نصر القفاص يكتب : "محمد نجيب" الذى لا يعرفه المصريون!! (15)

profile
نصر القفاص كاتب وإعلامي
  • clock 9 يونيو 2021, 3:24:44 ص
  • eye 846
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يحدثنا "خدم الملكية والاستعمار" عن "الولد الذى حكم مصر" بأنه ترك الحكم وغادر مصر دون التصدى للضباط الأحرار حرصا على شعبه.. بينما يقول "محمد نجيب" فى مذكراته أن الملك حاول المقاومة, لدرجة أنه طلب من قائد القوات البريطانية فى مصر إحتلال القاهرة وضرب الإسكندرية بالأسطول!

يذكر "أول رئيس لمصر" تفاصيل ذلك, بقوله: "علمنا أن الملك إتصل بالسفير الأمريكى, وطلب منه إبلاغ الانجليز أنه فى حاجة إلى عونهم.. لكن السفير الأمريكى إعتذر بحجة عدم تدخل حكومته فى الشئون الداخلية.. غضب الملك من رد كافرى – السفير الأمريكى – وطلب قائد القوات البريطانية فى مصر, وطلب منه أن يضع خطة لتهريبه هو وأعوانه.. تراخى القائد البريطانى فى الاستجابة لطلب الملك.. فإذا بالملك يطلب منه احتلال القاهرة وضرب الإسكندرية بالأسطول.. فى هذه المرة أبلغوه برفض طلبه تماما.. لم ييأس الملك.. إتصل بوزير الخارجية البريطانى إيدن وكرر عليه نفس مطالبه.. عرض إيدن الأمر على حكومته, التى عرضتها على الرئيس الأمريكى ترومان الذى عارض ذلك بشدة"

تلك شهادة "محمد نجيب" التى أوردها فى مذكراته.

ومضى "كاتب المذكرات" ليشرح.. كيف خطط ونفذ عملية خلع الملك, فقال: "سافرت يوم الجمعة 25 يوليو بالطائرة إلى الإسكندرية.. سافر معى أنور السادات وجمال سالم وزكريا محيى الدين.. توجهت إلى معسكر مصطفى باشا – معسكر مصطفى كامل – وعلى طول الطريق من مطار النزهة إلى مصطفى باشا كانت جموع المواطنين على الصفين يهتفون لنا.. كان على أن أسلم إنذار الملك إلى على ماهر فى بوكلى.. وفى الإنذار ما يكفى لتنازل فاروق عن عرشه.. ساعتها تمنيت أن يقبل فاروق الإنذار وينزل عن عرشه دون إراقة دماء أو قتال بين جنودنا والحرس الملكى"

على طريقة "محمد نجيب" ذكر قصة مسلية مفككة شديدة السذاجة!

فهو يقول: "طلب زكريا محيى الدين أن نؤجل العملية إلى اليوم التالى, حتى يستريح الجنود الذين لم يناموا منذ قامت الحركة.. رفض جمال سالم.. حسمت الأمر وأمرت بتأجيل العملية إلى يوم السبت 26 يوليو حتى يستريح الجنود.. قررت ألا أفاتح على ماهر فى حكاية الإنذار إلى اليوم التالى.. تناقشنا فى بعض الأوضاع القانونية مع المستشار سليمان حافظ ليوضح وجهة نظره, وتذكرت أننى كنت عضو معه فى محكمة عسكرية كان يرأسها أثناء الحرب العالمية الأخيرة.. وعندما عدت إلى ثكنات مصطفى كامل فوجئت بأن جمال سالم يثير مشكلة فى غاية الأهمية عن مصير الملك فاروق بعد خلعه من العرش.. ماذا نفعل به؟! هل نحاكمه؟! هل نطلق سراحه؟! أم نرسله إلى المنفى؟! وقال جمال سالم: أننا قررنا عزل فاروق.. لكننا لم نقرر شيئا عن مصيره.. وقبل أن يتركنا نرد على سؤاله قال: من رأيى أن نحاكمه على جرائمه التى ارتكبها فى حق مصر وفى حق فلسطين.. قلت: فى رأيى أنه مهما كانت جرائم الملك, فإننا لا يجب أن نحاكمه أو نسجنه.. لنتركه يقرر مصيره, ونلتفت نحن إلى مستقبل البلاد.. صاح صلاح سالم: لا يجوز أن نترك الملك حرا.. وقال آخر – لم يذكر اسمه – إن ثورتنا بيضاء, ولا يجب أن تتلوث بدماء أحد حتى لو كان الملك.. عاد جمال سالم يصرخ: تذكروا شهداء فلسطين.. تذكروا أن عليكم الانتقام لهم.. قلت فى حدة: يا جمال لقد قلت لك أننى لا أهتم بمعاقبة فاروق.. لكن اهتمامى الآن بمستقبل مصر.. إمتد النقاش إلى ما بعد منتصف الليل دون أن نصل إلى نتيجة"

للحكاية بقية.. فقط أردت أن أضع خطوطا تحت بعض ما جاء فيها.. لأن كاتب المذكرات ذكر أنه سافر للإسكندرية يوم 25 يوليو, مع من ذكرهم لتقديم إنذار الرحيل للملك.. وذكر أن العملية تأجلت لليوم التالى لإراحة الجنود بناء على طلب "زكريا محيى الدين".. حدث كل ذلك قبل حسم مصير الملك الذى سيطلبون منه الرحيل!!.. ويقدم "محمد نجييب" نفسه على أنه كان حاسما وردع "جمال سالم" ثم أوضح اهتمامه بمستقبل مصر على مصير فاروق.. لكن الأمر لم يتم حسمه.

قرر هنا "قائد الثورة" – كما يزعمون – ممارسة الديمقراطية!

إستطرد قائلا: "فجأة لاح لى خاطر.. سرعان ما اعلنت عنه.. قلت: أننا نشكل نصف أعضاء مجلس القيادة, وفى مثل هذا القرار الخطير.. يجب أن نأخذ رأى الجميع.. قال جمال سالم: ماذا تقصد بالضبط؟.. قلت: عليك أن تأخذ الطائرة وتسافر إلى القاهرة, وتعرض الأمر على جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وعبد اللطيف البغدادى وكمال الدين حسين, وتعود لنا برأيهم.. قال: ولماذا لا نسألهم بالتليفون؟.. قلت: لأن ذلك مستحيل فى هذه الظروف.. توكل على الله.. سافر جمال سالم وعاد ليسلمنا رسالة من جمال عبد الناصر تقول: إن حركة التحرر يجب أن تتخلص من فاروق بأسرع ما يمكن, لكى نتفرغ إلى ماهو أهم وهو القضاء على الفساد.. ويجب أن نمهد الطريق لعهد جديد يتمتع فيه الناس بالحرية والكرامة والعدل.. نحن لا يجب أن نضع فاروق أمام محكمة, ولا نضعه فى السجن ونشغل أنفسنا بالخطا والصواب وننسى أغراض الثورة.. دعنا نترك فاروق يذهب إلى المنفى, ونترك التاريخ يحكم عليه بالموت"

طبعا لك أن تتخيل "قائد ثورة" يسافر إلى الإسكندرية مع رفاقه, لعزل ملك كان يحكم البلاد بالوراثة إمتدادا لأسرة كانت تحكم مصر لأكثر من 150 سنة.. دون أن يكون قد حسم مسبقا معهم مصير هذا الملك!!.. ولك أن تتخيل "قائد ثورة" أو انقلاب يناقش القرارات الحاسمة بهذه الطريقة خلال ساعات شديدة الخطورة.. وإذا كان "جمال سالم" قد سافر لاستطلاع رأى أربعة.. فلماذا عاد برسالة من "جمال عبد الناصر" فقط, دون ذكر رأى الآخرين أو الإشارة إلى ذلك!! إطرح ما شئت من أسئلة.. إقرأ.. إبحث لتعرف وتفهم التاريخ.. وإن كنت لا تملك وقتا, فيجب أن أن تتأكد من أن الذين يمارسون "البورنو السياسى" لا علاقة لهم بالتاريخ, لأنهم يستخدمون التاريخ على أنه "تاكسى أجرة" لتوصيلهم إلى بلاط حاكم ينتظرون عطاياه!!

يستكمل "محمد نجيب" روايته للأحداث – شهادته – فيسرد قصص أخرى مسلية للأطفال.. ثم يقدم نص الإنذار الأخير للملك.. وفيه: "من الفريق أركان حرب نجيب.. باسم ضباط الجيش ورجاله.. إلى جلالة الملك.. نظرا لما لاقته البلاد فى العهد الأخير من فوضى شاملة عمت جميع المرافق نتيجة سوء تصرفكم وعبثكم بالدستور.. وامتهانكم لإرادة الشعب, حتى أصبح كل فرد لا يطمئن على حياته أو ماله أو كرامته.. ولقد ساءت سمعة مصر بين شعوب العالم, من تماديكم فى هذا المسلك.. حتى أصبح الخونة يجدون فى ضلكم الحماية والأمن والثراء الفاحش والإسراف الماجن, على حساب الشعب الجائع الفقير.. ولقد تجلت آية ذلك فى حرب فلسطين, وما تبعها من فضائح الأسلحة الفاسدة وما ترتب عليها من محاكمات لتدخلكم السافر بما أفسد الحقائق وزعزع الثقة فى العدالة.. وساعد الخونة فأثرى من أثرى.. وفجر من فجر.. وكيف لا والناس على دين ملوكهم.. لذلك فوضنى الجيش الممثل لقوة الشعب أن أطلب من جلالتكم التنازل عن العرش لسمو ولى عهدكم الأمير أحمد فؤاد على أن يتم ذلك فى موعد غايته الساعة الثانية عشرة من ظهر اليوم.. السبت الموافق 26 يوليو 1952 ومغادرة البلاد قبل السادسة من مساء اليوم نفسه.. والجيش يحمل جلالتكم كل ما يترتب على عدم النزول على رغبة الشعب من نتائج"

هنا سنجد أن "اللواء" أصبح "فريق أركان حرب" كيف.. ولماذا؟!

لم يذكر "محمد نجيب" شيئا ولم يوضح الأمر فى مذكراته.. دعنا من ذلك لأن كاتب المذكرات بخياله السينمائى, شاء مواصلة العبث بالتاريخ والزعم بأن الملك قبل الإنذار, ووضع شروطا لتوقيع وثيقة التنازل عن العرش.. والحقيقة أن الملك وافق على الإنذار, ووقع على الوثيقة التى صاغها الدكتور "عبد الرازق السنهورى" رئيس مجلس الدولة و"سليمان حافظ" وكيل المجلس.. وكان نصها كالآتى: "أمر ملكى رقم 65 لسنة 1952.. نحن فاروق الأول ملك مصر والسودان.. لما كنا نتطلب الخير دائما لأمتنا ونبغى سعادتها ورقيها.. ولما كنا نرغب رغبة أكيدة فى تجنب البلاد المصاعب التى تواجهها فى هذه الظروف الدقيقة.. ونزولا على إرادة الشعب.. قررنا النزول عن العرش لولى عهدنا الأمير أحمد فؤاد, وأصدرنا أمرنا بهذا إلى حضرة صاحب المقام الرفيع على ماهر باشا رئيس مجلس الوزراء للعمل بمقتضاه"

وقع "فاروق" على التنازل عن العرش "نزولا" على إرادة الشعب, ثم يقولون لك أن ما حدث فى 23 يوليو 1952 إنقلاب!

قدم "محمد نجيب" الإنذار حاملا رتبة "الفريق" دون أن يذكر من أعطاه هذه الرتبة.. كما أعلن البيان الأول للحركة المباركة, بصفته القائد العام للقوات المسلحة.. دون أن يذكر من نصبه قائدا عاما!

صاغ الدكتور "عبد الرازق السنهورى" رئيس مجلس الدولة وثيقة التنازل عن العرش ومعه وكيل مجلس الدولة.. ثم يقولون لك أن ما حدث كان انقلاب عسكرى.

غادر "فاروق" مصر على ظهر الباخرة "المحروسة" مكرما, وليس بأسلوب ضباط من "البلطجية" كما ذكر القائم بالأعمال البريطانى فى مصر.. ثم يحدثونك عن ضباط كان هدفهم السلطة, ونهبوا البلاد كما هدموا "ديمقراطيتهم" التى يتباكون عليها, و"ليبراليتهم" التى يحلمون بعودتها وتسمح بالغنى الفاحش بقدر ما تصنع الفقر المدقع!!

هنا يجب أن نسأل أنفسنا.. هل حكايات "محمد نجيب" صحيحة؟! الإجابة سنأخذها على لسان – وبقلم – "أنور السادات" رئيس مصر بعد "عبد الناصر" الذى كشف سر وضع "أول رئيس لمصر" كعنوان للانقلاب أو الحركة المباركة أو الثورة.. قل فيها ما شئت.. لكن لا تمارس الكذب على التاريخ.. يتبع


التعليقات (0)