تفضي إلى استخلاص العبر والدروس وتغيير أساليب العمل والقيادة. بل على العكس، فإن القوى التي انتقدت أوسلو وهاجمته وعارضته، تكيفت مع الوقت مع أوسلو وتطبيقاته، فبعضها شارك في حكومات السلطة، ومعظمها (للدقة جميعها ما عدا حركة الجهاد) شارك في انتخابات المجلس التشريعي الناشئ عن السلطة وأوسلو، وهي حافظت على انتقاداتها لنهج أوسلو وطريقة اتخاذ القرار، ولكن قيادات هذه الأطراف لا تمانع، بل إنها تكافح، من أجل الحصول على الامتيازات التي يوفرها اتفاق أوسلو لبعض القيادات مثل بطاقات الشخصيات المهمة جدا، وحرية الحركة بموجب التنسيق الأمني بينما عشرات آلاف الفلسطينيين ممنوعون من السفر، وأكثر من خمسة آلاف مناضل ومناضلة يرزحون في السجون، والعشرات منهم قضوا في السجن أكثر من ربع قرن.
ثمة مفارقة جارحة في هذا المشهد الجارح، وهي أن من قادوا الشعب الفلسطيني في التسينات والسبعينات وتغنوا عندها بالكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية طويلة الأمد، هم انفسهم، إلا من اختاره الله إلى جواره، من قادوا المراحل التالية من برنامج النقاط العشر، إلى أوسلو، إلى يومنا الأغبر هذا، فأسيادنا في الجاهلية هم أسيادنا في الإسلام، وهم أسيادنا كذلك في مرحلة القطب الواحد والعالم المتعدد الأقطاب الذي يتخلق الآن مع نهوض العملاقين الصيني والهندي وسعي السعودية للبحث عن مكانة تليق بها في هذا العالم. فلا مراجعة ولا تقييم ولا محاسبة، مع أن اتفاق أوسلو لم يكن مجرد نصّ نتفق عليه أو نختلف، بل هو نهج يقوم على الاستفراد بالقرار وتغييب الشراكة الوطنية، فهل نتعظ؟