نصر القفاص يكتب : بوابات الأموال القذرة!! 8 الكلب المحظوظ !!

profile
نصر القفاص كاتب وإعلامي
  • clock 30 مايو 2021, 2:45:33 ص
  • eye 1933
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

واضح أن الضحك من "النكتة" أصبح موضة قديمة!

هناك وقائع تجعلك تضحك وتصرخ فى الوقت نفسه

فى عالم "أوف شور" واحدة من هذه الوقائع.. نشرتها الصحف وتناولها الساسة وخبراء الاقتصاد تعليقا وتحليلا عام 2003.. إكتشف بنك "رويال اسكتلندا" أنه منح بطاقة ائتمان ذهبية, بحد أقصى عشرة آلاف إسترلينى كهدية لأحد عملائه واسمه "مونتى سليتر" فى إنجلترا.. إتضح فيما بعد لإدارة البنك أن المدعو "مونتى" هو كلب صينى من فصيلة "شيتزو"!!

"الأثرياء الجدد" الذين يسرقون الشعوب, وجدوا من يزين لهم نهبهم.. خبراء اقتصاد ورجال سياسة خلقوا مبررا يدافعون به عن هؤلاء اللصوص.. أصبحوا يسمون هذا المال الفاسد "أنشطة اقتصادية" ويقدمونهم للمجتمع على أنهم "مستثمرون"! ففى فبراير عام 2003 كتب "فيل جرام" وكان سيناتور جمهورى يمثل "تكساس" ثم أصبح نائبا لرئيس مجلس إدارة بنك (يو بى اس) السويسرى.. رسالة إلى "جون سنو" وزير الخزانة الأمريكى.. كانت كلها احتجاج واعتراض على خطط زيادة الشفافية المالية الدولية, التى كانت - لاحظ كانت - مطروحة فى هذا الوقت.. وشرح أن ذلك قد يؤدى إلى ضغط يمنع تدفق الأموال من الدول النامية.. ووصف فى رسالته الشعوب المنهوبة بأنهم أغبياء لم يجدوا فرصة فساد!!

تلك وقائع واكبت صدور كتاب "مصرفيو الدماء" الذى لاقى رواجا كبيرا فى الغرب.. ومؤلفه هو "جيم هنرى" أحد أهم الاقتصاديين, الذين لاحظوا قيام المصرفيين بإقراض دول بعينها مالغ تفوق قدراتها.. وهؤلاء يقومون بتعليم عدد من أبناء هذه الدول, كيفية نهب ثروات بلادهم ثم تهريبها إلى بنوك " أوف شور" لغسلها.. والمذهل أن "البنك الدولى" يعلم ذلك.. بل يرعاه.. للضغط على الدول لفتح أسواقها أمام رأس المال الأجنبى.. وسرد قصة مصرفى أمريكى شارك فى مراجعة حسابات "بنك الفلبين المركزى" عام 1983.. إكتشف الرجل اختفاء خمسة مليارات دولار من دفاتر البنك.. واندهش حين عرف أنها قيمة قروض تم منحها للفلبين, كان يتم تحويلها على أرقام حسابات بنوك "أوف شور"!! حين صارح المصرفى الأمريكى مسئولو البنك المركوى بهذه الكارثة.. إستيقظ فى اليوم التالى ليجد إفطارا فخيما تناوله, ثم اتجه للمطار مسافرا إلى "اليابان" حسب برنامج رحلته.. على متن الطائرة أصابته تشنجات, وتم نقله بمجرد وصوله إلى المستشفى قضى فيها ثلاثة أيام.. ومات.. المفاجأة أنه كان قد أبلغ زملاءه فى بنك الاحتياط الفيدرالى فى "نيويورك" بما رصده.. تكتموا على المعلومات, وتقرير الأطباء أنه مات مسموما لأن "الفلبين" كانت تدفع قيمة خدمة الديون - الفوائد - بانتظام.. وكانوا يعلمون أن 3,6 مليار دولار من الخمسة مليار, ذهبت إلى حسابات رئيس "الفلبين" الأسبق "فرديناند ماركوس"!

فى الكتاب نفسه أوضح "جيم هنرى" أن نصف الأموال التى اقترضتها الدول المديونة تدفقت إلى الخارج عبر نظام "أوف شور" وأكد أن ديون العالم الثالث ذهبت إلى الملاذات امنة فى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.. وكشف عن أن قيمة ثروات "رجال المال" فى كل من المكسيك والأرجنتين وفنزويلا تعادل أضعاف ديون هذه الدول.. ثم أكد على  أن 1% من أسر القمة فى الدول المنهوبة, تمتلك ما بين 70% و90% من ثروات هذه الدول وعقاراتها.. وذلك جعل الرئيس المكسيكى "خوسيه بورتللو" يقول لشعبه فى خطاب جماهيرى: "الطاعون المالى تنقله فئران خونة تسببوا فى إفقار شعبنا وتدمير صناعتنا, وقاموا بتهريب الأموال التى نهبوها إلى دول عظمى كانت ومازالت تنهبنا.. ثم أقسم أنه سيتجاهل صندول النقد الدولى, ويعلن تأميم البنوك لتقييد تحويل العملة"!! حدث ذلك عام 1983.. دوت صافرات الإنذار فى عالم "أوف شور" وضغط عليه رعاة اللصوص, فتراجع عما كان ينوى فعله خلال عشرة أيام!! لأن أثرياء بلاده كانوا قد سيطروا على السياسة والاقتصاد فعلا, وبعضهم سيطر على بنوك مهمة بشكل مباشر.. فهم "حيتان" يملكون سندات وصكوك فيما يسمى "صناديق الجوارح الضارية" التى تحتوى على أموال ديون سيادية إشتراها مستثمرين!!

يعلم "صندوق النقد الدولى" تفاصيل كل ذلك.. تقاريره تؤكد أن الفاسدين فى الدول النامية أصبحوا فوق القانون فى بلادهم!! لأن أموالهم تم تهريبها للخارج, وهم يلاعبون حكام هذه الدول أو يلعبون معهم!! وهؤلاء لا ينسون درسا غير مسموح بتكراره.. يحدثنا عنه "نيكولاس شاكسون" مؤلف كتاب "مافيا الأموال المنهوبة" فيشير إلى أن تجربة مصر - عبد الناصر - بتأميم "قناة السويس" ثم الاعتماد على القدرات الاقتصادية الذاتية, بعثرت أوراق الاستعمار القديم وتسببت فى هدم إمبراطوريتى هذا الزمن.. لذلك لا تسمح الولايات المتحدة وبريطانيا وتلك المؤسسات الدولية بعودة هذا النموذج أو حتى ما يشبهه!!

إنتهى الاستعمار القديم.. وعاد عبر بوابات "الأوف شور"

تشرح قصة "جايدا ماك" تفاصيلا كثيرة.. فهذا كان مواطنا فى "الاتحاد السوفيتى" وغادره عام 1972 - كان عمره عشرون عاما - إتجه إلى إسرايل باعتباره يهودى الديانة.. حاول أن يعمل ويحقق طموحات مدفونة داخله.. صادفه فشلا ذريعا دفعه إلى الاتجاه نحو فرنسا.. فتح هناك مكتب ترجمة لتلبية طلبات الوفود السوفيتية, ثم أصبح محل ثقة عدد كبير منهم.. كان يطلع على تفاصيل كثيرة بحكم عمله.. اطلع على علاقة قادة "أنجولا" بالسوفييت.. قرر أن يذهب هناك.. تقرب من مسئولين وساسة فى هذه الدولة الإفريقية التى اشتم فيها رائحة ثروة يمكن أن يحققها ويحلم بها.. رصد صراع الغرب لاستعادة السيطرة على الدول الإفريقية, خاصة إذا كانت غنية بالنفظ كما "أنجولا".. كانت أهم أوراق الغرب هى تفجير تلك المجتمعات من الداخل.. إنهار الاتحاد السوفيتى" فتسارعت خطى السيطرة على الدول التى كانت تابعة لنفوذه.. إنفجرت حربا داخلية فى "أنجولا".. ظهر على المسرح "جايدا ماك" الذى توسط للحكومة فى صفقات سلاح من فرنسا.. نجحت محاولاته ودخل طرفا فى لعبة اسمها "النفط مقابل الغذاء" إخترعها الغرب بدعوى فرض عقوبات على دولة ما - كما حدث فى العراق قبل تدميره وتركيعه - تحول المواطن السوفيتى السابق, إلى "رجل أنجولا" الموثوق به فى موسكو!! كان قد أصبح شديد الثراء وخبيرا فى عمليات غسيل الأموال.. عرف أن "أنجولا" كانت مديونة لروسيا بمبلغ 6 مليار دولار - ستة مليارات - أقحم نفسه فيما يسمى بصفقة إعادة هيكلة ديون "أنجولا" ونجح فى تخفيض قيمة الدين إلى 1,5 مليار دولار.. تم تقسيم الدين الجديد على 30 كمبيالة تسددها "أنجولا" على شكل نفظ لروسيا.. وقام بتأسيس شركة تقوم بالتنفيذ فى "جنيف" وصادفه حظ عاثر.. فقد تدخل قاض سويسرى كان ينظر قضية خاصة به, بعد ملاحظة تدفقات مالية ببملايين الدولارات إلى حساباته.. وتحويلات منه إلى مسئول أنجولى كبير, وكذلك تحويلات إلى مسئول روسى كبير.. واكتشف رائحة قذرة فيما يحدث.. كاد الأمر يخلق فضيحة دولية.. تم الإعلان عن ترقية القاضى السويسرى, وتولى القضية آخر سمح باستمرار العملية باعتبار أنه لا توجد شكوى من أنجولا أو روسيا!!

عشرات أو مئات الحالات والقصص.. معلومة لدول الاستعمار الجديد

يكشف ذلك تقريرا صدر عن منظمة "النزاهة المالية الدولية" صدر فى شهر مارس عام 2010 أن حجم الأموال التى تم نهبها من دول إفريقيا ما بين عام 1970 وعام 2008 يصل إلى 854 مليار دولار فى تقدير منخفض, وفى تقدير آخر يقفز الرقم إلى ترليون وثمانمائة مليار دولار!! وكل هذه الأموال خرجت واختفت "أوف شور" ثم يظهر علينا قادة الدول الاستعمارية, يرتدون مسوح الرهبان ويعلنون إسقاط جزء من ديون هذه الدولةأو تلك من الدول المنهوبة.. لتبدأ دورة جديدة من النهب, بدفع هؤلاء على تشجيع الاستثمار وتهيئة المناخ للمستثمرين!! لذلك يقول "رايموند بيكر" مدير منظمة النزاهة: "إن نظام الأوف شور هو الفصل الأكثر قبحا فى التاريخ بعد تجارة العبيد"!!

الاستعمار الجديد ينفذه "رجال مال" وجيوشهم, فيها ساسة ومحاسبين ومحامين وصحفيين وفنانين و"فاتنات" يطلقون عليهن "سيدات أعمال" وأولئك يتم دفعهم إلى واجهة المجتمع.. ستجدهم قادرين على تزييف الحقائق.. تزوير تاريخ الدول.. تشكيك الشعوب فى قدراتها.. يجعلون أبنا الأمة الواحدة, لا يكفون عن سب أنفسهم.. تسمع منهم دائئما الإدانة للشعب الجاهل.. يدافعون عن النظام.. أى نظام.. طالما أن الأموال تدخل حساباتهم, وأنهم يتمتعون بالوجاهة.. ستجدهم يسخرون من الديمقراطية, ويعتبرونها سبب بلاء الدنيا.. يدمرون الثقافة بإحكام السيطرة على الإعلام.. يمرحون إذا كانت الشعوب التى يمصون دماءها وأموالها, تدور حول نفسها بحثا عن "لقمة العيش"!!

فى مجتمع "الأوف شور" ستسمع كلمة "طظ" التى كان "محجوب عبد الدايم" فى رواية "نجيب محفوظ" الشهيرة دائم ترديدها!! هم لا يكفون عن قول "طظ" للقيم والأخلاق والقانون والثقافة.. يدعونك أن تلتفت لنفسك, ولا تشغل بالك بما يدور حولك.. تفرغ فقط للبحث عن "لقمة العيش" ولو خرجت من هذه الدائرة.. فأنت خائن.. جاهل.. فاسد.. إلى آخر قوائم سابقة الإعداد والتجهيز فى عواصم دول الاستعمار الجديد.. لأن رجال هذا الاستعمار من أمثال "جايدا ماك" الذى نهب أموال "أنجولا" يدورون فى فلك "رجال مال" ويفاخرون بأنهم خدم فى بلاطهم!!

حين يتم تجنيدك لتخدم أهداف "أوف شور" ستتمتع بالحماية.. القانون الدولى يحميك عبر مؤسسات وهيئات دولية, لأن المواطن فى هذا المجتمع له حقوق يدافع عنها الذين يرفعون رايات "ديمقراطية" تختلف عن "الديمقراطية" التى اختاروها للدول التى شاءوا أن يجعلوها "أوف شور"!!

يحدث ذلك برعاية ما يسمى بالشركات متعددة الجنسيات, وكانت على أرض مصر واحدة من أكبر وأخطر هذه الشركات.. إسمها "شركة قناة السويس" وهى فى الحقيقة كانت دولة قائمة بذاتها داخل الدولة.. لا نفوذ لملك أو وزارة عليها, بل أن رئيسها كان يستطيع مباغتة الملك "فاروق" بزيارة فى الوقت الذى يراه ودون سابق موعد.. فهو يلتقى رئيس وزراء بريطانيا وفرنسا فقط.. تلك حكاية تفرض نفسها, وتفرض علينا أن نفتح ملف هذه الشركة التى كانت تدير وكنا وترفض أن يديرها الوطن!!.. يتبع

التعليقات (0)